إعداد: د. خالد هاشم محمد – باحث في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية
- المركز الديمقراطي العربي
الاصطلاح والتعريف:
الاحتجاجات كمصطلح لغوي هي من المصدر: إِحتجَّ والاسم هو: اِحتِجاج والجمع : هو احتجاجات نقول احتجَّ على: أي اعترض واستنكر، عارضهُ مستنكرًا رافضًا فعله. ونقول أيضا: أضرب المحامون احتجاجًا على قرار السُّلطات، واحتجَّ عليه : أقام الحُجَّةَ والبرهانَ
أما الاحتجاج كتعريف: هو التعبير عن الرفض والاستنكار ضد أفعالٍ أو سياسات أو أوضاع معينةٍ إما بالقول أو بالفعل. ويمكنُ أن يتخذ الاحتجاجُ أشكالاً مختلفة، فردية أو جماعية
وتطورت أشكال الاحتجاج ونمت على امتداد العمق الحضاري الإنساني لتتخذ شكلاً يتناسبُ مع ما تسمحُ به القوانينُ النافذة والظروف المحيطةُ.
وكلما ضيقت السلطات، في أي زمانٍ، هامش حرية الاحتجاج، طوّرت الشعوبُ وسائلَ احتجاجها فاستخدمت الشعرَ والنثر والغناء والأهازيج، ووظفت النكتةَ تعبيراً عن نقدها واستنكارها للسلطات.
كما وتتزايد حدة الاحتجاجات فتتطورُ إلى مظاهراتٍ حاشدة أو اعتصامات وقد يأخذُ أشكالاً اقتصادية مثل مقاطعة البضائع أو إغلاق المحال التجارية وغيرها.
أما فعلُ الاحتجاج المنظم والمتكرر، حسب منهجية معينة، فيسمى بالمقاومة المدنية أو السلمية. وتتزايدُ عدائيةُ الاحتجاجِ فيصبحَ عنيفاً في محاولة للوصول للهدف المرجو وتغيير الواقع بالقوةِ.
- من وسائلُ الاحتجاجِ المعاصر: الاحتجاج الرقمي. ففي عصرٍ صار التواصل فيه بين الناس على امتداد الأرض عبر وسائط متعددة وباستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد دعواتُ الاحتجاج محدودةً بين جماعاتٍ وأفرادٍ في رقعة جغرافية وسكانية صغيرة بل صار بالإمكان إيصالُ دعوات الاحتجاج لتشمل بلداناً بأكملها مثلما حدث في بلدان متعددة مثل مصر وتونس واليوم العراق. وصار الإبداع في الاحتجاج رديفاً للعصر الحالي، فتنوعت وسائلُ الاحتجاج وتعددت الطرق.
“الهاشتاغ” صار أحد وسائل لفت النظر لقضية ما والاحتجاج على تصرفِ أو حشد الدعم لقضية ما على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتيح استخدام الهاشتاغ إحصاء عدد المؤيدين أو المستنكرين لقضيةٍ معينة وكلما ازداد عدد من يستخدم هاشتاغ بعينه، كلما اكتسبت القضيةُ اهتماماً وحيزاً أكبر.
إحدى الوسائل الإبداعية الأخرى، هي “الصور” التي تحمل كتابة معينة قد تكون ساخرة أو تدعو لإسناد قضية محددة، فتحشد الدعم من خلال انتشارها بين مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات المختلفة.
ويضافُ لهذه الوسائل استخدام الفيديو حيث يتداول المحتجون سقطات السياسيين وتناقضات الواقع وعرض للأسباب والدوافع وما يكمن خلفها من معاناة الشعوب ونقمة متزايدةٍ تجدُ طريقها للتعبير عبر وسائل مختلفة.
فيصبحُ “الهاشتاغ” و”الصورة” بالإضافة إلى الفيديو أداةً لحث الجماهير على التجمع في تظاهرات واحتجاجات، وإن لم يحقق الاحتجاج الرقمي هدفه، فإنه يُوظفُ للانتقال لمرحلة أكثرُ حدةً أملاً في إحداث التغيير المنشود.
كما أن مراحل الانتقال الاحتجاجي من السلمية إلى العنف تختلف من مكان إلى آخر، فتبدأ بالضوضاء العالية ومحاولة الجماهيرِ لان تكون صاخبة، ثم يعقبها أعمال تكسير وتخريب للممتلكات العامة ثم الانتقال إلى مصادمات وأعمال عنف نتيجة اليأس والغضب المتراكم،
فمثلاً الاحتجاجات السلمية في العراق اليوم ممكن أن تنتقل بسهولة من المظاهرات السلمية إلى العنف، والسبب في ذلك يعود في جزء كبير منهُ لـ”بنية الشخصية العربية نتيجة عوامل متعددة منها التقاليدُ، وصورة البطل الذي استخدم القوة لاسترجاع حقوقه” فضلاً عن غياب ثقافة الحوارِ والإصلاح ووجود قناعة تراكمية بأن التغيير لن يحدث من قبل أصحاب القرار ما لم يواجهوا عنف المتظاهرين.
وهنا سيتم تناول الاحتجاجات في العراق 2019 وفق أربع مسارات تم تقسيمها على النحو التالي:
- 1_ الاحتجاجات العراقية طبيعتها وظروف تطورها،
- 2_ الموقف الإقليمي والدولي من احتجاجات العراق 2019،
- 3_ أوجه الاختلاف بين احتجاجات 2013و 2019 في العراق،
- 4_ السيناريوهات المحتملة للاحتجاجات في العراق 2019:-
أولا_ الاحتجاجات العراقية طبيعتها وظروف تطورها:
رغم تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في العراق هذا العام بطريقة غير مسبوقة على مستوى البلاد منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، إلا أنها لم تكن حدثًا استثنائيًّا بحد ذاتها رغم أنها كانت الأضخم والأهم والأخطر على النظام السياسي الذي بني بعد العام 2003.
فقد شهدت الفترة التي تلت الاحتلال العديد من الاحتجاجات الشعبية؛ كانت تتركز بشكل عام حول سوء الإدارة وتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والفساد وتهميش مكونات معينة بسبب السياسات الطائفية ومظاهر التغيير الديمغرافي والتغييب ألقسري.
ورغم أن الدستور العراقي الصادر في العام 2005، كفل حق التظاهر في مادته (38)، (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتُنظَّم بقانون). إلا أن كل الاحتجاجات السابقة كانت تُقابَل بمستويات مختلفة من القمع، وكثيرًا ما اتُّهمت بالتعامل مع تنظيمات إرهابية أو مع حزب البعث أو بالارتباط بقوى أجنبية، وكانت غالبًا ما تعبِّر عن مصالح فئوية تسعى لتحقيق مطالب خدمية واقتصادية وبسقوف محدودة.
وقد شهد العراق العديد من الاحتجاجات المحدودة قبل بدء ما سمي بالربيع العربي مع مطلع العام 2011، لكن أبرز الحركات الاحتجاجية تزامنت مع الثورات العربية وكانت متواصلة معها، حيث خرجت يوم 25 فبراير/شباط 2011، مظاهرات ما سمي حينها (مظاهرات الربيع العراقي)، في ساحة التحرير ببغداد ومدن أخرى، لاسيما في شمال وغرب البلاد، واقتحم المحتجون المقار الحكومية في الموصل والبصرة وواسط والرمادي، وسيطروا على المجلس البلدي في الحويجة وحاصروا مقار ودوائر أخرى.
كان تعامل السلطة معها هو استخدام القمع لإنهاء تلك الاحتجاجات، قبل أن تندلع الحركات الاحتجاجية قبيل نهاية عام 2012، في ست محافظات وتحولت إلى اعتصامات دامت نحو عام كامل تقريبا.
جرت تلك الاعتصامات في محافظات الأنبار، والموصل، وديالى، وصلاح الدين، وكركوك، وبغداد، وكان سببها الأساسي شعور سكان هذه المحافظات بتهميش طائفي لهم من قبل الحكومة، وتواصلت هذه الحركة حتى ديسمبر/كانون الأول 2013، حينما قرر رئيس الحكومة، آنذاك، نوري المالكي، إنهاءها بشكل عنيف. وكانت السلطات قد تدخلت أيضا بقوة قبل ذلك، في أبريل/نيسان 2013″ من نفس العام لفض اعتصام المتظاهرين في مدينة الحويجة بشكل دموي، حيث قتل عشرات المعتصمين آنذاك([1]).
في فبراير/شباط 2017، نظَّم التيار الصدرى مظاهرات كبيرة في بغداد، اقتحمت المنطقة الخضراء من دون تصدٍّ كبير من قبل القوات الأمنية. وفي صيف عام 2018، اندلعت احتجاجات غاضبة في مدن الجنوب العراقي لاسيما في البصرة بسبب سوء الخدمات والإهمال والفساد، وجرت مهاجمة مقار الأحزاب الحاكمة، وحرقوا صور بعض الرموز الدينية والسياسية.
لقد بات القمع باستخدام العنف أو العنف المفرط على الأغلب هو الأسلوب الأكثر وضوحًا في تعامل السلطات مع التظاهرات في العراق، كما أدى انتشار الميليشيات المسلحة المرتبطة بالأحزاب الدينية إلى تفشي الاختفاء ألقسري والاعتقال غير القانوني والاغتيالات للناشطين في تنظيم المظاهرات وفي مجال حقوق الإنسان.
مع عودة التظاهرات التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول (2019) للتحشيد وبشكل أكبر وأوسع وأكثر تنظيمًا في الخامس والعشرين من ذات الشهر، بدأ الخناق يضيق على النظام السياسي برئاساته الثلاث (برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب) وبات ذلك النظام في حرج كبير وتحت ضغط أكبر بسبب ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى إلى أعداد لم تصلها في أية احتجاجات سابقة حيث بلغت أكثر من 300 قتيل ونحو 15 ألف جريح مع أعداد كبيرة من المعتقلين والرقم مرشح للزيادة في قادم الايام([2]).
وقد تسبب ذلك الوضع الكارثي بتحريك المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية وكذلك بعض وسائل الإعلام من خلال تسليطها الضوء على سقوط الأعداد الكبيرة من الضحايا ودخول الميليشيات على خط المواجهة، وبخاصة في جنوب العراق، والتي كان تعاملها أكثر دموية وعنفًا.
ولعل من أسباب تميز التظاهرات الحالية عن سابقاتها أنها تجاوزت محدودية التظاهرات السابقة، حيث رفع المتظاهرون سقف المطالب بشكل كبير إلى إسقاط النظام بكامله، وعدم القبول بأية إصلاحات ذات طبيعة جزئية.
أما عن أسباب الاحتجاجات تلك فيمكن حصرها في سببين:
- أسباب اقتصادية. يعاني العراق من مشكلات اقتصادية كبيرة برغم أنه من بين البلدان الأغنى بالنفط عالميًّا، ففضلًا عن احتياطيه الضخم الثاني عالميًّا، فإنه يعتبر ثاني أكبر بلد منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية، ويتلقى مداخيل كبيرة من تصديره ما يقرب من 4 ملايين برميل يوميًّا، تدرُّ عليه عشرات المليارات من الدولارات، لكن هذه الواردات لم يكن لها دور يذكر في تقليل مظاهر الفقر أو تطوير البنى التحتية أو إيجاد فرص عمل؛ حيث ارتفع معدل الفقر في العراق إلى أكثر من 22 بالمئة، حسب تقديرات البنك الدولي، ويصل في بعض المحافظات الجنوبية إلى 31%، كما أن نسبة البطالة ارتفعت إلى أكثر من 42% من عدد السكان حسب اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي. وقدَّرت اللجنة، في سبتمبر/أيلول 2019، عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات فقط بنحو 5 ملايين شخص، عدا عدد ضخم آخر من بين الأقل تعليمًا وجميعهم من الشباب الذين يمثلون نحو ثلثي عدد السكان، وكثير منهم لم يتمكن من الاستمرار بالدراسة بسبب الفقر والمستوى المنخفض من الخدمات التعليمية في أنحاء البلاد، لاسيما خارج العاصمة بغداد أو في المناطق غير الحضرية.
يعزو العراقيون هذا الخلل الجسيم بين قدرات العراق المالية الحقيقية وبين الأوضاع الاقتصادية الصعبة لشعبه إلى الفساد وسوء الإدارة والهدر المالي الذي ميز الحكومات العراقية منذ العام 2003، وقد انخفض مستوى العراق وفق تصنيف منظمة “الشفافية الدولي من المرتبة 117 من أصل 133 دولة عام 2003، إلى المرتبة 168 من بين 180 دولة سنة 2018. وحسب تقرير لمعهد واشنطن، فإن الفساد يستنزف نحو 25% من الميزانية العامة، ويقدر ذلك بمئات المليارات من الدولارات منذ العام 2003. وكانت الحكومة الحالية قالت قبل نحو عام من تولي عادل عبد المهدي رئاستها إنه سيتم فتح 13 ألف ملف فساد وإحالتها للقضاء، لكن ما جرى عمله بهذا الخصوص بعد ذلك كان يسيرًا جدًّا، ولم يشمل من يصفهم المتظاهرون بالرؤوس الكبيرة في عمليات الفساد.
وباتت أموال العراق المهدورة اليوم تفوق 450 مليار دولار وفق الأرقام الرسمية، وأن الحكومة مدينة بما يقارب 124 مليار دولار([3]).
- أسباب سياسية.
تمثل العامل السياسي باستمرار المحاصصة التي تولد فسادا إداريا كبيرا، إلى جانب عدم وجود مشاركة سياسية فعلية إذ لا توجد شخصيات جديدة وجديرة بالعملية السياسية فكانت أشبه بتدوير للوجوه القديمة التي سئمها الشعب وكشف فسادها.
كما إن عدم التوازن في المعادلة بين حجم الوعود الكبيرة المزعومة بالإصلاح وبين الانعدام التام للتنفيذ أخلّ بميزان الثقة بالحكومة خاصة بعد مرور سنة كاملة على ولادتها.
وان “تزوير الانتخابات كانت مؤشر على عدم ثقة المواطنين في الحكومة، فقد لجأت الأحزاب السياسية للتزوير لإتمام مصالحها بعيدا عن قناعة الشعب”، فقد حصلت الانتخابات البرلمانية في العام الماضي على نسبة مشاركة 44 في المائة فقط ، وهي نسبة مشاركة منخفضة بشكل ملحوظ. والنتيجة كانت عزوف الكثير من المواطنين عن الانتخابات، وهو دليل على عدم إيمان النسبة الكبرى من العراقيين بالعملية السياسية وفقدانهم الثقة في العملية وسياسيها([4]).
كما أن الاحتجاجات جاءت بعد أيام قليلة من قضية تنحية قائد “قوات مكافحة الإرهاب” الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي الذي يتمتع بشعبية عالية بين العراقيين، وأحدث القرار جدلا واسعا على مواقع التواصل، فإن بعض المراقبين رجح أن تكون هي من أشعلت نيران الاحتجاجات، ولا سيما بعدما رفعت صوره في ساحة التحرير وسط بغداد([5]).
وبالتالي فتلك الأسباب مجتمعة تمثل تقاعس الحكومة عن أداء واجبها تجاه الشعب وكذلك عجز البرلمان عن تشريع قوانين تلبي مطالب وتطلعات المواطن العراقي البسيط.
ثانياً_ الموقف الإقليمي والدولي من احتجاجات العراق 2019.
وهنا سيتم تناول المواقف الإقليمي وتحديدا الموقف الإيراني والمواقف الدولي المتمثل بالموقف الأمريكي والاتحاد الأوربي وموقف الأمم المتحدة.
إقليميا، كانت إيران أول الأطراف الإقليمية التي أبدت مواقف تجاه المظاهرات في العراق، إذ تنظر إليها على أنها “مؤامرة تهدف إلى تقويض العلاقات بين البلدين الجارين”، خصوصاً بعد رفع شعارات ضد النفوذ الإيراني في العراق، وحرق صور المرشد الإيراني علي خامنئي في الناصرية، ثم إسقاط صور قائد الثورة الإسلامية في إيران اية الله الخميني في كربلاء، وتنظيم فعاليات في النجف وذي قار والبصرة لإحراق العلم الإيراني وصور زعامات ورموز إيرانية مختلفة، وصولاً إلى محاصرة القنصلية الإيرانية في كربلاء وإنزال العلم الإيراني منها ورفع العراقي، مع تعليق يافطة “مغلق بأمر الشعب”، ومهاجمة قادة أحزاب ومليشيات ووصفهم عبر صور ويافطات بـ”عملاء إيران” و”خدم الخارج”. فالقلق هو سيد الموقف الإيراني من الاحتجاجات العراقية([6]).
تزامنت ذلك مع ما انتشر من أنباء حول تدخلات مباشرة من قبل طهران لإخماد الاحتجاجات وصلت إلى المشاركة بقتل المحتجين.
وأطلق مسؤولون إيرانيون سلسلة من التصريحات والمواقف يتهمون فيها أعداء إيران بأنهم خلف التظاهرات في العراق، ونقل الحساب الرسمي على تويتر للمرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، قوله: “الأعداء يسعون للتفرقة بين العراق وإيران، لكنهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر”. وقال عضو هيئة رئاسة المجلس، عباس كعبي: “إن أعداء الشعبين، العراقي والإيراني، أي “بريطانيا الخبيثة وأميركا والسعوديين”، على حد تعبيره، كانوا يخططون منذ أكثر من عام، لإثارة الاضطرابات والفتن لتجيير سلاح المقاومة في العراق لصالح أميركا والسعودية”. وعلى هذا الأساس، فإن القيادة الإيرانية وحرسها الثوري وقفا إلى جانب الحكومة العراقية، كما تشير تقارير إلى أنها موجودة ضمن النشاطات الأمنية للجهات الرسمية العراقية لمواجهة المتظاهرين في بغداد ومحافظات الجنوب، وقد أكد مسؤولان أمنيان عراقيان “أن فصائل مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد لقنص المتظاهرين”([7]).
وباستثناء إيران، فإقليميًّا، لم يصدر من أي طرف آخر مواقف واضحة إزاء الاحتجاجات، وهو أمر يشمل أيضا المواقف الدولية التي جاءت على استحياء واكتفت في حال صدورها بالدعوة إلى عدم استخدام القمع في مواجهة المتظاهرين
وقد كان متوقعًا أن تكون الولايات المتحدة من بين أكثر الأطراف الدولية اهتمامًا بما يجري في العراق، لكن واشنطن لم تُبْدِ إلا مواقف حذرة حتى يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني حينما أصدر البيت الأبيض أول تصريح أميركي واضح طالب الحكومة بوقف العنف ضد المتظاهرين، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو موقف لا يمكن التأكد من مدى جديته، وبالتالي علينا الانتظار لمعرفة الخطوات اللاحقة المطلوبة لإجراء تلك الانتخابات المبكرة، كما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها البالغ تجاه الهجمات المستمرة ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والإعلاميين في العراق، بالإضافة إلى فرض قيود على خدمة الإنترنت([8]).
وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان، أن واشنطن تريد من الحكومة العراقية “وقف العنف ضد المحتجين والوفاء بوعد الرئيس العراقي، برهم صالح، بتبني إصلاح انتخابي وإجراء انتخابات مبكرة”. وهو ما رفضه بسرعة كل من زعيمي التيار الصدري، مقتدى الصدر، وعصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وهددا بأنهما سيحاربان أية انتخابات مبكرة برعاية أو إشراف أميركي([9]).
وفي الحقيقة، ثمة مخاوف “جدية” لدى الولايات المتحدة من مواصلة القوات الأمنية العراقية حملات القمع التي يتعرض لها المحتجون، بعد أن تجاوز عدد القتلى أكثر من 300 شخصا، وأصيب 15 ألفا بجروح متفاوتة، وفقا للمفوضية العليا لحقوق الإنسان بالعراق.
فالولايات المتحدة تتخوف بالدرجة الأولى من دخول العراق في فوضى أمنية قد تجر البلاد إلى دوامة حرب أهلية، واحتمالات “شبه مؤكدة” باستهداف المصالح الأمريكية في العراق من قبل بعض فصائل “الحشد الشعبي” الحليفة لإيران([10]).
الموقف الأوروبي لم يختلف كثيرا عن الموقف الأمريكي، مع أن النفوذ الأوروبي في العراق محدود جدا، وغير ذي تأثير حقيقي! حيث أبدت بعثة الاتحاد الأوربي في العراق قلقها من الاستخدام المفرط للعنف، وشددت على أن إقحام «الكيانات المسلحة» في الاحتجاجات المناهضة للحكومة «غير مقبول»، لكنها في الوقت نفسه، وبعد سقوط مئات الضحاية وآلاف الجرحى، أشادت «بالجهود التي بذلتها الحكومة العراقية لتنفيذ التزاماتها بالتعامل مع الاحتجاجات بطريقة سلمية».
وتبقى الأمم المتحدة الطرف الأكثر حضوراً في المشهد العراقي كما أنها كانت أكثر وضوحًا في إدانة الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات العراقية. ولكن يبقى عملها كجهة استشارية داعمة ومساعدة قد اعتُبر في كثير من الحالات غير مناسب لمستوى الخسائر في الأرواح، كما تعرضت ممثلة الأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، إلى انتقادات من قبل المتظاهرين بسبب ما اعتُبر موقفًا قريبًا من السلطات العراقية.
تطور موقف ممثلة الأمم المتحدة بعد ساعات من صدور الموقف الجديد للبيت الأبيض، ولا يُعرف ما إن كان ذلك مجرد مصادفة أم باتفاق مسبق؛ حيث توجهت بلاسخارت إلى النجف والتقت هناك بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، وبعد هذا اللقاء، نقلت بلاسخارت في مؤتمر صحفي عن السيستاني قوله إنه يجب العمل على إصلاحات حقيقية بصورة معقولة، وإن “الرئاسات الثلاث إن لم تكن قادرة على تحقيق مطالب المتظاهرين، فلابد من سلوك طريق آخر([11]).
وقد أكد بيان لاحق صدر عن مكتب المرجع الشيعي في النجف كلام بلاسخارت، فيما دخلت القوى السياسية المختلفة في مرحلة جديدة من الانكشاف، لا سيما مع التهديد الضمني الذي تضمنته عبارة “سلوك طريق آخر”. التي أثارت مخاوف القوى السياسية العراقية التقليدية.
ثالثاً_ أوجه الاختلاف بين احتجاجات 2013و 2019 في العراق.
مثلت أوجه الشبه بين احتجاجات 2013 و2019، بتوحدها من حيث السلمية واستفزاز السلطة لها ثم الاتحاد الديموغرافي في كلتا الحالتين، إذ كانت عام 2013 سنية شملت المناطق الشمالية والغربية ذات الغالبية السنية، وأما احتجاجات هذا العام فكانت عمادها شباب شيعة.
لكن ما يهمنا هنا هو أوجه الاختلاف في كلتا الحالتين وبالتالي ثم أوجه اختلاف تم رصدها من خلال المقارنة بين احتجاجات 2013 و2019 في العراق وعلى النحو التالي:
أ) من حيث الدلالة:
احتجاجات 2013: وهي التي بدأت يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2012 وتواصلت حتى 30 ديسمبر/كانون الأول 2013، حيث نشطت هذه الاحتجاجات في المناطق ذات الغالبية السنية من العراق، وطالب خلالها المحتجون بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من السجون، ووقف نهج الحكومة الذي وصفوه بالطائفي، لكن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي تعاملت معهم بالقوة؛ حيث أطلقت قوات الأمن والجيش النار على المعتصمين بعد الحصار، مما أدى إلى قتل العشرات منهم وإصابة المئات في ساحة (الغيرة والشرف) في مدينة الحويجة. وسبق ذلك مجزرة الفلوجة التي سقط فيها 6 قتلى وعدد كبير من الجرحى، ثم تلاها تفجير جامع سارية بديالى (السنية) الذي أدى إلى مقتل 42 شخصاً وإصابة العشرات، وانتهت هذه الاحتجاجات باجتياح الساحات وتهجير السكان([12]).
احتجاجات 2019: انطلقت في الاول من اكتوبر/ تشرين الاول 2019 في بغداد وامتدت إلى محافظات وسط وجنوب العراق، وتعاظمت مطالب المحتجين من الدعوة لتوفير حاجات اجتماعية واقتصادية، إلى محددات سياسية لم تكتف بالمطالبة بإسقاط النظام بل تعدته إلى رفض كل أقطاب العملية السياسية وكل من جاء للسلطة بعد احتلال العراق عام 2003، وبضمنها باقة الأحزاب السياسية وبخاصة منها ذات الصبغة الدينية، وكان المطلب الأبرز لكل هتافات المتظاهرين هو المطالبة بإنهاء الدور الإيراني داخل هذا البلد. ومثلت تلك الاحتجاجات مفاجأة للسلطات العراقية من حيث أعداد المتظاهرين ونوعية المطالب والفئات العمرية المشاركة فيها مما دفع الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي لاستخدام القوة المفرطة لمواجهتها ومحاولة منع انتشارها إلى عموم مناطق العراق، وأيضًا لمنع تعاظم المطالب المرفوعة خلالها. وقد تجاوزت الحكومة العراقية حدود المواجهة الإنسانية والقانونية مع المتظاهرين العزل مما أدى إلى تصاعد أعداد القتلى والجرحى إلى أرقام مخيفة تجاوزت ال300 قتيل وآلاف الجرحى، ولا تزال تلك الاحتجاجات مستمرة ليومنا هذا.
ب) من حيث البعد الطائفي:
احتجاجات 2013. هي احتجاجات شعبية نشطت في المناطق ذات الأغلبية السنية تحديدا من العراق مثل الرمادي وصلاح الدين والموصل وكركوك وتبعتها مناطق متفرقة من بغداد مثل الأعظمية والدورة وهي مناطق ذات طابع سني وكذلك في ديالى، وكان من الشعارات التي تردد في حينها شعار “قادمون يا بغداد”.
احتجاجات 2019. هي احتجاجات اندلعت في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق تحديدا كالبصرة والناصرية، ولكن ما يميزها في بغداد هو أنها شملت جميع الأطياف ولم تكن ذات بعد طائفي أو مناطقي، ومن الشعارات التي تركت صدها في هذه الاحتجاجات شعار “نازل أخذ حقي” وشعار “نريد وطنا”. وبالتالي ولم تستطع الحكومة إلباسها ثوبا طائفيا، إذ إنها خرجت من مناطق الفقراء المحسوبة على القاعدة الجماهيرية للسلطة الحاكم([13])
ج) من حيث المطالب:
احتجاجات 2013. كانت مطالب المحتجين خلالها إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية وإيقاف نهج الحكومة الذي وصفوه بال”طائفي” وإلغاء المادة 4 إرهاب وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي وإنشاء إقليم “سني” لاحقاً تحولت المطالب إلى إسقاط النظام الحاكم ذي الأغلبية الشيعية وإيقاف ما وصفوه بالتدخل الإيراني في العراق أعقبت هذه الاحتجاجات اشتباكات مسلحة في المناطق التي حدثت فيها التظاهرات بين قوات الجيش العراقي والشرطة من جهة ومسلحين سنة ينتمون إلى هذه المناطق من جهة أخرى.
احتجاجات 2019. كانت تمثل ردة فعل على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة. ووصلت مطالب المحتجين إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة. وتغيير كل رموز العملية السياسية الذين حكموا منذ العام 2003، كما وندّد المحتجون أيضاً بالتدخل الإيراني في العراق وحرق العديد منهم العلم الإيراني([14]).
د) من حيث درجة العنف:
أعقب احتجاجات 2013 استخدام العنف من قبل قوات الجيش العراقي والشرطة، وكان السبب هو محاولة الحكومة الحفاظ على مكتسبات النظام السياسي (المكتسبات السياسية الشيعية). وعلى الرغم من أن احتجاجات المحافظات السنية استمرت لشهور، ورغم الاستفزازات التي حدثت حينها فإنها لم تكن دموية في أيامها الأولى، إذ إن حكومة نوري المالكي في حينها سمحت للمحتجين بالاستمرار عدة أشهر في ساحات الاعتصام قبل إن تقوم بإنهائها بالقوة.
عكس احتجاجات 2019، إذ واجهت حكومة عبد المهدي احتجاجات بغداد والجنوب بالعنف، منذ بدايتها، بعد تهديدها للمكتسبات الحكومية التي تعد حكومة (للحشد الشعبي) بامتياز والوضع الذي انبثق بعد 2003 حين استشعرت الحكومة أن تلك الاحتجاجات باتت تهدد وجودها. كما أن الدعم الإيراني الكبير للحكومة خلال الاحتجاجات كان السبب في القمع، إذ يراد لهذا “النظام الديني” بالعراق أن يستمر في الحكم، وإلا تمتد حمى الاحتجاجات إلى المدن والمحافظات الإيرانية([15]). كما أن قمع الاحتجاجات الأخيرة أثبت طائفية الحكومة، إذ إنه لم يكن بسبب أن المتظاهرين ثاروا على النظام فقط، وإنما لسعي المتظاهرين ومناداتهم بتغيير طبيعة النظام الطائفي الديني الحالي.
رابعاً_ السيناريوهات المحتملة للاحتجاجات في العراق 2019:
ربما تختلف الاحتجاجات هذه المرة عن سابقاتها سواء من حيث درجة المشاركة الشعبية أو من حيث سقف المطالب أو من حيث درجة التأييد التي حظيت، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، هو إلى أين تسير الأوضاع؟
وهذا يضعنا أمام ثلاث سيناريوهات محتملة:
السيناريو الاول: تواصل الاحتجاجات وتحقيق المطالب. تسبب انعدام ثقة المحتجين بالنظام السياسي وبالحكومة في غلق الطريق أمام إيجاد تسوية مقبولة للوضع المتفجر في العراق، فمن جهة، يرى المحتجون أن النظام السياسي ليست لديه مصداقية، لأنه في نظرهم أخلف من قبل وعودًا عدة قدمها خلال احتجاجات سابقة، فضلًا عن أن طبيعة النظام ذاته لا تسمح بإصلاحات ذات معنى.
كما أن سياق الأحداث الراهنة لا يوحى بفرص التوصل إلى اتفاق أو تسوية يمكن أن تنهي موجة الاحتجاجات الحالية، بل يبدو من طبيعة الوضع الراهن أن الهوة تكبر لاسيما مع سقوط المزيد من الضحايا؛ الأمر الذي يدفع المحتجين إلى رفع سقف المطالب وتصعيد أساليب الاحتجاج، ويشمل ذلك غلق مزيد من الجسور الحاكمة في بغداد، ومحاصرة مؤسسات سيادية مهمة مثل مجلس الوزراء المجاور للمنطقة الخضراء ومبنى البنك المركزي فضلًا عن المؤسسات الحكومية في المحافظات. وتقابل الحكومة هذا التصعيد بتصعيد أمني مقابل، وهو ما يضع المواجهة في دائرة مغلقة ويزيد من هوة عدم الثقة بين الطرفين.
استمرار الاحتجاجات سيضع ضغوطًا كبيرة على أجهزة الدولة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية، لكن من المستبعد أن تُفقدها تماسكها أو تتمكن من تحييدها لأنها متعددة، بعضها يتبع الحكومة وبعضها يتبع قوى سياسية. لذلك، فإن حفاظ الأجهزة الأمنية على تماسكها سيحول دون تحول جوهري داخل بنية النظام.
في المدى البعيد، أوقعت هذه الاحتجاجات ضررًا كبيرًا بصورة إيران ومكانتها في العراق، لأنها تجري في المناطق التي تعد تقليديًّا حواضن للقوى السياسية المتحالفة مع إيران، وقد تبرز تداعيات هذه الاحتجاجات مستقبلًا في انخفاض شعبية حلفاء إيران في العراق، وبروز تنظيمات رافضة للتقسيمات الطائفية، وتنامي الشعور العراقي الوطني الذي يناهض كل ما هو أجنبي([16]).
وثمة مؤشرات إذا ما تحققت فإن الاحتجاجات قد تستمر وتتمكن من انتزاع كل مطالبها، ومنها:
1- الحرص على توحيد الجبهة الداخلية للمتظاهرين وتنسيق الجهود وتوحيد المطالب.
2- وزن الخطاب الوطني وتغليب المصلحة الوطنية والتنبه لمحاولات الاستقطاب واستغلال الاحتجاجات لتحقيق مطالب بعض الأطراف بعيداً عن مطالب الشعب.
3- قدرة الأطراف على تشكيل الحكومة.
السيناريو الثاني: انتهاء الاحتجاجات دون تحقيق المطالب. هذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع، ذلك لان المحتجون يطالبون بتغيير (شامل) للنظام السياسي، غير أن هذا الهدف الذي رفضته السلطات كونه غير واقعي ولا دستوريًّا يواجه أيضًا عدم قبول فئة ليست قليلة من العراقيين ترتبط بالنظام السائد، سواء من خلال الأحزاب المشاركة فيه أو القوات الأمنية التي يهمها استمراره أو أطراف عديدة في المؤسسة الدينية التي ترتبط بالقوى الحزبية الأساسية ذات النزعة الإسلامية، أو المؤسسة القبلية التي تعاظم دورها وحضورها في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي، إلى جانب المستفيدين اقتصاديًّا ومنهم كثير من الموظفين العموميين الذين يشعرون بأمن اجتماعي نسبي، لاسيما أولئك الذين دخلوا الوظيفة من بوابات العلاقات الحزبية والشخصية، هذا فضلًا عن الأكراد الذين لم يُبدوا أي استعداد لتقديم تنازلات في ما يعتبرونه حقوقًا لهم في الدستور القائم، ولم يكن في خطابهم حماس للاحتجاجات رغم ما عبَّروا عنه رسميًّا من (تفهم) لها ولمطلبها.
هذا الواقع ربما يقود إلى انقسام شعبي قد لا يظهر بشكل واضح بسبب قوة حضور الاحتجاجات وما يظهر من عدالتها، لكن مثل هذا الانقسام وبغضِّ النظر عن نسب المتوزعين عليه، قد يظهر في مرحلة ما، وهو بذات الوقت يشجع أطراف العملية السياسية على رفض تقديم تنازلات جوهرية.
علاوة على أن إيران متحالفة مع قوى سياسية وفصائل مسلحة عراقية نافذة في النظام السياسي العراقي القائم، وستسعى للحفاظ عليه لأن العراق يعد عمقها الحيوي الذي يمنحها متنفسًا من العقوبات الأميركية ويربطها بمناطق نفوذها في سوريا ولبنان.
في كل الأحوال تعتمد السلطات في العراق على عامل الزمن، سواء بانتظار حلول الشتاء القارص الذي يضعف المشاركة في الاحتجاجات أو بما تسببه الاحتجاجات من تعطيل للمصالح العامة وغلق للطرق أو تقليص لحجم المعروض من مواد غذائية ومستلزمات حياتية قد تجعل الاحتجاجات أقل شعبية وتمنح الحكومة فرصًا أكبر لإقناع المحتجين بقبول ما عُرض عليهم.
وثمة مؤشرات تدل على أن الاحتجاجات لن تستمر، ومن هذه المؤشرات([17]):
1- الاحتجاجات والمظاهرات المماثلة التي خرجت في فترات سابقة وتلاشت أمام الوعود الحكومية المتكررة، إضافة إلى قدرة الحكومة على امتصاص غضب المحتجين وشراء الولاءات الداخلية.
2- عدم وجود قيادة ثورية موحدة، ولهذا لم تكن هناك مطالب موحدة للمحتجين، وهذا مما سيساعد الحكومة على التعامل مع كل حركة احتجاجية على حدة.
السيناريو الثالث: انفلات الأوضاع. يحافظ المحتجون على الطابع السلمي للتظاهر لكن تزايد القمع قد يدفع بعض المحتجين إلى الاعتقاد بأن العنف المضاد هو الحل، وقد تدفع قوى داخل العراق وخارجه إلى هذا الاتجاه لكن حظوظ هذا السيناريو ضعيفة لأن ذاكرة العراقيين لا تزال تحتفظ بويلات الحرب الأهلية بعد 2003، واستيلاء تنظيم الدولة على الموصل، ومساحات واسعة بالعراق، ثم إن هناك توافقًا في المصالح بين إيران والولايات المتحدة على منع خروج الأوضاع عن السيطرة لأنه سيكون في مصلحة التنظيمات الجهادية المسلحة، خاصة تنظيم الدولة.
وتبقى حظوظ هذه السيناريو الأقل احتمالاً كما قلنا إلا في حال ما يلي:
1- تنصل الحكومة الحالية من واجباتها، ومواجهة الاحتجاجات والوقوف ضدها، خصوصاً إذا شهدت الاحتجاجات موجة تصعيد تستهدف المقار الحكومية وشركات النفط.
2- إذا تأخر تشكيل الحكومة الجديدة، أو عدم حصول التيار الصدري على حصته كفائز أكبر في الانتخابات حسب ما يرى، فهذا ربما يؤدي إلى مواجهات شيعية شيعية.
3- دخول أمريكا على الخط وتشجيع أو دعم انقلاب عسكري أو انقلاب أبيض على تيارات سياسية موالية لإيران، مستغلين الغضب الشعبي على النخب السياسية للوصول إلى نظام حكم جديد موال لأمريكا وبعيد عن إيران.
في الخاتمة من المهم القول، أن الحركة الاحتجاجية في العراق لعام 2019، تجاوزت الشعارات المطلبية العادية إلى مطالب سياسية بإصلاح النظام أو حتى تغييره، من خلال إطلاق اسم “ثورة” و”انتفاضة” على مثل هذه التحركات. كما أن حراك هذه الاحتجاجات بات واعياً، بان الارتهان للخارج هو سبب البلايا والكوارث على البلاد وان السبيل الوحيد للخلاص من كل ذلك هو الاستقلال الوطني الخالص والوقوف بحياد وبنفس المسافة من كل دول العالم وبما يخدم المصالح المتبادلة وهذا رهان عظيم. من هذا الباب، يمكن اعتبار الاحتجاجات الراهنة بوصفها الحركة الأهم في مسار الحركة الاحتجاجية العراقية منذ عام 2003.
[1] ) فارس الخطاب، التظاهرات العراقية ومستقبل النظام السياسي، متاح على الرابط: .http://studies.aljazeera.net
[2] ) Louisa Loveluck and Mustafa Salim, Fear spreads among Iraqi protesters as government cracks down, keeps death toll secret, The washington Post, at: https://www.washingtonpost.com.
[3] ) Shatha Khali, Between occupation and corruption …. The Iraqi economy loses its identity, the latest statistic of Human Rights Watch, Rawabet Center, at: Rawabet Center.com.
[4] ) Kirk H. Sowell, Iraq’s Democracy Under a Cloud, Garnegie Endowment For International Peace, at: https://carnegieendowment.org.
[5] ) Rachael Bunyan, Over 300 Killed as Hundreds of Thousands Take Part in Iraqi Protests. What’s Behind the Violent Demonstrations?, Time, at: https://time.com.
[6] ) القلق: عنوان الموقف الإيراني من احتجاجات العراق، وحدة الدراسات العراقية، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط: .https://rawabetcenter.com
[7] ) فارس الخطاب، التظاهرات العراقية ومستقبل النظام السياسي، متاح على الرابط: .http://studies.aljazeera.net
[8] ) يحيى الكبيسي، العراق: حركة الاحتجاج والتواطئ الدولي، القدس العربي، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk.
[9] ) US calls on Iraq to hold early elections after weeks of deadly protests,The telegraph, at: https://www.telegraph.co.uk.
[10] ) احسان الفقي، الولايات المتحدة واحتجاجات العراق.. دعم على استحياء، القدس العربي، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/
[11] ) Iraq’s Sistani supports reform, concerned politicians not serious enough – U.N. representative, Reuters, at: https://fr.reuters.com/article.
[12] ) احتجاجات العراق .. الأسباب والمآلات، تقدير موقف، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، متاح على الرابط: https://fikercenter.com/position-papers.
[13] ) أوجه الاختلاف بين مظاهرات 2013 و2019 في العراق، الجزيرة نت متاح: https://www.aljazeera.net/news/politics.
[14] ) AUDREY WILSON, Why Iraq’s Protesters Are Still in the Streets, Foreign Policy, at: https://foreignpolicy.com.
[15] ) Ghaith Abdul-Ahad, Iraq’s young protesters count cost of a month of violence, The guardian, at: https://www.theguardian.com.
[16] ) الاحتجاجات الشعبية في العراق: التداعيات القريبة والبعيدة، تقدير موقف، مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط: http://studies.aljazeera.net.
[17] ) احتجاجات العراق .. الأسباب والمآلات، تقدير موقف، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، متاح على الرابط: https://fikercenter.com.
رابط المصدر: