عبد الامير رويح
قضية إسقاط الطائرة بوينغ 737 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية التي اعلنت ايران بشكل رسمي اسقاطها بصاروخ، عن غير قصد بعد دقائق من مغادرتها مطار السيد الخميني في طهران، ماتزال محط اهتمام اعلامي كبير خصوصاً وان هذه القضية التي اسفرت عن ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متن الطائرة وعددهم 176 شخصاً يمكن ان تسهم بحدوث ازمة جديدة بين ايران وبعض الدول، حيث رفضت طهران وبحسب بعض المصادر تسليم الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة إلى شركة “بيونغ” الأميركية المصنعة لمعرفة سبب التحطم، وهو ما عده البعض تحرك لإخفاء معالم الحادث.
ويرى بعض المراقبين ان هذه الحادثة ربما ستدفع الولايات المتحدة الامريكية الى اعتماد اساليب جديدة ضد طهران، من خلال دفع بعض الدول والحكومات على اتخاذ مواقف وقرارات في سبيل الضغط على ايران التي تعاني اساساً من مشكلات وازمات داخلية وخارجية كبيرة، وفي هذا الشأن يسعى محاميان كنديان، سبق وأقاما دعوى قضائية ناجحة ضد إيران، إلى إعادة الكرة هذه المرة بالنيابة عن ضحايا طائرة الركاب الأوكرانية التي أُسقطت فوق طهران، مطالبين وكما نقلت بعض المصادر بتعويض لا يقل عن 1.5 مليار دولار كندي (1.1مليار دولار).
وأقيمت الدعوى ضد إيران والزعيم الأعلى الإيراني والحرس الثوري وجهات أخرى. وأقرت إيران بأنها أسقطت الطائرة الأوكرانية بطريق الخطأ في الثامن من يناير مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها من بينهم 57 كنديا. والمدعي الرئيسي في القضية غير معروف، وتم تعريفه مبدئيا باسم جون دو الذي يوصف بأنه قريب من الدرجة الأولى لأحد الضحايا ويدعى جاك دو.
وجاء في صحيفة الدعوى أن من الضروري حماية هوية جون دو بسبب احتمال “أن تتعرض أسرته الإيرانية للخطر أو الأذى من جانب النظام الإيراني”.
ونقلت تلك المصادر عن صحيفة الدعوى إن إسقاط الطائرة “عمل إرهابي متعمد ومقصود”. وأحد المحاميين هو جوناه أرنولد ويشارك والده مارك أرنولد الذي ترافع في عدة دعاوى ضد إيران من بينها دعوى استئنافية في عام 2017 كانت سببا في الحجز لمصلحة المدعين على بعض الأرصدة الإيرانية.
وكان الحكم الصادر في عام 2017 خاصا بدعوى أقامها ضحايا أميركيون في تفجيرات وعمليات قتل وخطف قضت محاكم أميركية بأن إيران مسؤولة عنها، لكن المدعين لم يتمكنوا من الحصول على مبلغ التعويض وهو 1.7 مليار دولار عبر أحكام في الولايات المتحدة. وقال أرنولد إن من المرجح أن يستمر نظر الدعوى سنوات، ويمكن استئناف أي حكم يصدر فيها وتنفيذه في المستقبل.
توتر دبلوماسي
يثير التحقيق حول تحطم الطائرة الاوكرانية التي تم اسقاطها بالخطأ قرب طهران في كانون الثاني/يناير الماضي توترا دبلوماسياً بين ايران والدول المعنية بالكارثة على خلفية شبهات بأن الجمهورية الاسلامية كذبت بشأن المعلومات التي كانت بحوزتها. وتتولى منظمة الطيران المدني الإيرانية منذ تحطم الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية في 8 كانون الثاني/يناير بعد دقائق على إقلاعها من طهران، التحقيق في ظروف هذه المأساة التي أوقعت 176 قتيلا.
وأثار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صدمة جديدة في هذه القضية إذ أكد أن “الجانب الإيراني كان يعلم منذ البداية أن طائرتنا أسقطت بصاروخ” فور تحطمها. وهو يستند في تأكيده هذا على محادثة جرت بين برج المراقبة وطيار في شركة آسمان الإيرانية للطيران كانت طائرته تقترب من طهران عند وقوع الكارثة. وفي التسجيل الصوتي للمحادثة الذي بثته قناة “1+1” التلفزيونية الأوكرانية، يقول الطيار للمراقب الجوي أنه يرى “أضواء أشبه بصاروخ” على مساره، و”انفجارا”، طالبا توضيحات من برج المراقبة.
وأوردت كندا ليلة الكارثة فرضية إطلاق صاروخ أصاب الطائرة التي كانت تقل ركابا معظمهم إيرانيون وبينهم كذلك أفغان وبريطانيون وكنديون وسويديون وأوكرانيون. ونفت السلطات المدنية الإيرانية ذلك بشدة مرجحة حصول حادث تقني، إلى أن أقرت القوات المسلحة الإيرانية فجر 11 كانون الثاني/يناير بأنها أسقطت الطائرة “عن طريق الخطأ”. وأقر قائد القوات الجو-فضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زادة بالمسؤولية الكاملة عن الحادث، مشيرا إلى أنه نتج عن إطلاق صاروخ في اتجاه الطائرة إثر “قرار سيء” اتخذه جندي “في عشر ثوان” في وقت كانت تسود حالة تأهب قصوى خشية التعرض لهجوم أميركي.
لكن في 20 كانون الثاني/يناير، أكدت منظمة الطيران المدني الإيرانية في التقرير عن تحقيقها أن صاروخين أطلقا في اتجاه طائرة البوينغ 737، طبقا لما أوحى به مقطع فيديو انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي بعد قليل على الكارثة. من جهتها، تؤكد الحكومة التي وعدت بتحقيق شفاف يشمل جميع الأطراف، أنه لم يتم إبلاغها بالسبب الحقيقي لإسقاط الطائرة إلا بعد ظهر العاشر من كانون الثاني/يناير. وأكد محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني مجددا “أقولها للمرة الأخيرة، الحكومة لم تكن على علم”.
وتابع أن التسجيل الصوتي الذي تحدث عنه زيلينسكي نقل إلى الأوكرانيين و”بالتالي ليس سريا البتة”، مشيرا إلى أن طيار آسمان لا يقول “في أي مكان” من التسجيل إن الطائرة “أصيبت بصاروخ”. وأبدت منظمة الطيران المدني الإيرانية في بيان أسفها لبث التسجيل على التلفزيون الأوكراني، مشيرة إلى أن المحققين استمعوا إلى إفادة الطيار. وشددت الهيئة على أنه في غياب معلومات من السلطات العسكرية قبل 11 كانون الثاني/يناير عن إطلاق صاروخ، خلص التحقيق في بادئ الأمر إلى “احتمال نشوب حريق في أحد المحركات أو حصول انفجار على متن” الطائرة.
أما الأضواء التي شاهدها الطيار، فاعتبرت مؤشرا إلى اندلاع حريق بحسب المنظمة التي أكدت عزمها على مواصلة التعاون مع الدول المعنية، داعية “جميع الأطراف إلى تفادي تسييس” الكارثة. لكن ما يعزز الشكوك رفض إيران تسليم صندوقي الطائرة الأسودين إلى أوكرانيا أو إحدى الدول القليلة القادرة على استخراج بياناتهما وتحليلها حين يكون الصندوقان متضررين. بحسب فرانس برس.
وبدل أن تسلم المنظمة الصندوقين الأسودين اللذين تعترف بعجزها عن استخراج بياناتهما، تؤكد أنها طلبت من “مكتب التحقيقات والتحاليل” الفرنسي والهيئة الوطنية الأميركية لسلامة النقل إمدادها بالمعدات الضرورية للقيام بذلك. وكتب وزير الخارجية الكندي فرنسوا فيليب شامبانيه على تويتر أن “الدول التي في حداد (على مواطنيها) تواصل دعوة إيران إلى تسليم الصندوقين الأسودين فورا” ، وذلك بعد مؤتمر عبر الهاتف مع نظرائه الأفغاني والبريطاني والسويدي والأوكراني الذين أبدوا على غراره “قلقهم” حيال الموقف الإيراني. وفي إيران أثار اعتراف القوات المسلحة بمسؤوليتها في المأساة تظاهرات محدودة الحجم ضد السلطة استمرت عدة أيام على وقع هتافات “كاذبون” و”حثالة”.
تعويضات وخلافات
الى جانب ذلك قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن كييف غير راضية عن حجم التعويض الذي عرضته إيران على أسر الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في حادث إسقاط طائرة ركاب قرب طهران وإنها ستسعى للحصول على تعويضات أكبر. وقال زيلينسكي لمحطة(1+1)التلفزيونية الأوكرانية ”بالنسبة للجانب الإيراني فقد عرض على الفور دفع 80 ألف دولار لكل أسرة.. هذا مبلغ ضئيل للغاية. سنضغط من أجل الحصول على مبلغ أكبر“.
من جانب اخر طلبت إيران أجهزة من السلطات الأمريكية والفرنسية حتى يتسنى لها تفريغ محتويات صندوقي الطائرة الأوكرانية الأسودين، وهو طلب يزيد الإحباط العالمي من رفض إيران إرسال الصندوقين إلى الخارج لتحليل بياناتهما. وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي فقدت بلاده 57 من رعاياها في الحادث إنه ليس لدى إيران القدرة على قراءة بيانات الصندوقين وطالبها بإرسالهما لفرنسا.
ودعت أوكرانيا إيران مرارا إلى إعادة الصندوقين الأسودين لطائرة الخطوط الدولية الأوكرانية، وهي أمريكية الصنع ومن طراز بوينج 737، والتي قالت طهران إنها أسقطتها بطريق الخطأ في الثامن من يناير كانون الثاني. وصدرت عن إيران إشارات متضاربة بشأن ما إذا كانت سترسل الصندوقين الأسودين للخارج. وسيزيد أي تأخير آخر في إرسال الصندوقين للخارج من الضغوط الدولية على إيران التي قال جيشها إنه أسقط الطائرة دون قصد وسط حالة من التأهب في البلاد بعد ضربة إيرانية استهدفت قوات أمريكية ردا على هجوم أمريكي أسفر عن مقتل قائد إيراني كبير. وظلت إيران لأيام تنفي دورها في إسقاط الطائرة وشهدت احتجاجات في الشوارع نتيجة لذلك.
وقالت هيئة الطيران المدني الإيرانية في ثاني تقاريرها الأولية عن الكارثة ”إذا توفرت الإمدادات والأجهزة الملائمة فمن الممكن استخراج المعلومات وإعادة بنائها خلال فترة قصيرة“. وقالت إنها أرسلت قائمة بالأجهزة التي تحتاجها إيران إلى المجلس الوطني الأمريكي لسلامة النقل ومكتب تحقيقات سلامة الطيران المدني في فرنسا (بي.إي.إيه). وقالت الهيئة ”حتى الآن، لم يصدر عن هذين البلدين رد إيجابي على إرسال الأجهزة“، مضيفة أن صاروخين سطح/جو من طراز تور-إم1 انطلقا بعد دقائق من إقلاع الطائرة الأوكرانية من طهران. وأشارت الهيئة إلى أنها لا تملك الأجهزة المطلوبة لتفريغ البيانات من ذلك النوع من الصناديق الخاصة بالطائرة المنكوبة. بحسب رويترز.
وقال ترودو إنه يتعين تفريغ البيانات على الفور. وقال في مؤتمر صحفي في وينيبيج في مانيتوبا ”هناك حاجة لوجود خبراء مؤهلين لإنجاز ذلك لكن الأمر متعلق أيضا بتوافر التكنولوجيا والمعدات اللازمة وهذا ليس متاحا في إيران“. وأضاف ترودو ”هناك توافق واسع النطاق في المجتمع الدولي على أن فرنسا ستكون المكان الأمثل لإرسال الصندوقين… ونحن سنواصل الضغط على إيران لتفعل ذلك فحسب“. كما قال ترودو إن رفض إيران الاعتراف بحاملي الجنسية المزدوجة يشكل تحديا لجهود مساعدة ودعم أسر الضحايا الكنديين إذ لدى كثيرين منهم صلات وثيقة بإيران. وتواجه إيران منذ سنوات عقوبات أمريكية تقيد قدرتها على شراء طائرات حديثة ومنتجات مزودة بتكنولوجيا أمريكية. والعديد من طائرات الركاب المستخدمة في إيران يعمل منذ عقود.
مزدوجي الجنسية
من جانب اخر قال عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران تعتبر مزدوجي الجنسية من ضحايا حادث تحطم الطائرة الأوكرانية مواطنين إيرانيين. ولا تعترف إيران بالجنسية المزدوجة. وكثير من ضحايا الكارثة إيرانيون يحملون جنسية أخرى. ويوجد 57 كنديا ضمن الضحايا. وقال موسوي ”أبلغنا كندا أن طهران تعتبر مزدوجي الجنسية الذين قتلوا في تحطم الطائرة مواطنين إيرانيين… إيران في حداد على مقتلهم“. ورفض وزير الخارجية الكندي فرانسوا-فيليب شامبين ما تردد عن الموقف الإيراني من حاملي الجنسية المزدوجة ووصفه بأنه ”هراء“. وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن الأمر لم يطرح بشكل جدي بعد لأن الإيرانيين يدركون أهمية احترام رغبات أسر الضحايا. بحسب رويترز.
وقال مسؤول في الحكومة الكندية”حتى الآن لدينا تأكيدات منهم (الإيرانيون) على أن ذلك سيحدث“ في إشارة لاحترام رغبات أسر الضحايا. وأضاف ”بالطبع سنحكم عليهم من خلال تصرفاتهم“. وطلب المسؤول عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموقف. واندلعت احتجاجات في إيران بعد كارثة الطائرة شهدت احتجاز السفير البريطاني لفترة وجيزة. وقال مسؤولون إنه كان في تجمع ”غير قانوني“ بينما قال السفير إنه كان يحضر مراسم تأبين للضحايا. وانتقدت بريطانيا احتجازه. وذكر موسوي أن ”إيران تحترم جميع الدبلوماسيين الأجانب في إيران ما داموا لم ينتهكوا القوانين الدولية“.
مطالب خاصة
على صعيد متصل حدد وزراء من 5 دول فقدت مواطنين في حادث إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية مطالب تلك الدول من إيران التي اعترفت بإسقاط الطائرة بصاروخ بالخطأ. وطالب وزير الشؤون الخارجية الكندي، فرانسوا فيليب شامبان، بإجراء تحقيق دولي شفاف في الحادث، في أعقاب اجتماع وزراء خارجية كندا، والسويد وأوكرانيا، ووزير الخارجية الأفغاني، ووزير الشرق الأوسط البريطاني اندرو موريسن. وأضاف أن الإطار يتركز على 5 مطالب هي: الوصول الكامل ودون عوائق للمسؤولين إلى إيران وداخلها لتقديم الخدمات القنصلية.
التأكد من أن عملية تحديد هوية الضحية تتم بكرامة وشفافية ووفقًا للمعايير الدولية وأن يتم احترام رغبات العائلات فيما يتعلق بالإعادة إلى الوطن في جميع الحالات. ضمان إجراء تحقيق دولي شامل ومستقل وشفاف مفتوح، وفقا لاتفاقية الطيران المدني الدولي.
التأكد من أن إيران تتحمل المسؤولية الكاملة عن إسقاط الطائرة الأوكرانية وتعترف بواجباتها تجاه عائلات الضحايا، بما في ذلك التعويض. ضمان المساءلة عن المسؤولين عن التحقيق الجنائي المستقل، تليها إجراءات قضائية شفافة ونزيهة تؤكد المعايير الدولية للإجراءات القانونية الواجبة وحقوق الإنسان.
وأوضح وزير الخارجية الكندي، أن “المجتمع الدولي يراقب. اتخذنا خطوة إيجابية أولى، وحقيقة فإن اعتراف إيران بالمسؤولية الكاملة، لا يعفيها من المسؤوليات”. وتابع الوزير الكندي، “نتوقع ونطلب تعاون السلطات الإيرانية في كل خطوة: الخدمات القنصلية، وتحديد الرفات، والتحقيق مع المسؤولين”. واعتبر شامبان، أن العالم “ينتظر الإجابات على الأسئلة في الحادث، ولن نستريح حتى نحصل عليها”.
رابط المصدر: