عمر الجفال
سيؤدّي خلاف الأحزاب على قانون الانتخابات الجديد وملحقه وتعطيل التصديق عليه إلى تأخير كبير في عمليّة إجراء الانتخابات المبكرة، التي يطالب بها الشارع المتفجّر ويرفض تسويفها.
أقرّ البرلمان العراقيّ، تحت ضغط الشارع الذي يشهد احتجاجات واسعة منذ مطلع تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، قانوناً جديداً للانتخابات، إلاّ أنّه لم يرض الأحزاب الكرديّة وتلك التي تمثّل المناطق ذات الغالبيّة السنيّة العربيّة. وليس قانون الانتخابات الجديد، الذي أقرّه البرلمان الاتحاديّ العراقيّ نهاية كانون الأوّل/ديسمبر الماضي وحده ما يثير الخلافات بين الأحزاب السياسيّة، وإنّما أيضاً الملحق الخاص به المتعلّق بتنظيم عمل الدوائر الانتخابيّة.
وعُدّ القانون انتصاراً لحركة الاحتجاج العراقيّة الواسعة التي قدّمت أكثر من ٦٠٠ قتيل ونحو ٢٠ ألف جريح من أجل إحداث تغيير سياسيّ في العراق. ويبدو أنّ الأحزاب السياسيّة الكبيرة، التي عارضت قانون الانتخابات الجديد، غيّرت موقفها منه بعد إشراكها في كتابة الملحق الخاص بالقانون المتعلّق بتنظيم عمل الدوائر الانتخابيّة.
ويقسّم القانون الجديد المحافظات إلى دوائر انتخابيّة متعّددة، ويحوّل كلّ قضاء إلى دائرة انتخابيّة على ألاّ يقلّ عددها عن مئة ألف نسمة. ويدمج القانون الأقضية التي يقلّ عدد سكّانها عن مئة ألف داخل المحافظة الواحدة مع بعضها البعض. ويسمح القانون الجديد بانتخاب مرشّح فرديّ من دون أن يتمّ التصويت لقائمة انتخابيّة.
ويُلزِم الدستور العراقيّ البرلمان بإرسال القانون المقرّ إلى رئيس الجمهوريّة، إلاّ أنّ الدستور لم يُلزِم البرلمان بمدّة محدّدة لإرسال القوانين المُقرّة إلى رئيس الجمهوريّة. وبحسب الدستور، فلدى رئيس الجمهوريّة، بعد تسلّم القانون، مدّة ١٥ يوماً للاعتراض عليه وإعادته إلى البرلمان. وبخلاف ذلك، يعتبر القانون مُصادقاً عليه.
وأكّد 3 أعضاء في البرلمان العراقيّ تحدّث إليهم “المونيتور” عدم إرسال القانون إلى رئيس الجمهوريّة الدكتور برهم صالح، إلاّ أنّهم تحدّثوا عن أسباب مختلفة لذلك، فعزا النائب عن “ائتلاف الوطنيّة” المنحدر من محافظة ديالى رعد الدهلكي تأخّر إرسال القانون إلى رئاسة الجمهوريّة للمصادقة عليه للعطلة التشريعيّة للبرلمان التي بدأت في ٢٠ كانون الثاني/يناير وتستمرّ نحو ٣٠ يوماً.
وبدا رعد الدهلكي واثقاً من حلّ الخلافات بين الأحزاب السياسيّة بشأن قانون الانتخابات وملحقه، وقال في حديث لـ”المونيتور”: “إنّ ترتيبات جرت لفضّ الخلاف بشأن تقسيم الدوائر الانتخابيّة”، وهي مثال خلاف الأحزاب الكرديّة والسنيّة.
وأشار إلى أنّ “الملحق المتعلّق بتنظيم عمل الدوائر الانتخابيّة تعامل مع المحافظات بحسب خصوصيّة كلّ محافظة”.
وعلى العكس من الدهلكي، كشف النائب عن “تحالف سائرون” سكرتير اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعيّ العراقيّ رائد فهمي، وهو علمانيّ متحالف مع التيّار الصدريّ، عن “خلاف مستمرّ بشأن ملحق قانون الانتخابات الجديد”، وقال في حديث لـ”المونيتور”: “إنّ هناك وجهة نظر بين السياسيّين بشأن تقسيم الأقضية إلى دوائر انتخابيّة تتحدّث عن ضرر سيلحق بنحو ٢٠ في المئة من الناخبين، لا سيّما في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحاديّة وإقليم كردستان”.
وتحدّث عن “وجود مشكلة أخرى في تقسيم الدوائر الانتخابيّة على الأقضية”، مشيراً إلى أنّ “عدداً كبيراً من الأقضية الذي تمّ استحداثه بعد احتلال بغداد في نيسان/إبريل من عام ٢٠٠٣ لم توضع له حدود إداريّة، فضلاً عن أنّ هناك أقضية تتداخل حدودها ببعضها البعض”.
ولفت إلى أنّ “الأحزاب بغالبيّتها على علم بهذه المشكلات، وأنّ إقرار هذا القانون بهذه الطريقة هو لوضع عقبات لئلاّ تتمّ عمليّة الانتخابات المبكرة التي يطالب بها المحتجّون”.
ويطالب المحتجّون في العاصمة بغداد ومحافظة الوسط والجنوب العراقيّ بتشكيل حكومة انتقاليّة تقود عمليّة إجراء انتخابات مبكرة، وفق القانون الانتخابيّ الجديد الذي أقرّه البرلمان.
ورأى رائد فهمي أنّ “الأحزاب السياسيّة الكبيرة، وخصوصاً التي تمتلك فصائل مسلّحة، ستستعمل القانون لصالحها من أجل جمع الأصوات في الأرياف”، وقال: “إنّ بعض الأحزاب سيستعمل علاقاته القبليّة لصالح المرشّحين، فضلاً عن المال السياسيّ لاستمالة الناخبين، علاوة التهديد بالسلاح من قبل الفصائل المسلّحة”.
ولفت إلى “وجود اعتراضات كبيرة على القانون بشكله الحاليّ، وأنّ الكثير من فقراته قابلة للطعن في المحكمة الاتحاديّة”.
من جهته، وضع النائب عن الجماعة الإسلاميّة الكردستانيّة في البرلمان المنحدر من محافظة السليمانيّة أحمد حمة رشيد الملاحظات نفسها التي وضعها فهمي بشأن قانون الانتخابات والخلافات بشأنه التي تؤخّر إرساله إلى برهم صالح، وقال: “إنّ الملحق المتعلّق بتنظيم عمل الدوائر الانتخابيّة لم يحلّ المشاكل التي اعترض الكثير من الأحزاب عليها”.
وأكّد في حديث لـ”المونيتور” أنّ “الملحق والقانون ما زالا خاضعين للنقاش، وأنّ القانون لن يرسل إلى رئاسة الجمهوريّة قبل الوصول إلى اتفاق عليه بين الكتل والأحزاب السياسيّة، مشيراً إلى “أنّ القانون يمكن أن يتمّ إرساله عبر اتفاق الكتل النيابيّة الكبيرة عليه”، لافتاً إلى أنّ “القانون الجديد وملحقه فصّلا ليلائما الأحزاب الكبيرة”.
وقال النائب الكرديّ، وهو ينتمي إلى أحد الأحزاب الصغيرة في إقليم كردستان: “إنّ الأحزاب الكبيرة يمكنها ضمان مقاعدها برياحة من خلال القانون الجديد، بينما على الأحزاب الصغيرة أن تعقد تحالفات مع بعضها البعض للحصول على مقاعد برلمانيّة، وفق حساب الأصوات في القانون الجديد”.
وتحدّث أحمد حمة رشيد عن ضياع الأصوات فقال: “إنّ دمج الأقضية الصغيرة مع بعضها البعض سيضيّع أصوات الأحزاب الصغيرة، بينما سيفرز مرشّحين للعشائر لا يمثّلون سكّان الأقضية في البرلمان الاتحاديّ، وإنّما عشائرهم فحسب”.
وفي كلّ الأحوال، فإنّ النائب الكرديّ عقد العزم مع مجموعة من نوّاب الأحزاب الكرديّة الصغيرة في البرلمان الاتحاديّ تحت اسم (G15) أو “مجموعة ١٥” متكوّنة من 5 أحزاب كرديّة تستثني الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ والاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ. وتعتزم هذه المجموعة الطعن بقانون الانتخابات لدى المحكمة الاتحاديّة.
وفي الواقع، سيؤدّي خلاف الأحزاب على قانون الانتخابات الجديد وملحقه وتعطيل التصديق عليه إلى تأخير كبير في عمليّة إجراء الانتخابات المبكرة التي يطالب بها الشارع المتفجّر ويرفض تسويفها.
رابط المصدر: