فرزت الشياح
جائزة نوبل، الاسم المشهور منذ 1901م، والتي ارتبطت بأسماء عملاقة في شتى المجالات، «ألبرت آينشتاين»، «أرنست هيمنجواي»، «ماري كوري» و«نيلسون مانديلا» وغيرهم. لهذه الجائزة تاريخ طويل مليء بالخلاف والتعقيد. في الواقع لا يوجد سبب واضح لشهرة جوائز نوبل بقية عن الجوائز الأخرى، ربما يعود ذلك إلى قدمها، وإلى المبلغ المالي الكبير- تقريبًا مليون دولار- الذي يعطى كمكافأة للحاصل على الجائزة.
سلامٌ عوضًا عن الديناميت
تاريخ الجائزة وقصتها معروفة بشكل كبير، حيث كان «ألفريد نوبل» مهندسًا وكيميائيًا معروفًا، قام باختراع الديناميت وجمع بذلك ثروة كبيرة، وعند وفاته في 1896م قام بشيء غير معتاد، حيث أودع 260 مليون دولار لإنشاء جوائز تُعطى في مختلف الاهتمامات العلميّة والثقافية إلى الأشخاص أو المنظمات حول العالم، وهكذا ولدت جائزة نوبل.
تقع جوائز نوبل في خمسة مجالات: الفيزياء، الكيمياء، الفيزيولوجيا أو الطب، الأدب، وأخيرًا: السلام. هناك جائزة إضافية: جائزة العلوم الاقتصادية، هي لا تُعتبر من ضمن جوائز نوبل رغم أنّها تُمنح على شرفه، وأنشأها البنك المركزي السويدي.
لاستلام جائزة نوبل شروط أيضًا:
- يجب أن يكون الفائز بنوبل على قيد الحياة
- لا يمكن مشاركة الجائزة بين أكثر من ثلاثة أشخاص.
- لا يوجد حد لعدد الجوائز التي يمكن للفرد الواحد استلامها، وكذلك بالنسبة للمنظمات أيضًا، حيث حصلت المنظمة العليا من الأم المتحدة للاجئين على جائزة السلام أكثر من مرة.
تدعو لجان نوبل آلاف الأشخاص كل عام لترشيح مستلمين للجائزة، وتبقى هذه الترشيحات سريّة لمدةخمسين عامًا، ويمكنك بعدها البحث في أرشيف الترشيحات لمعرفة من ترشح ولم يفز بالجائزة عبر التاريخ.
من يقرر الرابح إذًا؟
تقوم الأكاديمية الملكية السويدية بتعيين أعضاء في لجنة جوائز الفيزياء، الكيمياء، الأدب والاقتصاد. أما جائزة الطب والفيزيولوجيا فيتم اختيار أعضاء اللجنة من قبل معهد كارولنسكا، وهو جامعة سويديّة طبيّة. تستمر عضوية هذه اللجان لثلاث سنوات، وتبقى أسماء هؤلاء الأعضاء علنيّة.
في كل عام، تقوم هذه اللجان بدعوة أشخاص مؤهلين لترشيح الفائزين المحتملين. غالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص أعضاءً في الأكاديميّة أو المعهد ذاتهما، أو مستلمي جوائز نوبل سابقين، أو حاملين لشهادة الدكتوراه من عدة دول، كالسويد، الدنمارك، فنلندا والنرويج.
تُعيّن لجنة نوبل النرويجية من قبل البرلمان النرويجي، وهي المسؤولة عن جائزة نوبل للسلام. على من يقوم بمهمة الترشيح أن يكون أعضاءً أو مستشارين للجنة، أو حاملي جائزة نوبل سابقين، أو أشخاص يعملون في مجال الترشيح نفسه. وبحسب مجال الجائزة، فإن المسؤولين عن الترشيح يقومون إما بملء استمارات أو كتابة رسائل. بالطبع لا يستطيع الشخص ترشيح نفسه، تختار بعدها اللجنة الفائزين عن طريق التصويت.
بعد الإعلان عن الجوائز، يحضر الفائزون الحفلة في ستوكهولم، ملتزمين باللباس الرسمي للحفلة وربطات العنق البيضاء، ويقومون بعد ذلك بمقابلة العائلة الملكيّة السويديّة ويحصلون على شهادة الجائزة ومستند يوثق فوزهم بالمبلغ المالي: ثمانية ملايين كورنا سويديّة (965000 دولار تقريبًا) وكما قلنا، يمكن مشاركتها لحد ثلاثة أشخاص فقط.
يعقب الحفلة عشاء فاخر، ويتم نشر لوائح الطعام بشكلٍ علنيّ أيضًا.
الاستثناء هو جائزة نوبل للسلام، التي يتم تسلميها في أوسل، النرويج. لم يشرح ألفرد نوبل سبب هذا الاختيار أبدًا، لماذا النرويج وليس السويد؟
غريبة بعض الشيء، ومريبة
شكلت قاعدة الثلاثة أشخاص مشكلة كبيرة في مجال العلوم التي تتطلب تعاونًا كبيرًا، وبالتالي سيبقى أحد المشاركين بالتأكيد خارج الجائزة. كما اتهمت لجان نوبل بكثير من التهم عبر تاريخها، منها سيطرة أوروبا على الجوائز، التحيّز الجنسي، وغيرها. فعلى سبيل المثال، في عام 1967م، قامت الباحثة الفيزيائيّة «جوكلين بيل» باكتشاف أول نجم نابض، لكنها لم تربح جائزة نوبل عن ذلك، وفي عام 1974م استلم «أنتوني هويش» الجائزة عن دوره في اكتشاف النجوم النابضة، وشارك الجائزة مع «مارتين رايل».
خبر سيء آخر لمحبي واتسون وكريك، مكتشفي تركيب الحمض النووي الريبي، حيث أنّ اسم شريكتهم «روزاليندا فرانكلين» في الاكتشاف وقع خارج الجائزة التي تمّ استلامها 1962م، وتمّ تعليل ذلك بموتها قبل أربع سنوات من الاستحقاق، لكن لم تكن القاعدة – لا يربح الموتى نوبل- موجودةً بعد، وأظهرت المستندات أن فرانكلين لم تُرشّح أبدًا، بل فقط زملائها الذكور، «فرانسيس كريك»، «جيمس واتسون» و«موريس ويلكينز».
الجائزة الأكثر إثارة للجدل هي جائزة نوبل للسلام، وذلك بشكل كبير لكونها جائزةً سياسيّة معظم الأحيان. بعض السياسيين الحاصلين على هذه الجائزة يقومون بأفعال تعاكس الأفعال التي أدت إلى حصولهم على الجائزة، ولا يمكن استرداد الجائزة منهم. ومن أكثر الجوائز إثارةً للجدل هي جائزة نوبل للسلام في عام 2009م، والتي حصل عليها «أوباما» لجهوده الجبارة في تقوية العلاقات الدبلوماسية والتعاون العالمي، وقد كان حينها في سنته الأولى في البيت الأبيض، في دورته الأولى، واعترض الكثيرون حينها على هذا الاختيار «المبكر» لرجل لم يجلس سنةً في منصبه بعد.
وكنوع آخر من أنواع الجدل، فقد قامت بعض الدول بمنع مواطنيها من الحصول على الجائزة، مثل «ليو اكزيابو» الصيني في 2010م، والبورمية «آونغ سان سو كي» في 1991م، والصحفي الألماني «كارل فون أوزيتسكي» في 1935م.
لا نوبل بعد الموت
في عام 1974م تمّ تغيير قواعد الجوائز، ليمنع بعدها إعطاء الجائزة لشخص متوفى، مما أثار جدلًا كبيرًا في الوسط العلمي، لأنّ الكثير من الإنجازات تتطلب وقتًا قد يتعدّى حياة المكتشف ووفاته بعقود لإثبات أهميّته وأثره على العالم وبالتالي استحقاقه لنوبل.
وفي 2011م، عندما ذهبت الجائزة إلى «رالف ستاينمان» في مجال الطب والفيزيولوجيا، اكتشف اللجنة أنّه مات قبل ثلاثة أيام من الإعلان. استحق ستاينمان الجائزة عن اكتشافه لنوع جديد من الخلايا المناعية، وبعد تشخصيه بسرطان البنكرياس، حاول أن يستخدم علاجًا بواسطة هذه الخلايا على نفسه، والذي ساهم في إطالة فترة حياته المتوقعة إلى أربع سنوات، حيث أنّ معظم المصابين بسرطان البنكرياس يتوفون بعد سنة من التشخيص. للأسف لم يعش ليسمع خبر حصوله على نوبل. حلّت هذه القضية بإعطائه الجائزة رغم موته، وذلك لأنّ موته لم يكن معروفًا قبل اتخاذ القرار النهائيّ.
رفضوا نوبل
«جون سارتر»، من بين القلة الذين رفضوا جائزة نوبل، وذلك لاعتقاده أنّ الكتاب لا يجب أن يربطوا أنفسهم بمؤسسات مهما كان نوعها، وقد عاش على ذلك الاعتقاد فعلًا، حيث رفض عضوية الاتحاد الفرنسي الفخري.
كما رفض كل من «هنري كسينجر» و«لي دوك ثو» السياسي الفيتنامي، جائزة السلام 1973م، والتي حصلا عليها بسبب دورهما في إيقاف السلاح، وكان سبب رفضهما أنّ السلام لم يعمّ بعد في فيتنام.
وفي الناحية الأخرى، تم منع أربعة أشخاص من استلام نوبل الخاصة بها بسبب حكوماتها، فهتلر لم يكن يسمح للألمان بالحصول عليها في ثلاثينيات القرن الماضي. الرابحون هم: الكيميائي «ريتشارد كون» الذي كان مجال عمله الفيتامينات، الكيميائي «أدولف بوتناندت» لعمله في مجال الهرمونات الجنسيّة، و«جيرهارد دومغك»، الذي اكتشف أول مضاد حيويّ.
كما تم منع «بوريس باستيرناك»، مؤلف «دكتور زيفاكو»، من الحصول على جائزة نوبل في الأدب بعد قبوله الجائزة 1968م، لكن الحكومة السوفيتية أجبرته على التخلي عن الجائزة لاحقًا.
بعض المعلومات الغريبة عن جائزة نوبل
يجب على الحاصلين على الجائزة أن يقدموا نص خطابهم إلى مؤسسة نوبل قبل 24 ساعة من الحفل، وذلك لترجمته للسويديّة.
في العام الماضي قام «ليون ليدرمان»، الذي ربح الجائزة عام 1988م لدوره في اكتشافه الميوون نيترينو، ببيع جائزة نوبل لتغطية تكاليف علاجه الطبيّة. دفع المشتري الذي لم يتم الإعلان عن اسمه مبلغًا قدره 765 ألف دولار. تمّ فقط بيع جائزتا نوبل خلال حياة رابحهما، كلا عمليتي البيع تمتا العام السابق.
عملية البيع الثانية تمت بواسطة الملياردير الروسي «عليشر عثمانوف» الذي دفع 4.7 مليون دولار ليشتري ميدالية نوبل الذهبية الممنوحة لعالم الأحياء الكبير «جيمس واتسون» الذي حصل عليها لاكتشافه تركيب الحمض النووي الريبي، لكن قام عليشر بإعادة الجائزة إلى واتسون وقال أنّ الجائزة يجب أن تبقى مع الفائز.
ما هو متوسط أعمار الحائزين على الجائزة؟
تقريبًا حوالي «59» في مختلف المجالات، لكن أكبرهم عمرًا هو «ليونيد هوفيتز» الذي حصل على جائزة الاقتصاد في 2007م. أصغر الحاصلين على الجائزة هي «مالالا يوسفزي» التي حصلت على جائزة السلام في 2014م عندما كان عمرها سبعة عشرة عامًا فقط.
في عام 1956م ربح «جون باردين» جائزة نوبل للفيزياء تقديرًا لجهوده في تطوير نظرية النقل الفائق المعروفة ب BCS، لكنه لم يحضر أي أحد من عائلته لحضور الحفل معه، بل كان مترددًا في أخذ إجازةٍ لحضور الحفل. وبخه ملك السويد على هذا الفعل، فأجابه باردين معتذرًا «سأحضرهم المرة القادمة» وفعلًا ربح الجائزة للمرة الثانية في عام 1972م وأحضر معه عائلته، ليكون الشخص الثالث في التاريخ الذي حصل على جائزتي نوبل.
كم هو الوقت المتطلب لفوز اكتشافك أو اختراعك بجائزة نوبل؟
حوالي 20-30 عامًا فقط، وذلك تبعًا لنوع الجائزة، بعض الأشخاص اضطروا أن ينتظروا وقتًا أطول، في عام 1966م تم منح بيتون روس جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا بسبب عمله على الفيروسات المسببة للأورام، وهو اكتشاف حققه في اوائل القرن الماضي، أي انتظر أكثر من خمسين عامًا للحصول على الجائزة. في الطرف المقابل، حصل «تشين نيغ يانغ» و«تسونغ داو لي» على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1957م على أبحاثهم التي تمت في عام 1956م!
رابط المصدر:
https://www.ida2at.com/noble-peace-and-science-instead-of-dynamite/