يجب ألا تكون شركات الانترنت الكبرى قادرة على فحص بيانات وسلوك مستخدمي الإنترنت بشكل كامل. هذا ما أراده السياسيون الأوروبيون. لكن قانون حماية البيانات الأوروبي بدلاً من أن يقوم بتقييد عمالقة الإنترنت، كان له تأثير معاكس.
أياً كان ما تقرأه على الانترنت ستطاردك الاعلانات والسبب هو خوارزميات الاعلان الرقمي التي تراقب كل شيء من عمليات البحث والحجز والشراء عبر الانترنت وحتى مايكروفون هاتفك المحمول
يتم ذلك من خلال ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث (Third Party cookies) والتي توجد في كل موقع يتصفحه المستخدم للانترنت لتتبع الاشخاص بهدف اظهار اعلانات معينة لهم. لكن هذه التقنية على وشك الانقراض ويوشك سوق الاعلانات الذي تبلغ قيمته مليارات الدولار على التغير، بحسب ما أفاد موقع صحيفة “دي فيلت” الألمانية.
وفق اللائحة الأساسية لحماية البيانات (DSGVO) التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 2016، فإنه يجب على المستخدمين الموافقة على أن يتم التعامل مع بياناتهم ومنذ ذلك الحين، تزايد معدل رفض المستخدمين لهذا الأمر. وتعد قواعد حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي مثالًا عالميًا ما جعل ولاية كاليفورنيا الأمريكية تعتمد قانونا مشابهاً لخصوصية البيانات. كما اتخذت الشركات المصنعة لمتصفحات الإنترنت مثل Apple و Mozilla و Google إجراءات ضد تقنية الإعلان حيث تحظر متصفحاتهم تتبع بيانات المستخدمين.
والحقيقة أن المستخدمين يحصلون على القليل من الفائدة من هذا الإجراء لكن في واقع الأمر فإن المستفيد الأكبر هما Google و Facebook، عملاقي الانترنت، وهذا هو سبب محاولات الاتحاد الاوروبي لاحتواء قوتهما السوقية المتنامية وجمعهما لبيانات المستخدمين.
جمع البيانات باستخدام التطبيقات
تمتلك فيسبوك وغوغل الآن أكثر من نصف عائدات التسويق عبر الإنترنت، كما تحتفظ الشركتان بإمكانية الوصول الشامل إلى أهم البيانات لأنهم لا يحتاجون إلى تقنية ملفات تعريف الارتباط cookie. فلدى الشركتان تطبيقات خاصة ومتصفحات وخدمات يتم من خلالها جمع البيانات بهدف إطلاق الإعلانات التي تستهدف كل مستخدم على حده.
خبراء الإعلان مثل “اندريه البار” مستشار التسويق في برلين يعرفون بوجود شبكات الإعلان المغلقة لفيسبوك وغوغل، وبحسب البار فإنه “يمكن لـ Google بسهولة تتبع مسار مستخدميها عبر الشبكة من دون ملفات تعريف الارتباط.
فمن خلال سجلات البحث، وتسجيل الدخول للعديد من الصفحات، وتسجيل الدخول باستخدام حساب Google في متصفح كروم Chrome يمكن لـ Google تتبع المستخدمين عبر أجهزة مختلفة من خلال نظام تشغيل الهاتف المحمول الذي يعمل بنظام اندرويد Android، ونتيجةً لذلك، تظهر لك إعلانات على موضوعات قمت بالبحث عنها على الإنترنت سواء على الكمبيوتر الشخصي أو الكمبيوتر المحمول أو على هاتفك المحمول.
تعرف Google أيضًا عدداً من البيانات المهمة مثل الموضع الجغرافي للمستخدمين واعمارهم وأماكن إقامتهم حيث قام متصفح كروم Chrome ونظام التشغيل اندرويد Android بجمعهما. يمتلك Android حاليًا حصة في السوق العالمية تقارب 90 بالمائة، فيما يمتلك المتصفح Chrome نحو 70 بالمائة من الحصة السوقية لمتصفحات الانترنت.
الحملة الانتخابية الأمريكية تظهر قوة عمالة الانترنت
لا يفعل أحد آخر ما تفعله غوغل إلا فيسبوك والذي يمتلك آلات جبارة لجمع البيانات وخاصة على الهواتف المحمولة وذلك من خلال تطبيقات فيسبوك للهاتف المحمول وتطبيقي انستاغرام Instagram و واتساب WhatsApp.
تُظهر الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة كيف حولت Google و Facebook قوة بياناتهما إلى أموال متدفقة. فقد تلقت الشركتان وحدهما نحو ثلاثة أرباع مبلغ يعادل 1.25 مليار يورو هو إجمالي المبلغ الذي تنفقه كافة الأحزاب لعمل حملات اعلانية على الانترنت تستهدف الناخبين.
بالنسبة لمشغلي مواقع الانترنت، يعد “الإعلان المخصص” مصدرًا مهمًا للدخل إذا ما اختفى –من خلال حجب متصفحات الانترنت للاعلانات- فإن الدخل من المساحات الإعلانية سينخفض بمقدار النصف تقريبًا.
يقول ألكساندر غوسوين ، المدير الإداري لفرع شركة Criteo الفرنسية للتسويق عبر الإنترنت في ألمانيا: “بموجب القواعد الجديدة، ستجد Google و Facebook أنه من السهل على اللاعبين الآخرين في السوق استخدام نظمهم الإيكولوجية في الإعلانات التي تستهدف جمهوراً محدداً.. كانت الحكومات الأوروبية تأمل في أن تحد لائحة DSGVO من القوة السوقية لشركات الإنترنت الأمريكية الكبيرة”. لكن ما حدث كان عكس ذلك.
وتعد هذه مشكلة لشركات مثل Criteo. حتى الآن، يقوم نشاط الشركة وغيرها على تتبع مسار المستخدمين عبر شبكة الانترنت. تخزن شركة Criteo “ملف تعريف الارتباط” في ذاكرة المتصفح. في وقت لاحق، تقوم “لافتات الإعلانات” على بوابات الأخبار بقراءة ملفات تعريف الارتباط تلك.
وبهذه الطريقة، يتم معرفة تحركات المستخدم على الشبكة، وأي محتوى إعلاني يمكن أن يلائم اهتماماته. ومع ذلك، فإن الشركات العملاقة نسفت هذه الوظيفة في الإصدارات الجديدة من المتصفحات الخاصة بها ما يجعلها بشكل أو بآخر أشبه بالسلطة التنظيمية على الإنترنت.
بدأت Apple في استخدام “دفاع الخصوصية” كنقطة بيع. فالشركة على ما يبدو تحارب صناعة الإعلان بشدة. ولبعض الوقت، تم تزويد متصفح “سفاري Safari” بوظائف الحذف التلقائي لملفات تعريف الارتباط وحظر الوسائل الأخرى التي يستخدمها المعلنون، مثل التعرف على المستخدمين عبر مكونات الجهاز أو التطبيقات المثبتة.
ومؤخراً، حذا مطورو متصفح “موزيلا فايرفوكس” الحذو نفسه، فقد بدأ المتصفح في حظر تقنية الإعلان. وفي منتصف كانون الثاني/يناير، أعلن مبرمجو Google chromium أنهم سيحظرون ملفات تعريف الارتباط الإعلانية نهائياً اعتباراً من عام 2022
قضية مكافحة احتكار؟
يقول كاي جيرتسيما، مدير تحليل البيانات التسويقية بإحدى الشركات في ألمانيا: “الأمر لا يتعلق فقط بملفات تعريف الارتباط.. يستخدم مطورو متصفحات الانترنت أيضًا الذكاء الاصطناعي لمنع الآخرين من الوصول لطرق أخرى لتحليل نشاط وبيانات المستخدم. بل إنهم يحظرون أنظمة موثوقة أو يعيدون التوجيه إلى مواقع ويب يتم إنشاؤها حاليًا بما يتماشى مع لوائح حماية البيانات.
هذا يعني أنه سيكون من الصعب على جميع الشركات باستثناء Google و Facebook تزويد المستخدمين بعروض إعلانية مخصصة وبالتالي فإن صناعة الإعلان عبر الإنترنت ستفقد أداتها الأكثر أهمية. فشركة مثلCriteo فقدت ثلاثة أرباع قيمتها السوقية منذ بدء تطبيق لائحة DSGVO الأوروبية
رابط المصدر: