إعداد : د. حفيان عبد الوهاب – أستاذ محاضر بالمركز الجامعي أمين العقال الحاج موسى أق اخموك
الملخص:
تتطرق الورقة البحثية إلى آليات و ديناميكيات اشتغال عقل العولمة و المستويات التي ينبغي عولمتها, كالقيم والقوانين والقواعد والمعايير ومثل ومبادئ وأفكار ومعارف كما تدرس الورقة فكرتا حقوق الإنسان والديمقراطية الليبرالية. باعتبارهما من بين أهم القيم الموروثة عن التفاعلات الفكرية- المعرفي- السياسية- الاقتصادية لعصر الأنوار والحداثة والتحديث الأوروبي، كما تحاول الورقة الاقتراب من تحليل ارث ثقافة حقوق الإنسان المعاصر الذي ما فتئ يحاول طبعها بطابعها كما تدرس منحنى تطور الإنسانية وطبيعة المسلمة المعرفية الجزيئية السائدة آنذاك على معظم الأدبيات المتداولة عنها.
إن الورقة تركز على تفاعلات العلاقات الدولية المعاصرة و القيم “العالمية” – أي عالمية القيم الخصوصية الحضارية الغربية ومنها عالمية حقوق الإنسان كما ورثتها البشرية من التجربة الحضارية الغربية-و التي نؤمن أنها تمر اليوم في ظل العولمة الجارية بأزمة في التصور والممارسة، حيث تتعرض للنقد المزدوج من داخل المنظومة الحضارية الغربية ومن داخل المنظومات الحضارية المغايرة.
Summery :
The research paper address the mechanisms and dynamics of globalization and the functioning of the mind levels that should be globalized, laws, rules and standards, such as the principles, ideas and knowledge is also considering paper study human rights and liberal democracy. As among the most important inherited values for interactions Intellectual – economic political-of the modernity European and update, as paper attempts to get closer to the legacy of the contemporary culture of human rights, which has been trying to printed character is also considering curve evolution of human and the nature of cognitive molecular prevailing at the time the analysis Most of the literature circulating them.
The paper focuses on the interactions of contemporary international relations and “universal” values - any global privacy civilized Western values , including the universality of human rights as human inherited from Western civilization experience – and we believe that they are going through today in light of the ongoing crisis in the perception and practice of globalization , where exposed to criticism in double systems the system of Western civilization and cultural systems within the contrary .
مقـدمـة:
تمر البشرية بمرحلة جد ديناميكية و متسارعة من الاندماج والاعتماد المتبادل بين الثقافات والاقتصادات و الأمم بقيادة قوى غربية وأسيوية. وتزداد وتيرة تلك الديناميكية منذ انهيار جدار برلين حيث يجري تسريع خطى العولمة من طرف القوى المسيطرة الكبرى تحسبا لظهور قوى منافسة جديدة تسعى لتساهم إلى جانب بعض القوى الغربية في صناعة حضارة القرن.
إن عقل العولمة يشتغل على مستويات ينبغي عولمتها, كالقيم والقوانين والقواعد والمعايير ومثل ومبادئ وأفكار ومعارف و أهمها فكرتا حقوق الإنسان والديمقراطية الليبيرالية. ولما كانت فكرة حقوق الإنسان مثلا من بين القيم الموروثة عن التفاعلات الفكرية- المعرفي- السياسية- الاقتصادية لعصر الأنوار والحداثة والتحديث الأوروبي، فإن ميراث ثقافة حقوق الإنسان المعاصر قد طبع بطابعها وانعكست خصائص عالمها ومستوى تطور الإنسانية وطبيعة المسلمة المعرفية التجزيئية السائدة آنذاك على معظم الأدبيات المتداولة عنها.
1- من المنظومة الحضارية / الخصوصية الغربية: نقد فكري، فلسفي آت من جهة القوى المناهضة للعولمة ومن تيار ما بعد الحداثة الناقد لموروثات الحداثة الغربية، مستندين إلى ما يكتنف عقلانية عصر الأنوار من قصور وما تتعرض لـه تلك المبادئ من انتهاكات بسبب وقوع ذلك المنظور في فخ المركزية والرؤية الثنائية الصراعية الغربية للإنسانية ( الغرب ضد بقية العالم / المتحضرون ضد البرابرة ) ويظهر ذلك من خلال حصيلة ممارسات قوى العولمة النيوليبرالية التي تريد تحويل جل ما في الطبيعة إلى سلعة، بينما يجري تسليع كل ما يتعلق بالإنسان من الجينوم البشري إلى الثقافة…(1)
1- نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، العدد 265 من سلسلة عالم المعرفة، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.يناير 2001م.ص 14- 19 .
1- من المنظومات الحضارية / الخصوصيات غير الغربية: حيث تساهم العولمة في إبراز التعددية الثقافية للكوكب- الوطن وتبرز الأصوات الناقدة والمثرية لثقافة حقوق الإنسان منذ بدايات استقلالات بلدان العالم المستعمَر. ومن ثمة تتعرض عالمية فكرة حقوق الإنسان لأزمة عميقة تظهر من خلال الحروب الباردة التي اشتعلت هنا وهناك بعد انهيار العالمية الشيوعية وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقيادة العالمية وأزمة منظومة الأمم المتحدة وظهور قوى اقتصادية جديدة غير غربية كائنة وصاعدة.
إن الدارس للعولمة، يشهد أنها بقدر ما قربت وسائلها – عبر ديناميكية السوق الكوكبية والتكنولوجيات الاتصالية – بين أركان هذا الكوكب- الوطن في الزمن العالمي الحقيقي، بقدر ما باعدت بين الشعوب والأمم حقائق العولمة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والخصوصيات الثقافية التي طالما أقصتها الخصوصية الحضارية الغربية عن المساهمة في صناعة مستقبل البشرية باسم المركزية العرقية والتفوق الحضاري.(1)
خصوصيات تسعى للمشاركة في صياغة منظومة حقوق الإنسان الجديـدة بعيدا عن المركزيات العرقية والحضارية والتمركز حـول الإنسان بمعـزل عـن الطبيعة التي تتعرض لاعتداءات واختلالات إيكولوجية تهدد الوجود البشري فوق الكوكب، إضافة إلى ضرورة الكـف عـن اجترار منظوماتنا الثقافية والتربوية للأنماط التمييزيـة/ les stéréotypes discriminatoires وتكريس العولمة الاقتصادية لأشكال من اللاتفاوتات الاجتماعية-الاقتصادية التي تبررها الداروينيات الاجتماعية والشموليات والأصوليات المتطرفة والتعصبات الشوفينية للوطنيات والقوميات المختلفة وثقافة شعب الله المختار ومقولات الصراع بين الحضارات أو داخل الحضارات، بل على أساس القيم العالمية التي تحدد ميثاقا ” واجبات الإنسان” لإضفاء المزيد من الأنسنة والأخلاقية على الحضارة المادية المعاصرة، بحيث تعكس العالمية الجديدة القيم الإنسانية المشتركة لسائر البشرية المنخرطة في ديناميكية التحديث الكوكبية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-: شوقي رافع، “الخصوصية انتهت … والفرد أصبح مكشوفا”. مجلة العربي، عدد 491. أكتوبر 1999م. ص158-162.
إشكالية الموضوع:
سنحاول التعرض لمظاهر أزمة تعريف فكرة حقوق الإنسان التي تعبر جزئيا عن أزمة شاملة قيم “العالمية” الغربية في ظل العولمة رغم الانتشار والتداول الذي تعرفه في الأوساط السياسية والعلمية والإعلامية والحقوقية. فنظرا لتلك الأزمة، فإن العولمة تبدو برغم سلبياتها، فرصة لجميع الخصوصيات – بما فيها الخصوصية الحضارية الغربية- لتجسيد عالمية جديدة بإعادة التفاوض والتحاور الحضاري السلمي حول ثقافة حقوق الإنسان بصياغة تعريف أعمق وأشمل لمفهوم حقوق الإنسان (الإنسان- الفرد والإنسان- الأسرة والإنسان- الجماعة والإنسان- الطبيعة).
ومن هنا تساؤلات هذا الموضوع:
- كيف يمكن بناء تعريف توافقي للعولمة عامة وللعولمة الراهنة تحديدا ؟
- للعولمة الراهنة؟- ما فرص ومخاطر سياسية وحقوقية
- مسارات وعناصرتطور تعريف فكرة حقوق الإنسان؟
- تفاعلات العولمة و فكرة حقوق الإنسان؟
- أخيرا، السيناريوهات الممكنة لمخرج امن أزمة فكرة حقوق الإنسان في ظل العولمة الراهنة؟
أولا: تعريف عام للعولمة الراهنة
إن العولمة – حسب عدد من الباحثين – مسار وسيرورة تاريخية مركبة ومتعددة الأبعاد والأقطاب. أو هي اتجاه مستقبلي ثقيل وقوي يؤثر في كافة الأنساق في المنظومة الكوكبية. كما أنها أيضا ديناميكية موضوعية تدفع جميع المجتمعات المعاصرة – بما فيها القوى المعولمة الكبرى الرئيسية كالولايات المتحدة الأمريكية(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– 1 : Day-Robert Dufour, « La fabrique de l’enfant « post- moderne » ,Malaise dans l’éducation », in : Le Monde Diplomatique. N°572-48é année. Novembre 2001. p10-11.
على ظهر هذا الكوكب – الوطن – على حد تعبير إدغار موران – تدفعها إلى إعادة هيكلة متعددة الأبعاد والمستويات لقيمها وهياكلها ونظمها وقوانينها ومؤسساتها، حيث غيرت ديناميكيتها مضامين مفاهيم ومسلمات كثيرة موروثة عن قرون النهضة الصناعية وعملية التحديث الموروثة عن عهد الأنوار الأوروبية ومسلمات الدولة القومية الحديثة لما بعد معاهدة ويستفاليا لعام 1648م، مثل مفاهيم الزمان والمكان والدولة والهوية والمواطنة والديموقراطية والحدود والسيادة والاقتصاد والعمل والقيمة…الخ. حتى أضحى كثيرون يتحدثون عن أن ما يشهده العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة خاصة، عبارة عن مرحلة انتقالية تاريخية ومنعطف تاريخي غير مسبوق تمر به البشرية، معبرين عن ذلك ببادئات مثــل: نهاية، ما بعد، بلا، عابر، متعدي، متعدد.(1)
ولعل سبب الجدل حولها أنها تحمل في طياتها عدة مفارقات منها أن العولمة الراهنة تحمل في طياتها اتجاهات متناقضة: اتجاهات توحيدية تنميطية تدفعها مثلا قوى السوق الكوكبية والقوى المؤمنة بعالمية القيم الغربية وصلاحيتها لكافة الأنساق الحضارية واتجاهات تفتيتية خصوصياتية يسعى بعضها لتأكيد الذات والآخر لاستعادة الأمجاد الوطنية المفقودة والآخر يعبر عن وجوده بمواجهة قوى السوق الساحقة للثقافات الناهبة للثروات الوطنية باسم مناطق التبادل الحر، بحيث يتجاور الفقر المدقع مع الثراء الفاحش والخطاب الديمقراطي مع ممارسات ديكتاتورية شمولية.
إذا هي مسار مفارقي الطبيعة، يفرض علينا التعامل معه وفق منطقها المفارقي المزدوج: فوسائلها تتيح – كإمكانية – فرصا متساوية – بفضل خصائص الثورة الرقمية والتكنولوجيات الجديدة- لبلدان ومجتمعات الشمال والجنوب على السواء. بينما حقائقها تكشف عن منطق الإقصاء والتهميش والمزيد من استفحال قوى السوق الكبرى التي تعتبر أولوية الربح على سائر الأولويات بما فيها الإنسان.
فالعولمة متعددة: عولمة الاتصالات والمعلومات والإعلام، وعولمة المبادلات الاقتصادية، التجارية، المالية، وعولمة الثقافات والأديان والأفكار، وعولمة السياسات والنظم والقوانين، وعولمة المعايير والمقاييس العلمية والتقنية، وعولمة التفاعلات الإيكولوجيا، وعولمة الاستراتيجيات الأمنية والعسكري…(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-William D. Angel, »Les Jeunes et la Mondialisation : Acteurs et Victimes »,in :Agora.. N° 19. 1er trimestre 2000.pp17-29. p18.
-2- in : CD – ROM , L’état du Monde, 1981-1997, éd. La Découverte. Paris.
حيث يبدو أن الشمولية – في ظل العولمة الراهنة – قد لبست حلة جديدة مع محاولات الأمركة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، ومن خلال تنامي ظاهرة التركز المالي والمعرفي والإعلامي والثقافي والغذائي والدوائي، من خلال أمثلة استحواذ واحتكار وهيمنة شركات متعدية الجنسيات وبعض الميليارديرات (حوالي 360 ميليارديرا) على مقدرات شعوب بملاييرها مثل: الإمبراطوريات الخاصة لـ: بيل غيتس وروبيرت ميردوخ وبيرليسكوني وماكدونالد وسي.أن.أن وشركة أول- تيم ورنر ومونسونتو ولاقاردير وداسو…وخطورة تلك التركزات على مستقبل الحرية والتربية والقانون والعدالة. خاصة وأن العديد من تلك الشركات متخصصة أصلا في قطاعات الكهرباء والإعلام الآلي وصناعة السلاح والمياه والهاتف والبناء،محولة الإعلام والتربية والتعليم إلى مجرد بضاعة وميدانا للتنافس الرأسمالي ومنه اختراق ووضع اليد على المنظومات الثقافية الأخرى.
وحيث أن العولمة في أحد تعريفاتها المتكاثرة والمضاربة تعبر عن:”تقاطع/convergence عالمي للمواقف والقيم التي تساهم في إقامة أجواء نفسية روحية، وجدانية متداخلة للمجموعة البشرية العالمية بشكل غير مسبوق فيما مضى”. … فما هي أهم مضامين العولمة السياسية والقانونية بالذات؟
ثانيا : تعريف العولمة السياسية والقانونية الراهنة.
يمكن أن نقتصر على تعريف للعولمة السياسية والقانونية من وضع أستاذ العلوم السياسية بيرترون بادي فحواه أن مصطلح العولمة ” يصف عملية تشكل نظام دولي يتجه نحو التوحد في قواعده القانونية، وقيمه، وأهدافه، مع زعمه العمل على إدماج مجموع البشرية ضمن إطاره.”
إذا، العولمة السياسية- القانونية تمثل من الزاويتين السياسية والقانونية، نهاية الدولة التدخليـة، الدائمـة والشديـدة الحضـور /L’état omniprésent والتحويل للمزيد من السلطات نحو السفل أي اللامركزية مع الانخراط نحو الأعلى ضمن مؤسسات متعددة الأطراف جهويا أو دوليا والشركات والمؤسسات العابرة للقوميات الاقتصادية والاجتماعية.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 راجع التقرير العربي حول التنمية الإنسانية، لسنة 2001م الصادر عن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية تحت إشراف الدكتور نادر الفرجاني. أنظر التقرير المنشور كاملا – بفصوله الثمانية وملاحقه الثرية- على موقع الإنترنت التالي:
http://www.undp.org/ rbas/ahdr/abychapter. Htm
إنها تكرس سعي بعض القوى المعولمة لإضفاء العالمية والتعميم والانتشار والتبشير علـى بعض القيم السياسية والقانونية والاقتصادية المرتبطة بقيم الخصوصية الحضارية الغربية، مما يثير ردود فعل الخصوصيات الأخرى غير الغربية مطالبة بالمساهمة في إعادة تعريف محتوى القيم العالمية السياسية التي يمكن قبولها إراديا مثل قيم الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان والشعوب…الخ
استمرار الدولة- الأمة رغم العولمة كقوة ووحدة رئيسية في العلاقات الدولية بحيث تعززت الدول الأمم بأساليب تكيف جديدة مع تغير – لا نهاية – الحدود الوطنية.
– التحول من الديموقراطية النيابية والمركزية إلى ديمقراطية المشاركة واللامركزية. إذ إما أن تكون الديمقراطية محلية أو لا تكون. كما أنه لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين وبلا ثقافة وتنشئة ديمقراطية.
وتتيح آليات الديمقراطية الإلكترونية التفاعلية عدة فرص جديدة لتعزيز ديمقراطية المشاركة. التحول من ديمقراطية المجتمع الصناعي على ديمقراطية المجتمع ما بعد الصناعي من الديمقراطية غير المباشرة على الديمقراطية المباشرة الإلكترونية من الديمقراطية المركزية إلى المحلية.
– انتشار ثقافة حقوق الإنسان ومفاهيم المواطنـة والديمقراطية السياسية والتعددية السياسية، وتزايد المطالبة المجتمعية بالمزيـد مـن الشفافية والشرعية والإدارة الديمقراطية للحكـم والشؤون العامة بحيث تطالب بجهاز دولتي فعال اقتصاديا وبأداء متميز للمؤسسات القضائية ومؤسسات الخدمات العامة.(1)
– الانتقال من العلاقات الثنائية دوليا إلى بناء علاقات متعددة الأطراف وعقد تحالفات وتجمعات إقليمية وكوكبية عبر الاتحاد الأوروبي، مناطق التبادل الحر العربية الأورومتوسطية، الإيغاد، الأزيان ، النافتا، منظمة التجارة العالمية الناتو والشراكة من أجل السلام، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، الآبيك، الأوبيك، منظمـة التجـارة والتعـاون الاقتصـادي (OCDE) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية(UNCTAD) برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية/UNDP…الخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– 1 :Ignacio Ramonet, ” La mutation du monde”, in: Le monde diplomatique, n°d’octobre1997.p01
– الأخذ بمبدأ النسبية الثقافية والتعددية الثقافية في بناء الجماعات الوطنية لتلافي انفراط رابطة العقد الوطني ولتعبئة جميع الموارد البشرية الوطنية المتاحة بكافة ألوان طيفها بعيدا عن السياسات والنماذج المفرطة في الرؤية النمطية للهوية الوطنية .
– إعادة تعريف مفاهيم سياسية كلاسيكية مرتبطة بالظروف التاريخية الحضارية لظهور الدولة الوطنية الحديثة مثل: السيادة الوطنية، الهوية الوطنية، الحدود الوطنية، الاقتصاد السوق الوطنية، الهوية الوطنية، اللغة الوطنية… بحيث تنسجم مع التحولات التي تدفع إليها ديناميكية العولمة الاتصالية والاقتصادية…
– تنامي أدوار ووظائف المجتمع المدني وطنيا وعبر الأوطان وتزايد الوعي المواطني بأهمية المشاركة السياسية محليا ووطنيا وكوكبيا للحيلولة دون تداعي عدوى الأزمات والأمراض العابرة للحدود الوطنية وحلها ضمن شروط ممارسة الديمقراطية المحلية والوطنية عن طريق الحركة الجمعوية .السوق الوطنية، الهوية الوطنية، اللغة الوطنية… بحيث تنسجم مع التحولات التي تدفع إليها ديناميكية العولمة الاتصالية والاقتصادية…
– تنامي أدوار ووظائف المجتمع المدني وطنيا وعبر الأوطان وتزايد الوعي المواطني بأهمية المشاركة السياسية محليا ووطنيا وكوكبيا للحيلولة دون تداعي عدوى الأزمات والأمراض العابرة للحدود الوطنية وحلها ضمن شروط ممارسة الديمقراطية المحلية والوطنية عن طريق الحركة الجمعوية(1)
– الأخذ بمبدأ الحكم الصالح والشفافية ودولة القانون والإلحاح على المزيد من الشفافية والنظافة السياسية والإدارية والمحاسبية في إدارة المال العام وفي إدارة الشأن العام وتنمية الموارد الاقتصادية بعيدا عن المحسوبية والرشوة والمحاباة والغموض واللصوصية وإهدار الموارد في مشاريع ترفيه بذخية ترهن مستقبل الأجيال القادمة وتحول دون تحقيق تنمية مستديمة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضياء رشوان، ” الخطاب العربي الكوكبي الجديد وممارساته (3من3)، تحويل الوطن إلى ” مشروع شركة” يدمر معنى الوطنية”، جريدة الحياة اليومية اللندنية. العدد 12585. 14 أوت 1997م.ص 07.
– زيادة درجة التسييس لأوساط واسعة من البشر بعد طول احتكار للمجال السياسي من طرف السياسيين وأساليبهم السرية في إدارة الشأن العام وانكشاف الكثير من ممارساتهم عبر السلطة الرابعة ومواقع الإنترنت والقنوات الفضائية والمعارضات السياسية وهذا أتاح فسحة من الإعلامية أكبر وقلص من حدة تهميش أو هامشية الدور السياسي لقطاعات سكانية كبيرة.
– تزايد وتيرة الحراك الجيلي وسرعة تنضيج وعي الصغار والشباب من الأجيال الجديدة التي عاصرت ثورة المعلومات والاتصالات وموجة الدمقراطيات الصاعدة، مما يضغط في اتجاه التجديد للقيادة والتداول الجيلي على السلطة – على أساس الإدارة عبر الفريق واللجوء إلى الذكاء الجماعي على المستويات المحلية والمركزية للتغلب على حدة المنافسة وتعقدية النظم والحركيات، خاصة لما أضحى يتطلبه الفعل السياسي من مهارات لا تكفي فيه القدرة الخطابية وكاريزما الشخصية والإنجازات البطولية قيادات الجيل المخضرم من الأجيال الشبانية السابقة.(1)
رابعا: حقوق الإنسان: هل نحن أمام معضلة أزمة في المرجعية وفي المسار التاريخية لانتشار الفكرة.
تبلور مفهوم حقوق الإنسان في عصر النهضة، من أصول يونانية-رومانية، في ظروف أوروبية، وأمريكية محددة في التاريخ بمميزاتها الاجتماعية والسياسية. “فالإعلان العالمي عن حقوق الإنسان -حسب الباحث السياسي السوري جوزيف يعقوب– يحمل لون الحقبة الزمنية التي ولد فيها وفيه مذاق الفضاء الذي ولد فيه أيضا وهو الفضاء الغربي”
وقد أسس للفكرة فلاسفة عصر النهضة العقلانيين على أساس فكرة “حالة قانون الطبيعة”. وهناك من يعيد أساسه إلى فكر العقد الاجتماعي لـ جون جاك روسو.
“إنَّ البحث عن أصل المثلث الفرنسي: الحرية والمساواة والإخاء؛ الذي جاء على رأس الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن (الثورة الفرنسية 1789م، يؤدي بنا إلى الإعلان الأمريكي للاستقلال سنة 1776م.
وقد أكد “جلينك” أنَّ إعلان حقوق الإنسان كان نتيجة حركة الإصلاح الديني وليس للثورة الفرنسية”. “وقد جاء الإعلان لينهي السلطة المطلقة للمَلِك والكنيسة والإقطاعيين وينهي الامتيازات”
وهنا يتساءل الدكتور محمَّد عابد الجابري عمَّا إذا كان “فلاسفة أوروبا في القرن الثامن عشر قد لجؤوا إلى الدين في محاولتهم تأسيس “عالمية حقوق الإنسان؟””. فيجيب قائلا: “إنَّ نص إعلان الاستقلال الأمريكي قد وظف في تقريره لـ “حقوق الإنسان” مفاهيم دينية صريحة مثل “الخالق” و”الحاكم الأعلى للكون” و”العناية الإلاهية”، وبالرغم كذلك من أنَّ “إعلان حقوق الإنسان”، الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية قد أشار في ديباجته إلى “رعاية الكائن الأسمى” [أي: الله] إنـَّه بالرغم من هذا وذاك فإنَّ الدين لم يكن بصورة من الصور، المرجعية التي تؤسس “حقوق الإنسان تلك”، بل (..) قد نُودِيَ بها أصلا من طرف الفلاسفة ضدَّ أعلى جميع السلطات التي كانت تتحكم في الإنسان الأوروبي في ذلك الوقت، وعلى رأسها سلطة التقاليد(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– 1محمَّد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. ط1. نوفمبر 1994م.ص 146-169.
وسلطة الكنيسة (..).بل لقد عمدوا إلى بناء مرجعية عقلية مستقلة تتجاوز سلطة الكنيسة وتعلو عليها، تتألف من ثلاث فرضيات رئيسية هي:
– القول بالتطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل.
افتراض ما سمي بـ”حالة الطبيعة”
– ثمَّ فكرة “العقد الاجتماعي” فالانتقال من “حالة الطبيعة” إلى “حالة المدنية” كما قرر جون جاك روسو (1712-1778م
ويرى الجابري أنَّ الصفة العالمية المؤسسة لمفهوم حقوق الإنسان مستمدة من تجاوزها للخصوصيات الثقافية ورجوعها إلى “البداية” أو إلى “ما قبل” كلّ ثقافة وحضارة إلى “حالة الطبيعة(1)
وتتضمن فكرة حقوق الإنسان: حقَّ حرية التفكير والملكية والصحافة والاعتقاد والتعبير والتنظيم وغيرها من الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
كما عُرفت الحرية بأنَّها حقّ القيام بكلِّ ما لا يسئ إلى الآخرين. وبما أنَّ الناس أحرار عالميا، فلا بدَّ من ضمان احترام حقوقهم عالميا، بالبرهنة على وجود “قانون طبيعي” أي وجود حقوق ملازمة للطبيعة البشرية سابقة لأي انتماء إلى أي مجتمع، أي حق مستقل عن أي تميز ثقافي؛ حق أعلى من القانون الوضعي الذي هو القانون الوطني لأي دولة. هذه الفكرة يفترض أن تساعد على ترقية حق عالمي يجمع بين مبادئ مشتركة للأمم المتحضرة.(2)
إنَّ “الحقوق مظهر لكرامة الإنسان، فهي تتجاوز الزمن والظروف والتاريخ وتسمو إلى فعل الخلق… وهي [لذلك] غير قابلة للتلاعب بها إذا كانت أصيلة وليست معلقة بإرادة ملك أو برلمان أو طبقة اجتماعية، أي إذا كانت هبة من الطبيعة أو بالأحرى من إله، وأن تكون قد بدأت مع خلق الإنسان”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-حسب الجابري فإنَّ مفهوم “حالة الطبيعة” متطابق مع مفهوم “حالة الفطرة” ونظام ودين الفطرة” [لا دين سلطة الكنيسة]. فنظام الطبيعة = نظام العقل = حالة الحرية والمساواة قبل وجود سلطة تحُدُّ منها. ويعتبر الجابري “الدين الطبيعي” هو نفسه “الدين الإلهي” فلم يكن معناه إحلال “الطبيعي” محل “الإلهي” ولا “العقل” محل “الدين”. أنظر: محمَّد عابد الجابري. مرجع سابق. ص 146-169.
– 2 محمَّد عابد الجابري. مرجع سابق. ص 146-169.
وهنا نواحه مرَّة أخرى إشكالية قانون الطبيعة الذي تستند كل من فكرة العالمية وأحد أهم الأفكار المتفرعة عنها: وهي هنا فكرة حقوق الإنسان بما أنَّ إعلانات حقوق الإنسان مرتبطة بحيثيات محددة وتاريخ خاص بالمجتمعات الأوروبية التي كانت تعيش تحت سطوة مؤسسة الكنيسة وهو واقع ليس عالمي آنذاك. كما أنَّ مفهوم الدين والتجربة الدينية التاريخية ليسا واحدا لدى المجتمعات قديما وحديثا.
- لذلك يمكن التساؤل: لماذا الاعتراض على عالمية حقوق الإنسان؟
أوَّلاً: هناك من لا يؤمن بعالمية قيم “العالمية” وبالتالي لا يؤمن أنَّ قانون الطبيعة عالمي يعلو على القانون الوطني(1).
ثانيا: هناك من يشعر بالحرج من عبارة “قانون” الطبيعة خاصة إزاء القانون الوضعي فكلمة “قانون” حسب تعريف نوبيرتو بوبيو/Noberto Bobbio تعني: “واجب العمل بمقتضى قاعدة تسبب مسبقا آثارا تعويضية في حالة خرقها”.
إذا، فالحق الطبيعي – مع الأسف- لا تسنده الوسائل الإكراهية التي يتمتع بها القانون الوضعي.
ثالثا: القانون الطبيعي ليس قانونا ولكن تعبير عن نوايا حسنة، مرتبط بالفلسفة الأخلاقية.
رابعا: حقوق الإنسان حقوق لائكية، مستقاة من قانون الطبيعة وصاغها العقل المجرد [أي دين عقلي وطبيعي] بينما أتباع ديانات عالمية كالمسيحية والإسلام والهندوسية والكونفوشيوسية والثقافات الأخرى يستندون على غير هذه المرجعية. وحقوق الإنسان علمانية تجعل الدين وحرية التدين مسألة شخصية، فليس لها دور سياسي اجتماعي كبير*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- علي عزت بيغوفيتش. مرجع سابق. ص 329.
*- كتب ماركس عن “المسألة اليهودية” /”La Question Juive “سنة 1844م قائلا: “إنَّ ما يسمى بحقوق الإنسان تمييزا لها عن حقوق المواطنة، ليست سوى حقوق عضو في الطبقة الوسطى. أعني حقوق الرجل [البورجوازي] الأناني منفصلا عن غيره من الناس والمجتمع”، ويأتي مفكر آخر من المدرسة النفعية المادية هو “جيرمي بنتام” فيكتب قائلا: إنَّ “حقوق الإنسان هراء والحقوق الطبيعية للإنسان أكثر هراء” واعتبر الإعلان الفرنسي “عمل ميتافيزيقي”. علي عزت بيغوفيتش، المرجع السابق. ص 329.
خامسا: حقوق الإنسان تستند على قيمة عليا هي الحرية وأولوية الحرية الفردية وبما أنَّ قانون الطبيعة يقضي أنَّ الأقوى والأصلح والمتقدم والأفضل والأرقى هو الذي من حقِّه النصيب الأكبر من الحقوق؛ أي أنَّ التنافس مفتوح وفق قانون الطبيعة، مما يثير صراعات للتوفيق بين المصالح والحقوق الشخصية والمصالح والحقوق الاجتماعية [وطنية أو عالمية…] وبين حقوق الفرد وحقوق الدولة ومصلحتها. فإذا تعارضت إحداهما فكيف يتمُّ الترجيح؟ وقد كان هذا التناقض والإشكال مطروحا منذ الإعلان الفرنسي. كما أنَّ الدول الاشتراكية كانت تُقيم نظمها الاجتماعية على قيمة المساواة وصراع الطبقات فهناك صعوبة التسليم بحقوق إنسان تقوم على أساس الحريات البورجوازية والليبيرالية. فمثلا: “حاول أرنست بلوك أنَّ يُوَفِّق بين الماركسية والحقوق الطبيعية للإنسان ولكنه اضطر في النهاية إلى أنَّ يقول: “لا يمكن القبول بأنَّ الإنسان حر ومساو للآخرين بالميلاد، فلا يوجد حقوق إنسانية فطرية، ولكن الحقوق يتم الحصول عليها، أو يجب الحصول عليها من خلال الصراع”.
وِفقا لهذه النظرة: ليس التاريخ صراعا بين حقوق متعارضة ولكنه صراع بين مصالح متعارضة. وهذا معنى “الصراع الطبقي”؛ فالطبقة التي تخرج منتصرة في هذا الصراع تعلن مصالحها، أو إرادتها، قانونا. لذلك يقول الماركسيون: “القانون هو إرادة الطبقة الحاكمة تحولت إلى إجراءات قانونية”(*) لذلك عند التصديق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس 10ديسمبر 1948م الدورة 183 للأمم المتحدة) صوتت (48 دولة) بـ “نعم”، و(00 دولة) بـ “لا”، و(08 دول) امتنعت؛ وهي: الاتحاد السوفياتي، بيلوروسيا، أوكرانيا، بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، بلغاريا، العربية السعودية، أفريقيا الجنوبية، في غياب ثلثي البشرية التي كانت مستعمرة.
وقد دلَّت مثلا مناقشات مؤتمر حقوق الإنسان بفيينا سنة 1993م، والجدالات الحادة في مؤتمر بيكن العالمي للمرأة (15-14 سبتمبر 1995م)، وفي مؤتمر دربان بجنوب إفريقيا بداية سبتمبر 2001 حول مكافحة العنصرية واللاتسامح…) عن الاختلافات الكبيرة والحادَّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وتعرّف كلمة: “قانون”، تعريفا ماركسيا كما يلي: “هو مجموعة القواعد التي تعبر عن إرادة الطبقة الحاكمة… ويتم تطبيق هذه القواعد بقوَّة الدولة بغرض تعزيز وتقوية وتطوير العلاقات والظروف الاجتماعية لتتواءم مع إرادة ومصلحة الطبقة الحاكمة”. وصاحب هذا التعريف هو المدعي العام الرئيسي للدولة أثناء حركة التطهير (1936-1939م) في الاتحاد السوفياتي. أنظر: علي عزت بيغوفيتش، المرجع السابق. ص 330.
بين الخصوصيات الثقافية والدينية حول فكرة حقوق الإنسان. كما دلَّت على تحالف غير مسبوق بين الفاتيكان وبلدان ومنظمات بلدان إسلامية ومنظمات غير حكومية من مختلف الجنسيات والأديان حول مسائل محددة عن حقوق الأسرة والمرأة).
ان قضية حقوق الإنسان تصلح أن تكون مثالا تصويريا يبين تناقض الرؤى حيالها بين الموقف الليبيرالي والمواقف الأخرى. إنَّ السياسة الأمريكية -مثلا- لا تبدي اهتماما (مبدئيا) بقضية حقوق الإنسان فيما يتصل بالقتل والتعذيب وكفالة الإجراءات القانونية الصحيحة فحسب ولكنها تضيف إليها قضايا أخرى مثل الجنس -بمعنى النوع- والديمقراطية، وقد استمدت هذه الحقوق “عالميتها” من الثورتين الأمريكية والفرنسية.
وفي هذا السياق يقول إدوارد سعيد: “إنَّ هناك مدرسة المؤمنين بسياسة خارجية تقوم على مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية. لكن هذا لا يحظى باقتناع كثيرين داخل الولايات المتحدة أو خارجها، باستثناء منظمات غير حكومية في العالم الثالث تسعى إلى الحصول على تمويل من الصندوق الوطني للديمقراطية (وهو جهاز للسياسة الخارجية الأمريكية غير جدير بالثقة إطلاقا ومثير للسخرية). وهذا مثال عن التناقضات والتقلبات الخرقاء والانتهاكات الصارخة…”
ويعلق نعوم تشومسكي على استراتيجية أمريكا لـما بعد الحرب العالمية الثانية فيما سُمِّي بـ “فريق دراسات الحرب والسلم” عن سياسة حقوق الإنسان الأمريكية كما يلي:
1- إنَّ الحديث عن الحرية والديمقراطية لا معنى له لأنّ الحرية هي حرية أنَّ تنهب، هي وحدها الحرية التي تعني شيئا، وما عداها فإنَّها في الغالب للعرض، وعلينا لكي نحتفظ بحرية النهب والاستغلال أن نعارض بانتظام تحقيق الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وحقوق الإنسان”.*
2- إنَّ هناك معادلة تتعلق بحقوق الإنسان تقوم على ما يلي: كلَّما ساء مناخ حقوق الإنسان كلما ازدادت المساعدات الأمريكية” لأنظمة مُعيَّنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يبقى النقد النيوليبيرالي للحقوق الاجتماعية التي أخذت بها دولة الرفاهية (L’état Providence) كما نراه لدى “ف. ف. هايك” (التعارض بين الحقوق الفردية والاجتماعية) فحواه أنَّ تزايد تدخل الدولة يتضمن ظهور وتطور الحقوق الاجتماعية، التي لا تكون إلاَّ على حساب الحريات العامَّة، وبالتالي على حساب الحقوق الشكلية التي تشكل أساس الليبيرالية، لذلك فلا فرق عند “هايك” أساسي بين دولة الرفاهية والدولة الشيوعية الشمولية، فكل محاولة لتطبيق الحقوق الاجتماعية يؤدي -حسب الموضوع الشديد الحضور لدى الليبيرالية الجديدة- وينتج “نظاما شموليا يستبعد الحريات الفردية”. أنظر: Luc Ferry, Critique de La Critique Néo- Libérale Des “Droits Sociaux” ,in: Marrio Bittati, Bernard Couchner, Le Devoir D’ingérence, éd. Denoêl. Paris. 1987. P 67-72.
ولذلك فإنَّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية مبينة في الحقيقة على مبدأ أنَّ حقوق الإنسان غير واردة، ولكن تحسين مناخ العمليات الاقتصادية الخارجية واردة إلى أقصى الحدود.
وبعد نهاية الحرب الباردة “استُخدم -حسب بيلار إشوفيريا /Pilar Echeverrea- خطاب حقوق الإنسان، وسيلة إيديولوجية لتدخل القوى الكبرى”، تحت غطاء حق التدخل الإنساني.
واحتجاجا على ربط عالمية حقوق الإنسان بالمرجعية الغربية (المركزية العرقية)؛ في حوار نشرته جريدة لوموند الفرنسية مع المفكر الجزائري محمَّد أركون،يرى هذا الأخير” أنَّ الغرب يقوم على مركزية عرقية، ويرفض سماع وجهة نظر الخصوصية الإسلامية” قائلا. “لا تستطيعون أنَّ تطلبوا من كلّ الثقافات أنَّ تتبع نفس المسار الذي اتبعتموه منذ قرنين في فرنسا وأوروبا! إذا تمسكتم بهذا الخطاب فإنَّـَّكم تطلبون من الثقافات الأخرى
أن تنغلق في النموذج الغربي للتطور التاريخي فقط، والذي أعطى الشرعية للهيمنة على الشعوب والثقافات الأخرى بتصدير الحضارة المنجزة في أوروبا (..) يبدو أنَّ الفكر الغربي غير قادر على التطور خارج النماذج التاريخية التي وضعت في أوروبا، مؤيدة بالغرب التكنولوجي”.
إنَّ العالمي هو أحيانا مركزي عرقي؛ يجهل نفسه”؛ يقول أنيس لوبيون. “إذا، فكيف تكسب حقوق الإنسان شرعيتها العالمية، إذا لم تصدر عن الثقافات كلها ولم تحترم من الجميع؟”(1).
وبالإضافة إلى صعوبة القبول بعالمية حقوق الإنسان بالمفهوم الموروث عن عصر النهضة الأوروبية؛ لأنها “عالمية” تفتقر إلى الشمولية والتكامل ومتأثرة بالمنظور التجزيئي للمعرفة الإنسانية وفق المنهج الديكارتي: فمنذ قرنين لا تزال تصدر تصاريح وإعلانات ومواثيق مختلفة أممية أو جهوية وقارية، لتغطية مجالات حقوقية منسية (!?) مثل الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية و…كما أنَّ المنهج التجزيئي لعملية تحرير الوثائق الأولى لحقوق الإنسان أدى إلى الحاجة لصدور ميثاق عالمي لحقوق الطفل سنة 1989م، وحقوق المرأة وحقوق الأسرة و… لأنَّ قانون الطبيعة انطلق من الإنسان – الفرد وتجاهل بُعد الإنسان – الأسرة وبُعد الإنسان – المجتمع والإنسان – الإنسان. وكذلك الإنسان – الطبيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-La Commission Nationale Des Droits De L’homme 1989, “Les Droits De L’homme En Question”, éd. La Documentation Française. Paris. 1989. Voir: “Interrogations” P 21-24.
ـــ ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين تحاول المخابر الفكرية لفكرة حقوق الإنسان إصدار إعلان تكميلي بحقوق المرأة ثمَّ ثالث لحقوق الأطفال وهكذا. فهذه العملية غير علمية بالمرَّة لأنـَّها أهملت في البداية الوحدة التحليلية الحقيقية الواحدة، وهي الإنسان ككائن اجتماعي لا الإنسان كذرة منعزلة، لا وجود لها إلاَّ في ذهن جون جاك روسو وهولمباخ وفولتير وغيرهم من مفكري عصر العقل البورجوازي.
لذا، يدعو المفكر جوزيف يعقوب إلى إعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان عن طريق “علاج شامل غير قابل للتجزئة؛ مع إقحام البعد الثقافي والهوية؛ وكذا البعد التنموي والبيئي في إطار النقاش العام حول المجتمعات البشرية ومصيرها. وربط كلّ ذلك مع نظرة عالمية تأخذ بعين الاعتبار كلّ الخصوصيات التي يمليها القرن الواحد والعشرون”. وإزاء أزمة تصور وتحقيق فكرة حقوق الإنسان بعد قرنين من إعـلانها -بالشكل المتداول حاليا- منذ عصر التنوير الأوروبي؛ فإنَّ التجربة أكدت أنَّ تلك الحقوق لم تكن تعني في الغالب سوى حقوق الإنسان الغربي المسيحي واليهودي أي حقوق عنصرية، مادية بدلا من حقوق عالمية للإنسان(1).
على حين أن الحضارة العالمية – يقول كلود ليفي- ستروس (Claude Lévi-Strauss) عـالم الأنتروبولوجيا -: « لا يمكن أن تكون شيئا آخر غير تعايش الثقافات التي تعرف كيف تحافظ على خصوصياتها» ؛ أي أنَّ العالمية هي مشترك الخصوصيات وبذلك تتخلص من النزوع نحو المركزية وهيمنة خصوصية حضارية أو قومية على أخرى بتحقيق التوازن بين الخصوصية والعالمية. ومن هنا دعوته إلى حصول نوع من التآلف بين الثقافات العالمية يضعها جميعا على قدم المساواة ومن ثمَّ «معاودة النظر بالتصنيف المألوف للمجتمعات إلى متوحشة ومتحضرة، قديمة وحديثة، راكدة ومتحركة، تاريخية ولا تاريخية..». بغير ذلك لا تتصور إمكانية لإعادة صياغة معرفية جديدة لفكرة حقوق الإنسان.
ولكن يبدو أنَّ الفكر الغربي – الذي أنتج فكرة العالمية الحديثة – يبدو أنـَّه يجد صعوبة في عقل ديناميكية “وحدة الأضداد” أي “الاثنان المتراكبان في الواحد” ومن ثمَّ عدم قدرته على تجاوز الصراع بين الخصوصية والعالمية والمحلية والعولمة. إذ العالمي نفسه خصوصي والـمُعَولَم محلِّي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 علي عزت بيفوفيتش. مرجع سابق. ص 330.
وحتى لو سلمنا -حضاريا ودوليا- بوجود مركز وأطراف فمن الخطأ تهميش دور الأطراف وتعظيم دور المركز أو العكس. وهنا يتساءل وليد عبد الحي: «لو لم يقدر للمركز الفيضان عبر حدود نقطة الانطلاق، هل أصبح مركزا؟ بمعنى أنَّ مركز الدائرة يفقد خاصيته هذه لو لم ترسم محيطا من حوله، فخاصية المركز هذه ساهم في وجودها الأطراف والمحيط, ثمَّ هل يكن للمركز أن يتحرك دون حيوية جادة ومبدعة في الأطراف. ومن زاوية مقابلة نتساءل: ألا يمكن إرباك المساهمة الحضارية بتهويل دور الأطراف فيها؟ إنَّ المسألة في تقديري لا تعدو كونها توزيعا وظيفيا في إطار مساهمة حضارية واحدة».
لكن «النسق الحضاري الغربي، منذ استمداده التاريخي للمرحلتين الهيلينية والرومانية، كوَّن ذاته على أساس الصراع والاستعلاء على الآخرين. فالنسق الحضاري الغربي تنابذي، يعتمد على سيطرة الأقوى والتحكم في كلّ شيء بمنطق القوة (..) ومن هنا استهدف النظام العالمي القديم ثمَّ الجديد تذويب
خصوصيات الأمم والشعوب الأخرى». لذلك فهو يعمد في ظل العولـمة إلى تشجيع الانقسام الاجتماعي لإيجاد أسواق و”مناطق نفوذ محررة” – على حد تعبير أستاذنا المرحوم جيلالي اليابس – على حساب الدول الوطنية والاقتصاديات الوطنية التي نمت بعد الحرب العالمية الثانية خاصة جن ويضيف إدغار موران «.. إنـَّنا نعيش في مرحلة ما قبل العقل البشري، فقدرتنا الذهنية ما زالت غير مستغلة بما فيه الكفاية. ففيما يتعلق بعلاقاتنا بالآخر، إنـَّنا برابرة في علاقاتنا بالآخر، ليس فقط في العلاقات بين الأديان والشعوب المختلفة ولكن حتَّى بين الأسرة الواحدة (..) (1).
ويرجع المفكر روجي غارودي أسباب هذه النزعة المركزية الصراعية في الفكر الغربي والعلاقات الدولية في ظلِّ سيطرة النموذج الغربي للتنمية إلى «نمو حضارة الكم والتفكير الذرائعي، والديكارتية وديانة الثروة، والإيغال والتمركز حول الفردية، وفقدان التأمل في
الغايات النهائية في الحياة ومعناها». كما أنَّ «عدم مراقبة العولـمة الجارية قد جعلها مصحوبة بتراجعات عديدة، وبجوانب مدمِّرة جدًا، وتفتيتية، وساحقة للثقافات، ومنمطة للهويات ومن بين الأسباب في كلِّ ذلك – كما يـرى أو ثانـت (U. Thant ) – أنَّ الإطار المعرفي المفاهيمي الغربي ومنه المرجعية المعرفية لمفهوم حقوق الإنسان المهيمنة على دراسات القانون الإنساني الدولي والعلاقات الدولية وظواهر التناقض فيها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1 لويس ج. كانتوري، ” أنماط التفكير المحافظ والليبيرالي حول قضية حوار الثقافات”. مجلة الديبلوماسي. العدد الأوَّل. 26 رمضان 1416هـ/ 15 فبراير 1996م. ص 08.
عاجز عن الإحاطة بـ “وحدة الأضداد” أو بـ “هوية المتناقضات” (L’identité des Opposés) التي يتميز بها الفكر الفلسفي الكونفوشيوسي كما أنـَّه عاجز عن عقل “وحدة ثنائية القطب” في منظور الفكر الإسلامي للكون، والحياة، والوجود، والإنسان. ومن ثمَّ الإقرار بمبدأ التنوع في الثقافات والحضارات والمنظورات المعرفية والفكرية التي تصاغ على ضوئها فكرة العالمية ومنها فكرة حقوق الإنسان(*).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يورد الدكتور وليد عبد الحي مجموعة من الإحصائيات عن الأمين العام للأمم المتحدة السابق: بطرس بطرس غالي فيما يتعلق بخروقات حقوق الإنسان فيقول: “إنَّ 108 دولة ترفض التوقيع على اتفاق يمنع التعذيب، وأنَّ 165 دولة ترفض التوقيع على وقف عمليات الإعدام، وأنَّ 182 دولة ترفض التوقيع على اتفاق يحمي حقوق العمال المهاجرين”. أنظر: د. وليد عبد الحي، “بطرس غالي: والديبلوماسية الوقائية”. الشروق الثقافي. العدد 20. من 9 إلى 16/12/1993م. ص 10.
المراجع:
نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، العدد 265 من سلسلة عالم المعرفة، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.يناير 2001م .
– – التقرير العربي حول التنمية الإنسانية، لسنة 2001م الصادر عن الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية تحت إشراف الدكتور نادر الفرجاني. أنظر التقرير المنشور كاملا – بفصوله الثمانية وملاحقه الثرية- على موقع الإنترنت التالي:
http://www.undp.org/ rbas/ahdr/abychapter. htm
– Voir :Ignacio Ramonet, ” La mutation du monde”, in: Le monde diplomatique, n°d’octobre1997.p01
– ضياء رشوان، ” الخطاب العربي الكوكبي الجديد وممارساته (3من3)، تحويل الوطن إلى ” مشروع شركة” يدمر معنى الوطنية”، جريدة الحياة اليومية اللندنية. العدد 12585. 14 أوت 1997م.
علي عزت بيغوفيتش، تر: محمد يوسف عدس، «الإسلام بين الشرق والغرب». نشر مؤسسة بافاريا ومجلَّة النور الكويتية. ط 1. رجب 1414هـ / يناير 1994م.. ص 330-329.
– Hakim Ben Hammouda, « Perspectives structurelles sur la Mondialisation »,in : Bulletin du Cordesria. Dakar-Sénégal.N°01.2000.p30-39. surtout p31. Voir aussi : http://www.sas.upenn/african-studies/cordesria/codes-menu.html.
– إيان كريب، تر: محمد حسين غلوم، النظرية الاجتماعية من بارسونز على هابرماس، العدد 244 من سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت. .1999
– محمَّد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. ط1. نوفمبر 1994م..
– Luc Ferry, Critique de La Critique Néo- Libérale Des “Droits Sociaux” ,in: Marrio Bittati, Bernard Couchner, Le Devoir D’ingérence, éd. Denoêl. Paris. 1987.
La Commission Nationale Des Droits De L’homme 1989, “Les Droits De L’homme En Question”, éd. La Documentation Française. Paris. 1989.
– Agnès Le Béon, op.cit. /in : http//www.alphacom.net
“La Culture Est La Partie Prenante Dans L’art De Négocier”, Entretien Avec François Jullien, Propos Recueillis Par: Roger-pol Droit./in: site web: Institut de Management d’EDF et de GDF. France. 1997. in: http:// www.im.edfgdf.fr/im/html/>
– لويس ج. كانتوري، ” أنماط التفكير المحافظ والليبيرالي حول قضية حوار الثقافات”. مجلة الديبلوماسيالعدد الأوَّل. 26 رمضان 1416هـ/ 15 فبراير 1996م..
– إدوارد سعيد، ” مادلين أولبرايت، وليام كوهن: خل قديم في زجاجات جديدة” جريدة الخليج. عدد 6423. 08 شعبان 1417هـ/ 18 ديسمبر 1996م..
– يراجع: ناجي علوش. “احتفالات الذكرى الخمسين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والقضايا الغائبة”. قضايا دولية. العدد 283. السنة السادسة. 6 محرم 1416هـ/ 5 يونيو 1995م.
رابط المصدر: