سايمون هندرسون
في 15 آذار/مارس، أعلنت المملكة العربية السعودية عن اعتقال 298 شخصاً بتهم الرشوة والاختلاس وإهدار الأموال العامة وجرائم فساد أخرى. ورغم عدم الكشف عن أيٍّ من أسماء الموقوفين، إلا أن بعض التقارير أفادت بأن من بينهم ضباط رفيعي المستوى في وزارتَي الدفاع والداخلية، مما يعزز الشائعات بأن حملات القمع الملكية الأخيرة قد تكون مرتبطة بمخطط انقلاب.
ووفقاً لوسائل الإعلام السعودية والهيئة الحكومية لمكافحة الفساد، جاءت الاعتقالات في أعقاب تحقيقات جنائية تم خلالها استجواب 674 شخصاً. وبما أن مجموع الأموال المختلسة تجاوز الـ 100 مليون دولار، فإن ذلك يعني أن القضايا الأخيرة أصغر حجماً بكثير من تلك التي حصلت في أواخر عام 2017، عندما تم احتجاز أكثر من 300 أميرٍ ورجل أعمال في فندق “ريتز-كارلتون الرياض” بتهم الفساد. وتم إطلاق سراح معظم أولئك الأفراد لاحقاً، ولكن فقط بعد دفعهم تعويضات عن السنوات التي استغلوا خلالها مراكزهم وبلغت قيمتها الإجمالية 100 مليار دولار وفقاً لبعض التقارير.
ووفقاً لوكالة رويترز، شملت التوقيفات الأخيرة المعلن عنها ثمانية ضباط من وزارة الدفاع “يشتبه في تقاضيهم رشاوى وتبييض الأموال فيما يتعلق بالعقود الحكومية خلال السنوات 2005-2015″، بالإضافة إلى 29 مسؤولاً في وزارة الداخلية من “المنطقة الشرقية” الغنية بالنفط، من بينهم ثلاثة عقداء وضابط برتبة لواء وآخر برتبة عميد.
تجدر الإشارة إلى أن تاريخ انتهاء فترة التحقيقات تلك جديراً بالانتباه بشكل خاص لسببين: (1) أن الملك سلمان نفسه، وقبل وصوله إلى العرش، كان وزيراً للدفاع اعتباراً من عام 2011، و (2) أن ابنه المفضّل، الأمير محمد بن سلمان، يشغل هذا المنصب منذ عام 2015. وبعد أن أصبح الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد والحاكم الفعلي للبلاد، أخذ يترك الإدارة اليومية للوزارة لنائبه وشقيقه الأصغر الأمير خالد بن سلمان.
وعادة، كان الفساد في السعودية – وخاصة في القطاعات الدفاعية – آليةً تنزالية (من المستويات العليا نزولاً إلى الدنيا) لإثراء الأمراء والفوز بعقودٍ بمليارات الدولارات. ووفقاً للمطّلعين، تُعتبر العمولات (الرشاوى) التي يقدّمها المتعاقدون الأجانب تكاليف إضافية معيارية يدفعها في النهاية الجانب السعودي وليس المتعاقد. وهذه الرشوة الذاتية هي مبلغ معين – ولا يُغير استعداد أي شركة لدفع المزيد في اختيار الجهة التي سيتم منحها العقد.
ومن وجهة نظر الموردين الخارجيين في مجال الدفاع، يتمثل الهدف من العمولة – على الأقل جزئياً – في تسهيل أعمال الشركة خلال تنفيذ العقد. والنقطة الأساسية هي كيف (وإلى أي درجة) يسمح الوزير أو القائد العسكري الفاسد بوصول الأموال تنازلياً إلى الضباط الصغار الذين يديرون العقد على المستوى العملياتي. ولا يزال اسم الأمير سلطان، الأخ الأكبر للملك سلمان، الذي شغل منصب وزير الدفاع من عام 1963 حتى وفاته عام 2011، مرادفاً للرشاوى الضخمة. ومن حين لآخر، قد يصبح جشع أمير ما شنيعاً إلى درجة استدعت إقالته من منصبه وتهميشه. وقد أنفقت وزارة الدفاع ووزارة الداخلية (التي تتعامل بشكل رئيسي مع الشؤون الأمنية) ووزارة “الحرس الوطني السعودي” فيما بينها المليارات على المعدات المزودة من جهات أجنبية خلال العقود الأخيرة.
صحيحٌ أن الأمير محمد بن سلمان أدان الفساد في عهده، ولكن التدابير التي اتخذها بحق المذنبين الرئيسيين ركزت على منافسيه الأمراء وتجنبت – على الأقل علناً – استهداف مَن يعتبرهم حلفاءه داخل آل سعود. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أفادت بعض التقارير أنه أمر السلطات باحتجاز العديد من النقاد من العائلة المالكة أو استجوابهم، من بينهم ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي ترأس سابقاً وزارة الداخلية، وأمير “المنطقة الشرقية” سعود بن نايف، شقيق الأمير محمد بن نايف، ونجل الأمير سعود وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود. وحتى لو لم يكن هناك رابطٍ بين هذه الأوامر والموجة الأخيرة من الاعتقالات، إلّا أن كلا التطورين يشكلان جزءاً إضافياً في الآلية المعقدة أصلاً للسياسة الملكية السعودية، إلى جانب الانقسامات العائلية، والشائعات عن انقلاب وحرب أسعار النفط مع روسيا، والأزمة الصحية التي تلوح في الأفق التي يسببها فيروس كورونا الذي ربما يكون قد وصل إلى المملكة عن طريق خصمها الإقليمي، إيران.
رابط المصدر: