عومير كرمي
في كل عام، يلقي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي خطاباً بمناسبة اليوم الأول من العام الفارسي الجديد. وعادةً ما تُلقى كلمة النوروز أمام جماهير المصلين في مدينة مشهد المقدسة، حتى أصبحت اختباراً قاطعاً لآراء المرشد الأعلى حول سياسة إيران الخارجية وشؤونها الداخلية على حد سواء.
ولكن خطاب هذا العام كان متجهماً إلى حد ما أكثر منه احتفالياً بسبب وباء كورونا المتفشي في البلاد. وعوضاً عن مخاطبة حشد غفير في مقام الإمام الرضا، بُثَّت كلمة خامنئي عبر شاشات التلفزيون، في غرفة منعزلة لم يكن فيها حضور متواجد (من المفترض أنها أُلقيت من طهران، حيث يتواجد مكتبه ومحل إقامته). وتم أيضاً إلقاء الخطاب في 22 آذار/مارس، بعد يوم واحد من المعتاد، كما تم تأطيره على أنه يوم المبعث النبوي الشريف – فيما بدا أنه محاولة أخرى من النظام الإيراني للتقليل من شأن عيد النوروز الذي لا يعتبر من الأعياد الإسلامية.
والأهم من ذلك، وبخلاف الخطابات السابقة – التي شددت على مشاكل إيران مع الغرب، ومجّدت تقدمها الاقتصادي رغم العقوبات الأمريكية، وما إلى ذلك – ركز خطاب هذا العام على الوباء [العالمي]، دون الإشارة إلى قضايا السياسة الخارجية مثل البرنامج النووي، أو التطورات في العراق وسوريا، أو “المقاومة” ضد إسرائيل. وفي محاولته رفع معنويات الشعب وثنيه عن قبول المساعدة الأمريكية المتكررة، كان خامنئي واضحاً – إن الخلاص الوحيد هو في الاتكال على الله وتعزيز الاكتفاء الذاتي للبلاد.
سفينة في مياه عاصفة
عشية عيد النوروز، عادة ما يعد المرشد الأعلى الأرضية لخطابه الرئيسي عبر توجيه رسالة تلخص أحداث العام الذي سبق، وتعلن بداية العام الجديد. وفي الماضي، ركزت هذه الرسائل على نجاحات إيران وصمودها بوجه الضغوط والمصاعب.
لكن نبرة خامنئي كانت مختلفة هذه المرة. فقد أشار إلى أن العام الماضي كان “عاصفاً” و”صعباً”، قائلاً إنه “بدأ بالفيضانات وانتهى بفيروس كورونا”. وبالفعل، كانت التحديات التي تواجهها إيران ضخمة: فقد ضربت الفيضانات الهائلة كل محافظة تقريباً في عام 2019، مما أسفر عن تكبّد عشرات الخسائر في الأرواح ووقوع أضرار بمليارات الدولارات؛ وتصاعد الضغط الاقتصادي الأمريكي على النظام، والذي شمل التصنيف الرسمي لكل من فيلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وخامنئي نفسه على لائحة العقوبات، والاحتجاجات الواسعة النطاق التي اندلعت بعد زيادة أسعار البنزين، ومجدداً بعد أن حاول «الحرس الثوري» التستر على إسقاطه طائرة الركاب الأوكرانية، حيث أدت كلتا الحالتين إلى تحفيز النظام على قتل مئات المتظاهرين وإيقاف خدمة الإنترنت؛ وأخيراً، خسرت إيران أبرز عناصرها في لعبة التدخل والنفوذ الإقليميين، وهو قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني.
وبالإضافة إلى رسالة خامنئي بمناسبة النوروز، نشر مكتبه يافتةً تصوّر إيران كسفينة في البحار العاصفة تصارع للوصول إلى الساحل. وأوضح خامنئي أن “قبطان” هذه السفينة هو “إمام العصر” الذي سيوجه الأمة إلى شاطئ الخلاص ويساعد شعبها على التغلب على الأزمة.
الصبر – والمقاومة
على الرغم من أن خطاب خامنئي بمناسبة النوروز ارتكز على فكرة تقليدية – وهي أن الصبر مفتاح الفرج للتغلب على المصاعب – فقد أوضح أنه لا يجب على إيران أن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار وقوع الأحداث، بل عليها أن تنهض، وتقاوم العدو، وتصحح مسارها في طور ذلك. وتابع كلامه في هذا المنطق موضحاً أن التماس المساعدة من واشنطن ليس الحل المناسب لفيروس كورونا. وردّاً على رغبة إدارة ترامب التي أعلنت استعدادها لإرسال أدوية لإيران لمكافحة الوباء، شكّك خامنئي في قدرة واشنطن على المساعدة حتى وإن كانت راغبة بحق في ذلك، حيث قال: “نقلاً عن مسؤوليكم أنفسهم، لديكم نقص [في المواد الطبية]، فاستخدموا ما لديكم لمعالجة مرضاكم”. ثم قام ببث نظريات مؤامرة سخيفة حول الحرب البيولوجية/الجينية الأمريكية ضد إيران، محذراً مستمعيه من أنه لا يمكن الوثوق بأي أدوية ترسلها واشنطن لأنها قد تنشر الفيروس بصورة أكثر أو تتسبب في بقائه.
وفي المقابل، وبدلاً من المساعدات الخارجية، دعا خامنئي الأمة إلى الاعتماد على طاقاتها المحلية الهائلة. كما ذكّر الشعب بضرورة التقيّد بالتوجيهات الصارمة مثل إلغاء جميع التجمعات الدينية، لافتاً إلى أن هذه التدابير غير مسبوقة ولكنها “حتمية لا مناص منها”. وتردد هذا الموقف في الرسالة التي وجّهها عشية عيد النوروز، والتي خصص حيزاً كبيراً منها للإشادة بتضامن الأمة وتمجيد عمل الطاقم الطبي الإيراني، واصفاً إياهم بـ “المجاهدين”، مشيراً إلى أن الموتى نالوا “أعلى درجات الموت والشهادة في سبيل الله”. وبالمثل، في وقت سابق من هذا الشهر، نشر مكتبه ملصقاً يقارن الطاقم الطبي الذي يحارب الوباء بالجنود الذين واجهوا الحرب البيوكيميائية أثناء الحرب العراقية -الإيرانية.
زيادة في الإنتاج
عندما يتحدث خامنئي عن المصاعب، عادة ما يوعز جمهوره لخلق الفرص للخروج من التحديات. ولم تبتعد رسائله في عيد النوروز عن هذه العادة، بل أعادت التشديد على أن الأمة تصبح قوية حين تتخطى الصعوبات، وليس من خلال “الانغماس في الذات والبحث ببساطة عن الراحة”. ووفقاً لنظرته للعالم، فإن القوة ليست مجرد مظهر من مظاهر العظمة العسكرية للدولة، بل مزيج من النمو الاقتصادي، والاستقرار الاجتماعي، والتماسك السياسي، والتقدم العلمي، والأيديولوجية أيضاً.
ودعماً للمساعي التي تبذلها إيران لاكتساب هذه القوة، يضع خامنئي التركيز كل عام من خلال الشعارات السنوية التي يطلقها في عيد النوروز. وليس مفاجئاً أن كل شعار أُطلق خلال العقد المنصرم كان مرتبطاً بـ”اقتصاد المقاومة” الإيراني في مواجهة العقوبات. ووفقاً لخامنئي، كان شعار العام الماضي هو “تعزيز الإنتاج”، والذي هو جهد زاد من قدرات الإنتاج والمخرجات في البلاد. ومع ذلك، أشار أيضاً إلى أن هذا الارتفاع في الإنتاجية كان أقل من عُشر ما تحتاجه البلاد، وبالتالي لم يكن له تأثيرات كبيرة على حياة معظم المواطنين.
ومن هذا المنطلق، أعلن خامنئي أن هذا العام سيركّز على المزيد من “الطفرة في الإنتاج”، فأمر المسؤولين بالتأكد من أن ذلك سيُحدِث “تغير ملموس” في حياة الشعب. وبعد اعترافه بأن العقوبات القاسية تسببت في “بعض الضرر” للبلاد، قال إنها جعلت إيران تفكر في الاعتماد على مواردها المحلية. ثم وعد بأنه إذا تطوّر الإنتاج، فستساعد السوق المحلية الإيرانية في إنهاء المشاكل الاقتصادية وزيادة الاكتفاء الذاتي للبلاد. ولم تكن مثل هذه التصريحات مفاجئة بالنظر إلى المأزق الحالي الذي تعانيه طهران – فلا شك أن خامنئي يدرك أنه بعد زوال أزمة الوباء، لا يزال على النظام مواجهة الاقتصاد المتدهور في الوقت الذي يصل فيه الدعم الشعبي له إلى أدنى مستوياته.
رابط المصدر: