مصطفى ملا هذال
لم تتوقف الطبقة السياسية عن حيلها ومحاولة الالتفاف على مطالب المتظاهرين، حيث تستمر في اللعب على وتر التغافل المتعمد وعدم الانصياع لرغبة الجماهير الغاضبة والمطالبة بأبسط الحقوق المطلوبة.
فترشيح النائب السابق محمد شياع السوداني يعكس وان لم يتم تأكيده لغاية الآن بشكل تام او جدي، ما يثبت وبصورة غير قابلة للشك نية الأحزاب الحاكمة التشبث بالسلطة وعدم خروجها من دائرتها.
فماذا يعني ترشيح احد المستقيلين حديثا عن احد الأحزاب التي حكمت العراق لسنوات ولم تستطيع ان تلبي طموحات الشعب، بينما الجماهير تطالب بأن يكون المرشح غير منتمي للأحزاب المشاركة في العملية السياسية منذ عام 2003 ولغاية اليوم؟.
بالتأكيد هذا يعني ان الكتل السياسية لا تزال تعيش في عالمها الذي كونته لها منذ توليها زمام الأمور في البلاد ولم تستطيع ان تخرج من البودقة الضيقة والنظرة القصيرة التي لم تتجاوز مصالحها المحدودة.
الجماهير التي رابطت في ساحات التظاهر منذ بداية تشرين الأول المنصرم لحد لحظة كتابه هذه الحروف لم تخرج، لولا انها فقدت الثقة في النظام القائم وسئمت العيش في بلد الخيرات وهم يرونها تنهب وتذهب لخزينة اشخاص معدودين تمكنوا من الاستيلاء عليها وحرموا الملايين منها، فلا يمكن ان تقبل الجماهير بمرشح من قبل تلك الكتل التي أصبحت مكشوفة الأهداف ومعلومة الغايات.
ابناء الشعب لم يكتفوا بالتظاهر والضغط على رئيس الجمهورية لاختيار رئيس وزراء فحسب، بل وضعوا معايير معينة يرونها ضرورية لإخراج البلد من الأزمة القائمة التي جاءت بفعل تراكم الأخطاء دون الجدية بوضع حلول ناجعة توقف عجلة الدوران بالاتجاه الخاطئ وتوجيهها نحو الصواب.
لو افترضنا ان خيار الاختيار ترك للشعب في هذه المرحلة بصورة مطلقة فهل سيتفق الجميع على ترشيح شخصية معينة قادرة على ان تكون ربان السفينة الناجح والإبحار في بحر لم تخمد فيه أمواج الخلافات للحظة؟، بالطبع فان الاختيار سيكون صعبا جدا ذلك ليس لعدم وجود شخصيات كفوءة ونزيهة في بلاد الرافدين، لكن الخطورة تكمن في عدم ترشح أحد الشخصيات في ظل الوضع الراهن الذي أقرب ما يكون بالرمال المتحركة، تارة توجهها الرياح ذات اليمن وتارة أخرى ذات الشمال.
من يتصدى لإدارة شؤون البلاد في المرحلة القادمة لابد ان يكون شخصية استثنائية في كل شيء، وهذا الاستثناء يتمثل في عدم انصياعه لرغبات الكتل السياسية الحاكمة أو التي تشارك في العمل السياسي، والركون إلى حكومة قائمة على مبدأ الكفاءة والقدرة على مواجهة التحديات المرحلية، ففي حال تم اختيار وزراء وفق هذه النظرية نأمل ان تكون النتيجة مختلفة عن النتائج السابقة، أما إذا كان الاختيار خاضع للمعاير المتبعة في تشكيل الحكومات المتعاقبة فهذا يعني لا زلنا نقبع تحت الخطة الحزبية الممنهجة.
لو فرضنا جدلا تم اختيار رئيس وزراء يتمتع برؤية عميقة للتعامل مع الأوضاع القائمة، إلى جانب تمتعه بقوة الشخصية في اتخاذ القرارات التي يراها لازمة لتحقيق غدا مشرق، فهل يتمكن من السير بهذا الاتجاه؟، أم انه سيصطدم بجدار الموانع الحزبية الذي سيوضع في طريقه؟.
الأحزاب إذا لم تحصل على حرية ومكتسبات اكبر ستضع العراقيل في طريق رئيس الحكومة القادم، وتعمد لان تكون جزء من المشكلة اقرب منه الى الحل، كون الاخير لم يتماشى ورغباتهم ويضمن ديمومتهم في الاستيلاء والهيمنة على القرارات الحساسة والتأثير عليها، هنا نتكلم اذا كان رئيس الحكومة عازم على سد الطريق امام الكتل الفاشلة اما اذا انصاع لرغابتهم ودخل الى دائرتهم فهنا ندخل الدائرة المفرغة التي طالما خشيناها.
اذا اردنا الخروج من عنق الزجاجة في الوقت الراهن لابد من اختيار رئيس حكومة مرشح من رحم ساحات التظاهر او هي من تعطيه كلمة المرور ليعتلي الكرسي الرئاسي، وهذا المرشح يجب ان يحمل المواصفات الآتية ومن اهمها هو تمتعه برؤية شاملة تتضمن المعارف السياسية والقيم والاتجاهات السائدة في المجتمع، بالاضافة الى ان يكون على دراية بالمشاكل التي يعاني منها ابناء الشعب والعمل على ايجاد الحلول لها فيندفع لتغيير ما يجب تغييره وتطوير ما يحتاج للتطوير من المؤسسات الحكومية والاهلية بصورة متساوية.
وهنا يقول الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه ممارسة التغيير تحت عنوان الوعي السياسي: إن من اهم الامور التي تجب على الممارسين للتغيير هو فهم السياسة، اذ بدون الفهم المذكور لا يتمكن الانسان من الشروع في العمل وإن بدأ فإنه لا يتمكن من الاستقامة في امره وان تجلد وقاوم فإنه لا يتمكن من مواصلة المسير بالحركة الى شاطئ السلام والهدف المنشود.
ومن عوامل النجاح ايضا في عمل رئيس الحكومة المقبل هو الانفتاح على المحيط الاقليمي والدولي، فان هذا الانفتاح سيكون بمثابة السند الحقيقي لتحقيق التنمية المطلوبة، وتقديم يد العون لإقامة بعض المشاريع التي تعمل على تشغيل الايدي العاملة والاستثمار الفعلي للطاقات المكنونة في البلد، وبالنتيجة حقق القبول الداخلي والاريحية شبه التامة والعمل بمساحة اوسع من السابق طالما هنالك رضى جماهيري.
الجماهير الثائرة عليها ان لا تبرد ولا تقل عزيمتها في مراقبة رئيس الحكومة في حال تم اختياره في المدة المحددة فلابد ان تواصل مراقبتها الاداء الحكومي وتشخيص الاخطاء التي قد تقع فيها بمرور الايام، وفي ذات الوقت على الجموع المنتفضة عدم السماح لبناء الدولة العميقة القائمة على المحسوبية والانتمائية التي كبدت البلاد الكثير من الخسائر وانهكته.
رابط المصدر: