دلال العكيلي
مفهوم من إدارة الأعمال ووُصِفه لأول مرة مايكل بورتر في كتابه الأكثر مبيعاً لعام 1985 بعنوان “الميزة التنافسيّة: خلق أداء عال والحفاظ عليه” قائلاً: ترتكز فكرة سلسلة القيمة على طريقة عرض المؤسسات للعمليّة وفكرة اعتبار المنظمات الصناعية (أو الخدمية) على أنها نظام مؤلف من أنظمة فرعية لكل منها دخل وخرج وعمليات تحويل خاصّة تشمل المُدخلات والمُخرجات اكتساب الموارد واستهلاكها بما فيها الأموال والعمالة والمواد والتجهيزات والأبنية والأرض والإدارة والتّوجيه تُحدّد كيفية تنفيذ نشاطات سلسلة القيمة التكاليف وتؤثر على الأرباح”.
أُضيف مفهوم سلاسل القيمة كأدوات لدعم القرار إلى نموذج الاسترتيجيات التنافسية التي طوّرها بورتر في بدايات عام 1979 صُنّفت اللوجستيات الداخليّة والعمليات واللوجستيات الخارجية والتسويق والمبيعات والخدمات في سلاسل القيمة الخاصة ببورتر على أنها أنشطة أولية تتضمّن الأنشطة الثانويّة التأمين وإدارة الموارد البشريّة والتطوير التّقني والبنية التحتيّة، وفقاً للأمين العام لمُنظّمة التّعاون والتنمية الاقتصادية (غوريا 2012) فإن ظهور سلاسل القيمة العالميّة (GVCs) في أواخر تسعينيّات القرن العشرين قدّم حافزاً للتغيير السريع في مشهد الاستثمار والتجارة الدوليّة مع ما يترتّب عليه من عواقب على الحكومات والمؤسّسات كذلك (غوريا).
يعتمد مفهوم سلاسل القيمة العالمية على قيام الدول بالتخصص الرأسي في مرحلة محددة من مراحل الانتاج المختلفة Veridical Specialization للمنتج ومن هنا يتم تصنيع المنتج النهائي في عدد من الدول كل منها يقوم بتصنيع جزء من المنتج النهائي أصبحت سلاسل القيمة العالمية السمة الغالبة للتجارة والاستثمار العالميين، فبالنظر إلي احصائيات التجارة الدولية نجد أن المدخلات الوسيطة تشكل أكثر من ثلثي السلع و70% من الخدمات المتداولة في جميع أنحاء العالم، وترى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن تنظيم الانتاج والتجارة والاستثمارات الدولية يتزايد في إطار ما يسمى بسلاسل القيمة العالمية، حيث توجد مختلف مراحل عمليات الانتاج في مختلف الدول وتحفز العولمة الشركات على إعادة هيكلة عملياتها على الصعيد العالمي من خلال الاستعانة بمصادر خارجية ونقل الأنشطة إلى الخارج.
هذا وتحاول الشركات تحسين عمليات الانتاج الخاصة بها عن طريق تحديد المراحل المختلفة والتخصص في تلك المراحل عن غيرها وقد شهدت الأعوام المنصرمة اتجاهًا قويًا نحو التشتت الدولي لأنشطة سلاسل القيمة مثل التصميم، الانتاج والتسويق وغيرها هذا ويُثير ظهور سلاسل القيمة العالمية الآراء حول كيفية النظر إلى العولمة الاقتصادية على وجه الخصوص للسياسات التي نطورها حولها، ويرى البنك الدولي أن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية سيؤدي إلى زيادة خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، بل وتستورد المهارات والتكنولوجيا التي ستعود عليها بالنفع في نهاية المطاف.
بدأت كافة الدول على الصعيد العالمي تسعى إلى الانضمام والتوجه إلى سلاسل القمية العالمية لعدد من الأسباب: منها انحسار الحواجز التجارية وخاصة بعد اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية، وانخفاض تكاليف النقل والمواصلات والاتصالات، وقد بدأ التطور السريع الذي شهده التوجه نحو سلاســل القيمــة العالميــة في تغيير الكيفيــة التــي يتولــد بهــا الدخــل والنمــو علــى مســتوى العــالم، كمــا كان لــه تأثيــر في نفــس الوقــت علــى طبيعــة المنافســة بين دول العالم. فالتنافــس بين دول العالم لم يعد على إنتــاج الســلع ولكن أصبح التتنافــس علــى العمــل، المهارات والخبرات، التكلفة (وروؤس الأمــوال التــي تدخــل إنتاجهــا) جذب رؤوس الأموال الاجنبية، وقد ساهمت التغيــرات التي حدثت في طبيعــة المنافســة في العالم في تغييــر صياغــة الدول لسياسـتها الاقتصادية، السياسة التجاريـة والسياسـات الأخـرى من أجل تحســين القــدرة التنافســية بها وتعظيم الاستفادة من سلاسل القيمة العالمية لدفع عجلة النمو والتنمية الاقتصادية بها.
سلاسل القيمة تحفز النمو
يخلص تقرير جديد لمجموعة البنك الدولي إلى أنه مع تراجع وتيرة التجارة والنمو، يمكن للبلدان النامية أن تحقق نتائج أفضل لمواطنيها، وذلك من خلال إصلاحات تعزز مشاركتها في سلاسل القيمة العالمية، وتساعدها على التحوّل من تصدير السلع الأولية إلى التصنيع مع ضمان توزيع الفوائد الاقتصادية على نطاق أوسع في المجتمع، يمثل “تقرير عن التنمية في العالم 2020: التجارة من أجل التنمية في عصر سلاسل القيمة العالمية” أول تقرير تصدره مجموعة البنك الدولي في هذه السلسلة ويركز على التجارة منذ أواخر الثمانينات، ويخلص التقرير إلى أن سلاسل القيمة العالمية أدت إلى تحوّل اقتصادي منذ ذلك الحين مما أتاح لأشد البلدان فقرا أن ترتقي سلم التنمية بوتيرة سريعة، وتمكِّن هذه السلاسل البلدان النامية من التخصص والإثراء دون حاجة إلى بناء صناعات كاملة من الصفر.
وفي هذا الصدد، قالت رئيسة الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي بينيلوبي كوجيانو جولدبرج “لقد لعبت سلاسل القيمة العالمية دورا مهما في النمو، وذلك عن طريق تمكين الشركات في البلدان النامية من تحقيق مكاسب كبيرة في الإنتاجية، ومساعدتها على التحوّل من تصدير السلع الأولية إلى التصنيع الأساسي، ففي عصر سلاسل القيمة العالمية، يمكن لجميع البلدان أن تستفيد الكثير من خلال تسريع وتيرة الإصلاحات التي تزيد التجارة وتعزز النمو.”
وأضافت قائلة ” ينبغي على البلدان تنمية التجارة، وتوفير بيئة مفتوحة يمكن التنبؤ بها تصب في مصلحة الجميع ولضمان وجود مساندة مجتمعية مستدامة للتجارة، يتعين على صانعي السياسات التأكد من أن فوائد سلاسل القيمة العالمية يتم توزيعها عبر نطاق واسع من الفئات -خاصة الفقراء والنساء- وتوفير حماية للبيئة” تشكل سلاسل القيمة العالمية حاليا ما يقرب من 50% من حجم التجارة العالمية لكن نموها استقر منذ الأزمة المالية عام 2008، حسبما خلص التقرير وأثارت التوترات التجارية حالة من عدم اليقين بشأن سبل النفاذ إلى الأسواق، مما دفع الشركات إلى النظر في تأجيل خطط الاستثمار وإضافة إلى ذلك، فإن المكاسب الناتجة عن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية لم يتم توزيعها بالتساوي فيما بين البلدان وداخلها وتتزايد التكلفة البيئية، خاصة مع ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن نقل البضائع الوسيطة عبر مسافات طويلة.
وعلى الرغم من تلك التحديات، يرى التقرير أن سلاسل القيمة العالمية يمكن أن تظل قوة للنمو المستدام إذا أجرت البلدان النامية إصلاحات أعمق في السياسات، وإذا اتبعت البلدان المتقدمة سياسات مفتوحة يمكن التنبؤ بها ويوضح التقرير كيف يمكن للبلدان أن تأخذ بزمام المبادرة لتحقيق نتائج أفضل، وذلك عن طريق الاختيار من بين مجموعة من الخيارات المصممة خصيصا لمرحلة التنمية التي تمر بها وتتضمن هذه الخيارات سياسات أكثر فاعلية لخفض انبعاثات الكربون (مثل تسعير تدهور البيئة) ومساعدة العمال الذين تم الاستغناء عنهم في العثور على وظائف جديدة.
على ماذا تعمل سلاسل القيمة العالمية؟
تعزيز الإنتاجية والنمو: تشير التقديرات إلى أن زيادة المشاركة بنسبة 1٪ ستزيد من نصيب الفرد من الدخل بأكثر من 1٪ أي ضعف حجم التجارة العادية ففي إثيوبيا، تزيد إنتاجية الشركات المشاركة في سلاسل القيمة العالمية عن ضعف إنتاجية الشركات المماثلة التي تشارك في التجارة العادية، الحد من الفقر: نظرا لأن مكاسب النمو الناتجة عن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية أكبر من مكاسب التجارة في المنتجات النهائية، فإن تأثيرها على خفض أعداد الفقراء أكبر أيضا فقد شهدت مناطق في المكسيك وفيتنام شاركت بشكل مكثف في سلاسل القيمة العالمية انخفاضا أكبر في أعداد الفقراء، وتوفير وظائف أفضل تجذب الشركات المشاركة في سلاسل القيمة العالمية الأفراد إلى أنشطة التصنيع والخدمات الأكثر إنتاجية، وهي توظف في العادة عددا أكبر من النساء، وتدعم التحول الهيكلي في البلدان النامية.
أهمية سلاسل القيمة العالمية
نصيب التجارة من إجمالي الناتج المحلي عالميا زاد بمقدار الضعف؛ متوسط الدخل زاد عالميا بنسبة 24%؛ معدل الفقر تقلص من 35% إلى 10%؛ دخل فئة الأربعين في المائة الدنيا من سكان العالم زاد بما يقرب من 50%.
وسط كل هذا، برزت سلاسل القيمة العالمية كنموذج مهيمن في ممارسة أنشطة الأعمال العالمية، رغم صدور العديد من تقارير سلاسل القيمة العالمية، فإن تقرير عن التنمية في العالم 2020 يشكل معلما بارزا من عدة نواحي، التقرير يتناول الموضوع من زاوية التنمية، بينما يركز الكثير من الأدبيات حتى الآن على البلدان المتقدمة والقليل من البلدان النامية الكبيرة.
التقرير يستعرض ويدافع عن الحاجة إلى أنماط جديدة من البيانات ويحلل العوامل المحددة لمشاركة سلاسل القيمة العالمية وآثارها على النمو الاقتصادي، وانعدام المساواة، والفقر، والتوظيف، والبيئة ويستشرف أيضا كيف يمكن أن تؤثر التقنيات الجديدة والسياسات التجارية المتغيرة على مستقبل التنمية من خلال سلاسل القيمة العالمية.
التصدي للقضايا الكبرى
أن تجارة سلاسل القيمة العالمية في الأعوام الثلاثين الماضية قد سرعت من وتيرة النمو الاقتصادي وقلصت معدلات الفقر بدرجة كبيرة وتمخض عن ذلك مفارقة غير مسبوقة: فقد نمت البلدان الفقيرة بوتيرة أسرع وبدأت في اللحاق بالبلدان الأكثر ثراء وارتفعت الإنتاجية وزاد الدخل في بلدان باتت جزءا لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية من بينها الصين وفيتنام وبنغلاديش. أشد انخفاض في الفقر حدث في هذه البلدان بالتحديد.
واحد من أكثر الأشياء التي وجدناها وأدهشتنا هو أن جميع الأدلة التجريبية على مستوى البلد والقطاع وحتى على مستوى الشركةتعزز صورة سلاسل القيمة العالمية التي تدعم الإنتاجية والدخل إلى حد كبير وعلى النقيض من “التجارة” المعتادة التي تمارس في الأسواق المغمورة، تنطوي سلاسل القيمة العالمية في العادة على العلاقة طويلة الأجل بين الشركات هذه الطبيعية ” التبادلية” لسلاسل القيمة العالمية تجعلها محركا قويا بشكل خاص للنمو، حيث تشكل قناة طبيعية لنقل التكنولوجيا فالشركات لها مصلحة مشتركة في التخصص في مهام بعينها، وتبادل التكنولوجيا والتعلم بعضها من بعض. يجري هذا بسهولة في معظم الأحوال في إطار علاقات طويلة الأجل بين الشركات.
لكن ليست كل النتائج التي خلصنا إليها إيجابية فثمة أدلة قوية على أن المكاسب التي تجنى من تجارة سلاسل القيمة العالمية تتوزع بتفاوت داخل البلدان وفيما بينها هذه الأدلة جعلتنا نفهم بشكل أفضل أسباب تضرر بعض العمال والشركات والمجتمعات نتيجة العولمة حيث برزت أيضا المخاطر البيئية وساعدتنا على إمعان التفكير في الاستراتيجيات التي تشجع مشاركة سلاسل القيمة العالمية والسياسات التي تضمن توزيعا عادلا للثمار على المجتمع كافة، واحتواء التكاليف البيئية المحتملة وسط مستقبل يعج بالتغيرات التكنولوجية السريعة والضبابية حول السياسات.
يخلص التقرير في مسودته إلى أن سلاسل القيمة العالمية يمكن أن تواصل دعمها للنمو، وأن تخلق فرص عمل أفضل وتقلص معدلات الفقر، بشرط أن تنفذ البلدان النامية إصلاحات أعمق، وأن تتبع البلدان الصناعية سياسات مفتوحة واشتمالية ومعروفة مسبقا. والأهم، أنه إذا فشلت البلدان في الاستثمار في رأس المال البشري، فقد ينتهي بها المطاف بالسقوط في مصيدة الدخل المتوسط ثم تتخلف عن المرحلة التالية من التنمية. وتشير الأدلة أيضا إلى أن التغيرات التكنولوجية ستكون على الأرجح نعمة أكثر منها نقمة على التجارة وسلاسل القيمة العالمية. فمزايا مشاركة سلاسل القيمة العالمية يمكن تقاسمها على نطاق واسع ومستدام إذا دعمت كل البلدان الحماية الاجتماعية.
رابط المصدر: