بهاء النجار
كثرة الانتفاضات عند شعب يدل على حيويته ورفضه للظلم ، فالمظلومية لازمت الشعب العراقي منذ عقود إن لم نقل قرون ، وربما اسباب كل انتفاضة متقاربة خاصة إذا تقاربت زمنياً كالانتفاضة التشرينية والانتفاضة الشعبانية ، وتأتي المقارنة للاستفادة من تجربتنا قبل حوالي ثلاث عقود ونتعلم من أخطائها كي لا نقع فيها .
كلا الانتفاضتين انطلقتا بسبب المعاناة والظلم الذي يفوق الحد الطبيعي لدى غالبية الحكام ، فظلم صدام – الذي تجاوز العقدين في حينها – بيّنٌ لدى من عاصره ومن قرأ عنه ، وظلم الطبقة السياسية التي تلته بيّنٌ أيضاً ، حيث تراجع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني ومن سيء الى أسوأ ومن دون أي أمل للانفراج رغم مرور عقد ونصف على مجيئهم للسلطة .
ومن المعلوم أن صدام كان حاكماً دكتاتورياً ولم يعطِ أي حرية سياسية ولا حرية للتعبير ولا حرية للإعلام ولا مجال للرأي الآخر ، وبذلك جاءت الانتفاضة الشعبانية انفجاراً لكوامن الشعب المحبوسة طيلة عقدين من الزمن ، أما أزلام النظام السياسي ما بعد سقوط صدام فرغم أنهم حكموا العراق استناداً لشرعية صناديق الاقتراع إلا أنهم لم يراعوا وقفة الشعب معهم ، بل وضعوا الشعب في زاوية حرجة ، فلا تعاطف مع شعب اختار قادته بنفسه ، وأسوأ ما فعلوه هو جعل العراقيين يتمنون عودة صدام لما رأوه من خذلان .
شملت الانتفاضة الشعبانية 14 محافظة عراقية بينما الانتفاضة التشرينية اكتفت بوسط وجنوب العراق ( 10 محافظات ) ، حيث لم تشارك المحافظات الغربية (السنية) في كلتا الانتفاضتين .
ومن الملاحظ أن الإعلام كان مغيباً تماماً في الانتفاضة الشعبانية ، بينما كان مفتوحاً على مصراعيه في الانتفاضة التشرينية إضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الفيديوهات التي تنقل الخبر من أرض الحدث ويكون النقل أحياناً على الهواء مباشرة ، حتى إن بعض القنوات الفضائية ذات الإمكانيات الفنية والمالية العالية تنقل صوراً مباشرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتعتمدها في تقاريرها الإخبارية ، وعند قطع الانترنت تضج الأوساط الحقوقية والدولية بالرفض والشجب باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان .
جوبهت الانتفاضة الشعبانية بأسلحة فتّاكة وصلت الى السلاح الكيمياوي كما في حلبجة ، ومجموع ما قُتِل خلالها وسُجِن وغُيِّب وهُجِّر مئات الآلاف من العراقيين حتى أصبحت المقابر فيها جماعية ، كل ذلك خلال شهر أو أقل ، بينما الانتفاضة التشرينية أشد ما مورس فيها من أسلحة هو الرصاص الحي والمطاطي الغاز المسيل للدموع تحت رقابة وسائل الإعلام والمنظمات الدولية ولم يتعدَّ عدد الضحايا الأربعمائة شهيد مع بضعة آلاف من الجرحي .
كان للمرجعية الدينية دور مهم في كلتا الانتفاضتين لصالح المنتفضين ، حيث سعت المرجعية الدينية في الانتفاضة الشعبانية الى قيادة هذه الجماهير الغاضبة (لأنها بلا قيادة) وتقنين تحركاتها حتى وصل الأمر بها الى تشكيل مجلس يقوم بدور الحكومة المؤقتة كي لا يخرج قطار الانتفاضة عن السكة ، أما الأوضاع في الانتفاضة التشرينية ( وفي العراق عموماً ) فمختلفة ، حيث تحاول المرجعية توجيه الجماهير من خلال البيانات والخطابات ، ولا بد من الالتفات الى نقطة مهمة وهي أن وسائل الإعلام والمثقفين وحتى المنظمات الدولية تهتم برأي المرجعية وتسلط الضوء عليه ( ربما لغايات سياسية معينة ) ، وهذا ما لم تتمتع به المرجعية الدينية في الانتفاضة الشعبانية بل إنهم مُضايَقون من قبل النظام الظالم .
وفي كلتا الانتفاضتين كان هناك تدخل خارجي ، ففي الانتفاضة الشعبانية تدخلت إيران لصالح المنتفضين كي تسد الفراغ الذي سيتركه صدام لكن الأميركان أحسوا بالخطر ففسحوا المجال لنظامه الإجرامي كي يقطع الطريق على الإيرانيين ، وفي الانتفاضة التشرينية تدخلت الولايات المتحدة مستغلة الغضب الشعبي مستخدمة الجيوش الإلكترونية لتوجه فوّهة مدفع المنتفضين صوب إيران كي تمنع نفوذها في العراق .
استُغِلّت الانتفاضتان سياسياً ، فاستغلت الطبقة السياسية الحاكمة بعد 2003 الانتفاضة الشعبانية ليحكموا العراق فأوصلونا الى واقعٍ مرٍ دفع الناس الى انتفاضة تشرينية ، واستغلت الانتفاضة التشرينية وسنرى مستقبلاً ماذا يضم لنا هؤلاء المستغِّلون .
رابط المصدر: