محمد عبد الجبار الشبوط
انا، وبوضوح مطلق، اتبنى وادعو الى الثورة الناعمة لتحقيق الاهداف المجتمعية، ثورة: لأنها حراك اجتماعي يستهدف التغيير والاستبدال، انطلاق من الرفض للواقع البائس وعدم الرضا بالحرمان. وناعمة: لأنها لا تسلك طريق العنف والتخريب وحرق الممتلكات والاطارات وقطع الطرقات وسفك الدماء واستخدام السلاح الحي. والاهداف المجتمعية: الاصلاح الشامل المؤدي تدريجيا الى جعل العراق دولة حضارية حديثة، تقوم على المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وهذا يتضمن، من بين امور اخرى، محاربة الفساد والمفسدين، والغاء نظام المحاصصة. مادة الثورة وعمادها وقيادتها: الشباب، وبخاصة طلبة الجامعات ومن بلغ السن القانوني من طلبة المدارس الاعدادية.
وادواتها: الاعلام، والتظاهر القانوني النظامي، والانتخابات. وطبيعتها: سلمية مدنية قانونية دستورية. تجمعت كل هذه الافكار والتصورات في ذهني وانا اتأمل صور المسيرة الحضارية السلمية لطلبة جامعات النجف الاشرف يوم الاحد الماضي. وكانت تظاهرات طلابية مشابهة قد خرجت في بغداد ومدن اخرى.
واكدت لي هذه التظاهرات الحضارية، التي ذكرتني بمواكب الطلبة في الستينات، القوة الهائلة الكامنة في الشريحة الطلابية الشبابية في المجتمع خاصة وان هناك اكثر من نصف مليون شاب وشابة يتوزعون على حوالي ٨٥ جامعة حكومية واهلية، في بلد تبلغ فيه نسبة الشباب اكثر من ٦٠٪ من مجموع السكان.
ان القوة الطلابية-الشبابية قادرة على خلق الحركة التاريخية للمجتمع العراقي باتجاه الدولة الحضارية الحديثة اذا احسنت التصرف، واذا حسنت قيادتها، نصف مليون طالب جامعي يستطيع كل فرد منهم ان يكسب الى خط الثورة الناعمة للاصلاح والتغيير من ٥ الى ١٠ اشخاص اخرين، فينتج من ذلك عدد غفير من الاشخاص القادرين على احداث التغيير السلمي، او الثورة الناعمة، في الانتخابات المبكرة الموعودة، بشرط توفر العناصر التالية: اولا، العقل المفكر للثورة الناعمة ثانيا، القيادات الميدانية، ثالثا، التنظيم الانتخابي القادر على استقطاب اغلبية اصوات الناخبين للفوز بالاغلبية المطلقة في البرلمان الجديد رابعا، التخطيط العلمي الدقيق للمعركة الانتخابية. خامسا، التفكير المنهجي لخطوات الاصلاح على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد. سادسا، الصورة المستقبلية الذهنية للدولة الحضارية الحديثة.
مضت حوالي اربعة اشهر على اندلاع التظاهرات الاحتجاجية، وقد تحققت اهداف معينة ولم تتحقق غيرها، وبرزت ظواهر ايجابية فضلا عن ظواهر سلبية، ولكن الطريق مازال طويلا، لان بعض المستلزمات مازالت غير متوفرة.
لكن ما هو موجود باليد يسمح باستمرار الامل بالنجاح. فالتظاهرات مازالت موجودة. والوعي السياسي يتعمق وينتشر. واضطر مجلس النواب الى تشريع قانون الانتخاب الفردي. وهذه كلها مفردات لصالح الثورة الناعمة.
وبالامكان الانطلاق مما تحقق حتى الان لتوفير الشروط الاخرى غير المتوفرة، وخاصة تلك المتعلقة بالانتخابات، وبدل الانشغال بامور ليست على صلة مباشرة باهداف الحراك الاجتماعي، مثل قضية تشكيل الحكومة وتعطيل الدوام في الجامعات، يمكن الاشتغال بكثافة عالية على نشر الوعي السياسي الانتخابي بين الناس، وخاصة شريحة الناخبين، من اجل ضمان ممارسة انتخابية واعية من قبل هؤلاء.
ويرافق ذلك التركيز على الأقضية- الدوائر الصغيرة ذات النائب الواحد او النائبين او الثلاثة نواب، من اجل تأمين فوز مرشحين اصلاحيين شباب فيها، املا في تحقيق الاغلبية النيابية المطلقة للحراك الشعبي الاصلاحي. في هذه الاثناء يجب الانتباه الى مسألة في غاية الاهمية، وهي ان الحراك الاصلاحي لن يكون شعبيا دون اشراك فئات المجتمع كافةً، ليس سرا ان هناك من يقول ان الحراك الحالي ظاهرة شيعية فقط وليس ظاهرة شعبية عامة، وهنا يكمن مقتل المشروع الاصلاحي الحضاري. فلا يصح ان تبقى الحركة الاصلاحية محصورة في طائفة محددة او محافظات معينة.
رابط المصدر: