مقدمة
تحظى الانتخابات الأميركية المرتقبة في عام 2020 باهتمام كبير، لأنها ستُحدّد بقاء الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض أربعة أعوام أخرى أو عدم بقائه. كما أن الكونغرس يستعدّ ليخوض انتخابات بالغة الأهمية؛ إذ يَجري اقتراع على كامل مقاعد مجلس النواب كل عامين، ويُجدّد ثلث مقاعد مجلس الشيوخ تقريبًا كل دورة انتخابية. وفي عام 2020، سيُنتخب 435 عضوًا مصوِّتًا لمجلس النواب، بينما يشهد هذا العام تنافسًا على 35 مقعدًا في مجلس الشيوخ في أنحاء البلاد كلّها.
يتطلّع الديمقراطيون إلى الاحتفاظ بالغالبية في مجلس النواب، أو تعزيزها، بينما يسعى الجمهوريون الذين يسيطرون هذا العام على 23 مقعدًا، في مقابل 12 للديمقراطيين، ليحافظوا على غالبيتهم في مجلس الشيوخ. وعلى العكس من ذلك، يحتاج الجمهوريون إلى 20 مقعدًا ليستعيدوا السيطرة على مجلس النواب، في حين يحتاج الديمقراطيون إلى أربعة مقاعد (ليسيطروا على مجلس الشيوخ سيطرة مطلقة)، أو إلى ثلاثة مقاعد والرئاسة ليشكلوا الغالبية في مجلس الشيوخ. وسيؤدي السيناريو الأخير إلى تعادل في الأصوات بين الجمهوريين والديمقراطيين (والنائبَين المستقلين اللذين يتحالفان معهما)، ويصوّت نائب الرئيس، بصفته رئيسًا لمجلس الشيوخ، ليكسر التعادل.
ماذا تعني السيطرة على الكونغرس؟
تتيح السيطرة على الكونغرس، في أبسط أشكالها، للأحزاب السياسية القدرةَ على سن قوانين جديدة، والتحكّم في أولويات الإنفاق الفدرالي (المعروفة باسم “صلاحية الإشراف على الإنفاق”)، والإشراف على الفرعين التنفيذي والقضائي للدولة. ووفقًا للدستور الأميركي[1]، يضطلع الكونغرس أيضًا بالمسؤولية عن مسائل مثل فرض الضرائب وتحديث الجيش والحفاظ عليه وإعلان الحرب، إذا لزم الأمر. ولدى مجلس الشيوخ صلاحيات ومسؤوليات إضافية؛ إذ هو مُكلّف على وجه التحديد بتقديم المشورة بشأن التعيينات الرئاسية والموافقة عليها. ويتمتّع الرئيس بسلطة تعيين أفراد للإشراف على الإدارات والهيئات الفدرالية، وشغل مناصب مدى الحياة في السلطة القضائية، والعمل بصفة قادة عسكريين. لكن، لا يسمح مجلس الشيوخ دائمًا للرئيس باختيار أي فرد يرغب فيه لتلك الأدوار، ولا سيما عندما يكون الرئيس من الحزب المعارض.
قد يكون الكونغرس في بعض الأحيان في خصومة مع السلطة التنفيذية التي يرأسها الرئيس. ويصدق هذا الأمر بصفة خاصة عندما يسيطر الحزبان، كل على فرع مختلف من الحكم. ويمكن أن يؤدي هذا الموقف المعارض إلى نزاعات سياسية بشأن الموازنة الفدرالية ويرفض أعضاء الكونغرس أولويات الرئيس التشريعية. ومع تنامي الاستقطاب السياسي في أميركا، أصبحت السيطرة على الكونغرس عصًا غليظة تُستخدم ضد الحزب الذي يشغل منصب الرئاسة. وكان الجمهوريون قد أحبطوا جداول أعمال الرؤساء الديمقراطيين في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومرة أخرى في العقد الثاني من هذا القرن. وفي المقابل، أحبط الديمقراطيون إدارة جورج بوش الابن في مطلع هذا القرن، ومع السيطرة على مجلس النواب في انتخابات الكونغرس في عام 2018، حاول الحزب أن يكون وسيلة كبح لرئاسة ترامب.
انقسام الحكومة وأثره في السياسات
يقدّم النصف الثاني من ولاية الرئيس ترامب الأولى مثالًا ساطعًا على مساوئ الحكومة المنقسمة. وعادة تتكوّن الحكومات المنقسمة[2] من حزب واحد يسيطر على البيت الأبيض، بينما يحتفظ الحزب المعارض بالغالبية في أحد مجلسي الكونغرس أو في كليهما. فعند تنصيب ترامب في عام 2017، سيطر الحزب الجمهوري على البيت الأبيض وعلى مجلسي النواب والشيوخ. وباستثناء القواعد التي تحدّ مما يمكن تمريره عبر مجلس الشيوخ، منحت السيطرة الموحَّدة على الفرعين التشريعي والتنفيذي الحزب الجمهوري والرئيس ترامب القدرة على تنفيذ جدول أعمال يعارضه إلى حدٍ بعيد الحزب الديمقراطي، وعلى الاستفادة منه إلى حدٍ ما.
لكن منذ انتخابات الكونغرس النصفية في عام 2018، سيطر الديمقراطيون على غالبية مقاعد مجلس النواب، وحافظ الجمهوريون على غالبية مقاعد مجلس الشيوخ. وأفضى هذا التطور عمليًا إلى حكومة لم تكن مثمرة جدًا. ووافق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون على عدد كبير من مشروعات القوانين التي لم ينظر فيها في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، والعكس صحيح. وإذا أسفرت انتخابات عام 2020 عن أي شيء آخر غير حكومة موحَّدة خاضعة لسيطرة حزب واحد، فيمكن أن نتوقع أن تعمل الحكومة بالطريقة نفسها التي عملت بها منذ بداية عام 2019.
دور الكونغرس في رسم السياسات إزاء الوطن العربي
لا يملك الكونغرس، في نهاية المطاف، إلا قدرة محدودة على تشكيل الموقف الأميركي تجاه المجتمع الدولي، كما أثبتت فترة ولاية الرئيس ترامب. ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما، الرئيس هو الرئيس التنفيذي للحكومة الأميركية ولديه هامش كبير في تقدير كيفية تنفيذ السياسات. وثانيهما، دأب الكونغرس، في العقود الأخيرة، على التنازل عن السلطة باستمرار للرئيس لتحديد قرارات السياسة الخارجية وتنفيذها عشوائيًا. لنأخذ على سبيل المثال استخدام القوة العسكرية[3]؛ فمنذ عام 2001، أجاز أعضاء الكونغرس استخدام القوة العسكرية على وجه التحديد في أفغانستان والعراق وضد تنظيم القاعدة وجماعات مماثلة مثل “تنظيم الدولة الإسلامية”. لكن الإدارات المتعاقبة زادت انفراديًا عدد الدول التي يقاتل فيها الجيش الأميركي. ففي الوطن العربي وحده، شارك الجيش الأميركي، أو يشارك حاليًا، في نزاع مسلّح في اليمن وليبيا وسورية والصومال، إضافة إلى الأعمال القتالية كلها المصرّح بها رسميًا في العراق. ولم يأذن الكونغرس رسميًا بأي من هذه الجولات، لكن، ادّعى الرؤساء المتعاقبون امتلاك صلاحية ومسؤولية القيام بعمل عسكري في تلك الأماكن. ولا يزال الكونغرس حتى اليوم غير راغب في كبح جماح الاستخدام المطّرد التوسع للقوة العسكرية وغير قادر على ذلك، ويستمر استخدام تفويضات استخدام القوة العسكرية لعامي 2001 و2002 لتبريرها في مناطق لم يُجزها الكونغرس صراحة.
لكن، لأعضاء الكونغرس بعض القدرة على التأثير في السياسة الأميركية تجاه الوطن العربي[4] والشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمومًا.[5] فمن خلال التشريعات وإعداد الموازنة وجلسات الاستماع العامة، يمكن الكونغرس أن يضغط على البيت الأبيض ليتّبع سياسات معيّنة أو يتفادى اتّباعها، على الرغم من أن فاعلية هذا الضغط تتباين تباينًا كبيرًا بحسب من يحتل المكتب البيضاوي.
1. صلاحية الإشراف على الإنفاق
إن مصدر قوة الكونغرس الرئيس في وضع السياسة الأميركية مستمد من قدرته على إعداد الموازنة وتمويل الحكومة الفدرالية، حيث تمنح العملية التي يضع المشرعون من خلالها الموازنة الفدرالية أعضاء الكونغرس فرصةً كبيرةً للتعبير عن رغباتهم في نتائج السياسة. تكون مشروعات فواتير الإنفاق عادة عددًا ضخمًا من التشريعات مع مئات الصفحات من النصوص التي تحدّد للمؤسسات الحكومية البرامج التي يمكنها، أو لا يمكنها، الإنفاق عليها. ونظرًا إلى الأهمية الكبيرة لمشروعات القوانين هذه (يقود استخدام الرئيس حق النقض إلى إيقاف نشاط الحكومة الفدرالية بحجة عدم توافر أموال كافية للعمل)، يضيف أعضاء الكونغرس عادة نصوصًا إلى مشروع القانون ويتحدّونه بألّا يتم توقيعه ليصبح قانونًا. ومن الأمثلة الحديثة اشتراط الكونغرس مساعدة مصر بتحسين أوضاع حقوق الإنسان. وعمل السناتور باتريك ليهي (ولاية فيرمونت) على أن يكون تقديم 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية في السنة المالية 2018 لمصر رهنًا بتحسين سجلّها[6] في مجال حقوق الإنسان. وحتى إذا كان الرئيس يتجاهل بندًا كهذا، من المستحيل عمليًا وسياسيًا، استخدام حق النقض ضد الموازنة بأكملها وإيقاف عمل الحكومة بسبب هذه القضية الفردية.
تشكل مصر أحد الأمثلة، لكن إضافة اشتراطات خاصة بالسياسة الخارجية إلى مشروعات قوانين الإنفاق ممارسةٌ شائعة، وأثّرت في عدد من الدول العربية. وطالما كانت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية هدفًا لهذا التكتيك. وبما أن الكونغرس أشدّ تعاطفًا مع موقف إسرائيل، جمّد المشرعون باستمرار المساعدة الأميركية[7] الموجّهة لهما لإجبارهما على اتخاذ مواقف أقرب إلى السياسات الأميركية. وفي الآونة الأخيرة، فكّر المشرعون في وضع نص في مشروع قانون الإنفاق للسنة المالية 2020 يحظر استخدام[8] الأموال الأميركية في دعم حملة الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. ويوضح هذان المثالان كيف يمكن أن يستخدم الكونغرس الأموال للتأثير في السياسة الأميركية. لكن الكونغرس يخصص الأموال أحيانًا لسياسة محددة، ولا تكون الإدارة مستعدة دائمًا لتنفيذ هذا الموقف. على سبيل المثال، رصد الكونغرس، كما يفعل عادة، مبالغ لدعم كيانات دولية توفّر الإغاثة والدعم للاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك البلدان المضيفة، مثل الأردن ولبنان. لكن إدارة ترامب رفضت رصد هذه الأموال[9]، متجاهلة أساسًا إرادة الكونغرس عبر حرمانها الفلسطينيين من دعم أقرّه لهم المشرعون.
2. التشريع
يمكن الكونغرس أيضًا أن يملي السياسة الأميركية عبر تشريعات مستقلة. فعلى سبيل المثال، إذا حصل الكونغرس على الدعم الكافي، يمكنه أن يمرر مشروع قانون يمنع الولايات المتحدة من بيع الأسلحة إلى كيان أجنبي أو يُلزمها بفرض عقوبات على دولة أخرى (مثل قانون العقوبات على إيران[10] أو قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات[11]). ومن السهل على الرئيس أن يستخدم حق النقض ضد مشروعات القوانين المستقلة، إذا لم يوافق على التشريع، لكن إذا أصرّ عددٌ كافٍ من المشرعين على إقرار مشروع قانون، يمكن الكونغرس أن يتخطّى نقض الرئيس ويمرر مشروعات القوانين على كل حال بغالبية الثلثين.
تحفّظ تشريع مستقل في الفترة الأخيرة، مرة أخرى، على المساعدات الموجهة إلى الفلسطينيين (قانون قوة تايلور[12]) وفتح المجال أمام دعاوى قضائية تقيمها عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية ضد المملكة العربية السعودية (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، جاستا[13]). وعادةً ما تكون هذه العملية أشد فاعلية عندما يتفق المشرّعون والرئيس على موضوع ما، لكن كما ذكرنا آنفًا، يستطيع الكونغرس دائمًا أن يتجاوز حق النقض ويمرر القانون. وحتى إذا تعذّر الحصول على الغالبية المطلقة ضد الفيتو، يكفي أحيانًا التهديد بتزايد شعبية التشريع لإجبار الإدارة على تعديل سياسة معيّنة.
3. الرقابة وجلسات الاستماع
أخيرًا، يمكن أن يستخدم المشرعون الرأي العام في رسم السياسة الأميركية؛ فمن خلال إجراء تحقيقات في تنفيذ السلطة التنفيذية للسياسات، يستطيع المشرعون أن يلفتوا الانتباه إلى الآثار المترتبة عن السياسات. وغالبًا ما تتمكّن جلسات الاستماع العامة من إعلام الناخبين الأميركيين بقضايا قد لا يتم تغطيتها بانتظام في وسائل الإعلام، وإذا رغب عددٌ كافٍ من الناخبين في تغيير السياسة، فربما تعيد الإدارة النظر في هذا الموقف.
في هذا العام، عقدت لجنتا الشؤون الخارجية في مجلسَي النواب والشيوخ جلسات استماع لاستكشاف موضوعات، مثل السياسة الأميركية تجاه سورية، ودور أميركا في ليبيا، وموقف واشنطن من الصراع في اليمن. وفي الحالة الأخيرة، دفع الاستياء العام المتزايد من الدور الأميركي في ما يُعد أكبر أزمة إنسانية في العالم، الإدارة الأميركية ببطء، لكن بفاعلية نحو الحد من المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية هناك. ويتعيّن على عدد كبير من المشرعين أن يقف ضد سياسة محددة قبل أن تعيد الإدارة النظر في هذا الموقف، لكن جلسات الاستماع والتحقيقات هي تكتيك مفيد يستخدمه المشرّعون ليحشدوا الجمهور حتى يدعم سياسة محددة أو يعارضها.
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، سيؤدي الكونغرس دورًا مهمًا، وإن كان على الأرجح غير حاسم، في صوغ السياسة إزاء الوطن العربي. فمن خلال مسؤولياته الفريدة وسيطرته على الإنفاق الفدرالي، سيسعى الكونغرس بالتأكيد ليؤثّر في الموقف الأميركي إزاء الوطن العربي والشرق الأوسط عمومًا بغض النظر عمّن يشغل البيت الأبيض.
[1] “US Constitution Article I,” The Legal Information Institute, [n. d], accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/1CODOxp
[2] Marcus Montgomery, “Congress and President Trump after the 2018 Midterm Elections,” Arab Center Washington DC, 8/11/2019, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2ofnHu2
[3] Marcus Montgomery, “A Looming Collision: Donald Trump and Presidential War Powers,” Arab Center Washington DC, [n. d.], accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2mM5kws
[4] Marcus Montgomery, “The Arab World in the 115th Congress: A Review,” Arab Center Washington DC, 30/1/2019, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2p6Yjaj
[5] Marcus Montgomery, “The 2018 Midterm Elections: What Do They Mean for the Middle East?” Arab Center Washington DC, 1/11/2018, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2nqzINk
[6] Jack Detsch, “Congress withholds Egypt aid over injured American,” Al Monitor, 3/5/2018, accessed on 30/9/2019, at:
[7] Scott Lasensky & Robert Grace, “Dollars and Diplomacy: Foreign Aid and the Palestinian Question,” United States Institute for Peace, 1/8/2006, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2ojBLCC
[8] Tara Golshan, “Lawmakers aim to twist Trump’s arm on Yemen – and check his cozy ties to Saudi Arabia,” Vox, 10/9/2019, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2kDhQ08
[9] Karen DeYoung, Ruth Eglash & Hazem Balousha, “US ends aid to United Nations agency supporting Palestinian refugees,” The Washington Post, 31/4/2018, accessed on 30/9/2019, at: https://wapo.st/2nyzRhu
[10] “Iran Sanctions Act of 1996,” United States Department of the Treasury, 15/12/2016, accessed on 30/9/2019, at:
[11] “Countering America’s Adversaries Through Sanctions Act,” United States Congress, [n. d.], accessed on 30/9/2019, at:
[12]Marcus Montgomery, “Taylor Force Act: Putting the Palestinian Authority on Notice,” Arab Center Washington DC, 3/8/2017, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2od9TjH
[13] Ingrid Wuerth, “Justice Against Sponsors of Terrorism Act: Initial Analysis,” Lawfare, 29/9/2016, accessed on 30/9/2019, at: https://bit.ly/2s0HcFZ
رابط المصدر:
https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/The-Congress-and-the-2020-Elections.aspx