ديفيد ماكوفسكي
للوهلة الأولى، بدت الجولة الثالثة من الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في الأسبوع الماضي غير حاسمة، إلّا أنه قد يتم كسر الجمود حالياً. فهذه المرة، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نتيجة أفضل من الجولة الثانية في أيلول/سبتمبر، لكن الأصوات التي حصل عليها لم تكن كافية لتشكيل حكومة جديدة. وتخلى صانع الملوك المحتمل أفيغدور ليبرمان عن فكرته السابقة المتمثلة في جعل الحزبين الرئيسيين يوحدان صفوفهما؛ وعوضاً عن ذلك، دفع به حقده الشخصي والخلافات بشأن السياسة إلى أن يصرّح بحزم أنه لن ينضمّ إلى أي حكومة يرأسها نتنياهو. وبالتالي، بينما قد يكون أمام زعيم حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس الوسطي خيارات لتشكيل حكومة جديدة، إلّا أنه ليست هناك فرصة [مماثلة] أمام نتنياهو بمفرده.
من الناحية النظرية، تتمتع كتلة يسار-الوسط بالعدد المطلوب من المقاعد لتشكيل أغلبية صغيرة في الكنيست المؤلفة من 120 عضواً، حيث حصلت الأحزاب المناهضة لنتنياهو على 62 مقعداً. وفي الواقع، إن الوضع أكثر تعقيداً.
الخيار الأول: حكومة أقلية
تشمل الأحزاب الناهضة لنتنياهو حزب “أزرق أبيض” (33 مقعداً) و”القائمة المشتركة” بقيادة عربية (15 مقعداً) و”حزب العمل – ميريتس” (7 مقاعد) و”إسرائيل بيتنا” بقيادة ليبرمان (7 مقاعد). والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما إذا كانت هذه الأحزاب قادرة على التوحّد ضمن حكومة دون “حزب الليكود”. وقد رفضت “القائمة المشتركة” الانضمام إلى الحكومات السابقة؛ بالإضافة إلى ذلك، لم يدعوها أي حزب إسرائيلي بارز [للانضمام إلى الحكومة سابقاً]، كما تعهد ليبرمان خلال حملته الانتخابية بأنه لن يدعم حتى ترتيبات ضمنية توفر من خلالها القائمة شبكة أمان لغانتس خلال عملية تصويت حاسمة لحجب الثقة عن الحكومة في الكنيست. فهل سيلتزم بهذا الموقف الآن أم سيتنحى ويمكّن غانتس من تشكيل حكومة أقلية مؤقتة تكون فيها “القائمة المشتركة” شريكاً غير رسمي؟ إذا تحقق السيناريو الأخير، فستكون أول حكومة أقلية في تاريخ إسرائيل تؤدي اليمين الدستورية منذ البداية.
وبعد لقائه مع ليبرمان في 9 آذار/مارس، أعلن غانتس أن الزعيمين سيتعاونان معاً. وكانا قد تبادلا تصريحات علنية خلال عطلة نهاية الأسبوع بشأن الأهداف المشتركة لحكومة جديدة تتعلق بدور الدين والدولة، في إشارة إلى التنسيق وراء الكواليس.
وخلال المرحلة القادمة، قد يعتمد غانتس إحدى المقاربتين التاليتين، علماً بأن أيّاً منهما لا تعتبر أن حكومة أقلية قد تكون دائمة. أولاً، بعد أن يؤدي اليمين الدستورية، يمكنه استخدام تحالف الأقلية كنقطة انطلاق لتشكيل حكومة أوسع. وما إن يقرّ نتنياهو بأن لا سبيل لديه لتشكيل حكومة، يمكن أن يلجأ غانتس إما إلى “حزب الليكود” (بزعامة عضو آخر غير نتنياهو) أو حلفائه المتطرفين الذين يملكون 16 مقعداً وربما يرغبون في الانضمام إليه لضمان تمويل حكومي إضافي لمؤسساتهم. وسيتطلب الخيار الأخير من ليبرمان التخلي عن تعهد آخر – وهو أن يوقف حزبه العلماني انتهاك القوانين المتطرفة. ثانياً، قد يستخدم غانتس التهديد بتشكيل حكومة أقلية كتكتيك للتفاوض من أجل انتزاع شروط أفضل من نتنياهو في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع التناوب في رئاستها.
من جهته، كان نتنياهو قد بدأ في حشد الرأي العام ضد حكومة أقلية من أجل الحدّ من خيارات غانتس. فقد ادعى أنه إذا قام غانتس بالتنسيق الضمني مع “القائمة المشتركة”، فسيشارك بشكل أساسي مع عناصر من ذلك التحالف الذين أيّدوا أو عجزوا عن منع استخدام الفلسطينيين للعنف ضد إسرائيل. وفي خضم هذه “المسرحية”، يبرز نائبان يميلان نحو اليمين من حزب “أزرق أبيض” هما تسفي هاوزر ويوعاز هندل، المعروفان بمعارضتهما لحكومة أقلية، وبالتالي قد يحملان ميزان القوى داخل الكتلة.
كما أن التركيز على حكومة أقلية لا بد أن يتسبب بقيام نقاش أوسع حول الدور الاجتماعي والسياسي للإسرائيليين العرب الذين يشكلون 20 في المائة من السكان. وتُظهر استطلاعات الرأي أن الشباب الإسرائيليين العرب يرغبون باندماج أكبر، كما أن نسبة المشاركة العربية ارتفعت من 59 في المائة في أيلول/سبتمبر إلى 70 في المائة في الأسبوع الماضي، لتتساوى مع نسبة المشاركة اليهودية. وبالطبع، قد تكون هذه الزيادة ناجمة عن ردود فعل ساخطة إزاء البند الذي تضمنته خطة ترامب للسلام والذي يقترح تقسيم المناطق الانتخابية لثلاثة مجتمعات ذات أغلبية عربية شمال غرب الضفة الغربية داخل إسرائيل من أجل دمجها في دولة فلسطينية مستقبلية، رغم أن سكان المنطقة البالغ عددهم مئة ألف نسمة يريدون البقاء جزءاً من إسرائيل.
الخيار الثاني: حكومة وحدة وطنية
تُعتبر المعركة على تولي الفترة التناوبية الأولى لرئاسة الحكومة أساسية في تشكيل أي حكومة وحدة وطنية، بما أن غانتس لا يعتقد أن نتنياهو سيحترم أي اتفاق بالتنحي بعد عامين. وفي غضون ساعات قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع، ادعى نتنياهو بتحقيق “فوز ساحق” حيث تفوق “حزب الليكود” على حزب “أزرق أبيض” في المنافسة المباشرة، مما زاد عدد المقاعد الإجمالية التي يحظى بها بأربعة، بينما لم يحصل خصمه على أي مقعد. غير أنه وكما أظهرت الانتخابات السابقة، إن الأمر المهم في النهاية هو القدرة على تشكيل ائتلاف كبير بما فيه الكفاية، وليس الفوز بمعركة حزبية فردية – ولهذا السبب على الأرجح لم يهنئ نتنياهو على فوزه المزعوم سوى زعيم عالمي واحد (المستشار النمساوي سيباستيان كورز).
وإذا تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، فقد يحاول نتنياهو الضغط من أجل المباشرة بضم مستوطنات الضفة الغربية استجابة لخطة ترامب للسلام. وبدوره، قد يقاوم حزب “أزرق أبيض” هذه المقاربة.
الخيار الثالث: إجراء انتخابات أخرى
إن حزب “أزرق أبيض” هو الآن بصدد دراسة إقرار قانون ينص على أنه لا يحق لرئيس الوزراء تشكيل حكومة إذا كان متهماً. ومن المرجح أن تتمّ صياغة القانون لتجنب اتهامات التشريع بأثر رجعي وسيدخل حيز التنفيذ بموازاة الانتخابات المقبلة. غير أن الهدف الرئيسي منه قد يكون حرمان نتنياهو من ميزة التهديد بإجراء انتخابات رابعة، مما يجعله ربما أكثر قبولاً للمساومة.
خيارات أخرى تجلب الانتباه
يسفر الغوص في بيانات التصويت عن عدد من الملاحظات الجديرة بالذكر حول الديناميكيات السياسية الراهنة في إسرائيل، ووجهات النظر حول السياسة، وتكتيكات الحملات الانتخابية:
نسبة المشاركة. استمر إقبال الناخبين بشكل عام في الارتفاع عوضاً عن الانخفاض في كل جولة انتخابية: حيث سجل 71.3 في المائة الأسبوع الماضي مقابل 69.8 في المائة خلال أيلول/سبتمبر. وقد يبدو الأمر مخالفاً للمنطق، لكنه دليل للشعب الذي يعتقد أن الرهانات عالية.
دعم “حزب الليكود”. حقق حزب نتنياهو نتيجة أفضل بكثير في هذه الجولة، بحيث ازداد عدد الناخبين لقائمته بواقع 238 ألفاً منذ أيلول/سبتمبر على حساب ليبرمان (الذي خسر 47,000 صوت)، وحزب “يهدوت هتوراه” (التوراة اليهودية الموحدة) المتطرف (الذي خسر 36,000 صوت)، وحزب “يمينا” الموالي للاستيطان (الذي خسر 20,000 صوت)، وحزب “عوصما يهوديت” (“القوة اليهودية”)، الذي لم يخسر64,000 صوت فحسب، بل فشل أيضاً في تجاوز عتبة الـ 3.25٪ الضرورية لدخول الكنيست. وقد ارتفعت الأصوات التي حصدها نتنياهو بشكل ملحوظ في المناطق القريبة من غزة، مما قد يشير إلى أن مقاربة الاحتواء إزاء تلك المنطقة وهدنة الأمر الواقع مع «حماس» تحظى بشعبية كبيرة بين هؤلاء الناخبين.
ويبدو أن خطة ترامب للسلام تساعده أيضاً على مستويات مختلفة. فمن الناحية السياسية، صرفت اهتمام العناوين الرئيسية من لوائح الاتهام بالفساد التي تلاحق نتنياهو وسمحت له بالاستفادة من قدرته على صياغة القرارات الدولية لصالح إسرائيل. فقد أكسبته تعهداته بإعلان السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية دعماً أكبر من الأحزاب الموالية للاستيطان من أي وقت مضى، حيث ازدادت الأصوات التي حصدها “حزب الليكود” بنسبة تصل إلى 10٪ في معظم المستوطنات الكبرى مقارنةً بأيلول/سبتمبر.
حزب “أزرق أبيض” يفوز بأصوات لم يحسب لها حساب. خاض حزب غانتس حملة تفتقر إلى الحماسة، لكنه حصد ما يقرب من 69,000 صوت. ورغم جهوده الرامية إلى جذب الإسرائيليين اليمينيين المعتدلين، إلّا أن معظم أصواته الإضافية جاءت من جماعات أخرى من كتلة يسار-الوسط – وهي نتيجة تأثير قُمعي دفع بالأشخاص الذين صوتوا سابقاً لحزب “العمل” أو “ميريتس” (الذي خسر138,000 صوت) إلى الاصطفاف إلى جانب حزب “أزرق أبيض” ضد نتنياهو.
حزب “يهدوت هتوراه”. هذه هي المرة الأولى في الذاكرة التي يتراجع فيها عدد أصوات الحزب المتطرف، وهو أمر مثير للاهتمام نظراً إلى معدل الولادات المرتفع للغاية في ذلك المجتمع. وبخلاف ما حصل في أيلول/سبتمبر، تفوق “حزب الليكود” على حزب “يهدوت هتوراه” حتى في القدس. فهل يعني ذلك أن الحاخامات المتطرفين يفقدون سيطرتهم على ناخبيهم، أو أن هذه النتيجة هي مجرد انحراف ناتج عن انجذاب الناخبين الكبير إلى نتنياهو؟
التداعيات على السياسة الأمريكية
إن عجز نتنياهو عن الحصول على أغلبية، يخفف بعض الضغوط عن إدارة ترامب، التي كانت تواجه احتمال إعطائه الضوء الأخضر للمباشرة بعمليات ضم أراضي من الضفة الغربية، بهدف إرضاء الفصائل التي منحته أصواتها وأعادته إلى منصبه. ومن المرجح أن تكون أي خطوات من هذا النوع قد أدت إلى قرع ناقوس الموت بالنسبة لخطة ترامب، وربما تؤدي حتى إلى اضطرابات في الضفة الغربية وصعوبات في تطبيق معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن.
ويمكن للأحزاب الآن تأجيل النظر في مثل هذه القضايا. وعلى الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن البيت الأبيض يخبر الجميع أنه قد يتم ضم بعض الأراضي هذا العام، إلّا أن العديد من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية يصرّون علناً على أن خطة ترامب ليست قراراً نهائياً، بل بالأحرى عرضاً مفتوحاً يرمي إلى انتزاع اقتراح فلسطيني مضاد. ويبدو أن العديد من الفلسطينيين يأملون في إبطال الخطة بالكامل إذا هُزِم ترامب في الانتخابات المقبلة، مما يخفف عنهم الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن إعادة تقييم مقاطعتهم لواشنطن ورفضهم الكامل لأحدث مقترحاتها للسلام.
رابط المصدر: