قد لا يتخلف إثنان على أن الدافع الذي حرّك الانتفاضة التشرينية هو العفوية الناجمة من السخط الشعبي تجاه الفساد الذي شمل كافة المجالات السياسية والخدمية والأمنية والدبلوماسية وغيرها، ومن يشك بذلك فهو بعيد عن الواقع ، وما يؤكد ذلك حجم التأييد الشعبي للانتفاضة على الأقل من حيث المبدأ والأساس ، والجدير بنا أن نحافظ على مثل هذه الانتفاضة لأن فيها مخلص العراقيين مما يعانونه ولو بشكل جزئي ، وللحفاظ عليها وعلى زخمها نحتاج الى معرفة من شوّهها كي نتعامل معه بما يناسب ما قام به .
ويمكن تقسيم من شوّه الانتفاضة التشرينية الى قسمين رئيسيين هما :
– القسم الأول : الرافضون للانتفاضة ، وهذا أمر طبيعي لأنها ستسلب منهم الامتيازات وتسحب البساط من تحت أقدامهم وقد تؤدي بهم الى العقوبة .
– القسم الثاني : المؤيدون للانتفاضة ، قد يكون ذلك غريباً ولكن ستنجلي الغرابة بعد معرفة أصناف هؤلاء المؤيدين وهم :
1) العامل الخارجي :فكما نعلم قد تحرّكت عدة قوى خارجية لدعم للانتفاضة ليس حباً بالمنتفضين والشعب العراقي ولكن لتحقيق مآربها الخاصة التي على الأرجح لا تصب في مصلحة العراق وأهله ، وأبرز هؤلاء الولايات المتحدة ودول المنطقة المتحالفة معها ، فدخول هؤلاء على الخط شوّه الانتفاضة لأن صورة هؤلاء في أعين الكثير من العراقيين سلبية .
2) الإعلام : فكثير من وسائل الإعلام والفضائيات ذات التأريخ السيء والمنحرف بنظر كثير من العراقيين قد دعمت الانتفاضة وركّزت على أحداثها وأحياناً ضخّمت من بعض ما جرى فيها لتحقيق أجنداتها ولركوب موجة الانتفاضة وكسب متابعين إضافيين ، لذا فعندما يريد المواطن العراقي متابعة أحداث الانتفاضة فإنه يسيء الظن بها لأنه أخذها من فضائيات فاسدة ومنحرفة إعلامياً وفكرياً ومنهجياً ، وفي الوقت نفسه يرى بعض وسائل الإعلام التي من وجهة نظره محترمة لا تركّز على أخبار الانتفاضة وربما تنقل سلبيات عنها ، عند ذلك تكون الصورة المنقولة عن الانتفاضة مشوهة .
3) الداعمون للانتفاضة : فهؤلاء كأفراد ( سواء كانوا نخباً أم من عوام الناس ) يتعاملون بشكل غير موضوعي مع الانتفاضة ، إذ نراهم يدعمون الانتفاضة والمنتفضين بشكل مطلق من دون التمييز بين السلمي منها من غير السلمي ولا المندس من المخرب ، ومن دون التفريق بين إيجابيات الانتفاضة وسلبياتها ، فهم وبحسن نية يريدون إنجاح الانتفاضة ، ولكن ومن حيث لا يشعرون يشوهون الانتفاضة من خلال دعم السلبيات .
4) التيارات السياسية : فمشاركة التيارات السياسية في الانتفاضة ضيّع على المؤيدين لها الأمل بأن تكون الانتفاضة غير مسيسة ، وضاعت النوايا الحقيقية للمنتفضين بين النوايا المسيسة من قبل المشاركين في الانتفاضة .
5) المنتفضون : وذلك من خلال القيام بأفعال لا تليق بالانتفاضة كالوسائل غير السلمية وغير الحضرية في إيصال صوتهم كمكافحة الدوام وما شابه ، او من خلال تأييدهم لهذه الطرق الخاطئة او السكوت عنها بطريقة تُفهِم المقابل أنهم راضون عنها ، فكل من تضرر من هذه الوسائل تغيرت نظرته عن الانتفاضة وربما ساهم في تشويهها من حيث يعلم او لا يعلم وأصبح من القسم الأول بعد ان كان مؤيداً لها .
ولكون أغلب المنتفضين من الشباب ولا يمتلكون الخبرة الكافية في الحياة عموماً وفي السياسة خصوصاً فإن عليهم اللجوء الى النخب الواعية للاستئناس برأيهم والانتفاع من خبراتهم ، إلا أننا نجد بعض المنتفضين يرفضون النصح والإرشاد ممن هو أكبر منهم سناً أو أكثر منهم خبرة في الحياة والتعامل مع هذه الأحداث المعقدة ، بل وأصاب هذا القسم من المنتفضين الغرور بما حققوه فهم يرون أنفسهم قادة العراق وهم يضعون أسس العملية السياسية القادمة ! ورغم قلة هؤلاء إلا أنهم يشوهون الانتفاضة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وظهورهم على الإعلام وعن طريق معارفهم .
وعدم قبولهم بأن يكون هناك ممثل وقائد لهم جعل كل من هبّ ودبّ أن يتحدث بإسمهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، فيرشح المتدخلون من يشاؤون من مرشحين لرئاسة الوزراء ويرفضون من يشاؤون من دون أن نعرف أن هذا الترشيح والرفض يمثل المتظاهرين أم لا .
وإن تمكن العامل الخارجي والإعلام وبعض القوى السياسية من ركوب موجتهم والتحكم بها في الكثير من الأحيان يفقد المؤيدين للانتفاضة القناعة بأن المنتفضين قادرون على وضع لمسات مستقبل العراق ، لأن ما يمكن أن يتم تحقيقه من إنجازات قد تصب في مصلحة هذه القوى المتدخلة وليس في مصلحة .
وفي الختام … المسؤول الأول والأخير في إزالة هذا التشويه هم المنتفضون أنفسهم ، فعليهم أولاً أن يقبلوا بنصح الآخرين من النخب الوطنية الواعية المخلصة وأن يختاروا من بين هذه النخب قيادات لها خبرة في التعامل مع هذه الأحداث المعقدة ، كي يمنعوا التدخل الخارجي والإعلام المضلل والتيارات السياسية الراكبة للموجة .
رابط المصدر: