ترجمة: ابراهيم قنبر
قُتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في قصفٍ أمريكي في بغداد في الوقت الذي كانت فيه طهران تستعرض عضلاتها في الأيام الأخيرة.
سليماني هو قائد فيلق القدس (القدس باللغتين العربية والفارسية) وهو كيانٌ قوامه ١٥٠ ألف فردٍ مدرّبين لخوض مسارح العمليات الخارجية، فقد تدخّل في سورية إلى جانب النظام السوري ودعم حزب الله في لبنان، وكذلك في العراق مع الميلشيات العراقية الشيعية لدرجة أن أغلب العراقيين باتوا ساخطين على هذا التدخل الإيراني في بلادهم.
هل يمكن لقتل سليماني الذي يُعتبر ضربةً إضافيّةً من واشنطن أن يؤدي إلى حربٍ جديدة؟
هل تستطيع طهران مقاومة أيّ هجومٍ أمريكي؟
الزناد المزدوج في طهران:
تتصاعد التوترات في السنوات الأخيرة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي قد يُنذر بتدخلٍ عسكري أمريكي ضدّ إيران.
ما يتوجب ذكره في هذا الوقت هو أنّ الجيش النظامي الإيراني غير قادرٍ على القيام بأي عملياتٍ خارج البلاد، ذلك أنّه مخصّصٌ بالكامل “لصدّ غزوٍ أجنبيّ محتمل”، وعليه فإنّ مهمّة العمليات الخارجية موكلةٌ بالكامل لفيلق القدس الذي يمتلك الوسائل للقيام بعمليّاتٍ في جميع أنحاء المنطقة.
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في ٥ أيار/مايو ٢٠١٩ نشر حاملة الطائرات (USS) ابراهام لنكولن في مياه الخليج العربي، فضلًا عن قوّة عسكرية ذات مهام هجومية، كان ذلك ردًّا على الإشارات والتحذيرات المثيرة للقلق التي أدّت إلى هذا التصعيد.
فقد حذّر مستشار الأمن القومي وقتهاجون بولتون إيران من عواقب أي هجومٍ على المصالح الأمريكية في المنطقة، ومنذ ذلك الحين استمرّ التوتر بالتصاعد في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي.
ذلك في الوقت الذي تصنِّف فيه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إيران بشكلٍ أو بآخر بأنها مسؤولةٌ عن العمليات التخريبية التي تعرضت لها ناقلات بالقرب من مضيق هرمز وعن دعمها تمرّدَ الحوثيين في اليمن.
في ظلّ تلك التوترات المتزايدة كان مستشار الرئيس الأمريكيقد أوضح أن”الولايات المتحدة لا تسعى إلى شنّ حربٍ مع النظام الإيراني، لكننا مستعدون تمامًا للردّ على أي هجومٍ سواءً تمّ تنفيذه بالوكالة أو من قبل الحرس الثوري أو عن طريق القوات النظامية الإيرانية”.
إذًا لا يمكن استبعاد احتمال المواجهة المسلحة بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين وإسرائيل ضدّ النظام الإيراني، وما خروج بولتون المؤيد لهذه المواجهة إلا توضيحٌ لهذه الاحتفالية.
كما سلط خروج بولتون الضوء في نفس الوقت على الهيكلية المزدوجة للجيش الإيراني التي يجب على من يواجه إيران أن يضعها ضمن تقديراته.
لفهم التركيبة والطبيعة المزدوجة والحكم على قدرتهم على التعامل مع ما يمكن أن تشكّل تدخلًا أمريكيًّا جديدًا في المنطقة يجب العودة إلى الأيام التي تلت سقوط الشاه في قبل ٤٠ عامًا.
في ١٢ شباط/فبراير ١٩٧٩ على الرغم من أن الجيش الامبراطوري قد أعلن حياده إلّا أنّ القادة الإيرانيين الجُدد قاموا بعملية تطهيرٍ وحشيّةٍ داخليّة، وخاصةً بين كبار الضباط لأنّ السلطة الجديدة كانت تشكّك في موالاة ضباط الجيش للسيادة المخلوعة والمنفيّة إلى المغرب.
أُعيدت تسميته ليصبح اسمه جيش جمهورية إيران (آرتش) وتم وضعه تحت إشرافٍ مباشرٍ من قبل منظمةٍ سياسيةٍ صارمةٍ للغاية في خدمة نظام الملالي وهو ما يسمىبالحرس الثوري أو باسدران.
تَشكّل هذا الكيان بالأصل عن طريق ميليشيات شيعية تدعم الخميني المرشد الأعلى، حيث كان كيان باسدران منذ ذلك التاريخ موازيًا للجيش النظامي ورادعًا له ضدّ أي محاولة انقلاب.
لقد تميز تاريخ جمهورية نظام الملالي _خاصة في بداياته_ بمخططات عسكرية تستهدفه بشكلٍ واقعي إلى حد ما ، أحبطها الباسدران وأعقبتها عمليات تطهير دموية.
باسدران جيشٌ كامل:
بعد مرور عامٍ ونصف تقريبًا على قدوم نظام طهران الحالي، أتاح غزو العراق للأراضي الإيرانية في ٢٢ أيلول/سبتمبر ١٩٨٠ (لآرتش/الجيش النظامي الإيراني) الفرصة لإثبات ولائه للنظام.
تمّ حينها استدعاء الضباط المتقاعدين السابقين في حين أُطلق سراح الآخرين المسجونين منهم وعُيّنوا في وحداتٍ قتالية، كان هذا هو الحال كذلك بالنسبة للعديد من الطيّارين الذين اعتُقلوا بشبهة تلقيهم التدريبات في الولايات المتحدة الأمريكية.
بقي الحال كذلك حتى عام ١٩٨٢ حيث قام نظام الملالي بتحييد (آرتش) إلى خلفية العمليات العسكرية للسماح للحرس الثوري باكتساب الشرعية العسكرية على حساب الجيش النظامي.
تعصُّب الحرس الثوري قاده إلى رفع سقف طموحاته ومواصلة القتال “للإطاحة بالرئيس صدام حسين” إلا أنّ هذا الطموح وهذا الهجوم واسع النطاق كانت له نتائج كارثية وانتهت الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الناس دون منتصر في ٢٠ آب/أغسطس ١٩٨٨.
منذ ذلك الصراع استقرّت القوات العسكرية الإيرانية على دعامتين أساسيتين وبأدوار محدّدةٍ بوضوح، فوفقًا للمادة ١٤٣ من دستور عام ١٩٧٩ (المعدّل في ١٩٨٩) فإنّ الجيش النظامي هو “الضامن لاستقلال البلاد وسلامة أراضيها، وكذلك سلامة الجمهورية”.
وتشدّد المادة ١٥٠ على وجوب الحفاظ على جسد باسدرانحتى يتمكن من “أداء دوره كحارسٍ للثورة وإنجازاتها” وذلك من خلال “التعاون الأخوي مع فروع القوّات المسلّحة الأخرى”.
في الواقع يُنظر إلى (آرتش) كجيشٍ دفاعي كلاسيكي بأربعة فيالق: القوات البرية والجوية والبحرية، ومنذ عام ٢٠٠٧ الدفاع الجوي، وتتمثّل مهمّته بحراسة الحدود والتركيز على حماية البلاد.
بهذا انتقل باسدرانمن وضع ميلشياتٍ إلى وضع جيشٍ حقيقي في عام ١٩٨٥، وتفرّغ لخدمة إيديولوجية نظام الملالي.
يرتبط باسدران مباشرةً ب “دليل الثورة” ويتم توجيهه منذ نيسان/أبريل عام ٢٠١٩ من قبل حسين سلامي، هذا الكيان لديه إمكانية الوصول إلى أفضل المتطوعين ويتبنى نظرية الحرب غير المتماثلة الدائمة إلى أقصى حد.
من خلال “قوّات القدس” يتمتع هذا الكيان البالغ قوامه ١٥٠ ألف فرد بإمكانية التدخل في عملياتٍ خارجية، حيث تدخل في سورية لمساندة النظام السوري، وفي لبنان دعم حزب الله، وفي العراق تدخل مع الميليشيات الشيعية، بينما تقتصر مهمة الجيش النظامي على حراسة الحدود.
في حال هجومٍ جوّي لا تستطيع القوات الجوية في الجيش حماية القوات البرية أو التحكم بالسماء، ولكن بعددهم الذي يصل إلى ٣٥٠ ألفًا بمن فيهم ٢٠٠ ألف من مجندي الوحدات الذين يؤدون الخدمة الإلزامية لمدة ثمانية عشر إلى أربعة وعشرين شهرّا، يمنحون الجيش قاعدة بشكلٍ أو بآخر.
لا توجد وثيقةٌ رسمية تلخّص عقيدتهم ولكن الخطابات الرسمية التي يلقيها القادة الإيرانيون في احتفالات ما يسمّى “النصر” دائمًا ما تتحدث عن “صمودهم”.
يجب أن يتبنّى أي غزوٍ أجنبي فكرة مواجهة جيش لديه الرغبة في الحفاظ على مواقعه، كما يمكن لباسدران القيام بعمليات مضايَقةٍ خارجية ضدّ المصالح الاقتصادية لخصومه، وبذلك يكون لديهم في مياه الخليج العربي مجموعةٌ واسعة من الأهداف من ناقلات نفطٍ ومحطات تحلية وسفن حربية أجنبية إلخ.
هذه الثنائية أيضًا من الجيش والباسدران موجودة كذلك في الدفاع الجوي والقوى الجوية التي لا تمتلك أكثر من ٦٥ طائرة مقاتلة يعود أكثرها إلى وقت الشاه (مقاتلات من طراز f5 وقاذفات القنابل من طراز f4)
لكن لدى الدفاع الجوي أنظمة دفاع مثل رادار ريزونانس الروسي وأنظمة أفتوبازاوالعديد من الرادارات الروسية والصينية الكلاسيكية، وكذلك لدى إيران ولكن على الورق رادارات قادرة على “اكتشاف طائرة الشبح”.
حصلت طهران في عام ٢٠١٦ على نظام الدفاع الجوي S300 والذي يمكنه الدفاع ضمن دائرةٍ نصف قطرها ٢٠٠ كم، كذلك لدى باسدران مهمة تطوير الوسائل الباليستية، وهنا يجدر التذكير أن قضية مخزون الصواريخ الإيراني لا تزال صعبة.
من المفترض أن يكون لدى إيران ٣٠٠ صاروخ شهاب ١ وشهاب ٢ بمدى يصل إلى ٥٠٠ كم البعض منها صُمّم في الثمانينات وصُنّعت في كوريا الشمالية، كما حُدّث بعضها محليًّا بحيث يهدّد نطاقها بشكلٍ مباشرٍ القواعد الأمريكية في الجوار الإيراني (الخليج والعراق وأفغانستان).
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (sipri) تمتلك طهران أيضًا حوالي ١٠٠ صاروخٍ مداها أكثر من ١٠٠٠ كم(شهاب٣ وغدر)، أو حتى ٢٥٠٠ كم (سجيل، سومر) الذي يضع السعودية وإسرائيل وداخل الصين وروسيا وأوروبا الشرقية في مرمى النيران.
لا يزال هذا البلد يعاني من الأضرار التي لحقت به ولا سيما في مراكز المدن جرّاء ٤٠٠ صاروخٍ عراقي أُطلقت بين عامي ١٩٨٢ و١٩٨٨، ومع ذلك لا تزال تمثل الصواريخ الباليستية إمكانية ردعٍ لدى طهران.
يمتلك باسدران كذلك مئات من الطائرات بدون طيار وصواريخ استُخدمت من قبل المتمردين الحوثيين.
رُصد كذلك استخدام وسائل تدميرٍ منتشرة في أسرابٍ لإرباك العدو في القطاع البحري، فالبحرية الأمريكية تعرف أنه ليس لدى إيران سوى هذا العدد الكبير من الزوارق البحرية السريعة والغواصات محلية الصنع، وكذلك طائرات ذات تأثير أرضي مصممة لتطوير في سماء المنطقة على ارتفاعٍ منخفض فوق الماء.
كما قامت طائرات المراقبة الإيرانية بتصوير سفنٍ أمريكيةٍ في الخليج وحتى حاملات طائراتٍ بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١٧، واتّهمت المملكة العربية السعودية طهران بأنها كانت وراء هجمات طائراتٍ بدون طيار ضدّ منشئاتٍ نفطية في المملكة.
المعدّات القديمة:
مع ذلك يجب الحرص على عدم المبالغة في تقدير الإمكانيات العسكرية الإيرانية، فالجيش العراقي كان الجيش الرابع عالميًا قبل أن يتمّ قصفه من قبل التحالف الدولي.
بالتأكيد لدى آرتش والحرس الثوري موازنة مالية كبيرة بلغت عام ٢٠١٠ ما يقارب ٥.٩ مليار دولار، ٤٢٪ منها لباسدران، وهذه الموازنة تعادل تقريبًا ما ينفق في تركيا أو اسرائيل.
لكن تبقى إيران في كل الأحوال متخلّفة في التسليح مقارنةً مع منافستها الإقليمية المملكة العربية السعودية التي يصل إنفاقها العسكري إلى ٦٠ مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك فإن العقوبات الأمريكية والأوروبية وعقوبات الأمم المتحدة جعلت إيران منبوذة في سوق الأسلحة العالمية، أهم سوق الأسلحة بالنسبة لإيران هو الصين وكوريا الشمالية وروسيا، هذه الأخيرة تميل كما تهب الرياح حسب الوضع الاقتصادي.
في عام ٢٠١٦ رفضت موسكو تسليم ٢٠٠ مقاتلة ثقيلة متعددة الأدوار من طراز SU_30 وتأخرت في تسليم صواريخ S_300 بسبب ضغوطٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذا الحظر يفسر وجود المعدّات القديمة عند (آرتش) مثل الدبابة T72 الروسية التي دخلت الخدمة منذ سبعينات القرن الماضي وتم تحديثها محليًّا.
كما يتألف الجزء الأكبر من ترسانتها المدرّعة من دبابات باتون أو دبابات شيفتان التي يعود تاريخها إلى الحرب الكورية (١٩٥٠-١٩٥٣) والفيتنامية (١٩٥٥-١٩٧٥).
هذا الجيش بُني على أنقاض المشروع الطموح الذي أراده الشاه، وتحاول إيران بصناعةٍ عسكرية ما تعويض آثار العقوبات الدولية التي فُرضت عليها بسبب تدخلاتها المتواصلة في الخارج.
لذلك ورغم أنها أخذت تقنياته من كوريا الشمالية فإن الحرس الثوري يحاول أن يلعب دورًا في تصنيع برنامج الصواريخ الباليستية.
أكرم خريف، صحفي مدير موقع “مينا دفاع” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا
لوموند ديبلوماتيك حزيران/يونيو 2019 وأعيد نشره في ٣ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠
رابط المصدر: