د.ذِكْرُ الرحمن
تمثل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك) تجمعاً لدول في جنوب آسيا تشبه رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، لكن «سارك» لم يُنظر إليها قط باعتبارها تجمعاً فاعلاً، لاسيما في ظل المنافسة بين الهند وباكستان. وحتى اجتماع الرابطة على مستوى القمة بين الدول لم يُعقد منذ عام 2014، ما وضع التجمع الإقليمي، والذي يضم أيضاً أفغانستان وبنجلادش وبوتان وجزر المالديف ونيبال وسريلانكا، في حالة سبات تام، لكن هل تشهد الرابطة بعض اليقظة بسبب أجواء وباء فيروس كورونا؟
اقترح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتّباع نهج موحد لمعالجة الوباء، وأعلن الأسبوع الماضي، في مؤتمر مشترك بالفيديو مع قادة «سارك»، عن إنشاء صندوق طوارئ صحي دشّنه بمساهمة هندية قدرها 10 ملايين دولار. وقدّمت الهند فريق استجابة سريعة من الأطباء والعاملين الصحيين، وبعض مستلزمات الاختبار والفحص. وتقدّمت دول أعضاء أخرى بالمزيد من المساعدات للصندوق. فوعدت سريلانكا بتقديم خمسة ملايين دولار، ووعدت بنجلادش بتقدم 1.5 مليون دولار، وأعلنت أفغانستان ونيبال التبرع بمليون دولار عن كل واحدة منهما، وساهمت المالديف بـ200 ألف دولار، وبوتان بـ100 ألف دولار، ليصل إجمالي «صندوق كوفيد-19 للطوارئ الصحية» إلى 18.3 مليون دولار. ويعكس هذا التعاون درجة عالية من التصميم المشترك على مواجهة وباء كورونا في المنطقة.
ودشنت الهند، على سبيل المتابعة، مؤتمراً مصوراً عن بعد لكبار المتخصصين الصحيين في دول «سارك»، لتبادل الخبرات في مكافحة انتشار فيروس كورونا، بما في ذلك الإجراءات الخاصة بالتعامل مع الفحص عند نقاط الدخول، وتعقب الاتصالات والحجر الصحي ومرافق العزل.
وعلى ما يبدو فإن انتشار الفيروس الجديد، يقرّب على نحو لم يكن متخيلا من قبل بين دول جنوب آسيا، ويعطي فرصة لمزيد من التعاون الإقليمي لمعالجة الوباء الصحي العابر للحدود القومية.
ولا شك أن جهود التعاون ستكون صعبة بسبب الأعداد المتزايدة باستمرار من حالات كورونا في بعض دول جنوب آسيا، مثل باكستان والهند، ما يضع البنية التحتية الصحية الحالية تحت ضغط كبير. ومن المعلوم أن البنية التحتية الصحية في معظم هذه البلدان ليست قوية، هذا إلى جانب كثافة السكان فيها. لكن رئيس الوزراء الهندي متفائل بشأن النهج الإقليمي في التعامل مع الأزمة، حيث أعلن أن «العمل معاً هو أفضل طريقة للتغلب على هذا الخطر».
بيد أن هذه المبادرة لا تتجاوز نطاق التعاون في التصدي للفيروس، ولا يُتوقع أن تؤدي إلى إحياء ما يُنظر إليه غالباً على أنه تجمع متعدد الأطراف معطل. وذلك لأن رابطة «سارك» التي نشأت في عام 1985، وقعت على مدار سنوات في حبائل التنافس بين الهند وباكستان. وعُقدت قمة «سارك» الأخيرة عام 2014 في كاتماندو، وكان يفترض أن تُعقد القمة التالية عام 2016 في باكستان. لكن الهند أعلنت مقاطعتها بعد هجوم في منطقة أوري بكشمير قُتل فيه 18 جندياً هندياً. ومنذئذ، لم تتفق الآراء على عقد قمة لمجموعة «سارك».
ويكتسب المسعى الجديد لـ«سارك» أبعاداً دبلوماسية واستراتيجية بالنسبة لمودي. فقد أعطاه المسعى فرصة جديدة لدى الجيران بعد إصداره بعض القرارات المحلية المثيرة للجدل. ومن هذه القرارات «قانون تعديل المواطنة» الذي يمنح الجنسية بسهولة لغير المسلمين من بنجلادش وأفغانستان وباكستان. وأثار القانون توترات مع بنجلادش، وأدى إلى احتجاجات مناهضة للهند نادرة الحدوث في أفغانستان. كما أدت أعمال شغب طائفية في دلهي إلى ردود أفعال من بعض البلدان. ومن خلال هذه المبادرة بشأن كورونا، يحاول مودي الأخذ بزمام الأمور في الدفع باتجاه نهج إقليمي. وفي نهاية المطاف، إذا لم يستطع أعضاء «سارك» الاتحاد أمام وباء مثل فيروس كورونا، فلا أمل يذكر في بقاء هذه المجموعة الإقليمية.
وفي مسعى آخر على المستوى الدولي، أجرى رئيس الوزراء الهندي محادثة هاتفية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول الأوضاع التي تسببت فيها كورونا، وحول الخطوات الممكن اتخاذها لتقليل تأثيره على الصحة حول العالم. وتتولى المملكة العربية السعودية حالياً رئاسة مجموعة العشرين، وهي تعمل عن كثب، إلى جانب أعضاء آخرين في المجموعة، مع منظمة الصحة العالمية، لمراقبة تفشي المرض، وتتبادل المعلومات ذات الصلة حول الكشف المبكر عن الحالات والتشجيع على التدابير الوقائية.
وتدرك الهند والمملكة العربية السعودية أهمية الشراكة الاستراتيجية بينهما كعضوين في مجموعة العشرين. ويبذل قادة البلدين جهوداً منسقة لحشد التعاون العالمي في التعامل مع التحديات العالمية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا. وتعمل المملكة، في إطار مجموعة العشرين، على تنسيق التعاون الدولي في مكافحة الوباء وتبني سياسات ملائمة للحد من آثاره الاقتصادية. وفي هذا الصدد، لا يمثل تنظيم المملكة للقمة الافتراضية الاستثنائية لقادة مجموعة العشرين مبادرة مهمة فحسب، بل وملائمة التوقيت أيضاً لوضع استجابة منسقة للسيطرة على انتشار وباء كوفيد-19 والحد من تأثيره على الاقتصاد واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.
رابط المصدر: