سعيد الهاشمي
لماذا نحن بحاجة لفهم المواطنة؟
من حسن حظ المواطنة، أو ربما العكس، ارتباط خطابها بالإنسان والدولة. فحيثما وجدت دولة بالمعنى المدني، الإنسان فيها المكوّن الرئيس، أضحى الكلام والنقاش حول المواطنة ممكناً وقابلاً للأخذ والرد. بل وواعداً بالنماء والتطور، سواء تم نشدان ذلك التطور على مستوى الأفكار أو على مستوى الأعمال المتحققة ميدانياً. في حين أن غياب أو تغييب الإنسان كقيمة في أيما صيغة تنظيمية تتوخى إدارة موارد أية جماعة بشرية، تُصيب هذه الجماعة بالعطب والهدر في إدارة مواردها وتسيير شؤونها.
السؤال المبدئي الذي يتبادر للذهن: لماذا نحن بحاجة لفهم المواطنة؟ وهو سؤال يُفضي بنا إلى الحيرة بين دول تؤطر واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي بإرادة المواطن “المتحد”، القائمة على المشاركة في صياغة الحقوق وتحمّل المسؤوليات. الدولة في هذا النموذج تحاول أن تكون ضامن لأساسيات الكرامة والعدالة والمساواة للإنسان ليركز على العمل والإبداع والعمران. وبين؛ صيغ تنظيمية لا تزال تُدار بذهنية الحاكم “الأوحد” المتكئ على عصبويته المُحتكرة للقوة والثروة، سواءً كان فرداً أو قبيلة أو حزب أو دين أو طائفة أو مذهب أو عرق. الدولة هنا ليست أكثر من حارس أمين لنظام الحكم والناس تحته متفاوتون في المكانة والدور والفرص.
أي الصيغتين أكثر إقناعاً للإنسان لكي يتخذها وطناً ويكون فيها مواطناً؟
إن الراهن المتشظّي والقَلِق الذي تعيشه بلدان الخليج العربية، في الداخل والخارج، يحثّنا لمقاربة فهم أكثر واقعية فيما يتعلق بـ “المواطنة”، وبالتالي الاقتراب من الإنسان، والمعني هنا هو الإنسان بوصفه مواطناً مدركاً لقيمته وقيمة الحياة التي يتشاركها بمسؤولية مع من حوله.
ولأن المواطنة، كما يُنبئ عنها سياقها التاريخي، علاقة واعية بين طرفين: الدولة والإنسان، أو الوطن والمواطن، ”ولأن الحرية ليست شيئاً إضافياً يودع في عقول المواطنين، بل هي ممارسة أو استجابة واعية نحو العالم من أجل تغييره “،[1] فإن هناك الكثير مما يستحق التوقف والتحليل والاستخلاص من هذه العلاقة. أسئلة كثيرة يُثوِّرها حال هذه العلاقة في بلدان الخليج العربية، أسئلة مولّدة لتساؤلات لا نهائية لا ندعي الإحاطة بها في هذه العُجالة التحليلية التي لا تطمح لأكثر من الإضاءة على واقع المواطنة في هذه المنطقة والدعوة لتولّيها بالعناية التي تستحق. أسئلة من قبيل: ما هي الدولة التي تدير حياة الناس؟ أي: ما شكلها، وما نوعها، وكيف تكوّنت؟ هل هي دولة أم شكل آخر من أشكال الاجتماع البشري: كالقبليات أو التعاونيات أو السلطويات أو غيرها؟ كيف تنظر هذه الكيانات إلى المواطنة؟ ثم، أين موضع الإنسان من تلك الدولة أو من ذاك الإطار؟ كيف يمارس حقوقه، ومن أين يستمدّ مطالبه الحقوقية؟ وكيف يؤدي واجباته؟ أي الصيغ القانونية والسياسية تضمن ذلك؟ هل شارك الأفراد في صياغتها؟ هل ثمة تحالف وتضامن بين أفراد أحرار قاموا بوضع ما يحتاجونه من دولتهم في وثيقة، محضوها احترامهم وتقديرهم، بوصفها الصيغة المعتمدة ضمنياً أو علناً للدول ”الحديثة”؟
بكلمة: إلى أي مدى مارس هؤلاء الأفراد تلك الحقوق والواجبات، كيف اختبروها، وما هي تجربتهم مع الأجهزة الساهرة على تنفيذها ومراقبتها؟ هل كل تلك الحقوق والواجبات تحمل معنىً يتعلق بـ “المواطنة”؟ هل هذه المواطنة تمثّل ضرورة للأفراد؟
ستحاول هذه الدراسة وصف راهن المواطنة في بلدان الخليج العربية بالنظر إلى ثلاثة محاور هي السلطة، والمجتمع، والنخب، وذلك من خلال البحث في:
أولاً: المواطنة منظوراً ومنظّراً لها من قِبل السلطة
ثانياً: المواطنة المُعاشة والمنتظرة
ثالثاً: المواطنة المُشتهاة
ونفتتح هذه الدراسة بمدخل مفاهيمي يتتبع سياقات المواطنة لغوياً وفكرياً وسياسياً، ومقارنتها مع تجارب بشرية متقاربة في الجغرافيا والزمن، مع فقرة مختصرة في نهاية التحليل تُجمل أهم الخلاصات.
لا يحتاج المتصفح للأدبيات المتوفرة حول المواطنة في المنطقة إلى كثير من الجهد كي يرى أنها:
– إما تجنح إلى الدراسات المخبرية ذات البعد الكمي، وخاصة في حقل التربية الوطنية ووسائل التدريس،
– أو تكون عبارة عن أرقام برّاقة لبرامج إعلامية في وسائل الإعلام الرسمية،
– وإما على شكل بحوث نظرية مُحمّلة بالآمال والرجاء، راغبة في ارتقاء الناس إلى الفكرة المحفوظة في فترينة عرض مصانة، يقارنها المخاطِب (بكسر الطاء) بتطور اللفظة والسلوك في السياق الغربي، ويزهد أو يستصعبها المخاطَب (بفتح الطاء) لمشّقة المطالبة بها والالتزام باستحقاقاتها، وهو الذي يظن بأنه يتنعّم في طيبات مجتمع الرفاه الذي توفره الدولة الرعوية.
كل تلك الاجتهادات، رغم محامدها العلمية، ليست بالكفاية بعد، حتى تصير المواطنة علاقة ملحّة وضرورية، وغير قابلة للتصرف من قِبل أي سلطة، وتحت أي ذريعة. ثمة انثلام يعتور المواطنة في بلدان الخليج العربية، هذا ما تفترضه الدراسة هنا، وهو ما ستحاول إثباته أو نفيه.
وكما هو معلوم فـ “الثلم” في اللغة هو التعطيل عن أداء المهمة. فالسيف المثلوم هو سيف غير ماض القطع. فهل حقاً هذا هو حال المواطنة؟ أم هو محض ادعاء؟ من المهم تشخيص المسكوت عنه في راهن المواطنة في بلدان الخليج العربية، وهذا ما ستحاوله هذه الدراسة من خلال:
– الاقتراب من واقع المواطنة في بلدان الخليج العربية،
– وتتبع ما كُتب من أدبيات وكتب وأبحاث عُنيت بالمواطنة وكيف عالجت الموضوع،
– وإثارة المزيد من الأسئلة حول موضوع المواطنة، منظوراً إليها من طرف السلطة والناس والنخب، تمهيداً لتعميق النظر فيها، والعمل على دراستها ومقارنتها بتجارب إنسانية أخرى.
بكلمة، هذه الدراسة ليست أكثر من محاولة لقراءة المسكوت عنه. وهي قطعاً ليست تعداداً للمنجزات التي تحققت في هذا المقام، لأن المنجزات لديها دائماً من يبرزها ويتحدث عنها ليل نهار. هي جهد متسائل لتشجيع باحثين أكثر مُكنة وأضبط اختصاصاً، أو مؤسسات أكثر جِدة وأوفر في الإمكانات، لاستجلاء ما غَمُض واستشكل في هذا الموضوع المحوري.
مدخل مفاهيمي أولي
في سياقات ثلاثة، لغوية وفكرية و سياسية، تلحّ علينا لفظة “المواطنة” لنعيد فهمها والنظر فيها بعيداً عن تجاذبات الراهن الذي تحكمه مصلحة طرف على حساب آخر، أكثر من احتكامه على القيمة في ذاتها.
فهل بالإمكان إشاحة البصر عن اللفظة في سياقها اللغوي؟ أليست كل لفظة هي في الحقيقة مستودع لتاريخ متواصل يوثّق تصورات الإنسان وتفاعلاته مع تلك اللفظة؟ “اللغة بيت الكينونة” كما يقول هايدجر، لذا من الضروري إعادة قراءة “المواطنة” كلفظة علّها تسعف مقاربتنا لفهم متجدد، يليق بمفهوم حيوي ومتحرك عبر الزمان.
في القواميس الرئيسة للغة العربية ترد كلمة ”وطن“ واسم الفاعل منها (مواطن)، والمصدر المتكئ عليها (مواطنة)، على نحوٍ يدلّ إما على:
المكان: تحديده، واختياره، والإقامة فيه، بحيث يشير الجذر “و ط ن” إلى الوَطَنُ مَحَل الإنسان، وأَوْطَنَ الأرض و وَطَّنَها و اسْتَوْطَنَها و اتَّطَنَها أي اتخذها وطنا. وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتخذتها وَطَناً، وكذلك الاتِّطانُ، وهو افْتِعال منه، أَما المَوَاطِنُ فكل مَقام قام به الإنسان لأَمر فهو مَوْطِنٌ له.
النزال: استخدم العرب “الموطن” في سياق النزال وصراعات المواجهة المباشرة، فالمَوْطِنُ هو مشهد الحرب، وهو ما يتجاوز المكان الذي جرت فيه المعركة إلى حمولات قيمية كالشجاعة والنصر والفخر. وجاء في القرآن الكريم: “لقد نصركم الله في مواطن كثيرة”،[2] حيث يقترن النصر بالمَواطن. وللشاعر العربي طَرَفَةُ بن العبد قول معروف في معلقته الشهيرة: “على مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عنده الرَّدَى // متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائصُ تُرْعَدِ”، حيث الموطن هنا مستعر الحرب ومكانها.
النفس: تَوْطِينُ النفس على الشيء تمهيدها لبلوغ غاياتها المُرتجاة، أي تهذيبها، وتربيتها على التصبّر، وحملها على الجَلَد، وتهيئتها لما سيلي من مواقف وخطوب.
ووطّن نفسه على الأمر أو وطّن نفسه للأمر حَمَلها عليه وهيَّأها لفعله: “ولا خير فيمن لا يوطِّن نفسَه // على نائبات الدهر حين تنوبُ”.[3]
يتضح مما سبق من تأمل في اللفظة أن الفعل “وَطَن” لا يخلو من علاقة تفاعلية بين طرفين: فاعل (مُواطِن) ومفعول يختلف باختلاف السياق: مكان، ميدان، ساحة نِزال، نفس، شخصية، وغيرها. لذا ليس من الصعوبة الخلوص إلى أن علاقة كهذه تستبطن في ذاتها نديّةً وتكافؤاً كيما تعمل وتكون حيّة ومتفاعلة وجديرة بالعناية. علاقة تتطلب جهداً واعياً، يقظاً، سواءً فيما يتعلق باختيار المكان وتفضيله عن سواه، ثم تحديد علائقية الإقامة فيه عبر الزمن، حيث المواطن هنا هو المُعمِّر والباني والمُشيّد. أو فيما يخصّ ميادين نِزال تتطلب بسالة وشجاعة وفروسية، حيث المُواطن هنا هو المُحارِب. أو فيما يتعلق بتربية النفس وحملها على الصبر واحتمال المكدّرات، فالمواطن هنا هو المُجاهِد بالمفهوم الواسع للجِهاد والاجتهاد.
أما في السياق الفكري، فقد لا نجد لفظة “مواطن” سائدة في أدبيات العرب القديمة، وقد لا نصادفها تتكرر بكثرة في مدوناتهم ولا في صحائفهم. ربما لأن علاقة الوطن بساكنيه لم تكن لجوجة إلى حد القلق بشأنها، خاصةً وأن مفهوم “الوطن” ذاته كان مرناً وقابلاً للتمدد والانكماش في مقابل اسئلة كالحدود الجغرافية للمُلك، وسؤال الدين وأثره على الأتباع، وسؤال الدم والأنساب وأحجام القبائل، وهي أسئلة كانت منشغلة بالكم أكثر من الكيف، لأن الكمّ هو ما سيرجّح كفّة جباية الأموال لبقاء المُلك، ولأن ذلك الكمّ تقوم عليه “العصبيّة” التي يراها ابن خلدون (1332-1406م) أساس تكوّن الدول، بل هي سرّ توسع وقوّة الدولة إذا ما أئتلفت، وسبب زوالها إذا ما اختلفت. إلا أن المتجوّل بين سطور صاحب المقدمة لن يحتاج إلى كثير جهد كي يُدرك أنه كان منشغلاً بفهم العمران البشري، وأن هذا العمران يُحركه الإنسان وأساسه “الدولة، التي هي المحور الذي تدور حوله شؤون الاجتماع والهيكل الذي يقوم عليه نسيج الحياة الاجتماعية (…) فكيف تنشأ الدول، وما هي عوامل ازدهارها وأسباب هرمها؟“[4] يرى ابن خلدون “أن البشر لا يُمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضرورياتهم وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات”.[5]
لكن، كيف لدولة أن تدوم من دون أن تحترم آدمية الإنسان الذي أوجدها لخدمته ولتيسير شؤون وجوده؟
يجيب ابن خلدون: “فإن الملك إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات مُنقّباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلّقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات ففسدت الحماية بفساد النيّات وربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة ويخرب السياج”.[6]
بيد أنه يتوجب علينا الانتباه، في هذا المقام، إلى أن مفهوم “الدولة” ذاته، في هذه المنطقة من العالم لم يكن بعد قد تأطّر بذات الحدود التي تأطرت بها الدول السابقة لها زمنياً على الأقل، مثل الدولة عند الأغريق، ومن بعد الدولة عند الرومان. إذ لازمت العرب لفترات زمنية مديدة مجموعة خصائص وسمت علاقتهم بمن يسوسهم، لا يزال أثرها قارّاً في النفوس، وله سطوته على اللاوعي الجمعي، نذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر:
العصبوية: شكلت العصبوية أساس الأمن الوجودي للجماعات البشرية التي استقرت في هذا الجزء من العالم، إذ آمنت بها كقاعدة راسخة ينطلق منها الفرد لتكوين كيانات اجتماعية أكبر، ثم سعت للبناء عليها وتشبيكها بكيانات اقتصادية وسياسية لها أثرها ونفوذها بالتعاضد والتحالف مع عصبويات محيطة لمواجهة الكيانات من قبائل وجماعات، حيث الفرد لا وجود له إلا وسط عصبوية معروفة.
السلطوية: حيث ينتظر الفرد ويقبل بوجود قوة فوقية قاهرة لتنظيم شؤونه العامة. بل يحاول إيجاد مبررات غيبية لإضفاء قدسية ما على هذه القوة، ثم يتلذذ بأوهام اختلقها لإعفاء نفسه من مسؤولية المشاركة في هذه الشؤون. ولا يبذل مجهوداً في التساؤل مضنة التأثير على حالة الاطمئنان الموهوم بها، بل ويتدثّر في خطابه العام بالتقاليد والإرث. الذاكرة الشفهية والمكتوبة زاخرة بنماذج وشواهد تُدعّم التسلط وتعيد إنتاج أدوات عصرية للقهر والعنف لإبقاء الطاعة العمياء كمعادل موضوعي للسلامة والتوفيق في الحياة والآخرة، حيث “طاعة أولي الأمر مجلبة للأجر والثواب”.[7]
الماضوية: شكّل الركون إلى الماضي وما يصحبه من حنين لذيذ إلى الأمس علاقة الجماعة السياسية بمن يحكمها ويُسيّر شؤونها. حيث تزدهر تصورات عن تاريخ ومعجزات وطهرانيات لم يعد لها وجود، أو لم توجد يوماً، يتم تصويرها على أنها ارتقت عالياً لتسمو عن نقائص أهل الحاضر وتعرّيهم! الماضي هنا يقدم بوصفه مهرباً تتضخم فيه مفردات من المستحيل القبض عليها أو قياسها، بل ستظلّ منتصرة بالضرورة لأن دعماً روحياً قد انحاز لها بمجرد طرحها لنقاش عام أو خاص، كونها غائبة، ولأنها غائمة كذلك، وبالتالي مفتوحة على كل تمثلات الدعم والتحشيد واختراع المظلومية. [8] تنطوي الماضوية على انحيازات من قبيل تفضيل القبلية على المدنية، والطائفة على الدين، والأصيل على الدخيل، والمخدوم على الخادم. انحياز دائم ومتواصل ومُجرّب ومُطمئِن للقديم على الجديد. إرث يجثم على اللاوعي الجمعي، يربّت على كتف التكاسل ويُربي النفوس على التواكل وانتظار الخوارق. لا يكترث بالحاضر ولا ينشغل بإعمال الجهد في استقبال الغد فحسب، بل يُدين أية محاولة لإعادة فهم الحاضر.
السياق السياسي
إن لفظة “مواطنة” لم تترعرع عربياً في ذات السياق الذي ترعرعت فيه نظيرتها “citizenship” بالإنجليزية على سبيل المقارنة المعرفية. فالمواطنة في العربية جاءت من المكان المطلق المجرد، ثم لم تحدد نوع المكان ولا شكله، بل توسعت أغلب القواميس العربية في أن الموطن ليس خاصاً بالبشر وحدهم، بل بجميع المخلوقات من حيوانات وطيور وغيرها. وظلّت اللفظة هكذا دونما حمولة سياسية إلى وقتٍ قريب، وعلى الأرجح إلى ظهور حركات استنهاض الشعوب في مواجهة العهد المتأخر من الدولة العثمانية، في العقد الثاني من القرن العشرين الميلادي تحديداً، إبان “الثورة العربية الكبرى” وتذكية مشاعر اليقظة العربية في مواجهة السلطنة التركية. في هذه الأجواء بدأت تتعالى أصوات ومقاربات جديدة لمفهوم الوطن، والوطني، والمواطن، والمواطَنة. إذن، فالسياق الذي وُلدت فيه “المواطنة” عربياً كان سياقاً في مواجهة تهديد يطال الوجود والهوية، يُنتظر منه الإقناع والصمود في وجه استعمارات مركبّة ومتوالية، من عثماني/تركي، إلى أنجلو سكسوني/بريطاني، وفرانكفوني/فرنسي، وإيطالي. حيث وجدت “المواطنة” نفسها كعصبوية جديدة لدحر عصبويات قاهرة عليها بالعدد والعدّة. لذلك تم شحن لفظة “المواطنة” بما ليس فيها، أو ما لا تحتمله، على الأقل في سياقيها اللغوي والفكري، وهي التي لم تتجاوز مفهوم اختيار المكان والإقامة فيه.
أما اللفظة “citizenship” فقد تربّت في رحم مغاير تماماً. فهي ربيبة المدينة، مدن كأثينا، وإسبرطة، وروما، إذ تمت رعايتها من جماعات صغيرة متآلفة، تحرص على استقرار محيطها في “عالم حميم من [مجتمعات صغيرة كانت تعيش فيه] جماعات من الناس يتمتعون بوعي تاريخي، وأفكار متشابهة أبرزها حول ما يجب أن يكون عليه سلوك الفرد الصالح وكيفية تطويره جيلاً بعد جيل”.[9] بكلمات أوضح يرى مارشال أنّ “المواطَنة ليست مفهوماً نظرياً مجرّداً وساكناً، بل هي جزء من عملية تطوّر وتكيّف مستمرّة وواقعية”،[10] تطور بالممارسات والثورات “في آواخر القرن الثامن عشر حيث استبدلت مواطنية الفضيلة النخبوية القديمة، بالتدرج بمواطنية أكثر شمولية وديمقراطية تتركز على متطلبات الولاء”.[11] فـ “المدينة” بالمعنى اليوناني للكلمة هي أولا “أهلها”، أي الذين لهم الحق في الانتماء إليها، لا بوصفها بلداً أو موطنا، بل بوصفها شخصية اعتبارية بالمعنى الذي توصف به “الدولة” في يومنا هذا. المدينة عند اليونان هي في الوقت نفسه مدينة/دولة تماماً كما أن الدولة الأوربية الحديثة هي دولة/أمة. والمواطن في هذه المدينة ليس أيا كان بل هو من له “حق المواطنة” في المدينة، أي حق المساهمة في تدبير شؤون المدينة”.[12]
يصل الأمر إلى مراحل التوحد والانصهار بين المواطن والمدينة في اللغة اللاتينية، فكلمة “مدني” في أصلها اللاتيني القديم مستمدة من كلمة “Civilis” المشتقة من لفظة “Civis” أو مواطن، فالمواطنة تاريخياً هي مكانة في المدينة أولاً، تطوّرت مع الزمن لتكون مكانة في الدولة، حتى غدت كلمة “مدني” تعني “متعلق بالدولة”، لذا نجد الاستخدام الشائع لها في تعابير كـ “الخدمة المدنية” و”المؤسسات المدنية” إلخ. ولأن الدولة التي “لا تحتاج إلى مبرر لوجودها أقوى من وجودها بحد ذاته” وفق كلام (مارسيليوس، مواليد 1290على الأرجح)، والذي هو بالمناسبة ذات كلام ابن خلدون في المقدمة ولكن بصيغة مختلفة، فإن البرهان المنطقي على الدولة وفق نظر مارسيليوس هو المواطنين الذين تنبع من إرادتهم الحُرّة القوانين التي تُدير شؤون الدولة، حيث “إن القانون الذي يسمعه الجميع عند إعداده، أو يُنجز بموافقتهم جميعاً (…) يتم احترامه وتحمله من كل فرد من المواطنين، لأن كل شخص يبدو وكأنه قد أقام القانون على نفسه، وبالتالي لا يحق له الاعتراض عليه، بل الأحرى يتحمله برحابة صدر”.[13] بذلك تتحقق المواطنة وفق السياق السياسي الأوروبي حين “يكون لكلّ فرد حقّ معلوم في الموارد والثّروات المادّية الأساسية على غرار حقّه الثابت في المشاركة السياسية عبر الإدلاء بصوته في الانتخابات العامة”.[14]
وبإمكاننا قراءة الجدليات التالية من واقع السياق السياسي المقارن للمواطنة:
الفردانية/الجماعية: نشأت المواطنة في الثقافة الإغريقية والرومانية من رحم الفردانية، بينما انبثقت المواطنة في الثقافة العربية بوصفها قيمة تهدف إلى دعم الجماعة في نضالها من أجل إثبات وجودها في وجه الآخر. ففي الوقت الذي يتوجب على الفرد في مدينة أثينا أن يتحلى بالاعتدال والعدالة والبسالة والتعقل ليكون مواطناً صالحاً في مجلس مدينته، قادراً على أن يحكم بشكل سليم وأن يقبل الظرف الذي يكون فيه محكوماً كما يقول أرسطو، نجد الفرد في منطقة شبه الجزيرة العربية لا يُعرف إلا بانتمائه إلى قبيلته، ثم مكانة هذه الجماعة بين القبائل العربية المتوراثة أنسابها وسلالاتها إلى يومنا هذا، وما حرص الفرد على ربط اسمه بالكُنية القبلية والافتخار بها افتخار وجود إلا إحدى تمثلات الجماعية في مقابل الفردانية. [15]
المدنية/القبلية: شكّلت المدينة والإقامة الطويلة فيها عامل ضمان لاستقرار جماعات بشرية مرتبطة ارتباط وجود بها، وبالتالي بتعميرها، وتوسعها، وحمايتها، وحسن تدبير شؤونها الداخلية ومراتب علاقاتها الخارجية وفق دوافع المصلحة والبقاء. الشكل المديني للاجتماع البشري حتّم على أفراده تطوير نماذج كثيرة لتبادل الأفكار والنقاش المفتوح من أجل الوصول إلى صيغ مرنة ومُرضية لإدارة المنازعات وتوزيع الموارد وتقعيد القواعد للتربية على الفضيلة والذود عن حياض المدينة ومن بعدها الدولة.
أما في الاجتماع العربي (الجماعات البشرية القاطنة شبه الجزيرة العربية على وجه التحديد) فالمركز هو شيخ القبيلة، وهو صاحب القرار، وإن شاور بعض “حكماء” القبيلة. ثم إن تطور حال القبيلة لا يقاس بوجود أفراد صالحين فيها، ولا بمقدار وعيهم بحقوقهم وواجباتهم، بل وجود القبيلة مرتبط بضمير شيخها ووعيه بأهمية توسّع نفوذ قبيلته، واتخاذ قرار الحرب، والركون إلى السلم، وإدارة الموارد الطبيعية الداخلة في حدود مضارب القبيلة، وتَتَبّع مصادر جباية الأموال وتحديد مسارات صرفها، دون أن يحق للأتباع السؤال عن مداخيل القبيلة ولا مصارفها. [16] فطالما أن الشيخ متصف بالكرم، ولا يقطع الموائد العامرة ولا العطايا المستمرة، فذلك يكفي للرد على كل من يطالب بالمزيد. ولا غرابة من امتداد عمر القبيلة في الاجتماع العربي واستمرار نفوذها وعمق تأثيرها، ذلك أنها تنظيم اجتماعي استطاع أن يملأ الفراغ السياسي الحاصل عن عجز الجماعة عن تطوير مُكنات حكم مرنة ومتطورة مع مرور الزمن، ثم أنها – أي القبيلة – تحالف مصالح متغيرة وفق أولويات رأس القبيلة ومزاجياته أكثر منه علاقة دم أو رابطة قانونية مشتركة وموثّقة تربط كل من ينضوي تحت لوائها بمسؤليات متبادلة.
حتى المثال الذي تركن إليه مصادر التاريخ الإسلامي دائماً، وتصوره على أنه نموذج لاجتماع مديني “متقدم” قائم على التعاقد المصلحي، وهو مدينة الرسول (ص) وصيغتها التعاقدية الجنينية المتمثلة في “وثيقة المدينة” التي كانت ترنو إلى بناء التزام تعاقدي يراعي المصالح القائمة على رابطة الدم ويدفع إلى ظهور مواطنين يتعايشون معاً بشكل متساوٍ في الحقوق والواجبات رغم تعدد أجناسهم وأصولهم وأنسابهم وأديانهم – حتى هذه الفكرة لم تصمد طويلاً، فـ “الحوادث والتطورات السياسية المرتبطة بالصراع بين الجماعة الإسلامية وقريش، أفقرت هذه المواطنة، وأضعفت محتواها التعددي دينياً وسياسياً، وهو ما أدى في النهاية إلى ظهور الدولة الإسلامية بمظهر الدولة الدينية التي لا تعترف بالمواطنة الكاملة سوى لأهلها من الملة المسلمة”.[17]
المشاركة/الاستفراد: تتميز القبيلة بعلاقات غير متكافئة بين سلالة الشيخ والميسورين وعامة أفراد القبيلة. حيث لا تسمح ندرة الموارد الاقتصادية في هذه المنطقة الجافة إلا إلى لتكريس نمط استغلالي قائم على الاستحواذ والاستفراد بوضع اليد، ونهب ما يمكن نهبه وإضفاء شرعية التملك عليه لضمان استدامة الانتفاع. [18]دون إفساح المجال لتداول أفكار إعادة طرح الموارد لعدالة التوزيع وفق متغيرات العصر أو مطالبات عموم أفراد القبيلة. فما أخذ بالدم لا يتم التنازل عنه إلا بالدم أيضاً. بل تزداد شراسة هذه الأعراف المتجذّرة كلما توسعت الفجوة الطبقية بين عموم أفراد القبيلة الذين يتزايد عددهم وبين تكاثر نسل الشيخ، بين محدودية الموارد الطبيعة وبين الأفواه المتطلبة لإطعامها. لذا فإن طبيعة العلاقة داخل هذه الجماعة البشرية تدخل في دائرة مفرغة من الصراعات البدائية على الوجود والتحقق وضمان الحدود الدنيا من البقاء.
المدينة لا تقبل هذا النوع من العلاقات، بل أنها لا تؤجل الصراع حتى يصبح عصياً على السيطرة، كما يقول بوبر. “قد تدفع بالصراع منذ بداياته، لأنه ثمّة نديّة بين سكان المدينة (أو هكذا يفترضون في أنفسهم)، فالجميع يتشاركون في البناء، وفي تصريف الشؤون اليومية، والتصدي للدفاع في مواجهة المخاطر. حتى من يدير هذه الشؤون ليس في نظرهم أكثر من موظف يستقطعون راتبه من أموالهم ليكفيهم هذه المهمة، وهو مسؤول أمامهم. هذا النوع من العلاقة بطريقة كارل بوبر هي المقياس الأوضح لـ”الدولة الحرّة” لأن مؤسساتها السياسية تُمكِّن مواطنيها من تغيير الحكومة القائمة دون سفك الدماء متى ما كانت الأغلبية راغبة بذلك”.[19] إذن؛ المواطنة في دولة المدينة “هي مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي [مدينة، دولة] ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة”.[20] من هنا “ارتبط مفهوم المواطنة عبر التاريخ [تاريخ المدينة على وجه الدقة] بحق المشاركة في النشاط الاقتصادي والتمتع بثمراته، كما ارتبط بحق المشاركة في الحياة الاجتماعية (…) وحق المشاركة الفعّالة في اتخاذ القرارات الملزمة وتولي المناصب العامة، فضلاً عن المساواة أمام القانون”.[21]
ونأتي الآن لتتبع المواطنة من محاور ثلاث: السلطة، والمجتمع، والنخب.
أولاً: المواطنة منظوراً ومنظّراً لها من قِبل السلطة
كيف تُعرّف وتروّج السلطات الحاكمة لخطاب المواطنة؟
تُعتبر “المواطنة” اليوم رطانة رائجة في الخطاب الرسمي لبلدان الخليج العربية. لكن هل الفكرة ذاتها واضحة لدى الطرفين، الحاكم والمحكوم؟ هل السلطة الحاكمة تنظر للناس على أنهم مواطنين أم رعايا؟ المواطنة المُسَوَّقة عبر هذه الخطابات، أهي تحالف وتضامن متكافئ المسؤوليات بين أفراد أحرار متساوين في المكانة والدور؟ بين كل هؤلاء وبين الدولة؟ أم هي وصف مسمط، برّاق الشكل، يتم استخدامه ضمن استعمالات الضرورة التي حتّمتها وسائل العصر الحديث الفائقة السرعة والتأثير؟ هل الالتزامات التي يتبادلها طرفي المواطنة (مواطن/ وطن، فرد/دولة) واضحة، معلومة للطرفين؟ أم أنها لا تتعدى حزماً من العطايا والامتيازات في مقابل التبعية والطاعة، إذا ما توفرت ساد الرضى وإذا ما تناقصت عمّ السخط؟
هذا ما سنحاول تلمّسه في ثلاثة مرافق رئيسة، عادةً ما تشكّل منصات لقراءة خطاب السلطة الحاكمة في بلدان الخليج، كما أنها المرايا العاكسة لنظرة تلك السلطة وتعاملها مع الشأن العام وهي: الدساتير، ومناهج التعليم، والخطاب الإعلامي.
الدساتير
يمكننا الزعم بأن أبرز ما يمكننا تتبعه في المسار التاريخي للمواطنة هو سلوك البشر وشكل نظام الحكم القائم على دستور عقدي. لذلك سنبدأ بالنظر في الصياغات المكتوبة والموثقة علناً، والتي أتى حين من الدهر عليها، إذ تجاوز بعضها نصف قرن (في حالة الكويت والبحرين)، وشكّلت مصائر وتحكّمت بممارسات جيل إلى جيلين عاشوا في هذه المنطقة. سنرجئ مسألة “السلوك” لاحقاً. وفيما سيلي مسح مبدئي لورود كلمات “مواطن” و”مواطنون” و”إنسان” و”الناس” في دساتير بلدان الخليج العربي.
الكويت
تَرِد لفظة “المواطن” مبكراً في الدستور الكويتي في الباب الثاني والخاص “بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي”، إذ تقترن بشكل واضح بـ “التعاون والتراحم” في المادة (7) وتصفهما الصياغة بأنهما “الصلة الوثقى بين المواطنين”. ذات المادة مُصدّرة بـعبارة “العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع” التي تصونها الدولة وتعمل على تكافؤ الفرص بين المواطنين كما تذكر المادة (8). يكفل الدستور “للمواطنين” المعونة وخدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية (المادة 11). كما يُقرّ الدستور “حرمة الأموال العامة” ويربط حمايتها بأنها من “واجب كل مواطن” (المادة 17).
أما في باب الحقوق والواجبات فقد تباينت الألفاظ المقترنة بكل حق وواجب على نحو يستحق المزيد من الدراسة. فهناك “الناس” عند ذكر حق الكرامة الإنسانية والمساواة (المادة29). وهناك “الإنسان” عند ذكر الحقوق السالبة للحرية الشخصية: من حبس وتفتيش وتحديد للإقامة وتعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة (المادة 31). ويرد لفظ “الإنسان” أيضاً في حريات الرأي والبحث العلمي وحق التعبير (المادة 36)، و”الكويتيين” في المادة 40 الخاصة بحق التعليم، و”كل كويتي” في مادة الحق في العمل (المادة 41)، و”الأفراد” في حق الاجتماع، وحق مخاطبة السلطات العامة (المادتان44 و45)، و”المواطنين” عند ذكر “شرف أداء الخدمة العسكرية” (المادة 47)، و”سلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن” (المادة 157).
تجدر الإشارة الموضوعية إلى ورود لفظة مواطن مقرونة بالحقوق (كحق الانتخاب والترشح والترشيح)، بينما نجد لفظة “إنسان” مقرونة بالحريات الأساسية (كحرية الرأي والتعبير)، وهو مؤشر للتقدم في تصور مفهوم المواطنة، فقد يكون ثمة بشر يقيمون على أرض الوطن لكنهم لا يحملون صفة “المواطن” فيها بعد، لذا وجب أن تُحفظ حقوقهم وحرياتهم.
البحرين
جاء في الباب الأول من دستور مملكة البحرين أن “للمواطنين، رجالاً ونساءً، حـق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقاً للقانون”. ثم جاء في لفظ “المواطنين” في الباب الثاني، الذي يحمل عنوان “المقومات الأساسية للمجتمع”، وتحديداً في المادة (4)، التي تنص على أن “العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة”، كما تكفل للمواطنين “تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة” (ج من المادة 4)، وكذلك تكفل “للمواطنين الخدمات التعليمية والثقافية” (المادة7أ،. كما أن “لكل مواطن (…) الحق في الرعاية الصحية” (المادة 8)، و”الحق في العمل” (المادة13)، والمساواة في “تولي الوظائف العامة” (المادة 16). أما في باب “الحقوق والواجبات” فيتضح حضور “المواطن” في حظر الإبعاد عن البحرين أو منعه من العودة إليها (المادة 17ب(، والمساواة في الحقوق والواجبات العامة دون تمييز (المادة18)، بينما “الناس سواسية في الكرامة الإنسانية (المادة 17أ) ولا يجوز عليهم القبض أو التوقيف أو الحبس أو التفتيش أو تحديد الإقامة وتقييد حرية التنقل إلا وفق أحكام القانون (19ب) والكلمة المستخدمة هنا هي “الإنسان”، وهي ذاتها المقرونة بحقوق “حرية الرأي والتعبير والبحث العلمي” (مادة 23). بينما يعود “المواطن” في المادة (30) في سياق “الدفاع عنه [الوطن] واجب مقدس، وأداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين”.
عُمان
تأتي لفظة “المواطنين” في أول سطر من ديباجة النظام الأساسي للدولة، حيث تقترن برغبة السلطان في “تطوير مسيرة الشورى في البلاد لما فيها مصلحة الوطن والمواطن”. ثم في باب المبادئ الموجهة لسياسة الدولة، والمبادئ السياسية التي جاء فيها أن “إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين” (المادة10)، والمبادئ الاقتصادية التي تنص على “رفع مستوى المعيشة للمواطنين” (المادة 11) وأنه “على المواطنين المحافظة على حرمة الأموال العامة وحمايتها”، بينما نجد أن “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانين” دعامات تكفلها الدولة. في حين أن “التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين” حسب المبادئ الاجتماعية (المادة 12)، التي أتي فيها كذلك أن “تكفل الدولة للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والشيخوخة، وتسعى لتوفير الرعاية الصحية لكل مواطن، ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه (…) والمواطنون متساوون في تولي الوظائف العامة”، كما أن “سلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن” (المادة 14). أما في باب “الحقوق والواجبات العامة” فالمواطن “لا يجوز إبعاده أو نفيه أو منعه من العودة” (المادة 16)، و”المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة” (المادة 17)، و”للمواطنين حق الاجتماع ضمن حدود القانون” (المادة 32)، و”للمواطنين الحق في مخاطبة السلطات العامة” (المادة 34)، “خدمة القوات المسلحة شرف للمواطنين” (المادة 37)، و”الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن” (المادة 38). بينما وردت كلمة “إنسان” مقرونة بالحرية الشخصية، في سياق الإجراءات والأفعال السالبة لها، كالقبض، والتفتيش، والحجز، والحبس، والتعذيب، والإغراء، والمعاملة الحاطّة بالكرامة. أما عند “التقاضي” فجرى استخدام كلمة “الناس كافة” (المادة 25).
السعودية
تُعدّ الوثيقة السعودية أقل الوثائق في المنطقة ذِكراً للفظة “مواطن”، إذ لا ترد هذه الكلمة في النظام الأساسي للحكم في السعودية بشكل صريح إلا في المادة (16)، الباب الرابع: المبادئ الاقتصادية، في سياق حرمة الأموال العامة: “وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها”. ثم بعد ذلك في المادة (27): “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية”. وأخيراً في المادة (34): “الدفاع عن العقيدة الإسلامية، والمجتمع، والوطن واجب على كل مواطن”.
قطر
المادة (19) من الدستور القطري هي أول مادة فيه تأتي على ذكر كلمة “المواطنين” في سياق “المقومات الأساسية للمجتمع” وتحديداً “صيانة الدولة (…) لتكافؤ الفرص للمواطنين”، تليها المواضع الموضحة لالتزام الدولة بالعمل على “توطيد روح الوحدة الوطنية، والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة” (المادة 20) و”تحقيق الرخاء للمواطنين” (المادة 28). أما في باب “الحقوق والواجبات العامة” فقد اقترن “المواطن” بشكل صريح بالتالي:
“المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة” (المادة 34)، و”لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد، أو منعه من العودة إليها” (المادة 38)، و”تكفل الدولة حق الانتخاب والترشيح للمواطنين، وفقاً للقانون” (المادة 42)، “وحق المواطنين في التجمع مكفول وفقاً لأحكام القانون” (المادة 44)، و”التعليم حق لكل مواطن” (المادة 49)، “والدفاع عن الوطن واجب علي كل مواطن” (المادة 53)، و”للأمير أن يستفتي المواطنين في القضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد” (المادة 75). بينما جاءت كلمة “الناس” مقرونة بحق التقاضي والمساواة أمام القانون، وكلمة “الجميع” عند ذكر “حرية العبادة” (المادة 50).
الإمارات
يُدشن دستور الإمارات ذكر كلمة “مواطن” في المادة (8) عندما يربطها بمسألة الجنسية، حيث “لمواطني الاتحاد جنسية واحدة يحددها القانون. ويتمتعون في الخارج بحماية حكومة الاتحاد وفقاً للأصول الدولية المرعية. ولا يجوز إسقاط الجنسية عن المواطن، أو سحبها منه، إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون”. ثم يأتي اللفظ ثانية في باب “الدعامات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للاتحاد” (المادة 14)، الذي يحدد أن “المساواة والعدالة الاجتماعية، وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع. والتعاضد والتراحم صلة وثقى بينهم”. لكنه يستخدم لفظة “المجتمع” بديلاً عن “الدولة” في المادة (19) حيث نقرأ “كفل المجتمع للمواطنين الرعاية الصحية”، وكذلك في المادة (20) حيث نقرأ “يقدر المجتمع العمل كركن أساسي من أركان تقدمه. ويعمل على توفيره للمواطنيـن وتأهيلهم له”. ويُلقي الدستور الإماراتي بواجب حماية الأموال العامة على “المواطن” في المادة (22)، كما أن الاقتصاد الوطني “هدفه (…) رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين في حدود القانون” (المادة 24). أما في باب “الحريات والحقوق والواجبات العامة” فإن كلمة “المواطنين” جاءت في السياقات التالية: “لا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي” (المادة 25)، و”الحرية الشخصية مكفولة لجميع المواطنين” (المادة 26)، و”حرية التنقل والإقامة مكفولة للمواطنين في حدود القانون” (المادة 29)، و”كل مواطن حر في اختيار عمله أو مهنته أو حرفته” (المادة 34)، و”باب الوظائف العامة مفتوح لجميع المواطنين، على أساس المساواة بينهم” (المادة 35)، و”لا يجوز إبعاد المواطنين، أو نفيهم من الاتحاد” (المادة 37)، و”تسليم المواطنين، واللاجئين السياسيين، محظور” (المادة 38).
بإمكاننا استقراء ما يلي من الكشف السابق:
هشاشة التعاقد: جاءت غالبية دساتير بلدان الخليج منحة مكتوبة على شكل وثيقة من الحاكم إلى المحكومين، باستثناء دستور الكويت الذي اختلف قليلاً نتيجة توافقٍ نسبي بين إرادة الحاكم، وبين الإرادة الشّعبيّة المتمثّلة في الأعضاء المنتخبين في المجلس التأسّيسي، الذي تم إقراره عام 1962. غير أن جميع هذه الوثائق، بلا استثناء، ضمنت صلاحيات مُطلقة للحكام (من شيوخ وأمراء وملوك وسلاطين) بحيث لا يجوز اقتراح تعديل هذه الصلاحيات، فيُؤبد بذلك أنظمة حكم وراثية في سلالات قبلية محددة. كما أن ذوات حكام هذه البلدان “مصونة، ولا يجوز المساس بها”، ويتم تجريم كل من يطرح أسئلة مباشرة حول شرعية أنظمة الحكم وإشكالات تسييرها للشؤون العامة. السؤال الذي يقف أمام كل هذه الأطر التنظيمية المدججة بالقدسية وتعقيدات التعديل: ما أهمية دستور غير قائم على فكرة التعاقد؟ ثم أن مانح هذه الوثيقة سيحتفظ لنفسه بأغلب السلطات، وإن سمح لبعضها بممارسة أدوار تنفيذية وصياغية لا تتجاوز الشكل إلى المضمون، فإنه سيحتفظ بصورة الواهب المعطي الذي تفضّل ببعض ما عنده لبقية من يحكمهم وهو الذي يحتكر القوة والثروة ويقرر متى وكيف وبأي مقدار يهب كل ذلك. إذن أين مكانة الإرادة العامة هنا؟ وما الذي تبقّى “للمواطن” حتى يقبله أو يرفضه بمحض إرادته؟ فالأمر يتجاوز التوافق والتعايش السياسي، إلى الإيمان بأن الحقوق والوجبات هما قيمة أخلاقية أساسية يمارسها المواطنون في حياتهم اليومية ويعكسونها بإرادتهم الحرة في نصوص قانونية ساهموا جميعهم في صياغتها، سواء بشكل مباشر أو عن طريق انتخاب من ينوب عنهم في أداء هذه المهمة. لذلك نجد أن مفكراً كجان جاك روسو يؤكد بأن “الناس مواطنون حين يصوغون الإرادة العامة، وتابعون في طاعتهم لتبعات هذه القرارات”، ولضمان ذلك أكد رسو على الميثاق أو العقد الاجتماعي، لأن جماعة المواطنين يلزمون أنفسهم، طواعيةً، للخضوع إلى شروط وأحكام اتفقوا عليها جميعهم.[22]
رعب الحرية: تكاد لا تفلت مادة من مواد هذه الوثائق من استثناءات واستدراكات غامضة تُلحَق بكل حق أو حرية من الحريات الأساسية للإنسان، استثناءات من قبيل: “في حدود القانون”، و”إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون”، و”وفقاً للقانون”، وغيرها. أما ما تبقى من تلك المواد فتتكفل بها عبارات فضفاضة، غير قابلة للتحديد ولا القياس ولا الإثبات بشكل مقنع للعموم، عبارات من قبيل: “الآداب العامة”، و”التقاليد والأعراف المرعية”، و”أسرار الدولة”، و”هيبة ومكانة الدولة”، وغيرها. فهل بالإمكان الإشارة إلى مواطنة دون حرية في الاختيار والاختلاف تتيح للمرء أن يعبر عما يُفكر فيه ويشارك بفاعلية في السياسات التي تمسّ يومياته الأساسية من مطعم ومشرب ومسكن؟ أليست المواطنة، وفق ما بيّنه لنا التاريخ، علاقة معقدة المسؤوليات لا يكشفها ويطوّرها إلا الشعور بالحرية؟
ليس غريباً ما تكشفه صياغات هذه الوثائق من علاقة من طرف واحد قوي، يتطلب الولاء الكامل في مقابل توفير الحماية الدنيا. إن جميع دساتير بلدان الخليج العربية تتفق على صياغة المادة الخاصة بواجب الدفاع عن الوطن، ولا تبحث عن لفظة أخرى غير “المواطن” لتقرنها بقدسية وأمن وسلامة الوطن، بينما نجدها تتساهل في أبواب الحريات.
فجوة التطبيق: كان عامل الزمن حاسماً في اختبار ما نصت عليه المواد الدستورية لبلدان الخليج العربية. إذ أن نظرة سريعة على واقع الدول والمجتمعات والشعوب في المنطقة تُدلل على أنه ثمة فجوة تتسع بين النص والتطبيق، فـ “إن الحديث عن المواطنة لا يستقيم مع الدولة القائمة على الأسس القبلية أو الأسس الطائفية أو الأسس العرقية العنصرية”.[23] كما أن راهن الدولة في المنطقة، على مستوى التكوّن والتشكل، لا يخرج عن منطق “الغنيمة” الذي يعتَبِر الطرف المتحكم بها أو الموظِّف لها محتكراً ومتمتّعاً بامتيازاتها لنفسه أولاً، ثم لذوي القربى من أسرته، وقبيلته، وجماعته، وطائفته، بالترتيب. يرى المراقب منطق “الغنيمة” متجسداً في الواقع اليومي والمعاش، وبشكل أوضح عندما يسعى الإنسان إلى تحصيل “حقوقه الدستورية” كالتعليم والعمل والرعاية الصحية والتوظيف. فإن نجح في الحصول عليها بصعوبة من بين الحشود المتنافسة عليها فإنه لن يسلم من تحدي الكيف. إذ أنه لن يحصل على نوع جيد من التعليم كما تحصلت عليه فئات أقرب لمراتب الحكم (مدارس خاصة، أكاديميات أجنبية في الداخل، بعثات خارجية مكفولة التكاليف ومفتوحة المدد)، ولن يحظى بنفس المستوى من الرعاية الصحية التي يختصّ بها من هم حول أهل السيطرة والامتياز (مستشفيات خاصة، تأمين صحي خاص، علاج متقدم في الخارج). أما فرص التشغيل وتولي الوظائف العمومية ونظام الترقي فيها فطريق المقربين وسلالتهم ليس كطريق عامة الناس. في نهاية المطاف، هل سيصدق المواطن الواقع الميداني الذي يكابده، أم العبارة اللامعة التي تضيء أغلب دساتير بلدان المنطقة: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم على أساس النوع وللون، والجنس، والأصل والمكانة”؟
الخطاب الإعلامي
يُعد الإعلام أبرز منصات التأثير على العقول والقلوب، ويستمد أهميته من التصاق البشر بوسائله وتفاعل حواسّهم بكل ما تبثّه تلك الوسائل من مضامين، سواء أكانت وسائل تقليدية (صحافة، إذاعة، تلفزيون) أم جديدة متمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي. لقد تنبّهت أنظمة الحكم في المنطقة لمحورية الإعلام فأغدقت عليه موازنات ضخمة أتاحتها مداخيل النفط الوافرة، جرى تسخيرها بذكاء، وعن طريق التكرار الممنهج إلى تكريس التالي:
الولاء على حساب الانتماء
اشتغل الخطاب الإعلامي في المنطقة على تقنيات التشويش والتشويه، حيث استطاع أن يخلق حشوداً من المتابعين غير القادرين ولا الراغبين في التمييز بين الحكومة والدولة، وبين الولاء للحاكم والانتماء للوطن، وبين الاستبداد والمشاركة، مع التركيز على مثالب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وتعظيم طاعة ولي الأمر والامتثال للأبويات غير المنتهية[24] وتبجيل التقاليد والأعراف السائدة والتحذير من عواقب التمرد عليها أو حتى إعادة التفكير بها، فضلاً عن تصدير قالب موحد للمواطن الصالح المطيع لمليكه وسلطانه وأميره وشيخه، مواطن يلهج بالشكر عقب كل فعل أو قول يصدر عن الحاكم في الخفاء والعلن والدعاء بطول العمر لمن كان سبباً في وجوده ورخائه. ولأجل تكثيف كل ذلك، قامت وسائل الإعلام في المنطقة بالاستعانة بكم هائل من رجال الدين، وتكنوقراط الحكي والاستعراض من أنصاف المتعلمين والأكاديميين وأصحاب الشهادات المزيفة، والشخصيات المحاطة بنجومية الثقافة والفن، للتأكيد على الولاء للحاكم والدعاء له وتنزيهه من أي خطأ أو تقصير. تم الصرف على هؤلاء بسخاء، كما تدل استضافتهم في ساعات البث المفتوحة،[25] وتمويل البرامج التي تكرّس التسخيف وتنفّر من أي حوار جاد يقارب الأفهام تجاه القضايا المعاصرة والمصيرية، ناهيك عن التركيز على أخبار الصراعات والحروب وإهراق الدماء في العالم ومقارنة ذلك بالرخاء والأمن الذي تعيشه المنطقة، و”اعتماد القنوات الاخبارية [في المنطقة] على شبكات التواصل الاجتماعي بكل ما فيها من شائعات ومغالطات والتعامل معها باعتبارها امورًا مسلما بها ودون تدقيق مهني محترف ادى الى الابتعاد عن الموضوعية.” [26] وتشجيع الحيّالين وبائعي الوهم والمشعوذين والمضاربين وأنصاف الموهوبين وتضخيمهم تحت الأضواء ليكونوا موجهين للرأي العام، وتعظيم صورة الحاكم (الأب الحنون الرحيم الحريص على مصالح شعبه) وتجريم وتشويه صورة كل مختلف عنه، بل كل مُذكّر بآدميته وبأنه مخلوق بشري لا مقدس. هذا التنميط، مع الزمن، والتكرار، ولّد انقياد تام لتصور ذهني مريح بأن كل النعيم الذي يعيشه الإنسان في هذه البلاد سببه الرئيس الحاكم، وأي اهتزاز في هذا التصور سيعني بالضرورة زعزعة للاستقرار وكفر بالنعمة، وبالتالي استحقاق الغضب الإلهي الذي سيكون على شكل فتن وحروب وكوارث طبيعية.[27] وقد انتشر هذا النوع من الخطاب بصورة أكثر كثافة إبان انتفاضات الربيع العربي، من حيث مقارنة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الدول التي شهدت احتجاجات شعبية بالدول الخليجية، وكذلك “التحذير” من المآلات التي آلت إليها الأوضاع في أكثر من دولة عربية كسوريا، وليبيا، واليمن على سبيل المثال.
التلميع على حساب النقد: دأبت وسائل الإعلام الرسمية في بلدان الخليج على توسيع دائرة الاحتفاء بكل مديح وإشادة بـ “نماذج الحكم الرشيد والحكيم” التي تنعم بها. وغدت “صناعة الأمل” تجارة رائجة تتصدى لها وترعاها قيادات تملك وسائل إعلام خاصة تدفع بخطابات “الإيجابية” في مواجهة “السلبية” التي رُبطت في المخيال العام بالنقد، حتى اعتادت النفوس على نغمات المديح ودغدغة مشاعر الوطنية، مثلما اعتادت على أن المواطن الإيجابي هو المدّاح، الصدّاح بإنجازات بلاده، الساتر على إخفاقاتها، المتستر على فساد أهلها. هذا النوع من المواطنين، دون سواه، هو الذي يتم استضافته في الإعلام، ورعاية تكرار حضوره وأقاويله والاحتفال بنجاحاته ومشاريعه، وتغطية كل نشاطاته ليعلمها الجميع، وليقتدوا بها ولينفروا من نقيضه الإنسان السلبي، أي الناقد، المتسائل، الرافض لمجانية خطاب كهذا. بل إن الإعلام الرسمي لا يقف عند حد الإضاءة على النموذج الأول والتعتيم على الحالة الثانية، بل يستهدف الأخير ويشوه صورته حينما يصنفه بتصنيفات مطلقة من قبيل أنه ناقم، ناكر للمعروف، مدفوع بأجندات خارجية مجهولة ترفضها البلاد خشية تقويض السلم الأهلي والوئام الاجتماعي. النجاعة في هذا النوع من التصنيفات تتمثل في إشاعة أجواء اللا ثقة واللا طمأنينة بين الأفراد والجماعات، وتكريس فكرة أن صمام الأمان ضد هذه التناقضات المتصارعة هو النظام الحاكم وحده.
الأصيل على حساب الدخيل: يرسم الإعلام الرسمي راهن المنطقة بألوان مزهرة برّاقة. لكنه يمارس انتقائية لا حدّ لها عندما يأتي الحديث عن الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض، انتقائية تتعارض مع قيم المساواة وقبول التنوع والاختلاف وتكرس الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الطبقية والفئوية. حيث تعجّ مجتمعات هذه البلدان بتصنيفات اجتماعية تتكئ على تمييزات وفق أسس لا تتعلق في مجملها بالنشاط الاقتصادي أو المهني، بل هي نتاج تراكمات اجتماعية[28] وسياسية وتاريخية، وفق جدلية الصراع والغلبة، من قبيل الأصل والعرق والقبيلة (العروبة [قحطاني، عدناني]، الإثنية [أفريقي، فارسي، هندي]، اللون [أبيض، أسود، إلخ.]، الدين/المذهب [مسلم (سني، شيعي، أباضي)، هندوسي، يهودي، مسيحي). حيث يأتي الخطاب الإعلامي ليمتدح هذا التنوع طالما أن “المواطن” مستمر في طاعة النظام الحاكم. بيد أن ذات الخطاب سينتفض وسيفعّل أدواته في الانتقاص من ذات المواطن، بمجرد اختلافه أو اصطدامه بالتساؤل العلني عن أسئلة مشروعة كالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وشرعية الحكم. حينئذ سيعمل هذا الخطاب على تذكير المواطن بأصوله ومنابته وتاريخه العائلي، محذّراً إياه بزوال كل ما يتمتع به بمجرد التلويح بسحب جوازه أو إسقاط جنسيته.
المناهج التعليمية
حققت بلدان الخليج العربية قفزات مشهودة على المستوى الكمي في قطاع التعليم وانحسار أمية القراءة والكتابة منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن. غير أن ذلك لم يكن سبباً كافياً لترسيخ المضامين الأساسية للمواطنة بمفهومها العصري، كالمساواة، والمشاركة متعددة الأبعاد، والعدالة، وقبول التنوع والاختلاف، وتذليل الفوارق الاجتماعية والتفاوتات. فبحسب خلدون النقيب، “يخطئ من يعتقد أن انتشار التعليم ووسائل الإعلام يُضعف على المدى البعيد الانتماءات القبلية والطائفية والجهوية؛ إذ إن العكس هو الصحيح، فانتشار التعليم في بلدان الخليج والجزيرة العربية أدى إلى ترسيخ هذه الانتماءات وتعميقها في ما يمكن تسميته بالوعي القبلي”.[29]
فالتعليم مصاب بذات أعراض الأزمة البنيوية التي أوضحناها في الإعلام. لذلك فإن المواطنة في بلدان المنطقة تعاني تأزيماً بنيوياً مركباً بالإمكان الإشارة إلى بعض أعراضه الناشئة من التعليم بوصفه منبعاً عظيم التأثير على الفرد والجماعة. من هذه الأعراض:
التلقين المؤطر: لم يبارح التعليم في بلدان الخليج العربية أطره التقليدية المرتكزة على تكرار وسائل الحفظ عن ظهر قلب، ومناهج مفصلة وفق مقاسات السلطة المركزية، ومنفصلة عن القضايا المعاصرة، حيث يعاد إنتاج وتكرار المرويات المشوهة عن التاريخ والهويات والقيم (أنظر على سبيل المثال تاريخ الدولة في السعودية المربوط بآل سعود، مفهوم عُمان المرتبط بالدولة البوسعيدية، تاريخ الإمارات السياسي الذي يبدأ بعهد الشيخ زايد وأولاده وهكذا)، فضلاً عن عدم تشجيع النقاشات الجادة حول التعددية والاختلاف والتنوع والتي تعتبر النواة لأي تربية وطنية، حيث الأساس الذي ترتكز عليه السياسات التربوية في المنطقة ” ما تريده الدولة لمواطنيها، وليس ما تتحمله الدولة نحو مواطنيها“.[30] ثم إن المحور الأهم في العملية التعليمية، وهو الطالب، يمثل في واقع الأمر المحور الأضعف والأخفض صوتاً، في مقابل أصوات الإدارة المركزية والمعلم. لذلك فإن المدارس في الواقع ترتكب مع منظومة الأسرة أول المجازر بحق المواطنة، حيث يتشرّب التلاميذ من مبادئ التسلط، ويتعرفون على أنجع الوسائل في هدر الوقت والموارد، وعدم الاكتراث بالشأن العام، والنفور من “شيء غريب اسمه ديمقراطية”، وزعزعة الثقة بالحرية كقيمة ممارسة تفاعلية، ولا يتعلمون وسائل التحليل والتساؤل والبحث العلمي، ولا كيف يمارسون حق التعبير عن الرأي والتفكير، ولا يتعرفون على التطور المعرفي الذي طال قيم العدالة والمساواة. ف”ليس هناك (أنا أفكر) التي تنقل تفكيرها، ولكن هناك (نحن نفكر) التي لها الفضل فيما أنتم فيه[31]“، بل واقع الحال يتجاوز ذلك إلى (نحن نفكر عنك)! فكيف سيكون حال مواطني الغد؟
التوجيه المعزول: تتزيأ مناهج التربية الوطنية في مدارس المنطقة بأزياء برّاقة على المستوى الشكلي. وتعتمد اعتماداً شبه كلي على المعلومة على حساب المعرفة، والمعطى على حساب المكتسب من الحوار، والنظري على حساب التطبيقي. كما أن أغلب ما يتم تدريسه على أنه “التعليم لأجل المواطنة” لا يعدو نسخاً ولصقاً لنظريات غربية جذّابة وناجحة، دون الالتفات إلى السياقات التاريخية والسياسية والفكرية التي جعلت تلك المقولات تبلغ ذاك النجاح والتأثير في محيطها. ثم إن أغلب هذه المناهج لا تتعدى مادة محصورة في كتاب، تُدرّس بمقدار حصة واحدة أو اثنتين في الأسبوع، وليست ضمن برنامج متكامل وحيوي يعيشه التلاميذ في يومهم الدراسي. المسألة لا تتعدى متطلب دراسي يجري امتحان التلاميذ عليه مخبرياً في نهاية كل مدة دراسية، وليس ممارسة وسلوك للإدارة الذاتية، والانتخابات، والمناظرات، والمجادلات العلمية والمدنية، ولا طرق لتعلم المحاسبة والتقييم والمشاركة ليس بالرأي وحده، بل وبتطبيق السياسات الناظمة لكل مؤسسة تعليمية.[32]
التمجيد المُسيّس: أغلب مناهج التربية على المواطنة في المنطقة محبوكة بذات المكونات التي يستخدمها الخطابين السياسي والإعلامي الرسميين، فضلاً عن نفس الخلط السائد الذي يكتنف كل هذه الخطابات. تتعدد المسميات في هذا المقام، فهناك “التربية الوطنية”، و”وطني”، و”الدراسات الاجتماعية” وجميعها تكاد تكون متطابقة في تعليم التلاميذ الولاء، والطاعة، والاعتداد بالهوية، والفخر الوطني، وتضخيم المشاعر تجاه كل ما هو محلي في مواجهة الخارجي. أنظر على سبيل المثال تداول شعارات من قبيل “عُمان أولاً”، و”إماراتي وأفتخر”، و”كلنا تميم”، و”عماني أصلي وفصلي”، و”كويت صباح”، و”قابوس عُمان”، و”آل سعود حماة الحرمين”، و”البحرين أولاً”، وغيرها مما يُشكل خبزاً يومياً للتلاميذ على دفاترهم أو موضوعات نقاشاتهم داخل الصفوف أو مسارات تنافسهم على مستوى المدارس أو المناطق التعليمية وتحديد موضوعات الإنشاء والتعبير والرسم والتصوير في هذه العناوين وما يدور حولها. إضافة إلى أن مناهج هذه الكتب لا تحتوي أكثر من اضّبارات توثق أعمال الحكومات، وصياغاتها التشريعية للقوانين، وشجرة العائلة الحاكمة، وإنجازاتها من مبانٍ ومنشآت، دون السماح للطلبة بطرح التساؤلات عن الشخصيات، والأحداث، والأعمال، والإنتاج داخل هذه الهياكل الضخمة، ولا يتم الاستماع إلى تفاعلاتهم تجاه كل ما يُعبؤون به في جلسات مناقشة عامة داخل الفصل أو المدرسة، ولا يُلتفت إلى ما يُشكّله كل ذلك من معانٍ في وجدانهم الفردي والجمعي.
ثانياً: المواطنة المُعاشة والمنتظرة
بعد التطواف في بعض الأطر العامة التي تحكم الشأن العام والموضوعة من قبل الأنظمة الحاكمة والمبثوثة في التشريعات والتعليم والإعلام، يجد الإنسان نفسه ملزماً بالتعامل مع كتلة غامضة، من الصعب تعريفها، وعبثاً يحاول تحديد أطرها، ألا وهي المجتمع. ولأن المواطنة قائمة على العلاقة في الأساس، أي العلاقة مع الآخر، سواء كان فرداً أو جماعة، فإن الإنسان في رحلته للتعرف على “مواطنيته” لا بد من معرفته بالمجتمع الذي يعيش فيه ويتعايش معه.
في هذه المنطقة من العالم تُهيمن بشكل غامض تناقضات نحتت الشخصية التي نراها اليوم. تناقضات يراها أهلها إضافات “مغرقة في القدم من التحضر والبداوة والتعبد والتمرد، ومن الجماعات الغازية العابرة ومن قوافل التجارة والحج، ومن صخب الأسواق وسكون الصحراء، من اختلاط البداوة بالجهاد، والجهاد بالتجارة، والتجارة بالزراعة، في تفاعل وذوبان متصل لا ينقطع”،[33] بينما يراها البعض الآخر سبباً في وجود “مأزق استعصائي قيمي خليجي”،[34] حيث تأتي مسألة الدين والمعتقد في عمقها، وذلك “ليس لأن المنطقة “إسلامية” برمتها، وإنما لكونها الموطن الأول لنزول الوحي، وعلى أرضها مقدسات الدين الأخير وقبلة ذويه وأتباعه. وفي التحليل الأخير، فإن أبناءهم وحدهم المنوط بهم الدفاع عن هذه الأمكنة ضد الهجمات الشرسة والاستهدافات البغيضة. وقد تولدت مواجهات تاريخية بين الدين الرسمي المعتدل والاجتهادي “الراديكالي” وبين السلطة و”الفئات الضالة”، وبين القوى الخارجية والسلطة والدين معاً”.[35] لذلك فإن الحيز العام للمجتمع مشحون بمعضلات الخوف والرفض، بدرجات متفاوته لأفراده، تجاه المفاهيم الحديثة. ينطبق ذلك على المواطنة مثلما ينطبق على الديمقراطية وحقوق الإنسان. في الأفق الاجتماعي العام لبلدان الخليج العربية ثمة تزاحم وتصارع على مساحات التأثير على الفرد، ولطالما أزاحت السياسات العامة التي تنتجها الأنظمة الحاكمة الأيدولوجيات العابرة للقومية والدينية والعولمية، وهي إزاحات غير معلومة العمق ولا المساحات، لكنها ظاهرياً، حتى اللحظة على الأقل، قادرة على التشويش وإحكام السيطرة، وإثارة الشكوك وعدم الاطمئنان للمفاهيم “الغريبة” على تربة المنطقة وهويات شعوبها. وبإمكاننا تتبع هذا التشويش على المواطنة اجتماعياً عبر الآتي:
فراغ أم اختراق: لم يزل الحيّز بين مؤسسة الأسرة والأنظمة الحاكمة المسيطرة على البنى الإدارية والاقتصادية والسياسية في المنطقة كبيراً ومدوياً. ولم تستطع المؤسسات المدنية، التي تأسست طوعياً من إرادات فردية حُرة، ملء هذا الفراغ بشكل مؤثر وفاعل. لا لنقص في العدد ولا لعجز في الممارسة بل لأسباب موضوعية، منها أن الأنظمة الحاكمة في المنطقة بمؤسساتها الأمنية والسياسية والإدارية استطاعت أن تخترق هذا الفراغ وتحوّله إلى داعم آخر لسيطرتها وتحكّمها، إذ ضيّقت على ممارسة الحق في التجمع بالقانون، وجرّمت الحق في الاحتجاج والاعتراض السلمي الجماعي بمجموعة من الإجراءات الإدارية واستخراج التراخيص المعقدة، وشوّهت كل من طالب بممارسة هذا الحق دون العودة لهذه السلاسل المقيدة واستخدمت معهم القوة عندما نزلوا في الشوارع والميادين، وزجّت بهم في السجون، بعد أن حاكمتهم بتهم التحريض وإثارة الفوضى. أما هياكل تلك المؤسسات فمصابة بالهشاشة، حيث أنظمتها الأساسية مراقبة من قبل الأجهزة الإدارية والأمنية للحكومة، ومسارات حصولها على الدعم تحت السيطرة والمراقبة، بل أن أغلبها تسيّر أعمالها من الدعم الرسمي الذي تخصصه لها الحكومة من الموازنة العامة. وبذلك نجحت هذه الأنظمة في نقل تحسسها من فكرة “مؤسسات المجتمع المدني” إلى عموم الناس، الذين هم، في العادة، لا ينقدون كثيراً ما يصدر من سلطاتهم، بل يقبلونه ويتكيفون معه، وربما يتبنون الدفاع عنه. ومع استمرار هذا التوتر، وتضخيم “الشكوك” حول هذه المؤسسات المدنية في الإعلام والنقاشات العامة، تعجز هذه الصِيغ المدنية عن الأداء والفاعلية، وتكفّ عن الحضور، فلا تصبح عندئذ مقنعة ولا جاذبة. عندئذ يميل أفراد المجتمع للخيارات الأسلم والمُجربة سلفاً لإشباع رغباتهم في الاجتماع، إنها العصبويات الأولى (القبيلة، الطائفة، المذهب) التي ترعاها الأنظمة وتغدق عليها من الأموال العامة في سبيل استمرارها وتوسعها وإعادة تموضعها في الحدود التي تدعم وجودها واستمرارها في احتكار القوة والثروات. فينسحب الأفراد، ويؤثرون مصالحهم الشخصية على المصالح العامة. فكيف للإنسان في بيئة كهذه أن يمارس حقوقه وواجباته، متفاعلاً، بفشله ونجاحاته، في طريق بحثه عن تحقيق مواطنيته؟ يقول السياسي والقائد الإغريقي بيريكليس: “كلما كانت الدولة مؤسسة بشكل أفضل، تقدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة في عقول المواطنين، فعندئذ تكون المصلحة الخاصة، فعلياً، أقل بكثير، لأن السعادة العامة بإجمالها توفر نسبة أعلى لسعادة كل فرد (…) وفي الأمة المنظمة بشكل جيد يسارع كل شخص إلى الالتحاق بالجمعيات (…) وحالما يقول أحد عن مصلحة الدولة “ما شأني بها؟” عندئذ يعتبر أن الدولة قد فُقدت”.[36]
توطين أم تجنيس: أوجد النفط وما صاحبه من فورة عمرانية في المنطقة مجتمعات متجاورة، ومتساكنة، لكنها ليست بالضرورة متجانسة. مجتمعات معزولة بالمعنى الحرفي للكلمة، معسكرات و”كميونات” لعمال وموظفين وتكنوقراط جاءوا من كل دول العالم، بحثاً عن فرص للعمل والعيش الكريم، “وإذا كانت أغلب دول العالم تحاول أن تذوّب وتصهر ثقافة الوافدين والمهجرين والأجانب في دائرة ثقافتها (…) وأن تجعل من اكتسابهم اللغة القومية أو الوطنية شرطاً أساسياً من شروط تأهيل العمالة [بل وإدماجهم كمواطنين في النسيج الاجتماعي للدولة] نجد أن ثقافة الأغراب والمغتربين تفرض نفسها وتحقق هيمنتها على الثقافة المحلية”.[37] اللغة، والأنماط الثقافية المختلفة على مستوى الأذواق والتصورات في الطعام واللباس والفنون المختلفة، من موسيقى وسينما وغيرها، في كل مجتمع من هذه المجتمعات المتساكنة تعيش وتتوسع وتمارس أنشطتها مع تعاقب أجيالها. كل ذلك في معزل عن السكان الأصليين الذين غدو أقلية في بلدان (مثل الإمارات وقطر) فيما بات يعرف بـ”خلل التركيبة السكانية”. ولأن الأنظمة الحاكمة لا تمتلك الإرادة السياسية في حل هذه الأزمة الذاهبة لتفجّرات أكبر، فإن سؤال المواطنة يبرز بشكل مُركّب هنا. إذ يتضح ضعف تأثير من يسمون أنفسهم بـ “المواطنين” على أنظمتهم الحاكمة لمعالجة هذا الإشكال الإنساني متعدد الأبعاد. كما يمنع مجتمعات النفط الجديدة من الانصهار والاندماج مع بعضها لتحقيق حد معقول يكفل ضمانات كريمة وواضحة للحقوق سواء كانت اقتصادية واجتماعية أو مدنية وسياسية، كما فعلت كثير من دول العالم (كندا، أمريكا، استراليا، نيوزيلندا). بيد أن السؤال المعكوس هنا هو: كيف لمواطن أن يطلب حقوقاً لمواطن جديد وهو لم يحقق كافة حقوقه الأساسية من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية؟
إشكال آخر يبرز في هذا السياق، وهو استخدام “التجنيس” كأداة سياسية من قِبل الأنظمة الحاكمة لتعميق أزمتها مع شعوبها، سواء بمنح الجنسية لأغراض تغيير الخارطة الطائفية ومتتاليات[38] الولاء، كما تفعل حكومة البحرين أو بالمنع والتلكؤ عن منح الجنسية وكما تتصرف الكويت، منذ عقود، مع كتلة بشرية كبيرة تعرف بـ”البدون”. إذ يتم اختزال “المواطنة” وابتسارها في جواز سفر ووثيقة جنسية، الأمر الذي يكّرس عُزلة هذه “المواطنة” وتسخيفها بعيداً عن حق المشاركة في النشاط الاقتصادي، وحق المشاركة في الحياة الاجتماعية، وحق المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية والسيادية ومحاسبة كل من يُسيء لفاعلية هذه المشاركات ومراقبة أدائه.
وبدلاً من تعزيز الشعور بالاطمئنان لعروة المواطنة الراسخة المتساوية في الحقوق والواجبات وحماية ذلك بضمانات دستورية يرعاها القضاء النزيه والمستقل، تتطاول أيادي أجهزة المخابرات والأمن الداخلي ووزارات الداخلية في هذه الدول فتُسقط عن من تشاء من خصومها الجنسية، أكانوا أفراداً أم جماعات وقبائل،[39] حيث تنزع عنهم جميع وثائق السفر والهويات الشخصية ليصبحوا شخصيات “مجهولة” و”نكرة” بشكل مفاجئ وغير مفهوم، إذ تطلب منهم ذات الأجهزة مغادرة البلاد فوراً، أو القبض عليهم بتهم التواجد على أراضيها بشكل “غير قانوني”، في انتهاك صارخ وحصار مُركّب لأبسط حقوق هذا الإنسان الذي لم يرتكب أية مخالفة غير الاختلاف في الرأي السياسي عن من يحكمه، والذي (أي هذا المختلف) قد يكون أكثر تجذراً في بلده على مستوى النسب والأصالة والتاريخ أكثر من أي متسلط يستخدم وظيفته العامة لتغطية هذا الفعل اللا إنساني، بل أكثر تجذراً من الحاكم نفسه.
إن تضخم ظاهرة “سحب الجنسية” في بلدان الخليج العربية لأبلغ دليل على غياب الإنسان من معادلة الدولة والمجتمع، حيث تستمد هذه الظاهرة جذورها من نظرة الأنظمة الحاكمة للمواطنة على أنها مجموعة خدمات وامتيازات تمنحها هذه الأسر الحاكمة لشعوبها مقابل التخلي عن أية مطالبات للحقوق، إلا إذا قدّرت هذه الأنظمة هذه الحقوق، وقتما شاءت، وقرّرت تقديمها للشعوب على شكل منح وأعطيات ومكرمات.
تفاوت أم عدالة: ترتبط الفوارق الاجتماعية بالعدالة ارتباطاً جوهرياً كاشفاً لحقيقة تطبيق مبدأ العدل والحرص عليه، فالفوارق الاجتماعية لا تتقلص في مجتمع من المجتمعات ما لم تستثمر الثروة والسلطة لتأمين رخاء إنساني مستدام، استثمارٌ يناهض أغلب أشكال التفاوت القائمة على الامتيازات المتكئة على شبكات التمييز المتناسلة رأسياً وأفقياً، ويشيع بديلاً عنها سلوكيات تكافؤ الفرص، النابعة من الجهد والإنتاج، والمدعومة بقيم المساواة والإنصاف والتضامن والتكافل.[40] تتسع الفوارق الاجتماعية بين الأفراد في بلدان الخليج العربية ومعها تتناقص فرص تحقيق عدالة اجتماعية ناجزة لتأمين استقرار مستدام. فهناك فارق معيشي يتزايد بين المواطنين من خلال مستويات الأجور في ظل ارتفاع الضرائب، ورفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات الأساسية، وتزايد نسب التضخم مع ركود اقتصادي بسبب انخفاض أسعار النفط. كل ذلك يحدث وأعداد المعطّلين عن العمل من الشباب المؤهل في تزايد في بلدان كالسعودية وعُمان والبحرين، وبشكل مواز تتضاعف أعداد القوى العاملة الخارجية، مع فوارق ثقافية بين أفراد المجتمع الواحد بسبب تباين مستويات التعليم والتدريب المهني والتكوين العملي. فضلاً عن الفوارق العمرانية التي خلقت مدناً مغايرة تماماً عن أقرب جيرانها، موزعة الثروات والموازنات بشكل غامض وغير قابل للمساءلة كما يتضح من توزيع التنمية والعمران على الإمارات الشمالية مقارنة بإمارتي أبوظبي ودبي، وعواصم بلدان الخليج الأخرى مقارنة ببقية المدن والمناطق.
أما غالبية سكان هذه البلدان فقد هجروا المهن والحرف اليدوية، حتى تلك الصناعات الأساسية التي كانت تكفل لهم استقلالاً نسبياً عن أي تحكم، لصالح الوظائف الحكومية التي عطلت القدرات الإنتاجية والمهارات الأساسية، ليس بين أوساط الجيل الشاب فحسب بل وبين أهل المهن والحرف المهرة أنفسهم.[41] إن هذه القطاعات ليس باستطاعتها مجاراة قطاعات النفط والمقاولات والمضاربات المالية، مما شجع على نشوب أزمات اقتصادية متواصلة، وحفز نمو وتوسع النشاطات الطفيلية كالبطالة المقنعة في المؤسسات الحكومية، والاتجار بتأشيرات القوى العاملة الأجنبية، وشيوع المحسوبيات، والإثراء من الأراضي والعقارات التي تقوم السلطة بتمليكها لخاصتها والمقربين منها، وقبل ذلك ربط حياة الناس وأرزاقهم بمركزية السلطة، فهي من تقرر زيادة مستوى معيشتهم، وهي من تتحكم بقدراتهم وحراكهم الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي. ومن نافل القول في هذا المقام أن الإنفاق الحكومي في اقتصاديات الدول الريعية يعطي انطباعاً مضللاً عن حقيقة الواقع، فهو يظهر الرخاء والازدهار في العموميات بينما تزداد على الميدان حدة الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الطبقية، خاصة في الدخل ومستويات الغنى والفقر. فالهوة تتسع بين الغنى المفرط والفقر النسبي، ولا يمكن تحسس ذلك في ظل الإنفاق الحكومي الذي يوفر السلع الاستهلاكية المستوردة، ويرفع مناسيب الرواتب المتأتية من احتكار وإدارة المورد الوحيد للدخل. إن مسألة الفوارق في الدخل قد لا تكون بالضرورة ناجمة عن استغلال البشر، وبالتالي لن تؤدي بالضرورة إلى تنشيط حركات التغيير الاجتماعي لإحداث تغيير جذري يحسن من مستوى حياتها، لأنها، أي هذه الفوارق، قد تكون ناتجة من طرائق استغلال الموارد الطبيعية لا استغلال الموارد البشرية. وبإمكان الدولة الريعية أن تستخدم هذه الوسيلة بكل نجاح وكفاءة، إذ بمقدورها إعطاء الانطباع للجميع بحصولهم على حصص أكبر، لكن بقرار حكومي، وهذا ما حدث بالتحديد أثناء احتجاجات الربيع العربي التي اشتعلت في عُمان والبحرين والكويت، الأمر الذي يمنح السلطة قدرة على البقاء واحتواء كل محاولات التغيير القادمة من القواعد الشعبية، والتي عادة ما تكون خاضعة لسيطرة السلطة في مثل هذه الأوضاع، بعد أن جرى تحييد قدراتها التنظيمية المستقلة منذ فترة طويلة. لذا لن يكون هناك نقاش جاد ومتكافئ حول “مواطنة” متكافئة، متأسسة على تذليل الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة، طالما كانت هناك سلطة مركزية مستحوذة على الموارد الطبيعية، تديرها لصالح استمراريتها كسلطة أكثر من استثمارها في استدامة تنمية المجتمع والدولة.
ثالثاً: المواطنة المُشتهاة
يرتبط مفهوم “النخبة” بالقدرة على التأثير في البيئة المحيطة سواء أكان هذا التأثير اجتماعياً أم ثقافياً أم سياسياً أم اقتصادياً. ويزداد حضور النخب بالمُكنات التي تتميز بها تلك النخب في سبيل الإقناع وإعادة صياغة الأفكار وانعكاس ذلك على السلوكيات العامة. لذا فإن المواطنة بوصفها ثقافة وفهم للفرد والعالم الذي يتفاعل معه لا غنى لها عن الجدل الذي تدفع به النخب بشأن الأفكار وتناقضاتها على الأرض. عدد من النخب في بلدان الخليج العربية تبنت خطاب “المواطنة” لكنها تواجه جملة من الاستعصاءات من ضمنها:
استعصاء الأمان: تعاني النخب، المنادية بإيلاء المواطنة حقها من الاهتمام الجاد من قبل المجتمع والدولة، من القلق على الأمان الشخصي. إذ أن طرح المواطنة المستصحب بالضرورة إعادة التفكير والعمل على إشاعة الحرية كقيمة ورعاية المساواة كممارسة، وتذليل الفوارق الاجتماعية بمزيد من تطبيقات العدالة الاجتماعية، وقبول التنوع بالنسبة للجماعات والاختلاف بالنسبة للأفراد، فضلاً عن المشاركة متعددة الأبعاد في الحُكم وإدارة الشؤون العامة، كل هذه الأفكار، في واقع كالذي تعيشه المجتمعات في بلدان الخليج، يُهدد قائله ومردده في أمانه الشخصي، وأمانه الوظيفي، وأمانه الاقتصادي والاجتماعي. حيث لا تتردد الأنظمة بأذرعها الأمنية والإدارية في أذاه، والتضييق عليه في الفرص والمنابر، وتشويه صورته في المجتمع، وصناعة شبكات معقدة من الخصومات تستهدف طمأنينته وتركيزه. لأنه يشوش على منظومات الانتفاع الطفيلية التي استفادت من التسلط والطاعة والاحتكار.
استعصاء التأثير: إلى أي مدى يتمايز خطاب المواطنة الصادر من هذه النخب عن خطاب “المواطنة” الرسمي والواقع الموضوعي الذي تهيمن عليه البنى القبلية والعشائرية؟ إذ أن هذا الميدان ليس خلواً، وغير متروك لأن يعبئه أفراد يهددون شبكات المصالح المتزاوجة قبائلياً وانتفاعياً مع السلطة المركزية. فضلاً عن إشاعة أن أفكاراً كالتي تنادي بها “المواطنة” خطيرة لأن من يصدح بها هم علمانيون أو ليبراليون، أو ملحدون، وهي صفات كفيلة باستفزاز فصيل كبير ومؤثر على المجتمع وهو النخب الدينية والتيارات الإسلاموية الجاهزة للدفاع عن التقاليد والعادات في مواجهة “الحداثوية” التي تعتبر “غازية لمهبط الوحي“، و”قلاع الاسلام الأول” و”أبناء جزيرة العرب الأصايل”.[42] ومع اصطفافات كهذه ينحاز الناس بحكم العادة إلى الدين، وإلى من يمثلونه، وينفرون من الأطروحات “الغربية” التي تهدف إلى نشر بذور الشقاق والفتن و”الخروج على طاعة ولي الأمر”. ففي الوقت الذي يشترط فيه أحد أبرز المنظرين للمواطنة “لاعتبار دولة ما، مراعية لمبدأ المواطنة من عدمه [أولاً]: زوال وجود مظاهر حكم الفرد أو القلة من الناس، وتحرير الدولة من التبعية لشخص الحاكم، وثانياً: اعتبار جميع السكان الذين يتمتعون بجنسية الدولة، مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات يتمتع كل فرد منهم بحقوق والتزامات مدنية وقانونية متساوية كما تتوفر ضمانات قانونية وإمكانات اجتماعية تتيح ممارسة كل مواطن حق المشاركة السياسية الفعالة وتولي المناصب العامة”،[43] يحشد الخطاب الرسمي كل الأدلة والبراهين المؤكدة على أن طرحاً كهذا لا هدف له إلا تدمير الأوطان، وزوال النعيم الذي يتمرغ فيه أهلها. في هذا المقام تبرز، على سبيل المثال لا الحصر، مطالبات النخب بالانتقال من نظام الحكم الشمولي إلى نظام الملكيات الدستورية. إذ تحاول الأصوات الإصلاحية في دول الخليج الدفع العلني بضرورة “تأسيس عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم يتضمن حقوقًا وواجبات متبادلة على أساس مفهوم المواطنة، وتأكيد سيادة القانون، والتحول من الملكيات المطلقة إلى الملكيات الدستورية وفق “صيغة خليجية“، أو ما يُسَمَّى “بالدستور أولًا””.[44] إلا أن مصير هذه الدعوات عادة ما يكون التجاهل العلني أو العقاب بالسجن إذا ما تحول إلى عمل مؤسسي على الأرض كما حدث لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم)، التي دأبت على الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين والمحتجزين في المملكة العربية السعودية إلى أن أمرت السلطات بإغلاقها في مارس/آذار 2013،[45] وهي جمعية حرص مؤسسيها (جميعهم الآن داخل السجون السعودية) على المطالبات السلمية للتحول إلى الملكية الدستورية.[46]
استعصاء الاستمرار: ترى بعض النخب “أن المواطنة ليست مجرد معادلة متوازنة بين الحق والواجب. هذا تعريف حقوقي وقانوني وسياسي. إنها أعمق من ذلك وأدق. حالة ذهنية، ثقافة ورؤية للعالم وللأشياء يستطيع من خلالها الإنسان أن يتعايش مع الاختلاف والتنوع، ويرقى إلى أسمى حالاته الإنسانية وأرفعها”.[47] فيما تحرص نخب أخرى، ممكّنة اقتصادياً، ومدعومة مالياً، ومحمية أمنياً، ومسكوت عنها إعلامياً – تحرص على العودة إلى فكرة “القبلية” وتسليعها بطريقة حديثة تتميز بالحنين العميق للوداعة وترك السياسة لأهلها، والترفع عن أموال الشيوخ والحكام، وانتظار هباتهم ومكرماتهم وأفضالهم، وعدم البحث عن عيوبهم وتتبع تقصيرهم في مهامهم، وأن المدنية منتج غريب على أرض الخليج، وأن تطوراً ورُقياً يُنتظر من شكل المدن التي انفجرت بالعالم والناس والأشياء والأعراق والتناقضات هو تطور غير محمود ويمكن عزله والتحكم فيه باللوذ بقيم وأعراف القبيلة، الأمر الذي كرس خضوعاً آمناً وفراغاً مدوياً في الفضاء العام. [48] لذلك فإن استمرار “المواطنين” مرهون بالزمن وبالتحولات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل وبالظروف الخارجية الضاغطة باتجاه وعي بالمواطنة يتحول تدريجياً إلى سلوك عام.
خلاصة مختصرة: هل حقاً المواطنة في بلدان الخليج العربية مثلومة؟
عندما لا تتجاوز المواطنة كونها توافقاً سياسياً لمُساكنةٍ آمنة بين الحاكم والمحكوم، وإذا لم تغادر مربع التسويات والتوافقات المرتبطة بأولويات أنظمة حكم أوتوقراطيات متقلبة الأمزجة والأهواء، وإذا لم تتجاوز ذلك إلى كونها قيمة في ذاتها، وخبزاً يومياً على مستوى السلوكيات والممارسات، وحقاً قارّاً غير قابل للتصرف من قبل أياً كان، ورؤية من خلالها يُفهم الوجود الإنساني وتبنى عليه حركة التفاعل والمسؤوليات – إذ لم يصل الحال ببلدان الخليج العربية إلى هذه التخوم فإن المواطنة ستظلّ مثلومة، أي معطّلة، عاجزة عن ضمان الحدود الدنيا لحقوق أفرادها/مواطنيها وإن قاموا بتلاوتها وترديدها رطانةً صباح مساء.
فلا مواطنة بمعزل عن حقوق أساسية كالمساواة والتوزيع العادل للثروات، وضمان تكافؤ الفرص للجميع على مسطرة الكفاءة لا على عصا الولاء السياسي، ومن دون تمييز على أساس الدين أو الأصل أو العِرق أو النوع الاجتماعي أو غيره. لفظة “المواطنة” ستكون بلا معنى في غياب قيم وسلوكيات قبول التنوع على مستوى المجتمع والتعايش مع الاختلاف على مستوى الأفراد. كما أن المواطنة ستظلّ كلمة غير مفهومة من دون تذليل الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الطبقية. ولعله من مكرور القول ترديد أن المواطنة ليس بمقدورها أن تعمل بفعالية إلا في مجتمع قام، دون وصاية أو تهميش، بالمشاركة في صياغة دستوره، الذي فصّل فيه احتياجاته، وصان من خلاله حريات أفراده، وشرّح واجباتهم، بقطع النظر عن قدراتهم وإمكاناتهم ووظائفهم وأدوارهم. فالجميع متساوون في درجة المواطنة، والكلّ له ذات الحق في أن يعبّر ويساهم ويعمل حتى يبلغ المجتمع أهدافه في التقدم والنماء وحتى يشعر الإنسان بحريته وكرامته.
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (PDF)
لعرض قائمة المحتوى للاصدار
سعيد إسماعيل علي، فلسفات تربوية معاصرة، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 1995).
خلدون النقيب، في البدء كان الصراع! جدل الدين والأثنية، الأمة والطبقة، عند العرب (بيروت: دار الساقي، 1997).
Declan Walsh, “Fake Diplomas, real cash: Pakistani company Axact reaps millions”, 17 May 2015, <http://www.nytimes.com/2015/05/18/world/asia/fake-diplomas-real-cash-pakistani-company-axact-reaps-millions-columbiana-barkley.html>.
<http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2014/09/140826_arab_spring>
سعد البحيري “هكذا تحدث الدعاة والمشايخ واقتصاديون عن جلسة “الصراحة” مع محمد بن سلمان”، المواطن، 26 ابريل 2016، <https://www.almowaten.net/2016/04/هكذا-تحدث-الدعاة-والمشايخ-واقتصاديون/>.
سيف بن ناصر المعمري، التربية من أجل المواطنة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية: الواقع والتحديات (الإمارات: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يوليو 2014)، < https://www.gulfpolicies.com/attachments/article/1834/التربية%20من%20أجل%20المواطنة%20في%20دول%20مجلس%20التعاون%20الخليجي.pdf >.
-”الكويت نزع الجنسية عن 5 من منتقدي الحكومة،“ هيومن رايتس ووتش، 10 أغسطس 2014، < https://www.hrw.org/ar/news/2014/08/10/254825 >.
-”البحرين: تصاعد مثير للقلق بسبب إبعاد المواطنين الذين جُرِّدُوا تعسفياً من جنسيتهم،“ منظمة العفو الدولية، 7 مارس 2016، < https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2016/03/bahrain-alarming-spike-in-expulsion-of-citizens-arbitrarily-stripped-of-their-nationality/ >.
-”إسقاط الجنسية السعودية عقوبة لمواجهة المتطرفين،” الحياة، 15 ديسمبر 2016، < http://www.alhayat.com/m/story/19081331#sthash.1iBeTtFG.dpbs >.
-”وزير خارجية قطر يستلم شكوى حقوقية دولية ضد بلده“ المصري اليوم، 13 ديسمبر 2017، < https://www.almasryalyoum.com/news/details/1231398 >.
-”إسقاط الجنسية في دولة الإمارات..“ المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، < http://www.ic4jhr.org/ar/activites-ar/reports/617-الإمارات–إسقاط–الجنسية–في–دولة–الإمارات–العربية–المتحدة-2.html >.
– في عُمان تم تعديل قانون الجنسية مؤخراً : تضمن القانون العماني الجديد ”تسقط الجنسية العمانية عن العماني بصفة أصلية إذا ثبت أنه: ينتمي إلى جماعة أو حزب أو تنظيم يعتنق مبادئ أو عقائد تضر بمصلحة عمان، يعمل لصالح دولة معادية تعمل ضد مصلحة عمان“. انظر القانون الجديد على الرابط: < https://www.rop.gov.om/pdfs/roplaws/ROPRULE-4.pdf >.
سعيد سلطان الهاشمي، “عدالة أم معادلة؟ قراءة في إشكاليات الفوارق وعوائق العدالة الاجتماعية في عُمان،” عدالة اجتماعية بالعربي، 30 ابريل 2017، < http://www.socialjusticeportal.org/publication/1531/ >.
عمر هشام الشهابي، تصدير الثروة واغتراب الإنسان: تاريخ الخلل الإنتاجي في دول الخليج العربية ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018)، الفصل الثامن، ص 293–354.
https://www.gulfpolicies.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1700:2014-05-09-07-09-18&catid=157:2012-01-03-19-52-43&Itemid=265 >.
وأيضاً: محمد اليحيائي، الإصلاح السياسي والدمقرطة في الخليج: أربع مقاربات ممكنة ومطلوبة (الدوحة: مركز الجزيرة للدرسات، 5تموز/يوليو2015)، < http://studies.aljazeera.net/ar/issues/2015/07/2015759175575758.html >.
< https://www.amnesty.org/ar/documents/mde23/025/2014/ar/ >.
كذلك انظرفي شأن الانتماءات التقليدية ودورها الحيوي المتجدد في واقع الإنسان في الخليج إلى:
محمد محفوظ، “الدولة والطائفية في الخليج العربي”، مستقبل التعدد الطائفي في منطقة الخليج العربي (الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2013) ، ص 171.