حتى العيش في ظروف تشابه أوضاع الحروب والمناشدات من أجل التضامن الوطني، لم تتمكن من استئصال الطبيعة البشرية تماماً، أو في الأقل بعض مظاهرها غير المُرضِيَة. وتالياً، لا يزال الناس يعمدون بشكلٍ واضح إلى التجوّل حول الحدائق المكتظّة، ثم ينتقلون إلى ممارسة التسوّق المسكون بالذعر. وفي الوقت الراهن، يبدو أن تفشّي فيروس “كورونا” أو الخوف منه، يرافقه بعض الميل إلى الإثارة السريعة.
خذوا مثلاً الشراء المذعور أو “التخزين”، في تسمية أكثر لطافة. يفترض أن الأخير [= التخزين] يشكّل أمراً عقلانياً. وإذا اعتقدتم أنكم ستحتاجون إلى الانكفاء لفترةٍ من الوقت، أو ستعانون نقصاً في بعض المواد التي تحتاجونها، فمن المنطقي تكوين احتياطي. وإذا كان ذلك يعني شراء حزمة إضافية من لفائف ورق التواليت أو بضع علب من الحساء، فستكون محلات السوبرماركت وسلاسل التوريد العاملة في مجتمعاتنا قادرةً على التعامل بسهولة مع ذلك الأمر. في تلك الحالة، قد يكون الجميع سعداء بأن لديهم ما يكفي لمواصلة العيش، بما في ذلك أولئك المسنّين أو الضعفاء الذين لا يستطعيون القتال من أجل آخر حبّة بطاطا في المتجر، وكذلك الحالة بالنسبة إلى آخرين منشغلين للغاية في رعاية مرضى يعانون حالات خطيرة.
لكن ما شهدناه في الأسبوع الماضي أو أكثر، يذكّرنا بهستيريا جماهيرية كبيرة أخرى في التاريخ، كفقاعة المضاربة في أسعار بصيلات زهور التوليب في القرن السابع عشر في هولندا (وصلت أسعار بعضها إلى مستويات عالية جداً ثم انهارت بشكل كبير)، أو محاكمات المتّهمين بالشعوذة في مدينة “سالم” بولاية ماساتشوستس، أو أعمال الترصّد المختلفة لمشاهدة السيارات الكبيرة في الريف البريطاني.
لا يعني ذلك تسخيف خطر الإصابة بفيروس كورونا. ومع ذلك، فإنه يجب وضع سؤال بشأن الاستجابة لذلك الخطر. وضمن معدلات الاستخدام طبيعية، قد يكون ثمة أشخاص لديهم لفّائف كبيرة تكفي حتى 2030 بعد فترةٍ طويلة من انقضاء الحالة الطارئة. لذا، حتى في ظل ظروف من نوع خاص بحد ذاتها، ثمة أشياء تحدث بإفراط، ولسوف يهدر طعام كثير، لا سيما المواد الطازجة، خوفاً من اختفائه.
من الواضح أن تجميع الأشياء لتصل كمياتها إلى مستوى ما يحدث في الصناعة، أمر خاطئ بناءً على الأسس المجتمعية التي يتحدّث عنها السياسيّون والخبراء والزعماء الدينيّون. إنه أمر سيئ بالنسبة إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً في المجتمع والعمّال المساكين في محلات السوبرماركت.
ومع ذلك، ثبُتَ أن مناشدة الميول الأفضل في طبيعتنا، ليست فاعلة في الغالب، كما تدلّ على ذلك الرفوف الفارغة. ثمة ردّان على ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة للتجمّعات المستمرّة في الأماكن العامة والخاصة.
يتمثّل الرد الأول في الإكراه على فعل الأشياء. نحن في إمكاننا تنفيذ مزيدٍ من إجراءات الإغلاق الصارمة، وفرض مزيدٍ من هذا النوع من حصص التقنين الناعمة للمتسوقين التي يقدّمها تجّار التجزئة. ومن المحتمل أن يكون هذا أمراً ضرورياً ومرغوباً فيه ويجب أن نكمله. في المقابل، أياً كانت الحال، تصعب مراقبة ضوابط مادية كهذه، وسيحاول البعض التهرّب منها كما لو كانت نوعاً من لعبة. حتى في الحرب الأخيرة، ظهر كثير من اللصوص والسارقين والمتعاملين بالسوق السوداء، وفي نهاية الأمر، شهدت بريطانيا ظهور مصطلح “سبيف”spiv (= شخص بلا عمل يعيش معتمداً على دهائه)، أثناء أفضل أوقاتها.
في مقلب مغاير، ثمة بديل يتمثّل في إعادة توجيه الهوس نحو قناةٍ أكثر إنتاجية تناسب الغرائز الأنانية لمعظم الأفراد. ويعني ذلك ظهور بروباغاندا إعلامية تستند إلى مفاقمة الرعب باستمرار في شأن المرض ومدى سهولة التقاطه. ويشمل ذلك إنه من الممكن بسهولة أن تلتقطوا الفيروس عن طريق لمس بوّابة الحديقة أو استخدام الحمّام عند الخروج منه أثناء حفل عشاء، أو عند شباك الدفع في أحد محلات السوبرماركت المزدحمة. [ويكون ذلك] سبباً في القول أن غسل أيديكم بشكل مهووس والتزام المنزل والبقاء بمفردكم إلى أبعد مدى ولأطول وقت ممكن، يمكن أن يحمي حياتكم، حتى إذا كنتم لا تهتمّون بكل شخص آخر. لماذا تريدون التعرّض للإصابة أثناء شراء 48 لفةً كبيرة أخرى؟
لقد جعلنا السلوك الأناني من بين أمور أخرى، نصل إلى ما نحن عليه الآن، ولن نقلب الطبيعة البشرية رأساً على عقب. وقد يكون من الأفضل بكثير إعادة استخدامها لتصل إلى نهاية أفضل، هي… انفدوا بجلدكم.
رابط المصدر: