لورا تايسون/ليني ميندونكا
بيركلي- رغم التحديات السياسية المتضاعفة التي تواجه الولايات المتحدة، تعاني هذه الأخيرة من الشلل بسبب الاستقطاب السياسي، كما أنها تنشر كما هائلا من الحجج الحزبية الشريرة (غالبًا على تويتر وبدون حقائق). ويعني الشلل الناتج على المستوى الفيدرالي، أن الفيدرالية التقدمية، والمبادرات التي تتخذها فُرادى الولايات، ستكون القنوات الرئيسية لعملية صنع السياسات في عام 2020، ومن المحتمل أن تتجاوز تلك القنوات.
ومرة أخرى، تقوم كاليفورنيا، خامس أكبر اقتصاد في العالم، بدور الريادة. وتعمل الولاية على تطوير اقتصادها السياسي المميز، “رأسمالية كاليفورنيا، عن طريق المسؤولية المالية، والابتكار، والشراكات بين القطاعات، من أجل تعزيز نمو شامل، ومستدام، وطويل الأجل.
ومنذ آخر ذروة بلغتها كاليفورنيا في التوظيف، قبل الأزمة المالية لعام 2008، أضافت أكثر من مليوني وظيفة مدفوعة الأجر، وانخفض معدل البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 3.9 في المائة، وزاد متوسط دخل الفرد بحوالي 25 في المائة. ومنذ بدء التوسع في عام 2010، أضافت كاليفورنيا 3.4 مليون وظيفة، أي أكثر من 15٪ من إجمالي الأمة. وعن طريق ما يقرب من أربعة ملايين شركة صغيرة، تقود كاليفورنيا البلد في تشكيل أعمال جديدة أيضًا، مما يعكس حقيقة أنها تتلقى أكثر من نصف إجمالي تمويل رأس المال الاستثماري الأمريكي. وبينما من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي الوطني في عام 2020، فإن كاليفورنيا ستواصل تفوقها على بقية البلاد، وذلك بفضل الخصومات الضريبية التطلعية، ومجموعة متنوعة من صناعاتها العالمية– بما في ذلك التصنيع، والزراعة، والتجارة، والتكنولوجيا، والترفيه.
ولكن “رأسمالية كاليفورنيا” لا تتعلق فقط بالنمو الاقتصادي الخام. وبالنسبة لواضعي السياسات، ينصب التركيز الحقيقي على جودة الوظيفة، والشمولية الإقليمية، والاستدامة البيئية. ومن ثم، فإن أحد الشواغل العاجلة للولاية، هو معالجة أزمة الإسكان، والتشرد. وبعد إنشاء صندوق للإسكان الميسور التكلفة بمليار دولار في العام الماضي، يتضمن اقتراح ميزانية 2020-2021 الذي قدمه الحاكم، غافن نيوزوم، 750 مليون دولار إضافية لتكون تمويلا طارئا للمشردين، وتشجيعا لشركات كاليفورنيا على استثمار مواردها الخاصة، والعمل مع حكومات الولايات، والحكومات المحلية على معالجة مشكلة السكن.
وتواصل كاليفورنيا قيادة البلاد في مجال السياسات البيئية والمناخية أيضًا. إذ بالتزامها بتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2045، تستخدم الولاية مجموعة متنوعة من الأدوات لإبطاء وتيرة تغير المناخ، والتقليل من مخاطره. ويدعو اقتراح الميزانية إلى توفير 12.5 مليار دولار من الاستثمارات الحكومية الإضافية، على مدى خمس سنوات لتحقيق هذه الأهداف، وستدخل حوالي 4.8 مليار دولار منها في نظام الولاية المبتكر لتحديد الحد الأقصى والتبادل. وستنشئ الميزانية الجديدة، أيضًا، صندوق حوافز مناخية بقيمة مليار دولار، لتمويل قروض منخفضة الفائدة، أو بدون فوائد لمشاريع استخدام تكنولوجيات، وبنية أساسية أنظف في المناطق التي تهملها مصادر التمويل الخاصة.
وأخيرًا، يدعو اقتراح الميزانية إلى مبادرة اقتراع لعام 2020، للموافقة على سندات التأقلم مع تغير المناخ، تبلغ قيمتها 4.75 مليار دولار، والتي ستمول الاستثمارات في البنية التحتية الطبيعية والمنشأة. وستستخدم حوالي 80٪ من عائدات السندات لمعالجة مخاطر المناخ على المدى القريب، لا سيما حرائق الغابات والفيضانات، وستخصص 20٪ المتبقية للمخاطر الطويلة الأجل، مثل تلك المتعلقة بارتفاع مستويات البحر.
وفي الماضي، أثبتت كاليفورنيا قيادتها المناخية، عن طريق التفاوض بشأن اتفاق ناجح حول معايير كفاءة الوقود الصارمة، مع أربع شركات كبرى لصناعة السيارات. وتمثل صفقة الولاية مع فورد، وبي إم دبليو، وفولزواغن، وهوندا، حوالي 30٪ من سوق السيارات في الولايات المتحدة، وستخفض انبعاثات صانعي السيارات هذه، بنسبة 3.7٪ سنويا بين عامي 2022 و2026. ومنذ عام 2013، اعتمدت كاليفورنيا، إلى جانب 14 ولاية أخرى تشكل 40٪ من سوق السيارات في الولايات المتحدة، على تنازل فدرالي يسمح لها بتنظيم انبعاثات غازات الدفيئة. وبطريقة تظهر “الفيدرالية المقاومة”، ردت كاليفورنيا، إلى جانب 22 ولاية أخرى، والعديد من المدن الكبرى، على جهود إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الرامية لإلغاء هذا التنازل، عن طريق مقاضاة الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة. وتشير السابقة القضائية، والرأي العام إلى أن الدعوى القضائية للولايات ستنجح.
كما تملأ الولايات المتحدة الفراغ في ريادة التشغيل الآلي ومستقبل العمل، وهو موضوع يشغل صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم، حتى وإن تجاهلته الحكومة الفيدرالية الأمريكية. ولتطوير سياسات قائمة على الحقائق، لإدارة تأثير التكنولوجيا على التوظيف في كاليفورنيا، أنشأ نيوزم لجنة مستقبل العمل. وكلف قادة الأعمال، والمنظمات المدنية وغير الربحية، والأكاديميين، بصياغة حلول لضمان تنافس العمال في سوق عمل عادل، وتطوير المهارات المطلوبة للوظائف الجيدة. وستؤكد اللجنة، بلا شك، النتائج التي توصلت إليها من جميع أنحاء العالم، والتي تبين أن برامج التعليم العالي، وإعادة التدريب، والتدريب المهني، تقدم مسارات لا تقدر بثمن للعمال، من أجل تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة باستمرار.
وتعتبر كاليفورنيا رائدة بالفعل فيما يتعلق بالجامعات ذات المستوى العالمي، والكليات التابعة للدولة وللمجتمع، ومراكز البحوث المتطورة. ويعد نظام كليات المجتمع في الولاية الأكبر في البلاد، حيث يمثل حوالي ربع جميع طلاب كليات المجتمع في الولايات المتحدة. وتعد كليات المجتمع، وستظل، أكبر مصدر لأمريكا في مجال التدريب على المهارات في مكان العمل، مما يمنح مزايا كبيرة فيما يتعلق بالأجور والتوظيف، لمن استكملوا دراستهم لمدة عامين. ومع ذلك، فإن حوالي ثلث طلاب كليات المجتمع في كاليفورنيا، أو على المستوى الوطني، يتخرجون أو ينتقلون إلى مؤسسة مدتها أربع سنوات. ويفتقر أكثر من 60٪ من العاملين في كاليفورنيا إلى شهادة أربع سنوات من الدراسة الجامعية. وحوالي ثلث وظائف كاليفورنيا (مقارنة بحوالي 44٪ من الوظائف على المستوى الوطني)، تدفع أقل من ثلثي متوسط الأجر.
ولمواجهة هذه التهديدات، تتوخى ميزانية عام 2020 استمرار الاستثمارات في التعليم العالي، مع التركيز على التسجيل لنيل الدرجات، واتمامها في الوقت المناسب، بهدف إنشاء 500000 من التلمذة المهنية التي تحمل شعار “اكسب وتعلم”، بحلول عام 2029. ولتحقيق هذه الغاية، خصصت الميزانية 165 مليون دولار على فترة خمس سنوات للبرامج المتعددة الحرف، والتدريب المهني في صناعة البناء السريعة النمو، وشراكات التدريب على الطرق السريعة، لدعم التدريب القائم على الصناعة، والشراكات في مجال التوظيف.
ولكن التباينات الإقليمية والديموغرافية تلوح في أفق أسواق العمل في كاليفورنيا. إذ وُزع نمو الوظائف في كاليفورنيا توزيعا غير متساو، حيث تركز ما يقرب من 70٪ من نمو الوظائف من 2010 إلى 2018، في المناطق الساحلية المحيطة بلوس أنجلوس، وسان دييغو، وسان فرانسيسكو. ويعكس هذا التوجهات الوطنية. وعلى الرغم من أن سكان كاليفورنيا من أصل لاتيني يشكلون حوالي 40٪ من سكان الولاية، فإن حوالي 50٪ منهم يحصلون على 15 دولارًا في الساعة أو أقل، ويعيش الكثيرون منهم في مناطق ريفية منخفضة النمو.
ولمواجهة هذه الاتجاهات، أطلق نيوزم مبادرة جديدة تحمل اسم الأقاليم تصعد مع بعضها البعض، والتي ستجمع قادة إقليميين من أجل وضع خطة شاملة لتطوير جميع أنحاء الولاية. ولبدء هذه الخطة، ستنشئ حكومة الولاية مكاتب في الوادي الأوسط، والإمبراطورية الداخلية، والمنطقة الساحلية الوسطى، والولاية الشمالية، للمساعدة في تطوير القطاعات الرئيسية المرتبطة بالاقتصادات الإقليمية (على سبيل المثال، المنتجات الخشبية في المقاطعات الشمالية الحرجية).
ونظرا إلى أن الحكومة الفيدرالية تعاني من الشلل بسبب ترامب، يعتمد ابتكار السياسة في الولايات المتحدة الآن على الولايات. وبهذا المعنى، فإن رأسمالية كاليفورنيا لا تتعلق بالولاية الذهبية وحدها؛ بل تتعلق بإحياء الحلم الأمريكي.
رابط المصدر: