حرام على المسؤول حلال على الموظف بقلم مسؤول

أريد اليوم أن أقف وقفة منصفة مع المسؤول انطلاقاً من الدعاء ( وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة ) ، فكما أن المسؤولين يجب أن يتمتعوا ( بالعدل والشفقة ) كما في الدعاء فلا بد أن تكون الرعية منصفة ، فكثير ما نسمع أن المسؤول الفلاني يتقاضى راتباً كبيراً ، ونسمع أيضاً أن مسؤولاً آخراً ذهب الى الدولة الفلانية بإيفاد من الدولة وعلى حسابها ، أو نرى مسؤولاً يمتلك فيلا ضخمة أو يشتري لأولاده ألعاباً وملابس بأثمان عالية ، أو أنه يركب سيارة حديثة فارهة أو أو أو ….
كل هذا صحيح وهو مستهجن وغير مقبول خصوصاً من أولئك الذين يدعون أنهم إسلاميون سائرين على نهج المصطفى والمرتضى صلوات ربي عليهما وآلهما الكرام ، ولكن نريد أن نقف على سبب هذا الاستهجان والرفض لهذه التصرفات ، فهل هي مستنكرة لأن المسؤول فعلها أم لأنها أعمال لا تناسب ولا تليق بمسؤول يدّعي أنه من هذا الشعب المسكين ويفترض أنه يستخدم وجوده في الدولة لخدمة المواطن المحروم بالشكل الذي يكون مناسباً ؟ بالتأكيد الجواب ليس الأول وإنما الثاني ، فهذه الأعمال يجب أن لا تصدر من شخص يدّعي انه وطني أو متدين أو أنه متألم على ما يمر به شعبه وأبناء بلده وجلدته من قتل وتهجير وبطالة ومرض وجهل ووووووووووو .
فإذا كان الجواب الثاني هو الصحيح فهذا يعني أن كل من تصدر منه هذه التصرفات يجب أن يُستَنكر عمله ويرفض ، إلا أن لا يدّعي أنه وطني ومتدين ومشفق على أبناء شعبه ، وهذا يجرنا الى استنكار وشجب ورفض كل موظف حكومي يتقاضى راتباً عالياً نسبياً ويسافر الى دول العالم بحجة الإيفادات ويعيش في منازل فارهة مزودة بكل وسائل الراحة ، أو يصعد سيارة حديثة كاملة المواصفات أو أن يصرف على مأكله وملبسه وعلى صرفيات أولاده وعائلته الملايين من الدنانير ووووووووووو .
فالكل يعلم أن هناك موظفين في دوائر الدولة يتصفون بكثير من هذه الصفات المذمومة التي ذكرناها آنفاً ويتصف بها بعض المسؤولين الكبار ، خصوصاً الموظفون ممن يكون في منصب إداري مهم أو يحمل شهادة وسنوات خدمة طوال وبالأخص الدوائر التي تتمتع بدعم خاص من الدولة مثل وزارة النفط والكهرباء وغيرهما فهؤلاء يتمتعون بامتيازات كبيرة ، حيث تتراوح رواتبهم بين 2000$ و 4000$ ، وبناء على ذلك تجدهم يسكنون البيوت الضخمة وفي بعض الأحيان يمتلك بيتاً خاصاً ويسكن في بيت الدولة وأحياناً أخرى تراه يسكن هو أولاده – الذين توسط لتعيينهم – كل في بيت من بيوت الدولة ، كما أن هؤلاء الموظفين تراه يستقل سيارات الدولة ويستخدمها لحوائجه وحوائج عائلته الخاصة ، أما سيارته الخاصة الحديثة كاملة المواصفات فمركونة أو ربما متروكة ليلعب بها أطفاله المراهقون .
ويتمتع هؤلاء الموظفون سنوياً تقريباً بإجازات سياحية لترفيه عائلاتهم خارج البلاد ، ويشترون أرقى الثياب بحيث تجد ملابسهم التي يلبسها لا تقل عن 200$ ويعترف هو نفسه بذلك ، أما أطفاله وزوجته فيشتري لهم الملابس الفاخرة (الماركة) والذهب والحلي وغيرها ، وعندما تذهب الى المولات الكبيرة تجد الكثيرين من هؤلاء الموظفين يحملون عشرات الكيلوغرامات من السلع والحاجيات التي لا تقل قيمتها عن 100$ .
فأقول إن كان هذا من حق هؤلاء الموظفين فلماذا ليس من حق المسؤولين ؟! فإن كان الاعتراض على البذخ ورفاهية المعيشة واستغلال السلطة والدولة لأغراض شخصية ، فهؤلاء يقومون بنفس ما يقوم به أولئك المسؤولون الفاسدون ، إلا أن الفرق يتناسب مع حجم المسؤول ، فإذا كان الموظف الذي راتبه على يزيد على 4000$ يلبس ملابس تصل الى 200$ فمن الطبيعي أن يلبس المسؤول الذي راتبه 10,000$ ملابساً بقيمة 500$ ، وإذا كان الموظف العادي يركب سيارة حديثة بقيمة 20 ألف دولار فمن الطبيعي أن يركب المسؤول سيارة قيمتها 50 ألف دولار ، وإذا كان الموظف يسافر للتنزه في دول سياحية مع عائلته فمن حق المسؤول كذلك ، وإذا كان بيت الموظف بقيمة مليون دولار فمن البديهي أن نجد بيت مسؤول معين بقيمة 10 مليون دولار .
ما كان حراماً على المسؤول يجب أن يكون حراماً على غيره ، وما كان حلالاً على الموظف فيجب أن يكون حلالاً على المسؤول ، لأن في الحقيقة الكل مسؤول ، وكما أن هذا الموظف ينظر الى معيشة المسؤول مترفة فكذلك هناك من ينظر من الفقراء الى معيشة أولئك الموظفين نظر الرفض والاستهجان ، وكما يرى الموظف أن ما يتمتع به من امتيازات جاءت بالحلال لأن الدولة خصصت له ذلك الراتب وتلك الامتيازات فكذلك المسؤول يرى أن الدولة التي أعطت الامتيازات لأولئك الموظفين قد أعطته أمتيازات أخرى .
إن أساس الانتقاد أصبح ضبابياً ، بحيث كل شخص يرى من حقه أن يعيش أحسن المعيشة وأما غيره فلا ، والكل نسى الفقير ونسى معاناة شعبه ونسى المسؤولية الملقاة على عاتقه ، فلو أن كل موظف – كبير كان أم صغير – قلل من صرفياته الشخصية وزهد في حياته وسعى بالباقي لإسعاد البؤساء الذين يعيشون البؤس بسببه لما وجدنا بائيساً على أرض العراق .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M