د.محمد الجزائري
نتائج اي عمل إستراتيجي عادة مايتولد عنه ثلاثة فجوات(فجوة مستجيبة،فجوة غير مستجيبه،فجوة غامضة) وتؤثر هذه الفجوات على ثلاثة دوائر (محلية،اقليمية،دولية).
في حالة مقتل سليماني والمهندس،يمكن ان نحدد نوع الفجوة بالاتي:
1.هي بعيدة لان تكون فجوة مستجيبة،لاسباب اهمها:-
أ.عدم سكوت او تفاوض ايران على هذا الحدث،فالامر ليس بالبساطه التي قد يقال عنها انها مقتل رجل قائد ومهم في الحرس الثوري الايراني،الامر اعمق واضخم من ذلك بكثير،فهذا الرجل يمثل منهج وسلوك ايراني اقليمي وكذلك هذا الرجل لم يدخر وسعاً في تحقيق هدف كانت الولايات المتحدة لم تضن انه قد ياتي في وقت من الاوقات الا وهو التواجد الدولي في الاقليم وبالاخص الروسي نحو الاقليم،كما ان الصين وجدت ضالتها من خلال سليماني كفرصة تستطيع من خلالها ان تقلق الولايات المتحدة وتغير بعض المسارات الضارة بالصين في المنطقة الاقليمية.لذلك كان سليماني الرجل الذي تجتمع وتتفرق عنده المصالح الدولية في الاقليم.
ب.في الدائرة الاقليمية الحديث واسع جداً،فسليماني تجده يجمع الكتل والاحزاب الشيعية المتأزمة فيما بينها،ويوحدها،وهذا الامر ليس سرا وابتداً من نتائج انتخابات 2010،ولغاية مقتل سليماني.في لبنان دوره كبير في استمرار الدعم لحزب الله وخصوصاً الدعم الاخير للحزب في الانتخابات الاخيرة.في اليمن الامر شكل تحدي لمصالح اقليمية ذات لون خليجي مع اللاعب الدولي (الولايات المتحدة)،وربما الامر هنا قد تم فيه تجاوز الخطوط الحمراء سواء الاقليمية او الدولية المهيمنه على الاقليم.
ج.الدائرة المحلية،واعني بها الداخل الايراني،ورغم المراهنة على التظاهرات الاخيرة في ايران والتي جعلت البعض يتصور ان النظام السياسي ينهار من الداخل،فقد اثبت الحرس الثوري الايراني انه لايزال صمام امان ،وبمقتل سليماني سيكون رمز وسيوظف من قبل النظام السياسي الثوري هناك كايقونة للتضحية وكشعار للاستشهاد.وهذا الامر سيزيد من وتيرة وقوة المحافظين وستنهار قوة الاصلاحين،وبذلك سيكون ذلك فرصة لتجديد النظام الثوري الاسلامي الايرني وسينتشر معه ايقاع ثوري هادف وقاسي في التعامل مع اي تحرك داخلي مضاد فالامر خرج الى واقع جديد مؤثر وغير متسامح.
2.ربما تكون الفجوة غير مستجيبة ولكن حدود الرد تتداخل مع الدوائر الثلاثه وردود الافعال لايمكن قياسها بالكيفية الاعتيادية بمعنى انها ربما تكون فعل ورد فعل،لذلك ستتسع وتتشعب هذه الفجوة وهذا الامر يقودنا الى الاحتمال الثالث وهو الاكثر توقعاً.
3.الاحتمال الثالث وهو الفجوة الغامضة،وسيتم حسابه بطريقة الدوائر الثلاثه،ونبدأ بـــ:-
أ.الدائرة الدولية
1-الولايات المتحدة التي قامت بالفعل لها مبرراتها التي قد يقتنع بها البعض وقد يعارضها البعض.ولكن عليها ان تكون مستعدة لتلقي الرد على رسالتها التي بعثت بها الى الاقليم المضطرب اصلاً.
2-روسيا،وهي حليفة ايران والتي تتفاعل سلبيا وفق الرؤية الامريكية في الاقليم ،اعلنت موقفها وبصورة رسمية من خلال تحذير من تصاعد التوتر،وهذا الامر فيه الكثير من الاحتمالات وقد يواجه فرص او كوابح لتحقيق اي التوتر وتصاعد العنف المستشري اصلاً.
3- الصين،لم تعلن موقفها من هذا الحدث،ولكن في هذا الصمت الكثير والايام القليلة القادم ستفصح عنه.
4-بريطانيا وفرنسا سيكون موقفهم ليس ببعيد عن الصمت ولكن هل الصمت سيكون درعاً واقيا لها او مدلول على عدم الرضا او فالسكوت هنا ليس علامة الرضا كما يقول المثل العربي الشائع.
ب.الدائرة الاقليمية
وهنا ستقلب وتقلب الاوراق وسيكون للامر واقع اخر،وكما يلي:-
1- اسرائيل،تعرف القيمة المعنوية والعملياتي لسليماني ورغم حالة الاذى التي كان يمثلها المقتول فانها ورغم استطاعتها قتله فانها لم تقوم بذلك لانها تحسب ردود الافعال الاقليمية المحيط بها بدقة متناهية،ولاتريد اشعال واقعها الاقليمي بحرب لايستطيع عمقها الاستراتيجي المحدد من اسعافها.لذلك فهي سارعت الى عقد اجتماعات عالية المستوى لتدارس الوضع،وهي تعلم اي اسرائيل انها ستكون جزء من الرد الايراني،من خلال استخدام الفواعل من غير الدول ونقصد بها حزب الله،ربما حركة حماس رغم استبعادي للامر،الفصائل الشيعية في الساحة السورية،وربما ونحن لانستبعد شيئا ان يكون الرد مباشراً من ايران.
2- السعودية،ستكون وبشكل وباخر ايضا جزء من الرد الايراني،ولكن سيكون غير مباشر،ومن خلال الحوثيون الذين سيتجاوزن هذه المره الخطوط الحمراء للمصالح الدولية الغربية في السعودية ولعل صناعة النفط المهمة اقتصاديا ستكون ربما في قمة القائمة،الشيعة في السعودية وتفعيل الاعمال المسلحة الفردية او الجماعية وحسب تطور المواقف والتي قد تنتج عن تظاهرات تشجعها مرجعيات شيعية لها امتداد داخل السعودية ،او ربما مساعدة جماعات معينة تتقاطع مع الايديولوجيات الشيعية،وتتبنى مواقف تصاعدية ربما تكون مسلحة بالضد من النظام السياسي السعودي وفق مبدا عدو عدوي صديقي.
3- العراق،القوات الامريكية والمصالح الامريكية والغربية قد لا تكون أمنة او متاحة للاستمرار، فالتاثير الايراني واضح جدا على جميع الفرقاء في الاحزاب والحركات الاسلامية الشيعية،فمن تغريدة السيد الصدر الى تصريح الشيخ الخزعلي بالاضافة الى ذلك فان هذا الحدث اي مقتل المهندس مع سليماني اخذ بعداً وطنيا،وهو استمرار لما يراه المواطن العراقي عموماً والجنوبي خصوصا ،لاستهداف الحشد الشعبي ،كما وان ثقل الحشد الشعبي هو في الجنوب وهو خط احمر هناك رغم ماقيل ويقال ولكن حقيقة الامر هو ان الاسر الجنوبية لم تخلوا من شهيد او جريح في الحشد الشعبي كما وان الثقل البشري والمادي للعراق بما فيها المنفذ البحري الوحيد للعراق هو الجنوب،ولا اقلل من مشيئة وجهود المتظاهريين العراقيين لتحجيم الدور الاقليمي عموما والايراني خصوصا في العراق.
ب.الدائرة المحلية
1- قوة جديدة وتجديد لمبدا الاستشهاد في الحرس الثوري الايراني،كما انه مدعاة الى زيادة الدعم الحكومي لتلك القوة كما سيكون هناك زيادة في وتيرة تدريب وتجنيد للعنصر في عدد كبير من الدول لمهاجمة المصالح الامريكية والغربية،وليس وجوبا ان يكون الرد الايراني مستجعلاً فهم اي الايرانيين معرفين بالحكمة والقدرة على ضبط النفس ولكن هم في نفس الوقت لا ينسون ثأرئهم.
2- تبدل المواقف ،بمعنى ان خيار عدم المواجهة والتصعيد هو غير مرحج الان وهو بالتالي سيقود الى تبدل من لون الحكومة الحالية من اصلاحي الى محافظين وهذا الامر ربما سيضن البعض انه سيقلب الامر بالضد من النظام السياسي الاسلامي ولكني وبكل تاكيد اقول ان الشعور بالانتماء الوطني لدى الايرانيين عالي،وهذا ليس شعرا ولكنه امر ملموس من الواقع الايراني.
وختاماً فان ايران ربما يقول البعض عنها انها خسرت قائد محترف وشرس ضد التوجهات المعادية على اقل تقدير لحكومة بلاده،فان ايران الان ستكون لديها الفرصة لك تلعب مع الدوائر الدولية في الاقليم والدول الاقليمية المؤيده لها ،باوراق كثيرة ومتعبه للمصالح الامريكية والدول الاقليمية المؤيده ،وهذا الامر حذر ويحذر منه عقلاء الجانب الامريكي وخصوصا المرشح القوي للرئاسة الامريكية جوزيف بايدن الذي اكد حتمية الرد الايراني وتاثير ذلك على المصالح الامريكية.