– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
يروى أن مكانة أعمال البر بما فيها الجهاد في سبيل الله قبال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي كنفثة في بحر لجي ، والنقثة هو ما يخرج من الريق عند النفخ ، فبعد هذا الوصف البديع لهذه الفريضة العظيمة نعرف قيمتها وقيمة الأقوام التي تتصف بها ، ومن خلال هذه الرواية نعرف أن كل أعمال البر لا قيمة لها – تقريباً – مقابل هذه الفريضة العظمى بما في ذلك الجهاد في سبيل الله !! ومن هنا نعرف قيمة تديننا فهو بمقدار أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر .
ولعظم هذه الفريضة نعرف عظمة الوسائل التي تساعدنا في إقامتها ، فمثلاً الوصول الى السلطة يمكن أن يكون وسيلة – ووسيلة مهمة جداً – لإقامة هذه الفريضة التي يصفها بالمعصوم بأسمى الفرائض ، لا كما يعتقد الكثيرون أن السلطة هي للغنائم والمكاسب الدنيوية فقط وأن من يبتعد عن السياسة والسلطة فهو إنسان زاهد ورع غير متعلق بالدنيا ، فقد يكون هذا الإنسان (الزاهد الورع) مصلحاً بتوليه منصب وتمكن من إدارته إدارة مثلى ، وقد يكون مبغوضاً عند الله إن ترك تولي السلطة وهو قادر على إدارتها ، ففي الحديث (إن الله ليبغض المؤمن الذي لا دين له ، وقيل ومن : المؤمن الذي لا دين له ؟! قال : الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ) وبالتالي عندما نصادف ذكر هذه الفريضة الأسمى نعرف قيمة الوصول الى السلطة لإقامتها ونعرف قيمة من يتصدى للسلطة لإقامتها ، أما من تصدى للسلطة ولم يقمها أو بحجة أنه يريد أن يقمها فهؤلاء بكل تأكيد مستثنون من القاعدة .
– القتل :
من المعروف لدى السواد الأعظم من المسلمين أن من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه النار خالداً فيها ، طيب ومن قتل الدين في قلب مؤمن ما جزاؤه ؟ ومن زرع دين الشيطان في قلوب المؤمنين ما عقابه ؟! إن المؤمن الذي يُقتل سيكون جزاؤه الجنة ، ولكن المؤمن الذي قُتِل إيمانه وأصبح فاسقاً مخالفاً لأمر الله جل وعلا ما مصيره ؟ إنه سيلقى الله وهو مذنب فيتلقى العذاب في البرزخ ويوم القيامة حتى يطهر من ذنوبه .
لذا فالتركيز على قتل المؤمنين ليس كافياً ونجد ذلك واضحاً وجلياً في التفجيرات التي طالت العراق بعد 2003 والاهتمام الإعلامي ببشاعة هذه الجرائم والتعاطف مع الضحايا ومحاولة وضع الحلول للقضاء على هذه الحوادث أو التقليل منها على أقل تقدير ، وهذا أمر مستحسن ومطلوب ولا غبار عليه ، ولكن الاكتفاء به من دون الالتفات الى القتل المعنوي من خلال بث السموم والأفكار الخبيثة التي تحرف الإنسان عن فطرته ودينه ، فالانفجارات التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء والالاف من الجرحى ما هو إلا نتيجة قتل معنوي لبعض الأشخاص الذين خدعوا بدين زائف لا أصل له ولا وجود فقاموا بهذه الأعمال الإجرامية ، ولو كان اهتمامنا بالقتل المعنوي أكبر لاستطعنا أن نقلل من القتل المادي ولحافظنا على أبناء هذا الشعب من هذا القتل ، أما الانشغال بالقتل المادي دون القتل المعنوي فسوف لن يوصلنا الى نتيجة وسنبقى نراوح في مكاننا .
– اليتيم :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنا وكفيل اليتيم كهاتين) ، هذا الحديث يبين عظم منزلة كافل اليتيم ، ولكن أي يتيم هذا ؟ هل هو الذي مات أبواه ؟ هذا أحد مصاديق اليتيم ، ولكن هل يوجد مصداق آخر لليتيم ؟ هناك مصداق ومعنى آخر لليتيم شرحته بعض الروايات وهو الذي انقطع عن إمام زمانه ، وقد يكون هذا الانقطاع بسبب جهل او انحراف او فساد عقائدي أو بسبب ظروف قاهرة كبعد المسافة أو بسبب غيبة الإمام كما في الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام ، وبالتالي فإن اليتيم الثاني أشد حاجة للكفالة من اليتيم الأول ، مع أهمية كفالة اليتيم الأول ، وهذا ما يدعمه المصطلح السابق (القتل) فالذي يُقتل دينه أشد خسارة من الذي يُقتل جسده ، كذلك من يُبعد عن إمامه أشد خسارة من ممن يفقد ويُبعَد عن أبويه .
لذا فإن الاهتمام بكفالة اليتيم الثاني أفضل عند الله من كفالة اليتيم الأول ، وعليه نعرف كما هي الغفلة التي أصيبت بها الأمة جرّاء جهلها بأهمية كفالة اليتيم الثاني والتركيز على اليتيم الأول رغم أهميتها ، ومن هنا نعرف كيف نفهم الآيات التي ذكرت اليتيم في القرآن .