جيروم جان هيجيلي
. لكن الواقع الحالي يشي بغير ذلك، فالنمو الاقتصادي العالمي يتسم بالضعف، ولا تزال مخاطر تدهور الأوضاع هاجساً ماثلاً أمام الأعين. ويضاف إلى ذلك الخسائر التي يتكبدها كوكبنا من جراء تغير المناخ، وما يسببه من تقلبات في المستقبل. وعلى الرغم من تأثرنا جميعاً بهذه الظروف، فمن المعلوم أن البلدان النامية هي الأشد تأثراً بتباطؤ الاقتصاد الكلي وآثار تغير المناخ.
وتعود الاستثمارات في البنية التحتية المستدامة بالنفع على جميع الاقتصادات: فهي تسهم في زيادة القدرة الإنتاجية، وترفع معدلات النمو الاقتصادي، في حين تدعم قدرة البلدان على الصمود في وجه مخاطر تغير المناخ المستقبلية، بل ومكافحتها أيضاً. ووفقاً لتقرير شرايين الحياة الصادر عن البنك الدولي والصندوق العالمي للحد من الكوارث والتعافي من آثارها، فإن صافي المنفعة من تشييد المزيد من البُنى التحتية القادرة على الصمود في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تبلغ 4.2 تريليون دولار؛ بواقع 4 دولارات عن كل دولار واحد مُستثمر.
ولكن الحكومات تعاني من نقص القدرات المالية التي تمكنها من الوفاء بتلك الاحتياجات وحدها. ومن هنا، بات لزاما أن يلعب القطاع الخاص دوراً أكبر للمساعدة على سد هذه الفجوة. ومن شأن تحرير ما يقرب من 80 تريليون دولار من قاعدة أصول الاستثمار طويلة الأجل، والتي تتضمن أصولاً خاضعة لإدارة شركات التأمين، وصناديق المعاشات، وصناديق الثروة السيادية – على سبيل المثال – أن يسهم كثيراً في تمويل هذه المتطلبات.
دعوة للتحرك: ثلاث ركائز أساسية تجعل العالم أكثر قدرة على الصمود
أولاً، يتطلب منا الاستثمار في البنية التحتية المستدامة إنفاق قدر أكبر من الأموال وبطريقة أفضل. ومع ذلك لا يقيم العديد من البلدان البنى التحتية اللازمة للنهوض باقتصاداتها. وإذا ما أقامت تلك البنية، فهي غير مؤمنة بالقدر الكافي لحمايتها من الآثار المحتملة لتغير المناخ، مثل المخاطر المادية والانتقالية.
ثانياً،
وعلى الرغم من ذلك، تظهر أبحاث البنك الدولي أن حصة مؤسسات الاستثمار في إجمالي مشاركة القطاع الخاص عالمياً في تمويل البنية التحتية من الهزلان بحيث لا تتجاوز 0.67%. وثمة العديد من التحديات التي يتعين التغلب عليها للتشجيع على زيادة المشاركة؛ فمسألة زيادة التوحيد القياسي، على سبيل المثال، يمكنها أن تكون مفيدة. ولكن، يظل من بين التحديات الأكبر التي يواجهها المستثمرون قلة الفرص القابلة للتمويل من المصارف، وخاصة في مجال البنية التحتية المستدامة.وذاك هو المجال الذي يمكن للمنصات العالمية على غرار الصندوق العالمي للبنية التحتية أن تؤدي فيه دوراً حاسم الأهمية. فالصندوق يضم 50 شريكاً يمثلون صوت القطاع الخاص – يتبادلون المعرفة، ويقومون بجس نبض الأسواق، للمساعدة في إيجاد بيئة مواتية لمشروعات البنية التحتية المستدامة التي يمكن تمويلها من المصارف. وبصفة خاصة، تدعم مجموعة سويس ري والصندوق العالمي للبنية التحتية توحيد شروط المشروعات ومتطلبات الإفصاح، من أجل زيادة مشاركة المستثمرين.
وتتمثل الركيزة الثالثة في الاستعانة بالشراكات الذكية بين القطاعين العام والخاص، التي تخفف من الضغوط الواقعة على الموازنات الحكومية. وهذه الشراكات، إذا أقيمت بصورة جيدة، يمكنها أن ترفع مستوى الكفاءة، وتحقق عوائد جذابة، وتمكن من المشاركة في تحمل المخاطر بصورة فعالة. وهذه النقطة الأخيرة من الأهمية بمكان لمؤسسات الاستثمار، فمن بين 500 مدينة هي الأكبر على مستوى العالم، لم يحقق مرتبة ائتمانية من الدرجة الاستثمارية سوى أدنى من 20% منها. وفي هذا الصدد، فإن الاستعانة بنموذج مرجعي استرشادي يقوم على أفضل الممارسات لعمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص من حيث شروط العقود وصيغها ستكون ذات قيمة كبيرة بالنسبة لجميع الأطراف – ولا سيما في حالة مشاركة أحد بنوك التنمية متعددة الأطراف – وسينقلنا ذلك إلى فئة الأصول القابلة للتداول.
ضرورة أن تأتي الاستدامة في صميم قرارات الاستثمار في البنية التحتية
ونحن نؤمن في مجموعة سويسري أن الاستثمار المستدام له منطق اقتصادي مقبول، حيث بينت ورقتنا التي تحمل عنوان “الاستثمارات المسؤولة – الخطوات المقبلة في رحلتنا” أن المعايير المرجعية البيئية، والاجتماعية، والمتعلقة بالحوكمة أسفرت عن تحسن في ملامح العائدات المعدلة حسب المخاطر على الأجل الطويل. ولهذا السبب، نستثمر حالياً ما يقرب من 100% من مجموع ما لدينا، أي حوالي 130 مليار دولار، في أصول مستوفية للمعايير البيئية والاجتماعية والمتعلقة بالحوكمة.
كما
فعلى سبيل المثال، تراعي ثلثا محفظة الصندوق العالمي للبنية التحتية الحالية الاعتبارات المناخية، ونتوقع أن يزيد هذا الرقم مع زيادة تركيز القطاع الخاص على القيم البيئية والاجتماعية والخاصة بالحوكمة. وللدفع في هذا الاتجاه، سننشر ورقة مشتركة مع الصندوق حول البنية التحتية المستدامة تدعيماً للحوار بين القطاعين العام والخاص.ومع توجه الأنظار خلال الأسبوع الحالي صوب مدريد حيث يُعقد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ، فلا شك أن المخاطر التي يشكلها تغير المناخ هي مخاطر شاملة. ويجب علينا ألا نتردد في فعل الصواب منعاً لحدوث انهيار مناخي مفاجئ. ويجب على القطاعين العام والخاص أن يعملا معاً يداً بيد. والاستثمار في البنية التحتية المستدامة، ولا سيما في البلدان النامية التي تشتد فيها الحاجة، فرصة سانحة لتعزيز المرونة الاقتصادية والقدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، مع تعزيز الرخاء العالمي في الآن نفسه.
رابط المصدر: