نتائج الانتخابات الإسرائيلية وسيناريوهات تشكيل الحكومة

اعداد : د. حنان أبوسكين – أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مصر

 

تعد انتخابات الكنيست  الثانى والعشرين التى أجريت فى 17 من سبتمبر الجارى هى الثانية فى إسرائيل خلال الخمس أشهر الأخيرة، فقد حل الكنسيت الحادى والعشرين نفسه بعد ما يقرب من شهر ونصف فقط من انتخابه وتمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة إثر الأزمة السياسية التى شهدتها إسرائيل بعد انتخابات 9 إبريل 2019 وفشل نتنياهو رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الائتلافية بعدما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود[1]، وتفاقم الخلاف حول قانون تجنيد الحريديم حيث تمسك ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا الذى يمثل التيار العلمانى بموقفه للحد من الإعفاءات التي تمنح لطلاب المدارس الدينية اليهودية من الخدمة العسكرية وإلزام الحريديم بالتجنيد مثل كل الشبان الإسرائيليين، بينما أصرت الأحزاب الدينية على الإعفاء من التجنيد  لأنهم منشغلون فى تعلم التوراة  وهذه مهمة سامية ومقدسة وأهم من الخدمة العسكرية بالنسبة لليهود وفقاً لرأى الحريديم، ونتيجة لذلك صوت 74 عضواً فى الكنيست على حله يوم 29 مايو 2019 بعد الفشل فى تشكيل الحكومة. مما يطرح التساؤلات بشأن نتائج الانتخابات الجديدة، وكيف نفسرها ؟، وما السيناريوهات المطروحة لتشكيل الحكومة؟ ، وذلك كما يلى:

أولاً : النتائج شبه النهائية للانتخابات

استيقظ الإسرائيليون بعد يوم من التصويت فى الانتخابات البرلمانية الثانية على صورة غير مؤكدة  لمن سيخلف رئيس الوزراء. فقد كان من الصعب التنبؤ بما ستأتى به وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية بعد فرز 98% من الأصوات أن حزب أزرق أبيض (كاحول لفان) حصل على (33) مقعدًا، والليكود (31) مقعداً، والقائمة المشتركة (13) مقعداً. وجاء حزب شاس الذى فى المكان الرابع (9)، ويسرائيل بيتينو( 8) مقاعد، وياهدوت هتوراه( 8) مقاعد، أما حزب ياميناً الذى يضم  كل من حزب اليمين الجديد برئاسة إيليت شاكيد بعد تنازل نفتالى بينت لها لمنعها من ترك الحزب والبيت اليهودى والاتحاد القومى فحصل على ( 7) مقاعد، والعمل -جيشر (6) مقاعد، والمعسكر الديمقراطى الذى يضم حزب إسرائيل ديمقراطيه الذى أسسه مؤخراً رئيس الوزراء السابق إيهود باراك وحزب ميرتس اليسارى(5) مقاعد. ولم يتجاوز حزب عوتسما يهوديت الدينى المتطرف نسبة الحسم[2].

ألقت تلك النتائج بحالة من الضبابية واللايقين على المشهد الإسرائيلى فى الداخل فهى غير حاسمة ولا ترجح من الفائز بشكل واضح فى ضوء التقارب الشديد بين الحزبين الكبيرين المتنافسين الليكود وأزرق ابيض، مما ينعكس على مفاوضات تشكيل الحكومة. يمكن قراءة عدة استنتاجات من تلك النتائج على النحو الآتى:

  • الانقسام الواضح داخل المجمتع الإسرائيلى وكأن كل جماعة صوتت للحزب الذى يمثلها، فالليكود حزب يمينى قومى ليبرالى علمانى يصوت له أطياف متعددة من الإسرائيلين، وأزرق أبيض يمين وسط علمانى يجمع بين صفوفه ثلاثة من أكبر الجنرالات فى إسرائيل هم بينى جانتس رئيس الأركان الأسبق وقاد العدوان الإسرائيلى على غزة فى 2014 وموشيه يعلون وزير الدفاع الأسبق، وغابى أشكنازى رئيس الأركان الأسبق، أما القائمة المشتركة بقيادة أيمن عودة فتمثل المجتمع العربى فى داخل إسرائيل وهى تحالف أبعة أحزاب هى : الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة (حداش)، والحركة العربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة، وحزب التجمع الوطنى الديمقراطى( بلد)[3]، وحزب شاس يصوت له الحريديم السفارديم وهم اليهود الأرثوذكس المتدينين، وحزب يهودوت هتوراه فجمهوره الحريديم الأشكناز، بينما إسرائيل بيتنا بقيادة أفيجدور ليبرمان فهو علمانى متشدد ويصوت له اليهود من أصول روسية وله شعبية واسعة بين المستوطنين، وتحالف أحزاب يميناً يصوت له أيضاً اليهود المتدينين، فى حين أن اليسار العلمانى يصوت للعمل- جيشر والمعسكر الديمقراطى.
  • مجموع مقاعد أحزاب اليمين بدون إسرائيل بيتنا الذى لا يرغب فى التحالف مع الأحزاب الدينية ( الليكود، وشاس، ويهودت هتوراه، ويمينا) يساوى 55 مقعداً ، أما كتلة الوسط واليساروتشمل ( أزرق أبيض، والقائمة المشتركة، والعمل – جيشر، والمعسكر الديمقراطى) مجموعها 57 مقعداً علماً بأن الأغلبية المطلوبة فى الكنسيت لمنح الثقة للحكومة هى 61 مقعداً.
  • تراجع تمثيل الليكود ( من 35 فى انتخابات إبريل إلى 31 مقعداً فى سبتمبر) قد يفسر ذلك اقتراب موعد جلسة الاستماع لنتنياهو فى إكتوبر بسبب اتهامات الفساد الموجهة له، وكثافة مشاركة عرب 48، بالإضافة إلى الخوف الذى سيطر على المستوطنين فى غلاف غزة جراء الصواريخ التى أطلقت رداً على التصعيد الإسرائيلى الذى قام به نتنياهو قبيل الانتخابات رغم أنها كانت معاقل راسخة لحزب الليكود، فمشهد هروب نتنياهو من الفعالية الانتخابية التى كانت تجرى فى عسقلان لحظة انطلاق صفارات الإنذار بعد إطلاق صواريخ من غزة، رسخ العجز والضعف اللذين سيطرا عليه خلال السنوات الأخيرة فى التعامل مع صواريخ غزة[4].
  • الرسالة الواضحة من كثافة التصويت للقائمة المشتركة وهى تجمع الأحزاب العربية الممثلة لعرب 48″ لقد جعلنا نتنياهو يسقط” ويبدو أن نتنياهو ساهم عن غير قصد في هذا التحول من خلال الإدعاءات المتكررة حول تزوير الناخبين في المدن العربية والجهود المبذولة لتشجيع الناشطين اليمينيين على التصوير فى مراكز الاقتراع ، التى ينظر إليها على أنها حملة تخويف[5]. وبالنسبة لمعظم تاريخ إسرائيل البالغ 71 عامًا كانت الأحزاب العربية محدودة التأثير وتجنبتها الأحزاب اليهودية كشركاء في الائتلاف لأنها تعارض فكرة الدولة اليهودية[6]ويدافعون عن الحقوق الفلسطينية المشروعة.
  • ارتفع تمثيل حزب إسرائيل بيتنا من ( 5 فى انتخابات إبريل إلى 8 مقاعد فى انتخابات سبتمبر) وقد يفسر ذلك ارتفاع شعبية ليبرمان بوصفه حامى هوية إسرائيل العلمانية فى مواجهة اليهود المتدينيين وسعيهم لإحكام قبضتهم على مختلف مناحى الحياة العامة.
  • تحسن تمثيل اتحاد أحزاب اليمين( من 5 فى انتخابات إبريل إلى 7 مقاعد فى سبتمبر) وقد يفسر ذلك باختيار قيادة جديدة للحزب هى إيليت شاكيد والتى استعادت شعبيتها بين ناخبى اليمين.
  • الفوز الباهت لإيهود باراك رئيس الوزراء الأسبق( 5 مقاعد فقط للمعسكر الديمقراطى فى انتخابات سبتمبر) والذى هزم نتنياهو من قبل فى انتخابات عام 1999، وقد صاحبت عودته للحياة السياسية ضجة إعلامية بعد تأسيسه لحزب إسرائيل ديمقراطية وتحالفه مع ميرتس بهدف الإطاحة بنتنياهو ومعه الأحزاب اليمينية المتطرفة واتهم نتنياهو بتعطيل المسيرة السياسية لإسرائيل ودفع البلاد إلى الفوضى لتأمين نفسه من المحاسبة.

سيناريوهات تشكيل الحكومة:

  • السيناريو الأول تكليف بينى جانتس :

إذا حصل جانتس على تفويض من الرئيس رؤفين ريفيلين لمحاولة تشكيل ائتلاف فلن يكون قادرًا على تشكيله مع القائمة المشتركة لأن الشارع اليهودى قد لا يرحب بهذا التحالف، نظراً لعدم اعتراف أعضاء القائمة المشتركة بالخطوط العريضة التى تمثل مقومات للدولة الإسرائيلية وصعوبة توليهم حقائب وزارية فى دولة الاحتلال[7]. ولكن قد يحقق جانتس بعض المكاسب لعرب 48 فيما يشبه ما حدث بينهم وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إسحاق رابين (ولايته بين 1992-1995)  مثل مفاوضات حول السلام والحد من التمييز ضدهم أو زيادة ميزانية البلديات العربية وذلك مقابل التوصيه به لتشكيل الحكومة. كما أنه لن يكون قادرًا على ضم ليبرمان واليسار معاً (المعسكر الديمقراطى والعمل – جيشر) إلى نفس الحكومة بسبب رفض ليبرمان لليساريين والسخرية منهم، كما لن تنضم الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة  التى تنضم أحيانًا إلى الوسط دون تنازلات كبيرة من ليبرمان وشريك جانتس العلمانى يائير لابيد الرافض لانضمام الأحزاب الدينية تماماً[8].

  • السيناريو الثانى تكليف نتنياهو

وقع كل من نتنياهو ورئيس حزب يهدوت هتوراة يعقوب ليتسمان، وقائد حزب شاس ارييه درعي؛ وقادة تحالف يمينا أييليت شاكيد ونفتالى بينيت ورافي بيرتس وبتسلئيل سموتريتش على تعهد بأن تجرى أحزابهم مفاوضات إئتلافية بشكل مشترك وعدم دخول أى حكومة إلا معاً، ولا يقوم أى حزب بإجراء مفاوضات منفصلة وترشيح بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة[9]، ومن ثم يصل عدد مقاعد تلك الكتلة55 مقعداً وهى لا تكفى بمفردها لتشكيل إئتلاف حكومى ( مطلوب 61 مقعد) . لكن إذا  اعتبرها رئيس الدولة رؤوفين ريفلين حزباً واحداً قد يمنح  نتنياهو فرصة تشكيل الحكومة المقبلة. فى تلك الحالة، ربما يسعى نتنياهو لضم عمير بيرتس( العمل – جيشر) الذى سبق له رفض التحالف مع إيهود باراك بسبب شرطه بعدم انضمام حزب العمل إلى التحالف مع نتنياهو، مما يعني أن بيرتس لديه نية الانضمام إلى ائتلاف الليكود، لذا قد يلجأ نتنياهو له تفاديًا للتوترات التي قد تنشب فى حال التحالف مع ليبرمان[10].

  • السيناريو الثالث حكومة وحدة وطنية

تجمع بين أزرق أبيض والليكود دون نتنياهو لاتهامه فى قضايا الفساد وتحديد موعد جلسة الاستماع فى أكتوبر. وبالفعل رفض بينى جانتس عرض بنيامين نتنياهو تشكيل حكومة وحدة تضم جميع الأحزاب اليمينية الدينية مصراً على أن يكون هو رئيس وزراء الائتلاف القادم وليس نتنياهو، أن يلتزم الائتلاف بالسياسات الليبرالية بشأن القضايا الدينية[11]. ويتوقف انضمام أحزاب أخرى لتلك الحكومة على مدى قبول الطرفين لها وما تطلبه تلك الأحزاب من وزارات ومخصصات مالية مقابل الانضمام. وإذا ما تشكلت لن تكون الأولى فقد تم تعيين حكومة وحدة فى الثمانينيات حيث كان شيمون بيريز من حزب العمل رئيسًا للوزراء خلال العامين الأولين من 1984، وقادها اسحق شامير من حزب الليكود لمدة عامين آخرين بعد ذلك[12]. ولم يمكنها أن تتفق فيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين مما نتج عنه تعثر فى الشؤون الخارجية[13]، لكنها انسحبت من معظم أراضى لبنان وكانت واحدة من أنجح الحكومات في إسرائيل من حيث السياسة الداخلية وانخفض التضخم.

السيناريو الرابع إجراء انتخابات ثالثة:

رغم أنه يبدو مستبعداً لكن قد يحدث فى حالتين الأولى قيام نتنياهو بحشد الكتل اليمينية والدينية للاتفاق على عدم ترشيح سواه لتشكيل الحكومة، مما يعنى إحداث شلل مبكر في مشاورات تشكيل الحكومة والتلويح بخيار الفوضى، والثانية مغالاة الأحزاب فى مطالبها مثل الميزانية أو الحقائب الوزارية بما يستحيل التوفيق بينها وتفشل المفاوضات[14].

خلاصة القول أن تلك النتائج تعرقل عملياً خطط نتنياهو لتطبيق القانون الإسرائيلى رسمياً على أجزاء من الضفة الغربية والتى تضم غور الأردن، وتقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية من أجل ضمان حصانة لنفسه من المحاكمة بتهم الفساد، ولا تحل التحديات الداخلية لإسرائيل ويظل الغموض يحيط بمستقبل نتنياهو السياسى، ولن تتضح الصورة قبل اختيار الرئيس الإسرائيلى الشخص المكلف بتشكيل الحكومة وعقد مشاورات فعلياً مع الأحزاب لمعرفة حدود مطالبها وإمكانية التنسيق بينها وتلبيتها مقابل الانضمام للائتلاف مما يزيد المشهد السياسى تعقيداً.

المراجع:

[1] – – الكنيست الإسرائيلي يقرر إجراء انتخابات جديدة بعد حل نفسه، 30 مايو 2019

https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2019/05/30/

[2] – Israel election results: Benjamin Netanyahu struggles to retain power, Sep 19, 2019

https://www.jagranjosh.com/current-affairs/israel-election-results-benny-gantz-is-ahead-of-benjamin-netanyahu-1568805583-1

[3] – القائمة العربية المشتركة في الانتخابات الاسرائيلية، 16 سبتمبر 2019

https://www.mc-doualiya.com/articles/20190916-القائمة-العربية-المشتركة-في-الانتخابات-الاسرائيلية

[4] – الأمن والردع في غزة ملفان أطاحا بنتنياهو في انتخابات الكنيست، 20 سبتمبر 2019

https://www.eremnews.com/news/arab-world/1971148

[5] – قانون الكاميرات يتوسط دائرة النقاش في الكنيست الاسرائيلي، 12 سبتمبر 2019

https://palsawa.com/post/224930/قانون-الكاميرات-يتوسط-دائرة-النقاش-في-الكنيست-الاسرائيلي

[6] – An Unlikely Winner in Israel’s Election, SEPTEMBER 18, 2019

https://foreignpolicy.com/2019/09/18/an-unlikely-winner-in-israels-election/

[7] – “قوة ثالثة” هل تلعب “القائمة العربية” دورا بتشكيل الحكومة الإسرائيلية؟، 18 سبتمبر 2019

https://www.alhurra.com/a/الانتخابات-الإسرائيلية-القائمة-العربية-المشتركة-إسرائيل-فلسطين-انتخابات-ليكود-أبيض-أزرق-نتنياهو-بيني-غانتس-ليبرمان-إسرائيل-بيتنا/512766.html

[8] – Sachs, Natan , The End of Netanyahu’s Unchecked Reign, SEPTEMBER 19, 2019

https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2019/09/israel-steps-back-two-brinks/598384/

[9] – غانتس يرفض ائتلاف بقيادة اليمين ويصر على رئاسة حكومة وحدة واسعة، 19 سبتتمبر 2019

http://ar.timesofisrael.com/

[10] – تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة الفرص والتحديات، 18 سبتمبر 2019

http://algiwarpress.com/news/news.aspx?id=9242

[11] – غانتس يرفض ائتلاف بقيادة اليمين ويصر على رئاسة حكومة وحدة واسعة، مرجع سابق

http://ar.timesofisrael.com/

[12] – Analysis Israel Election Results: Netanyahu Clings to Power With Bluff and Bluster – but His Days Are Numbered, Sep 20,2019

https://www.haaretz.com/israel-news/elections/.premium-netanyahu-clings-to-power-with-bluff-and-bluster-but-his-days-are-numbered-1.7866390

[13] – شيمون بيريز، 26 أكتوبر 2018

https://www.dw.com/ar/شيمون-بيريز/t-19078122

[14] – After falling short in Israel’s election, Netanyahu set to confront his legal fate, SEPTEMBER 19, 2019

https://www.nbcnews.com/news/world/after-falling-short-israel-s-election-netanyahu-set-confront-his-n1056241

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=62576

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M