إعلام أوروبا واستقلاليته المهددة

نشرت مجلة ملادينا الأسبوعية السلوفينية، رسماً كاريكاتورياً على أحد أغلفتها؛ وتُظهر الصورة رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، وهو يلقي التحية النازية بينما كان يعانقه سياسيو اليمين المتطرف المنتمون للحزب الديمقراطي السلوفيني. ولم يتقبل أوربان، الذي أكدت حكوماته تحكمها القريب من المطلق على إعلام البلد، ظهوره بتلك الطريقة.

ويرتبط الرسم الكاريكاتوري بمقال حول قرار حزب الشعب الأوروبي – مجموعة عابرة للحدود تنتمي إلى الأحزاب السياسية اليمينية المعتدلة، التي حافظت، منذ 1999، على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الأوروبي – بتعليق عضوية حزب أوربان فيديز. وعارض الحزب الديمقراطي السلوفيني هذا القرار بشدة، بل هدد بالانسحاب من حزب الشعب الأوروبي إذا طُرد فيديز من الحزب.

وكان رد فعل السفارة الهنغارية في سلوفينيا على الرسوم الكاريكاتورية سريعاً، إذ طالبت وزارة خارجية البلد بـ«التدخل للحيلولة دون وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل». وانتقد زولتان كوفاس، أوفى أتباع أوربان، أقوى تعاطف لملادينا مع حزب اليسار في تدوينة على الإنترنت.

ولكن الحكومة السلوفينية لم تغير قرارها، مشيرة إلى أنها «صارمة» في احترامها حرية الصحافة. ولا يمكن للتناقض مع الحكومة الهنغارية التي أصبح تسامحها مع الانشقاق أكثر سوءاً أن يكون أكثر حدة.

ومنذ 2013، تراجعت هنغاريا بـ31 مرتبة إلى الوراء في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود». ولكن الوضع المؤلم لحرية الإعلام في هنغاريا ليس سوى البداية. إذ تتكاثر نفس نماذج التحكم في الإعلام في أوروبا الشرقية والوسطى، وسنذكر أبرز نموذجين منها.

أولاً، التقليد؛ حيث تتعلم الحكومات عبر المنطقة من جيرانها – وخاصة من هنغاريا. إذ بعد فوز فيديز بانتخابات 2010، عينت الحكومة الجديدة الأشخاص الأوفياء للحزب لتولي رئاسة البث العام؛ ثم سار على نفس الخطى بالضبط، حزب القانون والعدالة البولندي الحاكم بعد فوزه في عام 2015.

والنموذج الثاني- والأكثر إثارة للقلق – هو التوسع العابر للحدود للبنيات الأوليغارشية، بقيادة أتباع أوربان. إذ خلال السنتين الأخيرتين، تحكم رجال أعمال ذوو صلة مع أوربان بشراسة في المنابر الإعلامية في كافة أنحاء أوروبا الوسطى والشرقية، بما في ذلك نوفا 24 تي في. سي في سلوفينيا، وألفا تي في مقدونيا، والصحف التي تصدر باللغة الهنغارية والرومانية التي تديرها راسميديا في رومانيا.

إن التدخل المتزايد للأوليغارش والمجموعات المالية في الإعلام، إضافة إلى الانتقاد الصارم للحكومات، أدى إلى اختناق الصحافة المستقلة عبر المنطقة، وهرب الشركات الإعلامية الأجنبية. إذ خلال العشر سنوات الأخيرة، غادر 11 من مالكي الشركات الإعلامية الأجنبية الـ17 الأبرز في أوروبا الوسطى والشرقية بسبب تزايد الضغط السياسي وتراجع الدخل.

ومن المحتمل أن تكون هذه التوجهات قد أدت إلى تراجع حرية الصحافة في أوروبا الوسطى والشرقية إلى أدنى مستوياتها في غضون ثلاثة عقود منذ الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الاشتراكي للمنطقة. ويحتمل أن يزيد الوضع سوءاً، ما دام الأوليغارش النافذون يواصلون ملء فراغ الملكية بشركات الإعلام الأجنبية.

وإذا استمر الوضع على هذا الحال، لن تحتاج الحكومة الهنغارية في وقت قريب إلى أن تطلب من حكومة أجنبية ما أن تقمع الانتقادات الصحفية؛ فمن سيتكلف بالأمر هم أصدقاء أوربان.

 

رابط المصدر:

https://www.albayan.ae/knowledge/2020-02-24-1.3785675

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M