تعوّد المجتمع العراقي وخصوصاً النساء منهم أن يرتدين الملابس السوداء طيلة شهري محرم وصفر إعلاناً ببدء موسم الحزن السنوي على سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين عليه السلام ، وبحسب مشاهداتي فإن هذه السنة (1437هـ) سجّلت ظاهرة غير مسبوقة – بحسب إطلاعي – وهي استبدال الملابس السوداء بأخرى ملونة وفي كثير من الأحيان زاهية وذلك بعد انقضاء النصف الأول من محرم .
إن ارتداء الملابس الملونة وحتى ذات الألوان الزاهية في شهري محرم وصفر أمر غير محرّم إلا أن يشتمل على تفاصيل غير شرعية مثل أن تكون الملابس ضيقة أو جذابة أو تكشف مفاتن النساء أو تندرج ضمن ما يعرف فقهياً بملابس الشهرة ، ولكن مثل هذه الظاهرة تحتاج الى دراسة وتحليل لأنها بأي حال من الأحوال انتقال من مستوى أعلى الى مستوى أنى ، فحتى النساء اللاتي يلبسن ملابس سوداء غير شرعية فهي بالتأكيد أفضل من أن تلبس ملابس زاهية وغير شرعية ، إلا أن تستبدل المرأة الملابس السوداء الغير شرعية بملابس ملونة شرعية وهذا من الناحية الشرعية لا إشكال فيه ، وبرأيي الشخصي لهذه الظاهرة بعدان:
1) البعد الإيجابي :
وهو أن نعرف حقيقة من تريد أن تواسي أهل البيت عليهم السلام من خلال الملبس عن غيرها ، وكذلك لنعرف الأخوات اللاتي لم يلبسن الملابس السوداء خوفاً من العرف أو منعاً للوقوع في إحراج من المجتمع ، وأن ما تقوم به هذه المرأة عن قناعة تامة وليس تصنعاً أمام الناس ، وهذه الخطوة تربي الناس على أن يقوموا بقناعاتهم لا بقناعات الناس ، لأن لبس الملابس السوداء خوفاً من انتقاد الناس سوف لن يحقق الثمرة المطلوبة ، وهو من الناحية الأخلاقية مرفوض لأنه ليس خالصاً لله سبحانه وتعالى .
إضافة لما تقدّم فإن اللباس الأسود يفرض على صاحبه ضوابط يجب أن يلتزم بها ويحترمها ، فمن يلبس الملابس السوداء عليه أن يكون حسينيناً قلباً وقالباً وليس قالباً فقط ، وبذلك فإن أي تصرف سيء من قبل أصحاب الألوان السوداء سينعكس على القضية الحسينية ، وفيما يخص النساء فكثير ممن يرتدين الملابس السوداء تكون ملابسهن إما ضيقة أو جذابة أو غير ذلك ، وهذا يعطي انطباعاً سيئاً على المواسيات لزينب عليها السلام ، فهذه النسوة إذا استبدلن ملابسهن السوداء بملابس ملونة سنتخلص من هذا الهم الذي يحمل الدين والمذهب أكثر مما يجب تحميلهما .
2) البعد السلبي :
إن وجود مثل هذه الظاهرة تكشف لنا أن هناك انحداراً نسبياً في مستوى التمسك بمواسم الحزن النبوي ، فالملبس الأسود وإن كان لا يختزل المواساة لأهل البيت عليهم السلام إلا أنه مظهر مهم من مظاهر الحزن ، فلو تصورنا المجتمع بلا سواد ولا ملابس سوداء كيف يكون الحال عندها ، وإذا استمرت هذه الحالة قد يصل بنا الأمر الى أن نترك كثيراً من مظاهر الحزن وبالتالي قد يؤثر على إيصال ثمرة الثورة الحسينية لأنها عِبرة وعَبرة ، فالعَبرة تؤدي بنا الى العِبرة فإذا قُصّت أجنحة العَبرة ستموت العَبرة وستضمحل العِبرة .
وهذا قد يدل على نزعة انتفاضية على الوضع الديني – والحسيني بصورة خاصة – وهذه كارثة ، ولو قبلنا بهذه الفرضية وحللنا أسبابها سنجد استخدام الدين والقضية الحسينية بصورة مفرطة أو بصورة غير صحيحة أول تلك الأسباب ، فارتداء الملابس السوداء قضية عرفية أكثر مما هي شرعية ، وبالتالي تضطر النساء للبسها حتى تماشي العرف ، وهذا الاضطرار سيولد ردة فعل نفسية ينعكس بعدة صور منها ارتداء ملابس ملونة وجذابة في شهر الحزن .