بديل البديل: فرص وتحديات المواطنة لدى المجتمع المدني غير التقليدي في دول الخليج العربية

بدر النعيمي

تختلف طرق مشاركة المواطنين في الحياة العامة بين دولة وأخرى حسب ظروف تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي، إلا أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تتميز بضيق سبل المشاركة الرسمية، إلى حدود متفاوتة، فمنها أنظمة أكثر انفتاحاً أمام المواطنين مثل الكويت ومنها ما هو أقل انفتاحاً مثل قطر. ومن هذا المنطلق أصبح للمجتمع المدني في دول الخليج أهمية كبرى كإطار بديل عن آليات المشاركة السياسية الرسمية وقد يكون في الكثير من الأحيان الوسيلة الرئيسية أمام المواطنين للتأثير، وإن بشكلٍ محدود أحياناً، على الدولة والمجتمع.

وتغلب الصفة التقليدية على مؤسسات المجتمع المدني في الدول التي تسمح بتأسيس هذا النوع من المنظمات، وهي صيغة أصبحت غير مرغوبة لدى الأجيال الشابة أو ما يمكن أن نسميه بجيل “الربيع العربي”، لأسباب عديدة بعضها يتصل بظروف تلك المؤسسات الذاتية من حيث تقدم سن المتحكمين في مفاصلها وعدم تشجيعهم للشباب للانخراط في التجمع بشكل فاعل، أو لأسباب موضوعية تفرضها البيئة التشريعية والإجرائية التي تحكم تأسيس هذا النوع من المنظمات الأهلية.[1]

كلا الظرفين أديا إلى نشوء بديل آخر عن نمط الجمعيات التقليدية كردة فعل تطمح للاستقلال عن المجتمع المدني التقليدي المتمثل في التجمعات الرسمية المرخصة، لا سيما تلك التي يعود تاريخها إلى عقود من الزمن، مثل الجمعيات المهنية والجمعيات الخيرية وجمعيات التكافل الاجتماعي والجمعيات النسائية والدعوية، بالإضافة إلى النقابات العمالية والتيارات السياسية. إذاً فالتجمعات غير التقليدية نشأت بمنأى عن هذه التجمعات التقليدية، وهي بالضرورة تجمعات جديدة على الساحة لم تستمر فترة طويلة، حيث أنشئ أغلبها خلال العشر سنوات الماضية. وما يميزها أيضاً عن التجمعات التقليدية هو تبنيها أساليب تنظيمية مغايرة مثل الجماعات غير المرخصة أو المنصات الإلكترونية، كما أنها حريصة جداً على المحافظة على استقلاليتها عن الدولة والمجتمع في آن واحد.

ومنذ اندلاع الربيع العربي على وجه الخصوص ظهرت التجمعات غير التقليدية كظاهرة في دول الخليج العربية، انطلاقاً من رغبة “جيل الربيع العربي” في خلق بديل مناسب يستطيع عبره أن يتعامل مع المتغيرات السياسية وهشاشة هامش الحرية، وهو يرى في هذا البديل طريقة للعمل وفق قواعد اللعبة السياسية وفي الوقت نفسه طريقة لتغييرها إلى الأفضل، ليؤكد من خلالها على ممارسة المواطنة كبديل عن ممارسة التبعية والبقاء على الهامش.

تهتم هذه الورقة بمناقشة مفهوم المواطنة وكيفية فهمه في سياقنا الخليجي، فالورقة تدعو إلى النظر إلى المواطنة ليس كحالة قانونية أو كواجبات وحقوق للمواطنين الأفراد، وإنما كممارسات جماعية مستمرة ذات أبعاد سياسية تمس المجتمع بأكمله، وتؤدي إلى شيء من الشد والجذب بين ما هو مسموح وما هو غير مسموح في نظام المواطنة القائم الذي يحد من إمكانيات المواطنين من المشاركة في الشأن العام، والمجتمع المدني هو الوسيلة التي يمكن من خلالها تفعيل هذه العملية. إلا أنه من المهم الإشارة إلى العوائق والعيوب التي تشوب هذه الوسيلة في ظل نظام سياسي غير منفتح.

فرص المجتمع المدني في ترسيخ المواطنة

ظهر الاهتمام الأكاديمي والسياسي بدور المجتمع المدني عالمياً بنهاية ثمانينات القرن المنصرم وتبلورت معه “نظرية المجتمع المدني” التي ترى في المجتمع المدني الوسيلة الأنسب لترسيخ وتنمية الديقمراطية في الدول النامية،[2] حتى أصبح المجتمع المدني مدرجاً ضمن أجندات الحكومات الخليجية التنموية، فاهتمت بشكل كبير في تنمية القطاع ضمن محاولاتها لتحديث الدولة في التسعينات والألفية الجديدة، كما نتج عن ذلك الاهتمام خلق الحكومات لمؤسسات المجتمع المدني الحكومية أو ما يعرف بالـ GONGOs. وعلى الرغم من أن غرضها هو اختراق السلطة للمجال المدني بقالب مختلف، فاهتمام الحكومات بتأسيسها هذا من الأساس دليل على أهمية المجتمع المدني في التفاعلات بين المجتمع والدولة.

في المقابل، لعب المجتمع المدني دوراً فاعلاً في أحداث الربيع العربي كأحد الوسائل التي عبرت من خلالها الكثير من المجاميع عن تطلعاتها لصياغة عقد جديد مع الدولة، يؤسس لنمط جديد من المواطنة قائم على أسس متساوية وأكثر شمولاً،[3] وهذا ما يبدو واضحاً من خلال ملاحظة كثرة استخدام مفهوم المواطنة في أنشطة تلك المجاميع وخطابها.[4]

إذاً فالمجتمع المدني هو وسيلة من بين وسائل متعددة أمام المواطنين ليمارسوا مواطنتهم، إلا أن طبيعة النظم السياسية الخليجية حولت المجتمع المدني إلى وسيلة محدودة من حيث العدد والتأثير. فلا يمكن الحديث عن وجود دورٍ مؤثر للانتخابات والمجالس التشريعية في رسم سياسات الدولة إلا في حالات محدودة في الكويت من بين الدول الست، كما لا يمكن الحديث عن أي شكل حقيقي للتفويض أو الموافقة الشعبية على تشكيل الحكومات والأجهزة التنفيذية، وهو ما جعل دور المواطنين في الخليج محصوراً في المشاركة في انتخابات بلدية أو نيابية لمؤسسات تمثيلية محدودة الصلاحيات، بالإضافة إلى لعب دور المتلقي لمبادرات السلطات التنفيذية.

أما بالنسبة إلى الفرص المتاحة أمام المواطن في الخليج ليمارس المواطنة فقد اقتصرت بالأساس على طريقتين: التعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي، والتنظيم على أرض الواقع عن طريق تجمعات المجتمع المدني.[5] والطريقة الثانية (التنظيم في تجمعات المجتمع المدني) هي التي تهمنا في هذه الورقة لأنها تمثل خطوة متقدمة إذا ما أخذنا في الحسبان الظروف السياسية والقانونية في دول الخليج، فهي مؤشر على عدم اكتفاء المواطنين بلعب دور المتفرج والمستقبل لمبادرات الدولة.

على الرغم من اعتماد الدولة الخليجية على مصادر قوة غير مرتبطة بالمجتمع، إلا أنها تستجيب للمجتمع المدني بين الفترة والأخرى عندما تشعر أن الاستجابة ستحقق مصالحها وتمدد سلطتها،[6] وهنا تبرز معضلة المجتمع المدني الخليجي، وهي: كيف يمكن أن يقدم المجتمع المدني نموذجاً للمواطنة يختلف عن الذي تتبناه الدولة؟ فمن النتائج غير المتوقعة لسياسة الحكومات الخليجية في توسيع المجال لتأسيس تجمعات المجتمع المدني منذ الألفية الجديدة ظهور مجتمع المدني طموح يرغب في مشاركة الدولة مسؤولية وضع السياسات العامة،[7] ما خلق هامش للمجتمع المدني لمجادلة ومنافسة الدولة في تعريف مفهوم المواطنة وكيفية ممارستها. وهذا النوع من المجتمع المدني قد يكون مدخلاً لتحقيق نموذجٍ جديد للمواطنة، أقرب إلى التعريف المتفق عليه للمواطنة السياسية القائمة على المشاركة الفعلية لجميع المواطنين في صناعة القرار السياسي.

وفي هذا السياق السياسي، لا بد من النظر إلى المواطنة ليس كحالة قانونية أو كواجبات وحقوق للمواطنين الأفراد، وإنما ينبغي أن ننظر إليها على صعيد المجتمع بأكمله، أي كممارسات جماعية مستمرة ذات أبعاد سياسية. وقد تكون هذه الممارسات اجتماعية أو ثقافية بالدرجة الأولى، ولكنها تحمل في طياتها مدلولات سياسية تؤدي إلى شيء من الشد والجذب بين ما هو مسموح وما هو غير مسموح به في نظام المواطنة القائم، وتطرح من خلال ذلك تساؤلات عامة حول ما يمكن أن يكون، عوضاً عن التركيز على ما هو موجود الآن فقط.[8] إذاً، قيمة هذه الممارسات تكمن في الفرص المستقبلية التي تخلقها للمواطنة بشكل عام، لا سيما وأننا حين نتحدث عن دول الخليج فإننا نتحدث عن نظم سياسية غير منفتحة، ولذلك تكتسب الفرص التي يخلقها المجتمع بنفسه قيمة أكبر مقارنة بنشاط المجتمع المدني في ظل نظامٍ ديمقراطي.

ولكي نحدد ما يمكن اعتباره “ممارسات للمواطنة” لا بد من أخذ الظروف الخاصة لكل بلد بعين الاعتبار، فلا يمكن التعامل مع دول مجلس التعاون ككتلة واحدة متشابهة بالكامل في خصائصها السياسية والقانونية. وعليه، فإن تقييمنا للمجتمع المدني ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الاختلافات السياسية والقانونية بين دول الخليج، حيث قدرة المجتمع المدني على تنظيم نفسه تتفاوت بشكل كبير بين دولة وأخرى. فما قد يعتبر تصرفاً غير شرعي وتجاوزاً للخطوط الحمراء (الرسمية وغير الرسمية) في بلد ما قد لا يكون كذلك في بلدٍ آخر، وعليه فإن القيمة التي تحملها نفس الممارسة تختلف بين بلدٍ والآخر. ومثال ذلك هو اختلاف الأطر التنظيمية المسوحة في كل بلد، فالنقابات العمالية مقننة نسبياً في البحرين والكويت وعمان، بينما هي محظورة كلياً في الإمارات وقطر والسعودية.

وبناءً على ذلك، تجادل الورقة بأن قيمة ما يقدمه المجتمع المدني الخليجي في مسألة المواطنة لا تقوم على موقفه الفكري منها فحسب، بل أيضاً على الفرص التي يغتنمها لتغيير الوعي حول ما يمكن أن تكون “المواطنة” في تصور المواطنين. فإن إصرار المجتمعات الخليجية على تأسيس تجمعات للمجتمع المدني رغم التحديات القانونية والسياسية دليل على اهتمامها بخلق هذه الفرص بما قد يؤسس لنماذج أكثر عدالة للمواطنة.

بروز بديل البديل: التجمعات غير التقليدية

قبل الخوض في موضوع الورقة مباشرةً ينبغي تعريف بعض المصطلحات المستخدمة. فما المقصود بالمجتمع المدني كإطار بديل؟ وما المقصود هنا تحديداً بالمجتمع المدني غير التقليدي؟

بدايةً، البديل يعرّف بأنه “الذي يحل محل الآخر”، وهذا ما يعني أنه في مقابل البديل هناك “الأساس” الذي يقاس به البديل. وحين نتحدث عن البديل في هذه الورقة فإن المقصود هو البديل في أسلوب بناء الدولة وتأسيس المواطنة. ولكن البديل عن ماذا؟

النظام الديمقراطي في السياق الغربي تطور على مراحل، فالمرحلة الأولى ركزت على بناء الدولة ومؤسساتها السياسية الدستورية بقيادة النخب السياسية الإصلاحية كما رأيناها في الثورتين الفرنسية والأمريكية، أما المرحلة الثانية فاتسمت بمحاولات التأثير على الدولة وسياساتها، بعد أن استكملت بناء مؤسساتها، من قبل الأحزاب السياسية وبعض تجمعات المجتمع المدني مثل الحركات النقابية والنسوية وغيرها لتوسيع نطاق المواطنة الرسمية، والمرحلة الثالثة هي ما عرفت بعصر المجتمع المدني،[9] كما رأيناها تتجلى في دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية في أواخر القرن الماضي،[10] حيث تارة يلعب المجتمع المدني دور حلقة الوصل بين الدولة والمجتمع ويصب تركيزه في التأثير على الدولة والمجتمع في آن واحد، وتارة أخرى يهدف إلى التغيير عن طريق تغيير المجتمع.

ولكن الدولة الخليجية لم تتطور بهذه الطريقة ولا يمكننا إسقاط فهمنا لذلك السياق التاريخي على السياق التاريخي الخليجي. وعليه فإن الدولة والمجتمع والمجتمع المدني في الخليج قد لعبوا أدواراً مختلفة عن تلك التي لعبوها في الدول الغربية الحديثة. في المقام الأول، الدولة الخليجية الحديثة لم تتشكل عبر عملية سياسية وطنية سعت لبناء مؤسسات حديثة، وإنما ساهمت القوى الاستعمارية في تشكل بناها التي ثبتت على رأس الهرم الاجتماعي حاكماً يستند في سلطته إلى مصادر قوة غير مرتبطة بالمواطنين مباشرة، كعلاقته بالدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا وتحكمه بالموارد النفطية، وعليه أُقصي المواطنون بشكل كبير من عملية بناء الدولة.[11]  وعلى هذا الأساس، حينما تطور فيها مجتمع مدني لم يلعب الدور نفسه الذي لعبه في الدول الديمقراطية الحديثة لأن مسار التطور التاريخي اختلف، وأصبح المجتمع المدني في الخليج وسيلة بديلة للمواطنين ليشاركوا في عملية تطوير الدولة الحديثة التي سبق وأن تم بناءها. الحاصل هو أن تكوين المجتمع المدني الخليجي تطور كطريقة لـ”تعويض” المجتمع عن غيابه في عملية البناء الأساسية، وهذا ما قد يفسر وجود ظواهر مثل عمل التيارات السياسية من خلال “واجهات” اجتماعية أو مدنية.

ووفق هذا المسار التاريخي، تطورت التجمعات غير التقليدية كبديل عن المجتمع المدني التقليدي الذي غالباً ما اتخذ شكل المؤسسات الرسمية المرخصة بمختلف أنواعها من جمعيات خيرية ومهنية وتجارية واجتماعية ونقابات عمالية وتيارات سياسية. بينما تميزت توجهات المجتمع المدني غير التقليدي بحرصه على اتخاذ موقف مستقل عن كل من الدولة أو السلطة وتجمعات المجتمع المدني التقليدية في آن واحد لما يراه من شللية عمل التيارات التقليدية أو احتكار آلياتها من قبل طبقة نخبوية لم تشجع على انخراط مختلف فئات المجتمع في صفوفها. كما سعت التجمعات غير التقليدية إلى التغيير من الأسفل، أي تغيير الدولة عن طريق تغيير المجتمع دون الخوض بشكل مباشر في بعض الأحيان إلى المسألة السياسية الدستورية، واهتمت أكثر بصون مبادئ المواطنة والحريات العامة والفردية وطرح نفسها كبديل عن السائد الموجود.[12]

وما يجعل هذه التجمعات “غير تقليدية” في هذا الحال هو ظروف نشأتها في المقام الأول، حيث أنها اختارت ألا تنخرط ضمن أي من التجمعات التقليدية الموجودة في الساحة، بل وفي بعض الأحيان قد أنشئت تحديداً كردة فعل عليها. وأطر عملها جزء مهم من هويتها أيضاً، وذلك لأن التجمعات غير التقليدية حريصة على الحفاظ على استقلاليتها، وهذا ما يدفعها إلى تنظيم نفسها عادةً في إطار مؤسسات صغيرة غير مرخصة لتجنب التحديات التي قد ترافق التسجيل كمؤسسة مرخصة من رقابة الدولة على نشاطها وقيود تنظيمية أخرى. ولكن قد لا يكون هذا هو السبب الوحيد الذي يدفعها إلى عدم التسجيل كمؤسسات رسمية، حيث عادة ما لا يتوفر لديها الشروط المطلوبة للتسجيل، كالحد الأدنى من الأعضاء والموارد المالية والقدرة على تشغيل مقر للمؤسسة. فعوضاً عن ذلك نجدها تتخذ شكل الجماعات غير المرخصة أو المنصات الإلكترونية التي تنظم أنشطتها على شكل مشاريع موسمية أو برامج محدودة النطاق والأهداف، مستهدفة شريحة محدودة من المواطنين. ولهذه الأسباب، بالإضافة إلى تكوينها من تيارات شبابية حديثة التأسيس تعتمد بشكل أساس على مجموعة محدودة من العاملين، تفتقر التجمعات غير التقليدية إلى القواعد الشعبية الواسعة التي قد تمكّنها من إحداث التغيير المنشود.

هذه الورقة محاولة للوقوف على هذه الظاهرة وتقييمها، فهل يمكن فعلاً لهذه التجمعات أن تكون بديل البديل؟ وما هو نمط المواطنة التي تسعى إلى تقديمه؟ وهل هي قادرة أصلاً على طرحه بشكل فاعل بحيث يمكنه التأثير على الدولة والمجتمع؟

للإجابة على هذه التساؤلات، سيتم دراسة ست حالات من الكويت وقطر والبحرين وعمان تمثل نماذج بارزة للتجمعات غير التقليدية التي بزرت خلال العشر سنوات الأخيرة، والتي تمثل محاولات المواطنين للعمل وفق قواعد اللعبة السياسية وفي الوقت نفسه محاولة تغييره للأفضل، بهدف تقييمها من حيث الدور الذي تلعبه في المجتمع وأهدافها ورؤيتها للمجتمع والدولة، بالإضافة إلى الفرص التي تمثلها في سبيل تكريس مفهوم المواطنة والتحديات التي تحول دون تحقيق ذلك، مع الأخذ في الاعتبار الظروف السياسية الخاصة لكل بلد.

مبادرة موانئ – البحرين

مبادرة “موانئ” من المبادرات الجديدة في الساحة البحرينية، حيث انطلقت في العام 2014، وعملت منذ ذلك الحين في المجال الفني والمعماري، إلا أن المبادرة تبنت رؤية اجتماعية سياسية تدعو إلى إعادة بناء علاقة الإنسان مع محيطه الحضري. وكانت أولى نشاطات المبادرة عبارة عن برنامج ثقافي موسع شمل المحاضرات والمعارض الفنية والورش حول مختلف المواضيع المتعلقة بالعمارة والتاريخ الحضاري والتنمية المستدامة، كل ذلك على ساحل قرية دمستان بالبحرين الذي يمثل ظاهرة مثيرة للاهتمام، حيث أنه بالأساس كان ساحلاً عاماً لأهالي القرية إلى أن تفاجئوا في يوم من الأيام بإغلاقه أمام الزوار بسبب تحويله إلى أرض خاصة، ما دفع الأهالي إلى القيام بحملة كبرى لاسترجاع حقهم في استخدام الساحل.[13]

اختيار المبادرة هذا الموقع لانطلاقتها الأولى يحمل دلالات اجتماعية وسياسية بالغة الأهمية، لا سيما أن البحرين وعلى الرغم من كونها أرخبيل جزر إلا أن قرابة 85% من المساحات البحرية المدفونة منذ العام 2002 خصصت لأفراد أو مؤسسات خاصة،[14] والسواحل المفتوحة للاستخدام العام باتت محدودة جداً. وقضية خصخصة الأراضي العامة تعتبر من القضايا السياسية الكبيرة في البحرين، إذ تتقاطعها مشاكل اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة، منها ما يتعلق بالإسكان والبطالة وحماية البيئة، وقد تبلورت فكرة “موانئ” في ظل هذا السياق.

كان قرار “موانئ” في تنظيم البرنامج بالتعاون مع اللجنة الأهلية بالقرية من المواقف المهمة التي مثلت نمط جديد في عمل المبادرات الثقافية بالبحرين، حيث يرون دورهم في المجتمع، حسب وصفهم، كـ “منصة مفتوحة” تتيح المجال أمام المجتمع للتفاعل مع ما تطرحه من مناقشات وبرامج. ويشير أحد المؤسسين إلى أن “موانئ خرجت من الحاجة للوقوف على ظاهرة قلة المساحات العامة في البحرين ودراسة آثار الخصخصة”،[15] ويضيف أنه “من الضروري تغيير قواعد العمل في الشأن العام إذا كنا نرغب في الوصول إلى نتيجة أفضل”.[16]

وكان للطابع المهني للمبادرة تأثير مفصلي على طبيعة نشاطاتها أيضاً، حيث جميع المؤسسين وغالبية جمهورها من طلبة العمارة والهندسة، وهذا ما خلق اهتمام خاص بالنظر إلى مفهوم المواطنة من خلال البيئة أو المساحات العامة، ولأن مفهومي البيئة والمساحة العامة لا يقومان على الفرد وإنما هما مرتبطان بالمشتركات الجماعية، أي انطلاقاً من الفكرة أنه لا يمكن للفرد الواحد أن يستملك ويحتكر المساحات العامة لنفسه. وفي طرح المبادرة لهذه الفكرة نرى نوعاً من التحدي لفكرة استملاك وبيع وشراء وخصخصة الحيز العام، ليس فقط بسبب الأضرار المادية لذلك وإنما لأنها تحرم الناس من ممارسة مواطنتهم الجمعية.

تعبر عن ذلك “موانئ” بالقول بأنه “حين نهتم بالمكان نحن نهتم ببعضنا البعض وبناء العلاقات بين الناس يصبح سهلاً لأننا لا نناقش الـ أنا والـ أنت، بل نناقش هذا المكان – القاسم المشترك – الذي يجمعنا جميعاً”.[17] من عيوب التفكير في مفهوم المواطنة كحقوق وواجبات وأفعال محددة بذاتها مثل التصويت والحصول على الخدمات الاجتماعية هو أنها تخص المواطن كفرد وليس كجزء من كل، إذ يهمل الجانب الجمعي المشترك في بعض الأحيان. وعليه، يبدو أن “موانئ” تطرح مفهوماً للمواطنة أكثر شموليةً من ذلك المفهوم التقليدي.

وفي اسم “موانئ” معانٍ دالة على ذلك، حيث أن الميناء عادةً هو نقطة التقاء، فهو موقع يشهد عملية التبادل الثقافي وتكرس فيه التعددية الثقافية، لا سيما وأننا نتحدث عن البحرين كأرخبيل جزر مثلت الثقافة البحرية عنصراً رئيساً في بناء طبيعة هويته الثقافية. إذاً فنمط المواطنة الذي تدعو له “موانئ” هو مواطنة قائمة على تشارك المكان، وهذه العلاقة لا تبنى على الحالة القانونية أو الحقوقية أو غيرها فحسب، فالمواطن يشعر بقيمته حينما يكون جزءاً من الكل يتساوى مع الجميع.

ولكن من الملفت أيضاً أن “موانئ” لا تعتبر نفسها “منظمة” لأن مصطلح “منظمة” – على حد تعبير القائمين على المبادرة – يعكس واقعاً تنظيمياً مختلفاً أقرب إلى المنظمات الكبرى على مستوى الدولة والعالم. كما أنهم أكدوا أنهم لا يدعون إلى مفهوم المواطنة،[18] رغم أن جميع برامج المؤسسة تشير إلى عكس ذلك. وهذه من العيوب التي تصيب التجمعات غير التقليدية أحياناً، حيث أنها تتوجس من استخدام التصنيفات والمصطلحات العلمية حتى وإن كانت في محلها، ما يجعل موقفها من مفهوم المواطنة موقفاً غير محدداً رسمياً سواء في أدبياتها أو خطابها أو برامجها، وإنما ترك الأمر ليحدد من خلال التفاعلات مع الجمهور وطبيعة الأنشطة التي تقوم بها. عدم تحديد الموقف بصراحة أضعف هويت المبادرة الفكرية على الرغم من أن ما يمكن أن تطرحه هو مفهوم مناهض للتقسيمات الطبقية والثقافية.

لعل إطار المبادرة التنظيمي – كونها تجمعاً مهنياً ومبادرة ثقافية في آن واحد – هو ما يجعلنا نصنف “موانئ” كتجمع غير تقليدي، إلا أن “موانئ” قررت مؤخراً تسجيل نفسها كمؤسسة خاصة غير ربحية عوضاً عن التسجيل كجمعية بموجب لوائح وزارة العمل والتنمية الاجتماعية كما هو معتاد لدى أغلب مؤسسات المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن “موانئ” أصبحت مؤسسة مرخصة في عام 2018، إلا أن تسجيلها كمؤسسة خاصة غير ربحية يجعلها مختلفة في عدة أمور عن التجمعات التقليدية التي تسجل كجمعيات أهلية واجتماعية. لم يؤد القرار بالتسجيل قانونياً إلى تغير في أسلوب عمل المؤسسة، حيث أنها ما زالت تعمل ضمن فريق عمل صغير ومتغير باستمرار، كما أن خيار التسجيل كجمعية أهلية – وفق رأي أحد المؤسسين – غير مطروح، لأن ذلك يتطلب وجود نظام أساسي مكتوب ومتابعات مستمرة مع الجهات الرسمية وانتخابات لمجلس إدارة دائم، وهذه شروط غير متوفرة في المؤسسة في الفترة الحالية.[19] وعلى ما يبدو أنها شروط لا تتناسب مع رغبات القائمين على “موانئ” لأنها وبحسب تعبيرهم ستحد من هوية “موانئ” كـ “منصة تجريبية”.

إن الدوافع الرئيسة للتسجيل كمؤسسة مرخصة كانت مالية في المقام الأول، حيث رأى القائمون أنه سيسهل عليهم الحصول على الدعم المالي للمشاريع عن طريق التبرعات والرعاية من مؤسسات القطاع الخاص، وهي مشكلة كانت تعاني منها “موانئ” في السابق. ومنذ ذلك الحين استطاعت “موانئ” أن تعقد برامج متنوعة مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى (التقليدية) والجهات الحكومية مثل هيئة البحرين للثقافة والآثار، ومنها برامج تعليمية وثقافية عقدت في وسط العاصمة المنامة استهدفت طلبة الفن والعمارة، مما يعد استكمالاً للنهج التي أرسته “موانئ” منذ موسمها الثقافي الأول في عقد برامجها في المساحات ذات البعد الاجتماعي والتاريخي بهدف إعادة إحيائها. ولكن هذه النجاحات تبقى محدودة طالما استهدفت شريحة معينة من المواطنين المهتمين أصلاً بالمواضيع التي تطرحها “موانئ”، مما يجعل تأثيرها في المجتمع محصور إلى حد كبير في أصحاب التخصصات الهندسية والفنية حتى وإن كان أغلبهم من فئة الشباب، كما أن صغر حجم فريق العمل وانشغال بعضهم في العمل والدراسة خارج البحرين لفترات من السنة يشكلان تحدياً كبيراً لنمو المؤسسة واستمرار نشاطها على المدى البعيد.

راقب 50 – الكويت

تأسست مبادرة “راقب 50” تحت مظلة منظمة “صوت الكويت” كمشروع مستقل معني بمراقبة أداء مجلس الأمة الكويتي،[20] وهو المشروع الوحيد من نوعه في منطقة الخليج الذي يوفر للمواطنين منصة إلكترونية تمكنهم من الوصول إلى المعلومات عن القوانين قيد المناقشة وتصويت النواب وحضورهم وغيابهم والاستجوابات وتقارير اللجان بالمجلس بأسلوب سلس وإحصائي. وما يميز المشروع أساساً هو أنه جاء ليسد حاجة المجتمع لتسهيل الوصول للمعلومات الدقيقة عن أداء البرلمان، حيث أن الصحافة بطبيعة الحال لا تستطيع نشر جميع التفاصيل التي يعنى بها المواطنين، كما أنها قد تنتمي لجهات ذات مصالح سياسية وتجارية وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى تقديمها المعلومات بطريقة موجهة أو حتى عدم نشرها. أما الجهات الرسمية فلم تملك الجاهزية التقنية لنشر المعلومات إلكترونياً بطريقة شفافة وسلسة للمستخدمين الراغبين في البحث عن معلومات محددة.

إذاً فـ “راقب 50” مشروع تصحيحي في المقام الأول، جاء ليصحح من الوضع القائم على المستوى الرسمي والمستوى المجتمعي أيضاً بهدف أن يكون قرار الانتخاب بناءً على معطيات مادية عن أداء النائب لا على أساس اعتبارات شخصية أو فئوية.[21] ومراقبة أداء البرلمان لها أثر على الوعي السياسي لدى المواطنين أيضاً، لأنها تغير من تصورهم حول حقوقهم السياسية بحيث لا تكون مقتصرة فقط على الانتخاب وإنما على مراقبة أداء الأجهزة الرسمية أيضاً، وهذه عملية تستمر على مدى الدورة التشريعية ويحتمل أن يؤدي ذلك إلى تكريس التصور عن النائب البرلماني كموظف عام يؤدي وظيفة عامة محددة، وليس كممثل لقبيلة أو طائفة، لأن المعيار يصبح مرتكزاً على الأداء وليس على الانتماءات العمودية.

ويشير المؤسسون إلى أن فكرة المشروع انطلقت من قناعتهم بأنه ينبغي “أن يكون لنا دور كمواطنين للتصدي للخطاب السياسي السائد”،[22] في إشارة إلى الخطاب الفئوي والخطاب المعادي للحريات العامة، وربما أيضاً مواجهة الفكرة التي تلوح بين فترة والأخرى والقائلة بأن الديمقراطية في الكويت مشروع فاشل لم يؤدِّ إلى شيء غير ضياع فرص التنمية.[23]

في هذا السياق، لا بد من الإشارة أيضاً إلى الظرف الكويتي الخاص فيما يتعلق بانتخابات مجلس الأمة، حيث ذهب الكويتيون إلى صناديق الاقتراع سبع مرات خلال الخمس عشرة سنة الماضية، أي كل سنتين تقريباً، وهو ما يجعله من الصعب جداً تقييم أداء البرلمان، خصوصاً إذا كانت المعلومة غير متوفرة أو صعب الوصول إليها.

جميع القائمين على “راقب 50” بدأوا نشاطهم السياسي مع انطلاقة منظمة “صوت الكويت” في العام 2009. وعلى الرغم من قلة خبرتهم السياسية آنذاك، إلا أنها كانت تجربة مهمة في بناء وعيهم السياسي الذي أدى إلى تفاعل البعض من أعضاء المنظمة بصفاتهم الشخصية في الحراك السياسي خلال الفترة بين 2011-2012. إلا أنه وبحسب رأي “راقب 50″، فهذا لا ينطبق على الجيل الشاب الذي أتى من بعدهم والذي تكونت شخصيته في الفترة ما بعد الربيع العربي ورأى أن عدم الاستقرار السياسي وغياب النتائج الملموسة من العملية السياسية، في وجهة نظرهم، عوامل غير محفزة لهم للاهتمام بالسياسة، وهذا ما جعلهم يهتمون أكثر بالجوانب المعيشية والمهنية الخاصة بهم حسب رأي “راقب 50”.[24] وقد تكون هذه من عيوب التجمعات غير التقليدية في افتقارها للقاعدة الشعبية واعتمادها على فرق عمل محدودة العدد والتنوع، فجميع العاملين أساساً نشطاء من فئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية والعليا ومن المهتمين بشدة بالشأن العام، وهذا الوصف قد لا ينطبق على جميع الشباب الكويتي، ومن الصعب في ظل هذه الظروف أن تخلق مثل هذه الفئة المحدودة تأثيراً ملموساً في المجتمع الأوسع.

ولكن تبرز مؤشرات التفاؤل لمثل هذه التجمعات حين تنجح في استغلال الفرص المتاحة لها، ومثال ذلك ما حدث قبل أسبوعين من موعد انتخابات مجلس الأمة بالعام 2016، التي شاركت فيها أغلب فصائل المعارضة والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 70%،[25] حين أزيلت المعلومات عن أداء نواب المجلس السابق من الموقع الرسمي، ما جعل موقع “راقب 50” المصدر الإلكتروني الوحيد المتاح للبحث عن معلومات عن النواب الذين جددوا ترشيحهم للانتخابات.

يقول أحد مؤسسي المجموعة: “حاولنا مخاطبة أمانة المجلس لمعرفة سبب إزالة المعلومات ولكن دون جدوى، فقمنا بالتواصل مع الصحافة لكشف الموضوع أمام الرأي العام ودعوة الناخبين لاستخدام موقع “راقب 50″”،[26] وإثر ذلك ارتفع عدد الزيارات للموقع خلال تلك الفترة إلى قرابة 1000 زيارة يومية.

وفي الفترة الأخيرة قامت الأمانة العامة بتحديث الموقع الرسمي للمجلس بحيث يحتوي على خصائص مشابهة لتلك المتوفرة على موقع “راقب 50″، منها إبراز الإحصائيات على شكل جرافيكي وتوفير إمكانية البحث عن معلومات أو نشاطات محددة، في مؤشر إلى أن الدولة استجابت لرغبة المواطنين في الحصول على المعلومات بصورة أكثر شفافية، وقد ترك ذلك أثراً على سياساتها وإن كان محصوراً في الجوانب الإدارية.

مع ذلك، يبقى مشروع “راقب 50” محدود النطاق كونه في الأساس موقعاً إلكترونياً، مع الأخذ في الاعتبار أن الموقع لم ينشأ لرصد جميع المعلومات المتعلقة بعمل البرلمان وإنما اقتصر على عرض المعلومات الأكثر أهمية بالنسبة إلى الجمهور المستهدف، ولا يتم تحديثه باستمرار وإنما فقط في أوقات محددة. ويبدو أن الاعتماد فقط على عمل الموقع ليس كافياً لتحقيق الأهداف التي يدعو إليها المشروع، وإنما يتطلب ذلك التفكير في طرق وأساليب يمكن أن تكون مؤثرة أكثر على المجتمع وتعزيز دور المواطنين في العملية السياسية، وتبقى محدودية الموارد والكوادر تمثل عوائقاً رئيسية أمام “راقب 50” إذا ما أريد للمشروع أن ينمو ويزداد تأثيره.

 شباب قطر ضد التطبيع – قطر

بعد إغلاق مكتب التمثيل التجاري بين قطر وإسرائيل إثر اندلاع الحرب على غزة في أواخر العام 2008،[27] تنفس القطريون الصعداء لما بدا لهم أنه تصحيح للمسار السابق الذي كانت تنتهجه الحكومة القطرية عندما أنشأت علاقات تجارية رسمية بينها وبين الكيان الصهيوني، إلا أن الحكومة القطرية بدأت بعد ذلك بالتقرب تدريجياً من الكيان الصهيوني، انطلاقاً من رغبتها في أن تكون لاعباً إقليمياً فاعلاً على المستوى الدبلوماسي والرياضي. واعتبرت مجموعة شباب قطر ضد التطبيع تلك الخطوات بـ “التحركات التطبيعية غير المباشرة”.

لمواجهة هذه التحركات التطبيعية “غير المباشرة” برزت مجموعة “شباب قطر ضد التطبيع” في العام 2011 بداية الأمر كمدونة من إعداد مجموعة من الشباب القطري والفلسطيني المقيم بدولة قطر، تمثل منصة للتعبير عن رفضهم للتطبيع، قبل أن تبدأ المجموعة في تصعيد أنشطتها مع تصاعد التحركات التطبيعية في قطر، حيث كانت استضافة بطولة السباحة في عام 2013 والتي شارك فيها رياضي من الكيان الصهيوني إحدى المواقف التي أظهرت مدى قدرة المجموعة على تقديم رواية مغايرة للرواية الرسمية بشأن مفهوم التطبيع.

على الرغم من أن سياسة قطر الرسمية بشأن القضية الفلسطينية تشمل دعماً مالياً وسياسياً لحركة حماس وقطاع غزة  بشكل عام، إلا أنه بسبب رغبتها في أن تكوّن سمعة لنفسها كـ “عاصمة العالم للرياضة”، لا سيما مع قرب موعد استضافتها لكأس العالم لكرة القدم في عام 2022، فإن الدولة فتحت حدودها لاستضافة مختلف الفعاليات الرياضية دون ممانعة حول مشاركة الكيان الصهيوني فيها، تجنباً لأي تأثير سلبي على سمعة الدولة في الإعلام الدولي.[28] وكما يوضح أحد أعضاء المجموعة، فإن “الهدف من تأسيس المجموعة كان لمواجهة السردية أن هذه الأنواع من الخطوات لا تمثل تطبيعاً أو ليست جديرة بالاهتمام لأنها لا تمثل إقرار للعلاقات السياسية، ولكننا في المجموعة نعتقد أن التطبيع يأخذ أشكال مختلفة وهذا مفهوم جديد في الخليج”.[29]

ما يميز “شباب قطر ضد التطبيع” هو موقفها المستقل عن الدولة في المقام الأول واهتمامها بالعمل على التوعية السياسية، بدلاً من التركيز على الأنشطة الثقافية التي اختارت أن تركز عليها مجموعات أخرى في قطر، بالإضافة إلى استنادها على معايير حركة مقاطعة إسرائيل العالمية (BDS) كإحدى منطلقات عملها.[30] وفي هذا الإطار، تعمل المجموعة على حث بعض المؤسسات الرسمية لتبني مبادئ وشروط حركة مقاطعة إسرائيل العالمية (BDS) ومنها جامعة قطر.[31] كما انتهجت المجموعة أسلوب عمل لا يعتمد على إطار تنظيمي رسمي حيث تخلو المجموعة من شخصيات ومناصب قيادية رسمية وإنما تنظم نفسها كتجمع نشطاء يعملون في لجان عمل صغيرة كلٌ حسب اختصاصه.

وترى المجموعة أن الدولة حاولت احتكار النشاط التضامني مع القضية الفلسطينية لنفسها بعدم السماح لتجمعات المجتمع المدني بالقيام بدور فاعل سواء عن طريق جمع التبرعات أو القيام بحملات الدعم إلى قطاع غزة، ما أدى إلى ضعف قدرة المجتمع المدني التقليدي على مواجهة التحركات التطبيعية.[32]

من الحوادث المهمة التي مثلت موقفاً جريئاً للمجموعة إعلان أعضائها رفض استضافة الأمريكي الصهيوني ألن ديرشوتس في إحدى الجامعات الأمريكية من قبل مؤسسة قطر التعليمية، وذلك أثناء المحاضرة التي ألقاها بالجامعة،[33] ما دفع شريحة واسعة من القطريين للانضمام لصف المجموعة للتنديد باستضافته بعد ما انتشر مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وبيّن للمجتمع أنه “ما زالت هناك مساحة للتعبير عن رفض التطبيع”.[34]

من الملاحظ أنه يوجد ثمة تناقض في هذه المسألة، فالحكومة القطرية تارة تدعم حركة حماس وقطاع غزة بالمال والدعم الدبلوماسي وتعظم من القضية الفلسطينية في المناهج الدراسية، وتارة أخرى تقدم على استضافة شخصيات صهيونية في فعاليات رسمية ما قد يجعله من الصعب على القطريين استنباط موقف الدولة الحقيقي من التطبيع، ولكن ما استطاعت أن تقوم به مبادرة “شباب قطر ضد التطبيع” في توسيع مفهوم التطبيع ليشمل التطبيع الثقافي والرياضي والاقتصادي إلى جانب التطبيع السياسي وكسر احتكار الدولة للعمل التضامني مع القضية الفلسطينية يعكس ما يمكن أن يتحقق من “عدم الاكتفاء” بالدور الرسمي، وذلك لأن قضية التطبيع في قطر مرتبطة بشكل وثيق بالسياسات العامة للدولة، ما يعني أنه حين يعبر المواطن القطري عن رأيه في تحركات التطبيع فهو أيضاً يعبر عن رأيه في السياسات العامة للدولة، وهنا يتحول المواطن القطري من متلقٍ للسياسات إلى فاعلٍ يعبر عن رغبته في صياغتها.

كما أن الإصرار الشعبي على مقاومة التطبيع وسط الموجة التطبيعية التي تشارك فيها جميع دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الأخيرة ليس أمراً سهلاً،[35] لا سيما في بلد مثل قطر يفتقر لمؤسسات المجتمع المدني والأطر المنظمة لها، كما أن هذا النوع من النشاط يعتبر عملاً سياسياً حسب رأي الحكومة القطرية، حيث أنها سبق وأن رفضت الترخيص للجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية في عام 2001 باعتبار أن نشاطها “يغلب عليه الطابع السياسي”.[36] لذلك يعتبر ظهور مجموعة مثل “شباب قطر ضد التطبيع” (غير المرخصة)، التي تمكنت من أن توازن بين النشاط الإعلامي في الفضاء الافتراضي والعمل الميداني، تطوراً نوعياً في قطر، ويعكس إرادة صلبة لشريحة من المجتمع للمشاركة في صياغة الأولويات الوطنية، وفي هذه الحالة تحديداً فإنهم يؤكدون أن الوقوف مع القضية الفلسطينية أهم من الفوائد المتحققة من الانفتاح الرياضي.

أما طبيعة عمل المجموعة كتجمع غير مرخص فهو سلاح ذو حدّين. فمن جانب، مكنها ذلك من التحرك بحرية دون  الحاجة للتنسيق مع الجهات الرسمية لتنظيم أنشطتها كما لو كانت مؤسسة مرخصة، نظراً إلى القيود التي تضعها الحكومة القطرية على مؤسسات المجتمع المدني. ومن جانب آخر، تواجه المجموعة صعوبات رسمية في تنظيم الفعاليات.

ويبدو أن تأثير المجموعة آخذ في التصاعد خلال هذه الفترة، سيما مع بروز إسمها بشكل أوسع من خلال حملاتها الإعلامية وفعالياتها على أرض الواقع في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع المدني في قطر من تضييق. وهذا التأثير لا يقتصر فقط على التوعية بالقضية الفلسطينية فحسب، وإنما نجاح المجموعة وفكرتها سيشجع الآخرين على الأخذ بزمام المبادرة وإنشاء مبادرات مستقلة بأنفسهم، مع تغيير تصور المجتمع لما هو ممكن وغير ممكن لهم من تحركات وأنشطة كمواطنين قطريين. قدرة المجموعة على التنظيم خارج إطار الفضاء الافتراضي سيكون التحدي الحقيقي لها على مدى المستقبل القريب والمتوسط، حيث غياب الصفة القانونية سيشكل صعوبة في تنظيم الفعاليات، مع رفض بعض الجهات التعامل معها لا سيما وأن هذا الإشكال قد أدى إلى إلغاء المجموعة بعض الفعاليات المقررة في السابق.

مجلة مواطن – عمان

تأسست “مجلة مواطن” في أعقاب احتجاجات الربيع العربي في سلطنة عمان، من قبل مجموعة من النشطاء الشباب والإعلاميين الذين أرادوا تأسيس مشروع إعلامي جديد ومغاير عما وصفه أحد المؤسسين بـ “الإعلام التنموي”[37] المتعارف عليه في الساحة العمانية.

وحسب تصور “مجلة مواطن” لمكامن الخلل في “الإعلام التنموي”، فإن المشكلة تكمن في تركيز هذا النوع من الإعلام بشكل أساسي على “أخبار السلطة”، على حد تعبيرهم، وتناول الجوانب الإيجابية فيها دون نقد أو تحليل موضوعي، كما أنها “تركز في الغالب على تغطية أخبار المشاريع الحكومية وزيارات المسؤولين”، وهي ما اعتبرته “مجلة مواطن” أخباراً لا تحاكي هموم وقضايا المواطن.[38]

لعل من الجوانب الملفتة في هذا الأمر هو اختيار المجلة مصطلح “مواطن” ليكون إسم المؤسسة وشعارها، ما يدل على اتخاذهم موقف واضح إلى جانب المواطنين في مقابل “السلطة”، وتعليقاً على ذلك قال أحد المؤسسين أن اختيار هذا الإسم كان “محاولة لتمييز أنفسنا عن السائد الموجود في عمان بتمثيلنا المواطن وقضاياه”.[39] وعليه، فإن أهداف المجلة ركزت على تحويل المشروع إلى سلطة رابعة تستطيع أن تناقش وتنتقد وتبني وعي المواطنين حول ما يخصهم من أحداث وقضايا، وبالأخص حول علاقتهم بالدولة كمواطنين.

تجربة “مجلة مواطن” في بداية تأسيسها كانت مليئة بالتحديات والمصاعب، بعضها من طرف بعض شرائح المجتمع التي كانت تتوجس من المشروع من باب الخوف، والبعض الآخر من طرف الجهات الرسمية التي كانت ترى في “مجلة مواطن” مصدر تهديد. ففي المقام الأول، دفع عدم وجود قانون للإعلام الإلكتروني في عمان المجلةَ للتسجيل كشركة تجارية، وأثناء القيام بإجراءات التسجيل تحفظت الجهات الرسمية على اسم “مواطن” ولم تسمح بتسجيلها تحت ذلك الاسم إلا بعد محاولات عدة. وبعد بدء المجلة نشاطها واجهت تحديات أخرى أمنية تمحورت أيضاً حول تحفظات الجهات الرسمية على اسم وسياسة تحرير المجلة، حيث دعوا المجلة لتغيير سياسة تحريرها بحيث تكون أقرب إلى سياسات تحرير الصحف اليومية التي تتبع أسلوب “الإعلام التنموي”.[40] وتعليقاً على فكرة تغيير سياسة التحرير قال أحد المؤسسين أنه “من المفترض أن يكون الإعلام إعلاماً ناقداً لأن هذه هي الطريقة المثلى لبناء الوطن، ولكن السلطة تتعامل مع هذا الأمر على أنه خيانة بسبب ارتكازها على مفهوم الأبوة في التعامل مع المواطنين”.[41]

الإشارة إلى مفهوم الأبوة تحمل دلالات كثيرة بالنسبة إلى الدولة الخليجية عامةً وسلطنة عمان خاصةً. أولاً لكون مفهوم الأبوة يخلق بالضرورة علاقة غير سوية بين الحاكم والمحكوم، حيث يُصوَّر الحاكم كبالغ وراشد يتحمل مسؤولية تربية رعاياه وحمايتهم، بينما المحكوم (المواطن) يظل قاصراً يدين للحاكم بكل ما يملكه من نِعَم، وهو مفهوم بالتأكيد لا يؤسس لعلاقة قائمة على أساس المواطنة. وفي السياق العماني تُعد هذه الظاهرة أكثر شدة بحكم وجود السلطان قابوس بن سعيد على رأس الدولة بلا شركاء أو ولاة، ما أدى إلى تحوله إلى الرجل الأول والوحيد في الدولة العمانية، وكل ما جنته عمان في “عصر النهضة” يُنسب إليه شخصياً. ويرى القائمون على “مجلة مواطن” أن تداخل مفهوم الأبوة في الدولة هو ما أدى إلى النظر إلى الإعلام الناقد كعمل فتنوي، لأن مفهوم الأبوة يجعل من واجب كل مواطن أن “يتستر” على عيوب “العائلة”، بينما تدعو المجلة إلى أن تتحول الدولة إلى دولة مؤسسات فعلية يكون المواطنون فيها واعين بحقوقهم.

وقد استطاعت المجلة تحقيق عدد من الإنجازات خصوصاً بعد انتقال إدارتها إلى العاصمة البريطانية لندن في العام 2017، حيث تطورت المجلة لتتناول الشأن العام في المنطقة العربية ككل، وتحررت من الضغوطات الأمنية وباتت تناقش قضايا المواطن بجرأة أكثر مقارنة بالسابق. كما تم تدشين عدة مبادرات فرعية تحت مظلة “شبكة مواطن” مثل “مواطن كافيه” و “مركز مواطن لحرية الصحافة” و “مواطن بوست”. ونجحت “مواطن” في نسج علاقات مهنية وطيدة مع تجمعات المجتمع المدني الخليجي القاطنة خارج دول الخليج، وتجلى ذلك في التعاون في تنظيم مؤتمرات وندوات حوارية مع منظمة “القسط لحقوق الإنسان” السعودية، و”منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان” البحرينية، و”المركز العماني لحقوق الإنسان”. وما يضيف إلى رصيدها هو أن التعاون بين المنظمات الخليجية يعد أمراً نادراً وعليه فإن تمكن “مواطن” من لعب دور حلقة الوصل بين كل هذه المنظمات المتفرقة مؤشر لما يمكن أن يحققه “إعلام المواطن” كأرضية توافق للعاملين في الساحة السياسية والحقوقية.

لذلك تعتبر “مواطن” منفذاً نادراً للعمانيين والخليجيين للحصول على تجربة إعلامية مغايرة تمكنهم من تغيير نظرتهم إلى ما ينبغي أن يكون الإعلام عليه، وندرة المساحات الحاضنة لهم جعل منها نقطة التقاء للعديد من الشباب المهتمين بتنمية “إعلام المواطن” كبديل عن “الإعلام التنموي”، إلا أنه كأي مؤسسة إعلامية فـ “مواطن” تواجه صعوبات عديدة على الصعيدي المالي والإداري مثل ضعف مصادر التمويل وصعوبة فريق العمل الصغير في التنسيق بالشكل المطلوب بين جميع الفروع المنضوية تحت “شبكة مواطن”. فبعد أن تمكنت “مواطن” من حل مشكلة الضغوطات الأمنية التي مورست عليها في بداية مسيرتها بعد انتقالها إلى لندن، تواجه اليوم مشاكل وتحديات أخرى تتطلب قدرة أكبر على ابتكار الحلول.

منصة الطليعة – قطر

“التنوع، الوعي، الوحدة” أولى الكلمات التي نطق بها حساب “منصة الطليعة” على مواقع التواصل الاجتماعي حين تأسست المنصة في أواخر عام 2018، بهدف التأكيد على ضرورة إيجاد هوية وطنية قطرية جامعة تعترف بالتنوع الثقافي في المجتمع القطري وتنمي وعيه وتكرس وحدته، حيث أن الهوية الوطنية التي تروج لها الجهات الرسمية – حسب رأي القائمين على الحساب – في المناسبات الوطنية والمناهج الدراسية والإعلام ومن خلال سياساتها الثقافية لا تعبر فعلاً عن التنوع الثقافي في المجتمع ولا عن عمق تاريخه، بل إنها حددت “شكلاً معيناً” للمواطن القطري وخلقت فاصلاً بين المواطن “الأصيل” والمواطن “غير الأصيل”.[42]

وفي هذا الصدد، كانت أولى أنشطة المنصة عبارة عن جولة ميدانية تحت عنوان “الاغتراب” في منقطة أم غويلينة، وهي ضاحية من ضواحي العاصمة الدوحة، كانت مركز الثقل السكاني والاجتماعي في الدوحة في منتصف القرن العشرين إلا أنها اليوم تحولت إلى منطقة تجارية بحتة بعد أن هجرها سكانها للعيش في المناطق الجديدة. الهدف من الجولة كان محاولة استحضار الذاكرة الوطنية المفقودة وتعريف جيل جديد من القطريين على المنطقة والتاريخ الاجتماعي والثقافي الذي تحمله.

كما اهتمت المنصة كذلك بالاحتفاء بالشخصيات الثقافية المؤثرة مثل الملحن عبدالعزيز الناصر الذي لم يحظى على التقدير الكافي رغم دوره في تلحين العديد من الأغاني الوطنية التي شكلت جزءاً من الثقافة الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك اهتمت المنصة بمناقشة الشأن الدستوري والسياسي للدولة بهدف “إبراز المواضيع المسكوت عنها” في قطر.[43]

وتعليقاً على ذلك، أوضح أحد أعضاء المنصة رؤيتهم للوضع القائم في قطر: “لدينا إرث ثقافي غني ولكن المؤسسات الرسمية تتجاهله وخوفنا هو أن تأتي أجيال لا تعرف شيء عن هذه الذاكرة لأن السردية الرسمية غير مهتمة بها، لأنها مهتمة أكثر بالمتحف الجديد الذي سيبنى وبكأس العالم. كما أن سقف حرية التعبير منخفض جداً، وعملية التنمية تواجه تحديات، ونرغب في أن تكون لنا منصة لنناقش هذه التحديات ونُعَبِر عن أنفسنا بدل من أن يُعَبَر عنّا”.[44] وقد تكون مسألة الهوية الوطنية وأسس تشكيلها من المسائل الأساسية لدى المنصة، حيث أن الهوية الوطنية المصاغة التي تقدمها الأجهزة الرسمية للمجتمع تعبر عن رغبات الأسرة الحاكمة في قطر، على حد تعبير أحد أعضاء المنصة، في احتكار وسائل التعبير عن الهوية الوطنية، ما أدى إلى ظهور “تصور معين للهوية الوطنية” لتكون متجانسة خالية من أي اختلافات ثقافية. وأشار عضو آخر أن كثرة تركيز الدولة على التراث والأنشطة التراثية، وخصوصاً القبلية منها، على حساب الأنشطة الثقافية الجامعة الحاضنة للتنوع، أدى إلى أن صعوبات في تشكيل هوية وطنية متوافق عليها.

بناءً على ذلك، فمن الواضح أن “منصة الطليعة” تملك رؤية للمواطنة تطمح لتحليل الثغرات والمشاكل في طريقة صياغة المفاهيم على المستوى المجتمعي للهوية الوطنية والمواطنة، ومن الممكن أن تتطور وتتبلور هذه الأفكار بشكل أعمق إذا سمح لها، لا سيما أنها رؤية لا تتوافق مع فكرة فرض هوية وطنية معينة لا تعترف بالاختلافات الثقافية بين أفراد المجتمع. أحياناً تنطلق محاولات الحكومات في فرض هوية وطنية معينة من نوايا حسنة، حيث أنها ترغب في تجنب الصراعات التي قد تنتج عن الاعتراف بالاختلافات، إلا أن المنصة تطرح مفهوماً مغايراً وهو أن الاعتراف بالاختلاف هو الطريق الأمثل لتحقيق سمو وسلم المجتمع.

الجدير بالذكر أن “منصة الطليعة” استلهمت تجربة “نادي الطليعة” الذي تأسس في عام 1951 والذي ترك أثراً كبيراً في الساحة الثقافية آنذاك وعلى عدد من النخب التي عاصرته، رغم قصر تجربته التي لم تستمر لأكثر من سنة. وفي ظروف مشابهة بين النادي و “المنصة”، التي قررت تبني أسلوب تنظيم غير تقليدي في كونها مجموعة غير مرخصة وتخلو من التنظيم الإداري الرسمي، توقفت حسابات المنصة على مواقع التواصل الاجتماعي – التي تمثل المساحة الرئيسة لنشاطها – مؤخراً دون سابق إنذار، مما يجعل مستقبلها غير واضح.

يشوب المجتمع المدني في قطر الكثير من التحديات التي تحد من عمله، لا سيما إذا كان نشاطه ذات طبيعة اجتماعية وسياسية، مما يبين هشاشة موقف التجمعات غير التقليدية في ظل هذه الظروف، كونها تفتقر للمقومات التي قد تمكنها من مواجهة التحديات السياسية. فغياب الصفة القانونية وضعف الكوادر التنظيمية يعرضها لخطر الإيقاف من قبل الجهات الرسمية بفعل ضغوطات تمارس عليها بطرق غير رسمية وغير مباشرة، مثل منع بعض الجهات والشخصيات من التعامل معها أو ممارسة الضغوطات الأمنية على أعضائها. وبناء على ذلك، فبينما تمثل “منصة الطليعة” فرصة للمواطنين لإعادة صياغة مفاهيم الهوية الوطنية على أسس المواطنة المتساوية، فإن ضعف موقعها يمثل الوجه الآخر للمشكلة التي تعاني منها التجمعات غير التقليدية، وهو هشاشتها كإطار فاعل يمكن الاستمرار فيه على المدى البعيد.

مبادرة تساؤل – البحرين

كانت الساحة البحرينية في عام 2014 لا تزال متأثرة بتداعيات احتجاجات الربيع العربي، حيث كان من الصعب على المبادرات المستقلة أن تنشط دون غطاء أو رعاية رسمية أو من إحدى مؤسسات المجتمع المدني المعروفة، وخصوصاً إذا كانت هذه المبادرات تحمل طابعاً سياسياً.

وفي هذا السياق، أنشئت “مبادرة تساؤل” كمبادرة مجتمعية تسعى إلى تنمية التساؤل الذاتي حول المواضيع الشائكة والجدلية في المجتمع البحريني، مع التزام تام بصون حرية التعبير، وانطلاقاً من الإيمان بأن هذه المواضيع لا ينبغي تجريدها من واقعها الاجتماعي والسياسي والتاريخي وإنما ينبغي مواجهتها بشكل مباشر وصريح.[45]

منذ إنشاء المبادرة، تمكنت من تنظيم العديد من البرامج الثقافية والفكرية حول المجتمع والدولة والدين والطائفية والقضايا الإقليمية، بالإضافة إلى عددٍ من الحملات الإعلامية التي سلطت الضوء على محطات مهمة في التاريخ البحريني. من أهمها كانت فعالية متعددة الجوانب مزجت بين أساليب الفن والسينما والحوار مع مجموعة من شباب اليمن الذين تحدثوا عن أوضاع الحياة تحت الحرب عن طريق البث المباشر، وندوة فكرية شارك فيها مجموعة من الشباب الباحثين حول دور النوع الاجتماعي في الاقتصاد انتهت بنشر أوراق بحثية لهم على مدونة المبادرة.[46] وقد أسهم جمع المبادرة للوسائط والتقنيات المختلفة وتنوع أنماط أنشطتها أيضاً في جذب جمهور متعدد الأهواء من الناشط السياسي للناشط الثقافي والكاتب والفنان والباحث، كما كان لهذا الأسلوب “المختلط” دور في قدرة المبادرة على التكيف مع الظروف السياسية بتلبيس أطروحاتها في قوالب متعددة.

وعلى الرغم من الانفتاح النسبي في الساحة البحرينية آنذاك، إلا أن حرية التعبير والتساؤل بقيتا حقوقاً عسيرة الممارسة بسبب عدة عوامل لخصها القائمون على المبادرة في ثلاثة محاور: غياب المساحات الحاضنة للآراء بصرف النظر عن الانتماء السياسي، وصعوبة العمل دون غطاء رسمي، واستحواذ النخب على وسائل التعبير مما يجعل الشباب يعيشون على الهامش المليء بالشروط والخطوط الحمراء. النمط السائد في إقدام شخصية ذات ثقل في المجتمع على طرح موضوع وسط حضور يتشارك معه في الرأي، لم يكن نمطاً مناسباً لتفعيل دور الشباب في المجتمع، لأن اختراق ذلك المحيط ليس سهلاً ولا يشعرون فيه أنهم على قدر من المساواة مع غيرهم من الحضور، ولذلك طورت المبادرة نمط حواري يقوم على خلق مساحة “ديمقراطية” تسمح للجميع أن يعبر عن رأيه في أي موضوع يطرح دون حدود فاصلة بين “المثقف” و “العامي”.[47]

وكان للمبادرة اهتمام عالي بمفهوم المواطنة، حيث أنه كان عنصراً حاضراً في أغلب أنشطتها، واعتبرت أن المواطنة التي لا تشمل حرية التعبير والتساؤل في “الخطوط الحمراء” هي مواطنةٌ منقوصة. وفي إحدى وثائقها المفاهيمية ربطت المبادرة بين مفهوم المواطنة والتساؤل حيث أشارت إلى أن “عملية التساؤل تعزز فرص المجتمع في إعادة بناء نفسه بشكل أكثر تساوياً.[48]

وأشار أحد رواد المبادرة أن “مبادرة بمثل هذا الطابع كانت تمثل ظاهرة جديدة على الساحة آنذاك، لا سيما أنها كانت تطرح مواضيع جريئة أحياناً وقريبة من المجتمع”.[49] وما ساعد “تساؤل” على تبني الجرأة في الطرح كونها مبادرة مستقلة وغير مرخصة في الوقت نفسه، فلم تمارس أي ضغوطات بيروقراطية على نشاطها، وذلك سهل عليها أيضاً مزاولة عملها من دون الحاجة لأخذ الموافقات من أي جهات رسمية، ما منحها حرية أكبر في اختيار مواضيع الطرح وتنسيقها بالشكل الذي يعبر عن الرغبات الحرة للقائمين عليها.

ولكن في الوقت نفسه لم يمنع عدم الترخيص من وجود بعض التحديات. أولها تمثل في صعوبة إقناع الناس بالمشاركة في أنشطة المبادرة أول المشوار، لعدم وجود غطاء رسمي، ونظرة المجتمع إليها بشيء من التشكيك في النوايا والغايات. إلا أن المبادرة استطاعت التغلب على هذا التحدي مع مرور الوقت وكسب ثقة الجمهور. أما التحدي الثاني فقد كان مرتبطاً بإيجاد المساحات المناسبة لتنظيم فعالياتها حيث منهجية المبادرة، التي ارتكزت على استخدام مساحات محايدة وسهلة الوصول مما حد من الخيارات الممكنة، حيث تم تنظيم أغلب الفعاليات في المقاهي وبعض المؤسسات الثقافية المحلية. كما كانت للظروف المحيطة بالساحة بشكل عام تأثير على مدى استعداد المشاركين لتبني الأطروحات الجريئة أو الجدلية أو حتى المشاركة في فعاليات “تساؤل” من الأساس، فكان على المبادرة التكيف مع هذه المعطيات وخفض سقفها بين الفترة والأخرى.

العنصر المكاني مثل عنصراً مهماً بالنسبة إلى القائمين على المبادرة، حيث حرصوا على أن تكون المساحات وأسلوب تصميم الجلسات مولداً للحوار والنقاش المفتوح، وتبنت المبادرة لهذا الغرض نمط “الحلقة النقاشية” في جميع فعالياتها، بحيث يتم تصميم الجلسة على شكل دائرة بهدف تذويب الاختلافات بين المشاركين ووضع الجميع على أرضية متساوية لبدء الحوار.[50] وانطلاقاً من ذلك، سعت المبادرة إلى خلق فضاء وحوار ثقافي أكثر ديمقراطية بإفساح المجال أمام الشباب المهتمين لتقديم وطرح المواضيع وعرض تجاربهم، عوضاً عن إعطاء المنصة الفرصة للنخب الثقافية المتمكنة أصلاً من استخدام المنابر الإعلامية والمنصات الثقافية لعرض أفكارهم وأعمالهم، حيث حاولت أن تثبت المبادرة أنه يمكن لأي شخص أن يعبر عن أفكاره السياسية والفكرية ويقدمها أمام الناس بصرف النظر عن مؤهله العلمي أو مكانته الاجتماعية، ولا يحتاج أن يحصل على دعم الجهات الرسمية أو شخصيات نخبوية لتصبح أفكاره ذات قيمة.

وبفضل هذا التوجه تمكنت “تساؤل” من كسب ثقة فئة من الشباب المتعطش للحصول على تجربة تقدّر فيها أطروحاته بدل من أن يكون مجرد فرد من أفراد الجمهور، وكانت المبادرة تنمو بشكل تدريجي مع كل نشاط جديد، على الرغم من أن المبادرة استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل حصري ولم تسع للترويج في وسائل الإعلام الرسمية للمحافظة على أمانة روايتها ورسالتها،[51] ما يعني أن قدرات “تساؤل” على الوصول إلى جمهور كبير كانت محدودة بقدرتها على توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في صالحها، وربما لو روجت لفعالياتها في الصحافة والتلفزيون وغيرها من وسائل لكانت وصلت إلى جمهور أوسع.

توقف نشاط المبادرة في أوائل عام 2018 بعد أن واجه فريق العمل صعوبات داخلية تتعلق بالتوافق على توجهات “تساؤل” وضعف قدرته على النمو لقلة الكوادر العاملة.[52] وعلى الرغم من أن طموحات “تساؤل” كانت عالية مقارنة بقلة مواردها المادية، إلا أن التحدي الحقيقي الذي واجهته المبادرة تمثل  في إمكانية التوفيق بين التزامات الكوادر الشخصية والتزاماتهم تجاه المبادرة. ولهذا فحتى عندما كانت “تساؤل” في أوج نشاطها، فإنها كانت تنظم البرامج على شكل “مشاريع” تبدأ وتنتهي في وقت محدد. ولكون أغلب أعضاء فريق العمل من فئة الطلبة فكانت البرامج أيضاً تنظم بالتزامن مع جدول السنة الدراسية مع تكثيف النشاط في الإجازتين الصيفية والشتوية.[53] وعليه، لم تتحول “تساؤل” رغم طموحها إلى مبادرة منتظمة ومؤثرة في الساحة.

مراجعة وتقييم: هل يمكن للمجتمع المدني غير التقليدي أن يكون البديل المناسب؟

حين نأتي لتحليل أوضاع المجتمع المدني والمواطنة فإننا أساساً نتحدث عن حالة سياسية اجتماعية معينة، لا يمكن مناقشتها دون النظر إلى الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بها: هل يوجد قانون يسمح بتأسيس التجمعات؟ وهل نحن نتحدث عن مجتمع قليل العدد مثل قطر أم كبير مثل السعودية؟ وغيرها من التساؤلات المهم الإجابة عليها قبل الخوض في تحليلنا للمجتمع المدني والمواطنة.

جميع هذه العناصر مجتمعة تحدد نمط المواطنة المتّبع، والتجمعات غير التقليدية  تعمل على تغيير تصورات المجتمع حول هذه الأنماط وصولاً إلى تغيير الأنماط نفسها عن طريق ممارسات قد تبدو ظاهراً على أنها ممارسات غير مسيّسة، ولكنها بكل تأكيد تحمل أبعاداً سياسية، أحياناً بمجرد عملها في ظروف سياسية أعطت لتلك الممارسات بعداً سياسياً. فحين تقوم مبادرة مثل “موانئ” بطرح موضوع خصخصة الأراضي، وإن كان في إطارٍ ثقافي، في بلدٍ مثل البحرين يحمل فيه هذا الموضوع بعداً سياسياً مرتبطاً بجذور الأزمة السياسية الراهنة، فإن ذلك لا بد وأن يعكس جدلاً حول المواطنة. وكذلك بالنسبة إلى “شباب قطر ضد التطبيع” التي من خلال نشاطها التضامني مع القضية الفلسطينية تمكنت من طرح أولويات سياسية بديلة تستهدف إحدى ركائز سياسة الدولة الرسمية.

استعداد التجمعات غير التقليدية للخوض في جدل مع الدولة في كيفية تعريف المواطنة وما هو مسموح وغير مسموح في إطارها يمثل إرادة تصب نحو المشاركة السياسية في صياغة الأولويات الوطنية رغم تعارض أولويات التجمعات غير التقليدية مع أولويات الدولة، واتساع الفجوة بين المجتمع والدولة سوف يؤدي بالضرورة إلى تطور الصراع بينهما.

التحدي الحقيقي أمام التجمعات غير التقليدية هو مدى قدرتها على طرح بديل يلاقي قبولاً لدى المجتمع الأوسع خارج إطار دوائرها التي لا تزال ضيقة إلى حد ما. وطريق الوصول إلى هذا الهدف مليء بالتحديات والصعوبات التي تعاني منها جميع التجمعات غير التقليدية، مثل محدودية الموارد والكوادر التنظيمية التي تقتصر في بعض الأحيان على المجموعة التي أسست التجمع، وأخرى تخص الظروف السياسية في كل بلد مثل غياب المنظومة القانونية التي تسمح للمجتمع المدني بمزاولة نشاطه. ويمكن أن توجد حلول لهذه التحديات لكونها تحديات تنظيمية قد تواجه أي مؤسسة، إلا أن التجمعات غير التقليدية على وجه الخصوص تعاني من مشكلة اعتمادها على شرائح معينة من المواطنين المتمكنين أصلاً من الأدوات التي تمنحهم إمكانية لعب دور بارز في المجتمع، لتشكيل كوادرها التنظيمية وصياغة برامجها، كالمهنيين من ذوي المكانة الاجتماعية العالية نسبياً والمفكرين والنخب الصغيرة. صحيح أن التجمعات غير التقليدية أنشئت على هامش المجتمع المدني التقليدي، وبالتالي سعت لأن تكون أكثر انفتاحاً وتمثيلاً لهموم المواطنين، إلا أنه بفضل تكوينها فإنها لا تمثل شريحة واسعة من المجتمع، وليس من المتوقع أنها ستتمكن من القيام بذلك دون تكثيف جهودها لإشراك فئات أوسع من المجتمع في برامجها.

المشكلة الأخرى هي مسألة الاستمرارية، فالتجمعات غير التقليدية بطبيعتها لا تمتلك الإمكانيات لمزاولة نشاطها بشكل منتظم ولا لكي تنمو نوعياً عما هي عليه الآن، فمن المتوقع أن تستمر على درجة منخفضة من النشاط للفترة القادمة إذا ما لم يحصل تغير جذري في ظروف البلد التي تعمل به، لا سيما وأن حالة واحدة على الأقل من الحالات التي ناقشناها في هذه الورقة توقف نشاطها خلال كتابة هذه السطور دون توضيح رسمي عن السبب. وفي هذه النقطة بالتحديد يرى الباحث أن التجمعات غير التقليدية لن تكون قادرة على طرح نفسها كبديل حقيقي للسائد الموجود.

ما تمثله التجمعات غير التقليدية هي ظاهرة جديرة بالدراسة والتقييم لما تحمله من فرص مستقبلية طموحة لتغيير حدود مفهوم المواطنة في المحيط الذي تنشط فيه، خصوصاً أنها تطرح مفاهيم متقدمة نابعة عن نظرة شاملة للواقع السياسي الاجتماعي الخاص بها وشأنها أن تساهم في إيجاد مدخل لتحقيق نموذج جديد للمواطنة قائم على المشاركة الفعلية لجميع المواطنين في صناعة القرار السياسي.

 لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (PDF)
لعرض قائمة المحتوى للاصدار

 


[1] للمزيد من التحليل حول واقع مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج والإطار التشريعي الذي يقيده، أنظر، عمر الشهابي (محرر)، “حرية التجمع في الخليج… وفقاً لما ينظّمه القانون”، في الخليج الثابت والمتحول 2014: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة (الكويت وبيروت: مركز الخليج لسياسات التنمية ومنتدى المعارف، 2014)، < https://gulfpolicies.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1719&Itemid=462  >.

[2] Kamrava, “The Middle East’s Democracy Deficit in Comparative Perspective,” Perspectives on Global Development and Technology (Brill, 2007), p 206.

[3] Meijer; Butenschøn, The Crisis of Citizenship in the Arab World (Leiden and Boston: Brill, 2017), p 3.

[4] المرجع نفسه.

[5] لا بد من الاعتراف أن طريقة التي تستخدم كل من مواقع التواصل الاجتماعي وتجمعات المجتمع المدني هي كاستخدامات بديلة لأنها البدائل الوحيدة المتاحة فهي كوسائل تعبير وتنظيم لا تلعب نفس الدور الذي تلعبها في النظم الديمقراطية. وعليه لا بد من الإشارة أيضاً أن لها جوانبها السلبية في هذه الظروف فبدلاً من أن تكون وسيلة لنشر قيم نبيلة مثل المسؤولية الاجتماعية والمواطنة يمكنها أن تكون ذراع للسلطة في توجيه المجتمع نحو أنشطة وبرامج أكثر قبولاً لديها.

[6] Mathew Gray, A Theory of “Late Rentierism” In the Arab Gulf States,(Qatar: CIRS, 2011), p 25, 2011

[7] عمر الحسن وآخرون، المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي (المنامة: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، 2005)، “المجتمع المدني في مملكة البحرين”، ص 113.

[8] Engin Isin and Greg Nielson, Acts of Citizenship (UK: Zed Books, 2008), p 4.

[9] Meijer; Butenschøn, The Crisis of Citizenship in the Arab World, previous source, p 8.

[10] Anders C. Härdig, “Beyond the Arab Revolts: conceptualizing civil society in the Middle East and North Africa,” Democratization, vol (22), (2015), p 1133.

[11] للمزيد راجع ورقة عمر الشهابي في هذا الإصدار.

[12] Meijer; Butenschøn, The Crisis of Citizenship in the Arab World, previous source, p 8.

[13] الصفار، “أهالي دمستان يطالبون مجدداً باستملاك ساحلهم للنفع العام ،” صحيفة الوسط، 14 سبتمبر 2006، < http://www.alwasatnews.com/news/650784.html >.

[14] وفاء غالب، تقرير مختصر حول تجريف الرمال في مملكة البحرين (البحرين: الأمانة العامة لمجلس النواب، 2015)، ص 21.

[15] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “موانئ”، 17 مارس 2019.

[16] نفس المصدر.

[17] نفس المصدر.

[18] نفس المصدر,

[19] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “موانئ”، 17 يناير 2019.

[20] منظمة “صوت الكويت” منظمة كويتية شبابية تأسست في العام 2008 بهدف “نشر ثقافة الديمقراطية السليمة والتوعية بالدستور والتأكيد على مبدأ الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع”، و “راقب 50” يعتبر مشروعها الأساسي. المصدر: موقع “صوت الكويت” الرسمي، < http://www.soutalkuwait.com >.

[21] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “راقب 50″، 17 مارس 2019.

[22] المصدر نفسه.

[23]  Kinninmont, Kuwait’s Parliament: An Experiment in Semi-Democracy (Chatham House, 2012), p 8.

[24] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “راقب 50″، 17 مارس 2019.

[25] “الانتخابات الكويتية: المعارضة الكويتية تفوز بـ 24 مقعداً في مجلس الأمة”، بي بي سي عربي، 27 نوفمبر 2016، < http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38120869 >.

[26] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “راقب 50″، نفس المصدر.

[27] “قطر تطلب من إسرائيل إغلاق مكتبها التجاري في الدوحة،” بي بي سي، 18 يناير 2009، < http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7836000/7836363.stm >.

[28] مقابلة شخصية مع أحد أعضاء “شباب قطر ضد التطبيع”، 27 مارس 2019.

[29] نفس المصدر.

[30] نفس المصدر.

[31] مقابلة شخصية، نفس المصدر، 31 مارس 2019.

[32] مقابلة شخصية مع أحد أعضاء “شباب قطر ضد التطبيع”، 27 مارس 2019.

[33] Tamara Nassar, “Israel Propagandist Alan Dershowitz protested in Qatar,” The Electronic Intifada, 5 March 2018, < https://electronicintifada.net/blogs/tamara-nassar/israel-propagandist-alan-dershowitz-protested-qatar  >.

[34] مقابلة شخصية مع أحد أعضاء “شباب قطر ضد التطبيع”، 31 مارس 2019.

[35] للمزيد عن تفاصيل مستجدات التطبيع مع الكيان الصهيوني في دول مجلس التعاون: الثابت والمتحول 2018: هامش التنمية في الخليج، مصدر سابق، “قسم المستجدات السياسية في دول مجلس التعاون”.

[36] “خبر صحفي وتصريح اللجنة المؤسسة للجمعية القطرية لمساندة الحقوق الفلسطينية بما يتعلق برفض التأسيس،” موقع الدكتور علي الكواري، <  http://dr-alkuwari.net/sites/akak/files/pressrelease-palisianlegalrightsqatar2001.pdf >.

[37] مقابلة شخصية مع أحد مؤسسي “مجلة مواطن”، 9 فبراير 2019

[38] المصدر نفسه.

[39] المصدر نفسه، 17 مارس 2019.

[40] المصدر نفسه، 9 فبراير 2019.

[41] المصدر نفسه، 17 مارس 2019.

[42] مقابلة شخصية مع أحد أعضاء “منصة الطليعة”، 27 مارس 2019.

[43] نفس المصدر.

[44] نفس المصدر.

[45] تجربة شخصية للمؤلف كعضو مؤسس في المبادرة.

[46] نفس المصدر.

[47] نفس المصدر.

[48] نفس المصدر.

[49] مقابلة مع أحد رواد المبادرة، 22 مايو 2019.

[50] تجربة شخصية للمؤلف كعضو مؤسس في المبادرة.

[51] نفس المصدر.

[52] نفس المصدر.

[53] نفس المصدر.

 

رابط المصدر:

http://gulfpolicies.org/index.php?option=com_content&view=article&id=2816:26-&catid=271:-2019-&Itemid=650

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M