د. نورة الحفيان
إن انتشار ظاهرة الجريمة الدولية أصبح يشكل تهديدا خطيرا على استقرار الحياة الدولية، لذلك سعى المجتمع الدولي لاجتناب وقوعها بشتى الطرق والوسائل، وذلك من خلال مؤسسات العدالة الجنائية التي تناولت في اختصاصها الموضوعي أنواع هذه الجرائم، كما حددت الهيئات والهياكل التي تختص بالقبض على مرتكبيها والتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة نتيجة تأثيرهم على الأمن والسلم الدوليين.
وتعد جرائم الحرب أخطر الجرائم الدولية وأبشعها على الإطلاق، بحيث أخذت النصيب الأكبر من اهتمام المجتمع الدولي منذ زمن بعيد، جراء ما شهدته الإنسانية من مآس خلال الحربين العالمیین الأولى والثانية وما خلفته هذه الحروب من دمار شامل راح ضحيته الملايين من المدنيين، في خرق وانتهاك خطير لقواعد القانون الدولي.
إذاً، فقد عرفت البشرية عبر مختلف مراحل تطورها حروبا ونزاعات دولية وداخلية ومن أحدثها الحالة الليبية التي شهدت مآس اهتز لها الضمير الإنساني نتيجة ارتكاب مجازر وحشية راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء من طرف جماعات مسلحة ومن أبرزها القوات التابعة لخليفة حفتر، التي ومنذ 2014 وإلى حدود الآن مارست شتى أنواع العنف في حق الليبيين وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي بشقيه: المتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، بحيث تستمر إلى غاية الآن وبمعية أطراف إقليمية أبرزها مصر والإمارات والسعودية ودولية أهمها فرنسا؛ فـي قتل مئات المدنيين وقصف العديد من الأماكن الآهلة بالسكان وتدمير مجموعة من المنشآت العامة والخاصة، وهذا مـا يؤكد وبشكل واضح مسؤولية هذه الأطراف عن تلك الجرائم.
لذلك، فقد بات من الضروري محاكمـة مرتكبيها باعتبار أن مسـاءلة مرتكبي جرائم الحرب جنائيـا يعد مبدأ راسخا في القانون الجنائي الدولي ويشكل قاعدة آمرة لا يمكـن مخالفتها، وهذا ما تم تكريسه من خلال نظـام المحكمـة الجنائية الدولية حتـى لا تطغى قاعدة الإفلات من العقاب وبالتالي عدم محاسبة مقترفي هذه الجرائم التـي توصف على أنها الأشد خطورة على السلم والأمن الدوليين.
وعلى هذا الأساس فإن الجرائم التي ارتكبـت في حق المدنيين الليبيين تصنف على أنها جرائم حرب وذلك بموجب المادة الثامنة من نظـام المحكمـة الجنائية الدولية والتي تستوجب محاكمـة كل مـن ارتكبها أو ساهم أو حرض على ارتكابها.
ولمزيد من التوضيح حول الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى المحاور التالية:
أولا: تعريف جرائم الحرب
تعتير جرائم الحرب من أقدم الجرائم الدولية وأشدها خطورة لما تخلفه من دمار شامل يطال الحياة بكل مكوناتها، وذلك على نطاق واسع من خلال استعمال أسلحة محظورة دوليا سواء في النزاعات والصراعات الدولية أو الداخلية.
ويعد ميثاق محكمة نورمبورغ الخاص بمحاكمة كبار مجرمي الحرب العالميـة الثانية من أوائل وأبرز الوثائق الدولية التي تناولت ماهية جرائم الحرب، بحيث عرف في المادة السادسة منه هذا الصنف من الجرائم على أنها: “تلك التي تشكل انتهاكا لقوانين الحرب وأعرافها من خلال قتل المدنيين وإساءة معاملتهم وإبعادهم قسريا وقتل الأسرى والرهائن والتنكيل بجثثهم، ونهب الأملاك والأموال العامة والخاصة، وتدمير المدن والقرى وهي كلها أفعال لا تبررها الضرورة العسكرية”.
وفي نفس السياق، ذهب ميثاق محكمة طوكيو الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب في الشرق الأقصى في المادة الخامسة منه إلى تعريف جريمة الحرب على أنها: “جرائم وأفعال جسيمة ترتكب أثناء الحرب وتنتهك من خلالها الاتفاقيات والقوانين والأعراف الخاصة بالحرب.
أما نظامي محكمتي يوغوسلافيا وروندا، فقد وسع كل منهما نطاق جرائم الحرب، بحيث نص الميثاق المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، على أن المحكمة تختص في ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربعة سنة 1949، والانتهاكات الخطيرة الأخرى لقوانين الحرب وأعرافها سواء في النزاع الدولي أو الداخلي.
بينما عرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، في مادته الرابعة جرائم الحرب على أنها تلك الانتهاكات التي تمس الحياة وسلامة الأشخاص الجسدية أو الفكرية، وذلك عن طريق القتل العمدي أو من خلال التعذيب والمعاملات الوحشية الماسة بالكرامة بالإنسانية.
أما تعريف نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، فقد جاء أكثر دقة وشمولية وتفصيل في تناوله لجرائم الحرب، بحيث اعتبر ها في المادة الخامسة منه على أنها تلك الجرائم التي تصنف ضمن الجرائم الدولية، أما المادة الثامنة والتي حملت عنوان جرائم الحرب فقامت بتعداد هذه الجرائم على سبيل المثال لا الحصر. وهي:
- الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، أي تلك المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية. ومن أبرزها القتل العمد، والتعذيب والمعاملات اللاإنسانية من خلال تعمد إلحاق الأذى الشديد على المستوى الجسدي والنفسي، وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها، والاعتداء على الأسرى وانتهاك حقوقهم وكذا الإبعاد والتشريد القسري.
- الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف الواجبة التطبيق في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية والمتمثلة أساسا في تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين والذين ليس لهم علاقة بالعمليات الحربية، وتدمير الأعيان المدنية، واستهداف المنشآت العامة في مختلف الميادين: سواء الدينية، التعليمية، الصحية وغيرها… وذلك من خلال استعمال أسلحة وغازات محظورة دوليا…
- الانتهاكات الجسيمة للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 أي تلك المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية. وتشمل استخدام العنف ضد الحياة الإنسانية وبالأخص القتل وكل ضروب التعذيب والمعاملات اللاإنسانية التي تشكل اعتداءً وإهانة لكرامة الأشخاص. بالإضافة إلى تنفيذ سلسلة إعدامات خارج إطار القانون.
ثانيا: طبيعة جرائم الحرب المرتكبة من طرف قوات حفتر في ليبيا
تعددت أصناف جرائم الحرب التـي ترتكبها قوات خليفة حفتر في مناطق متفرقة وعلى نطاق واسع في الأراضي الليبية من الشرق إلى الغرب منذ 2014. وتعـد أعمال القتل غيـر المشروعة والتي ترتكب بشكل عمدي والتي تشمل الاعتداء على المدنيين الآمنين. من أبرز سمات الحرب التي يشنها خليفة حفتر وقواته. بحيث تمارس هذه القوات كل تلك الأفعال الإجرامية بمساعدة لوجستية وتمويلية من أطراف إقليمية أبرزها مصر والإمارات والسعودية ودولية من أهمها فرنسا، وتمثلت هذه الأعمال الوحشية في التالي:
- أعمال القتل غير المشروع والتي ارتكبت بشكل عمدي، وذلك في إطار مواصلة الهجوم واسع النطاق على السكان المدنيين.
- استهداف المناطق المدنية بالقصف العشـوائي خصوصا المناطق الرافضة لتواجد قوات حفتر على أراضيها ومن أبرزها مدن طرابلس الزنتان. ومصراته والزاوية.
- إنشاء سجون سرية لقتل وتعذيب الأسرى والمعتقلين فـيها تعسفيا وممارسة الإعدامات خارج نطاق القانون، والإقدام على اختطاف المدنيين وإخفاءهم قسريا.
- تجاوز حجم هذه الجرائم الهجوم على المدنيين لتصل إلى حد استهداف ومهاجمة الطواقم الطبية وقصف سيارات الإسعاف والتي يكون دورها مساعدة وإنقاذ أرواح الليبيين الذين تعرضت مساكنهم للقصف العشوائي.
- سطو ونهب الممتلكات والأموال العامة والخاصة.
- الاتجار في البشر وذلك من خلال تورط قوات حفتر في مسألة تهريب المهاجرين غير الشرعيين.
ومن كل ذلك، فمنذ انطلاق العملية العسكرية الأخيرة في أبريل 2019 وقوات حفتر ترتكب جرائم حرب لا حصر لها وعلى نطاق واسع بغية الدخول إلى طرابلس وإسقاط حكومة السراج المعترف بها دوليا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تظهر أبرز تلك الأحداث وأشدها والتي ارتكبت فيها هذه الجرائم من طرف قوات حفتر والجهات الداعمة لها في التالي:
- – 3 يوليو 2019: قصف جوي لطائرات مسيرة تابعة لقوات خليفة حفتر استهدفت مركزا لإيواء المهاجرين غير النظاميين بتاجوراء شرق طرابلس، ارتكبت على إثره مجزرة بشعة في حق هؤلاء المهاجرين، بحيث راح ضحية هذا القصف أكثر من 60 قتيلا و77 جريحا. وفي إطار ردود الفعل على هذه الجريمة، أكدت الأمم المتحدة على أن هذه الجريمة تصنف ضمن خانة جرائم الحرب، وتستدعي محاسبة المسؤولين عنها.
- 28 يوليو 2019: قصف جوي لطائرة مسيرة تابعة لقوات خليفة حفتر تحت قيادة إماراتية، استهدفت مستشفى ميداني جنوب غربي طرابلس، لقي على إثره 5 أطباء حتفهم وأصيب أكثر من 8 أشخاص بجروح متفاوتة، وقد جاء هذا الهجوم كسلسلة متلاحقة ومتكررة لاستهدافات سابقة للعاملين في مجال الرعاية الصحية من طواقم طبية وإسعافية. وعلى إثر تكرار استهداف هذه الفئة المحمية بموجب المواثيق الدولية الخاصة بالقانون الدولي الإنساني، استنكرت منظمة الصحة العالمية هذه الهجمات على الفئات السالفة الذكر داعية إلى تجنب استهدافهم لأنهم يؤدون مهاما إنسانية تتجلى في تقديم المساعدة والرعاية الطبية لضحايا النزاع. وفي نفس السياق أدانت الأمم المتحدة الهجوم وجاء ذلك على لسان مبعوثها الأممي إلى ليبيا غسان سلامة الذي اعتبر أن الهجمات المتعمدة والمستمرة للعاملين في مجال الرعاية الصحية والمنشآت الطبية تصنف على أنها جريمة حرب، مكررا نداءاته السابقة بضرورة تقديم المسؤولين ومرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة الدولية.
- – 4 أغسطس 2019: غارات جوية بطائرة مسيرة نفذها السلاح الجوي التابع لخليفة حفتر بإيعاز إماراتي، على إحدى الأحياء السكنية في مدينة مرزق، أسفرت عن سقوط 41 قتيلا وأكثر من 60 جريحا، وجاءت هذه الغارات على المدينة كرد فعل انتقامي من حفتر وذلك في ظل رفض أهالي المدينة تواجد أي من أفراد قواته أو التابعين له، معتبرين أنه له دور كبير في إثارة الفتنة بين الليبيين والتي أدت إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. وفي خضم ردود الأفعال على هذه الغارات، فقد استنكرت البعثة الأممية إلى ليبيا الهجوم، واعتبرته انتهاكا صارخا للقانون الدولي، داعية التحقيق في هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها باعتبارها جريمة حرب متكاملة الأركان. وعلى خلفية هذه الجريمة أعلن الاتحاد الأوروبي على ضرورة وقف العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين مؤكدا في الوقت ذاته على ضرورة تقديم مرتكبي جرائم الحرب وخارقي القانون الدولي إلى العدالة لمحاسبتهم على المجازر التي ارتكبوها في حق المدنيين.
- – 17 سبتمبر 2019: سلسلة من جرائم القتل الجماعي ارتكبتها قوات حفتر في حق سكان مدينة هرتونة والتي تضاربت الأنباء حول العدد الحقيقي لضحايا تلك الهجمات، فيما أكد المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق على أن عدد الضحايا تجاوز 50 قتيلا. وعلى إثر هذه الجريمة البشعة التي تدخل أيضا في نطاق جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية بجانب جرائم الحرب، دعا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق البعثة الأممية إلى ضرورة فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في حق أهالي ترهونة، كما حث في الوقت ذاته مجلس الأمن إلى اتخاذ تدابير إضافية وصارمة لردع حفتر وقواته على ارتكاب مزيد من الجرائم البشعة في حق المدنيين الليبيين.
- – 18 نوفمبر 2019: هذا التاريخ شهد جريمة مروعة في حق عاملين أجانب، فقد استهدف خلاله سلاح الجو التابع لقوات خليفة حفتر مصنعا جنوب شرق طرابلس أسفر عن مقتل أكثر من 10 أشخاص وإصابة 35 آخرين من جنسيات مختلفة.
- – 1 و2 ديسمبر 2019: خليفة حفتر وحلفاؤه يرتكبون مجزرة مروعة في حق أطفال ونساء مدينتي طرابلس ومرزق، إثر سلسلة غارات متتالية للطيران الإماراتي الداعم لخليفة حفتر، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل 14 طفلا وسيدتين، كما استهدف القصف منازل وسيارات لمدنيين. وعلى إثر ذلك وفي إطار ردود أفعالها المعهودة أدانت الأمم المتحدة استهداف المدنيين وسقوط ضحايا غالبيتهم من الأطفال والنساء، وقد وصف منسقها للشؤون الإنسانية في ليبيا هذه الهجمات بالمروعة والشنيعة وأنها تشكل انتهاكا واضحا للقانون الدولي بشقيه سواء المتعلق بالقانون الدولي الإنساني أو الخاص بالقانون الدولي لحقوق الإنسان وبالأخص الاتفاقيات المتعلقة بحماية حقوق الأطفال والنساء.
- – 4 يناير 2019: مجزرة مروعة استهدفت طلبة الكلية العسكرية بطرابلس على إثر هجوم صاروخي بطائرة مسيرة إماراتية داعمة لخليفة حفتر، وراح ضحيتها 30 قتيلا وأكثر من 33 جريحا، تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 25 سنة. وعلى إثر هذه الجريمة توالت ردود الأفعال الدولية المنددة بها، وعلى رأسها البعثة الأممية إلى ليبيا التي أكدت على أن هذه العملية ستزيد من خطورة الوضع الميداني وستعصف بفرص العودة إلى التسوية السياسية، كما وصفت في الوقت ذاته أن هذه العمليات والهجمات ترقى إلى مصاف جرائم الحرب مشددة على ضرورة عدم إفلات الجناة من العقاب، ومن جانب فقد عبر غسان سلامة على إثر هذا الهجوم عن استيائه مساعدة دولة إقليمية لم يسمها لقوات حفتر متهما إياها بتدبير وتنفيذ الهجوم على الكلية العسكرية.
كما أدانت بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا هذا الهجوم، مؤكدة أنه سوف يوسع من دائرة العنف والمعاناة الإنسانية في البلاد.
وعلى نفس المنوال نددت أطراف دولية بالهجوم وعلى رأسها الولايات المتحدة والتي حملت في تصريح لها مسؤولية الهجمات العشوائية ومن ضمنها الهجمة التي استهدفت الكلية الحربية لقوات خليفة حفتر، وقد شكل هذا التصريح تحولا في الموقف الأمريكي تجاه خليفة حفتر الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
ثالثا: المحكمة الجنائية الدولية وإمكانية متابعة حفتر لارتكابه جرائم حرب في ليبيا
ظاهريا تعتبر المحكمة الجنائية الدولية الجهة الأكثر فاعلية في مساءلة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة والجسيمة في ليبيا وعلى رأسهم حفتر والقوات التابعة أو الداعمة له، فالمحكمة كمـا ذكرنا سالفا، لها صلاحية النظر في جرائم الحرب ولكي تمارس اختصاصها في حالة ليبيا، يتعين أن تحـال الجريمة مـن جانب دولة طرف أو أن يتصـرف مجلس الأمن بموجب الفصل السابع مـن ميثاق الأمم المتحدة، فيحيـل جرائم حفتر وقواته إلى المدعية العـامة للمحكمة، ويطلب منها فتح تحقيق بموجب المادة 13 من النظام الأساسي.
وبالفعل فقد استخدم مجلس الأمن هذه الصلاحية الممنوحة له في فبراير 2011 بحيث أصدر قرارا رقم 1970، طالب فيـه المدعي العام السابق للمحكمة بفتح تحقيق خاص حول الأوضاع في ليبيا بما أنها أصبحت تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
وطبقا لهذا القرار، فقد تم إصدار مذكرة توقيف في حق معمر القذافي بتاريخ 27 يونيو 2011 والتي سقطت على إثر مصرعه في 20 أكتوبر 2011، ونجله سيف الإسلام ورئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي، وذلك على خلفية دورهم في ارتكاب جرائم مروعة في حق المدنيين وفي أماكن متفرقة في ليبيا.
وتنفيذا لحيثيات القرار رقم 1970، وفي إطار مواصلتها لتحقيقاتها في الشأن الليبي خصوصا مع تصاعد الأوضاع الإنسانية منذ إعلان خليفة حفتر انطلاق عملياته العسكرية سنة 2014، وعلى إثر الجرائم المتكررة التي ارتكبها أعضاء من قواته، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة التوقيف الأولى بحق أحد الأذرع الرئيسة لخليفة حفتر وهو محمود الورفلي في أغسطس 2017 نتيجة مسؤوليته الجنائية عن ارتكاب جرائم حرب في العامي 2016-2017 في مدينة بنغازي وضواحيها، وتمثلت تلك الجرائم والتي تم توثيق أدلتها من خلال مجموعة من التحقيقات الدولية في سلسلة إعدامات جماعية خارج إطار القانون. بالإضافة إلى إصدار مذكرة توقيف ثانية بحقه في يوليو 2018 بعد ضلوعه وتورطه في ارتكاب أعمال تدخل في خانة جرائم حرب أبرزها إطلاق نار على 10 أشخاص أمام مسجد في مدينة بنغازي، وقد أكدت بعض التقارير الأخرى على أن تنفيذ هذه الإعدامات وأعمال القتل المتعمدة وغير المشروعة جاءت بناء على أوامر تلقاها مباشرة من خليفة حفتر.
وفي ظل تصاعد الوضع الميداني في ليبيا وعدم امتثال خليفة حفتر للأوامر الدولية من خلال رفضه تسليم الورفلي للمحكمة الجنائية الدولية، نبهت المدعية العامة للمحكمة بن سودا حفتر إلى ضرورة تسليم مساعده الذي أصدرت مذكرتي توقيف بحقه والمطلوب لدى المحكمة.
ومن جانب آخر، فقد حذرت المدعية العامة خليفة حفتر بأنها تراقب تداعيات هجومه على طرابلس ومجموعة من المدن الليبية الأخرى، منذ بدأ عملياته العسكرية في أبريل 2019، وأن عملها متواصل وأن التحقيقات بشأن جرائم الحرب التي تحصل في البلاد لا زالت مستمرة، مؤكدة على أن هذه التحقيقات لن تستثني أحدا وستشمل كل شخص ثبت بالأدلة تورطه في ارتكاب جرائم بموجب نظام روما الأساسي.
ومن كل ذلك، فإنه لا جدال فـي حقيقة الاستخدام المفرط للقوة من طرف قوات خليفة حفتر، وارتكابها للأفعال والجرائم السالفة ذكرا. منذ إعلان خليفة حفتر الهجوم على طرابلس ومدن أخرى من أجل إحكام السيطرة عليها، بحيث واصل منذ ذلك الحين وإلى حد الآن ارتكاب مجازر ترقى إلى مصاف جرائم حرب متمثلـة في القتـل العمدي والهجمات غيــر المشروعة ضد المدنيين والفئات والأعيان المحميـة خصوصا الطبية منها، بالإضافة إلى أخذ الرهائن وتعذيبهم وقتلهم، والتشريد التعسفي والقسري للعائلات الليبية.
وفي ضـوء هذا التمادي لحفتر وقواته في استخدام القوة المفرطـة تجاه المدنيين، والتي أكدتها التقارير والتحقيقات الدولية والوقائع المتلاحقة على أرض الواقع، والتي وضحت بشكل جلي ارتكابه لجميع أصناف جرائم الحرب المنصوص عليها في المادة الثامنة من نظام روما المذكورة سابقا. فإنه على مجلس الأمن الاضطلاع بدوره وإحالة الوضع في ليبيا منذ بدء العملية العسكرية لخليفة حفتر في أبريل 2019 إلى المحكمة الجنائية الدولية على وجـه السرعة، نتيجة ارتكابه والقوات التابعة والداعمة له لجرائم بشعة على طول هذه المدة والتي لم يستثني فيها أي فئة محمية بموجب القانون الدولي.
لكن مقابل ذلك، فيواجه عمل المحكمة الجنائية مجموعة من العقبات أهمها:
- استمرارية الحرب وبالتالي تدهور الوضع الأمني الميداني، الأمر الذي يزيد من صعوبة عمل لجان تقصي الحقائق من أجل توثيق الجرائم والمجازر التي ترتكب في حق الليبيين من قبل قوات حفتر وبالتالي الوصول إلى مرتكبيها.
- تقاعس المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن من خلال أعضائه الدائمين في ردع خليفة حفتر وقواته على خلفية ضلوعهم في ارتكاب أفعال تصنف على أنها جرائم حرب في ليبيا، وذلك راجع إلى التناقض في المواقف الدولية والإقليمية نتيجة تضارب مصالح تلك الأطراف الاقتصادية والاستراتيجية في ليبيا.
رابط المصدر: