سايمون هندرسون
توعّد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي “بثأر قاسٍ” لمقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني. صحيح أننا لا نعلم إن كان من المستحسن لدى الإسلام الشيعة أخذ الثأر بعد فترة على الحادثة – لكن من الغباء عدم توقّع رد مبكر.
وقد أشار سوق النفط إلى مخاوف من انقطاع الإمدادات، حيث بلغ خام “برنت” أعلى مستوياته منذ 6 أشهر عند 69 دولاراً للبرميل وقفز الخام الأمريكي بنسبة أدنى بقليل منه. فالهجمات المدمرة التي نفذتها طهران في أيلول/سبتمبر الماضي ضد منشأة “بقيق” لمعالجة النفط السعودية خير دليل على ما يمكن لإيران القيام به.
وبشكل مفهوم، أتت ردود الدول الخليجية حذرة حتى الآن. فهي الأقرب جغرافياً من إيران وفي العديد من الحالات تضم أقليات شيعية لا بأس بها – كما في السعودية والبحرين، على سبيل المثال. ومن جهتها، دعت وزارة الخارجية السعودية، من دون سخرية ظاهرة، إلى ضبط النفس لدرء كلّ ما قد يؤدّي إلى تفاقم الوضع. لكن تصريح الوزارة لم يذكر أنه خلال نهاية الأسبوع الماضي أقدمت قوات الأمن السعودية، في عرض معتاد للقسوة التي تشتهر بها، على إطلاق النار على مسلحيْن شيعيين وأردتهما قتيلين واستحوذت على أسلحة ومتفجرات.
أما في البحرين المجاورة، حيث يتخذ الأسطول الأمريكي الخامس قاعدة له ويعيش 10 آلاف موظف خدمة أمريكي بالقرب من الشاطئ البحريني، فقد أصدرت السفارة الأمريكية تحذيراً أمنياً دعت فيه رعاياها إلى توخي أقصى درجات الحذر “على ضوء الأحداث الإقليمية”. ونأمل أن تحاكي اللهجة اللبقة المستخدمة سلوك القوات الأمنية المحلية. فبعض شيعة البحرين، الذين يشكلون غالبية السكان، لا يثقون منذ فترة طويلة بالعائلة الحاكمة السنّية التي تنقسم بدورها بين معتدلين ومتشددين.
ولا بدّ من الحذر عند تصوّر ردود إيران المحتملة. أولاً، قد لا تستهدف إيران الأمريكيين بحد ذاتهم. ففي النهاية، هي تريد على الأرجح أن تثبت، من وجهة نظرها، حماقة الوقوف في صف واشنطن، لذا فأي حليف لأمريكا هو هدف قيّم أيضاً. علاوةً على ذلك، يبدو أن الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس ترامب هو “لا تقتلوا الأمريكيين”، لذا ووفقاً للمنطق الذي يعتمده، إن لم يُقتل أي أمريكي، قد لا ترد واشنطن.
ثانياً، قد لا تنتقم إيران بنفسها وبشكل مباشر أو قد لا تفعل ذلك في الشرق الأوسط. فالجميع سيعرفون أن طهران هي وراء الحادثة لكن سيكون من الصعب توجيه الاتهام إليها مباشرةً، مع العلم أن نفوذ إيران ينتشر في كافة أرجاء العالم، وكانت طموحة أقله في الماضي. فأنا أذكر جيداً أنه قبل 20 عاماً قال لي مسؤول أمني بريطاني متهوّر إنه تمّ رصد عناصر من خلية إيرانية نائمة تقوم بمراقبة منشأة نووية بريطانية.
ويبدو أن مسار هذه الأزمة المستقبلي ضبابي للغاية لدرجة أنه ربما يكون هناك فسحة للتفاؤل المحتمل. ورغم الغضب الذي اعترى طهران في بادئ الأمر، فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا هل يغيّر اغتيال سليماني قواعد اللعبة؟ هل سيفكر خامنئي ومستشاروه في واقع أن التدخل في الشرق الأوسط كان طموحاً بشكل مفرط، لدرجة أنه أصبح يهدد الاستقرار المحلي للثورة الإسلامية؟
وصحيح أنه جرى احتواء الاحتجاجات الواسعة النطاق التي اندلعت مؤخراً ضد النظام والانتقاد العلني للقيادة الدينية، إنما ترافق ذلك مع خسائر كبيرة في الأرواح. فحرب إيران مع العراق بين عامي 1980 و1988 انتهت بعد أن أسقطت الولايات المتحدة عن طريق الخطأ طائرة إيرانية، وأيقن القائد آنذاك آية الله الخميني أن الشعب الإيراني أضنته الحرب. ووافق على وقف إطلاق النار لكنه قال “لقد شربت كأس السم” بقبول هذا القرار.
وإلى الحد الذي يمكن تتبع تطور الأحداث، قد يكون من المهم مراقبتها في طهران، مثلها مثل التوترات في مختلف أنحاء المنطقة.
رابط المصدر: