مسلم عباس
قدم المخرج الأمريكي كريستوفر نولان فيلم “انترستيلر” عام 2014، وهو من أفلام الخيال العلمي يحكي قصة بطولة تقوم بها وكالة الفضاء الامريكية ناسا ترسل بعثة بين النجوم للوصول الى عوالم شبيهة بالأرض لإنقاذ البشرية من الهلاك، حيث يحتضر كوكب الأرض.
البطولة في هذا الفيلم ليست لبطل الفيلم فقط، بل لوكالة ناسا التي تعني بطولة أمريكا باجمعها، والأفلام الامريكية في اغلبها تقدم لنا النموذج الأمريكي والحلم الأمريكي، بطل العالم في تحدي الصعاب، وهو الملاذ الأخير للبشرية التي تعيش أساليب حياتية المتوحشة ولم يبقى امامها سوى أمريكا تلك الدولة المتقدمة علميا وفكريا وتحمل راية “الإنقاذ للبشرية”.
وعلى مقربة من السينما تحمل تصريحات السياسيين الامريكان الكثير من هذا المنطق “الانقاذي”، فهم يشاركون بالحرب العالمية الثانية من اجل انقاذ العالم، والقنبلتان النوويتان تحملت وزرهمها هيروشيما وناغزاكي اليابانيتين هي لاجل تحقيق السلام، فقتل حوالي ربع مليون انسان بالنووي يحقق السلام، وسرقة أراضي الشعوب الأخرى وثرواتهم يحقق السلام كما هو الحال مع فلسطين وفنزويلا وحتى السعودية الابن المطيع للولايات المتحدة، كل هذه السياسة من اجل تحقيق السلام الذي ينقذ البشرية.
في أمريكا يحق لها سرقة بحوث علمية لعلاج الامراض الفتاكة مثل “وباء كورونا”، التي ما تزال اعداد ضحايات في تزايد مستمر، ويحق لواشنطن عرض عقود مع شركة “كيو فاك” الالمانية، بقيمة مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية لعقار يتم تطويره حاليا لعلاج كورونا، والرئيس الأمريكي يريد من الشركة الألمانية انتاج العقار لواشنطن فقط من دون أي انسان خارج أمريكا، فماذا نسمي هذا السلوك؟ هل هو انقاذ للبشرية ام سرقة حقوق البشرية من اجل انقاذ الأمريكيين فقط؟ ولماذا لا تريد أمريكا مشاركة حقوق الدواء هذا؟ اليست هي من علمتنا انها المنقذ الأول والأخير لكوكب الأرض؟ اليست أمريكا هي التي تساعد الاخرين؟ ام ان أفلام هوليون هي لالهاء الشعوب وسرقتها؟
من يشاهد الافلام السينمائية الامريكية يعرف ان الصورة التي تروج للولايات المتحدة بانها تؤدي دور “المنقذ” لكوكب الارض من جميع المخاطر السياسية والاقتصادية والامنية وحتى الصحية، لكن من يشاهد تلك الافلام السينمائية يعرف جيدا ان سينما هوليود شيء والواقع شيء مختلف تماما.
أمريكا هوليود هي منقذ العالم، اما أمريكا الواقع فهي السارق الأول والقاتل الأول للبشرية، ليس هذا تجنياً، ولا وتزويرا على دولة عظمى، وضعت اسمها في سجلات الأقطاب العالمية التي احتلت مكانة الدولة الأكبر في القرن العشرين والسنوات العشرين من القرن الحادي والعشرين، الا ان هذه العظمة قائمة على منهج خاطي، منهج إبادة من يقف في طريق العظمة الامريكية، ولا نريد هنا البحث في التاريخ القديم لامريكا، بل في السنوات المنظورة.
أمريكا اولاً، أمريكا تعاقب الجميع
منذ مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتسنمه منصب الرئيس الخامس والاربعون لبلاده، وهو يقدم حزم العقوبات على جميع الدول بدون استثناء، بدأها من ايران وكوريا ثم الصين وروسيا ثم تركيا والاتحاد الأوربي ثم الى أمريكا اللاتينية حيث الدولة النفطية فنزويلا، عاقب ايران لانها ارادت تحصين نفسها عسكريا (بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع نظامها السياسي فمن حق ايران تطوير منظومتها العسكرية وليس من حق أي دولة في العالم معاقبتها)، جوع الشعب الإيراني وبنفس الامر فعلها مع الشعب الكوري، عاقب الصين لانها دولة تنتج جميع السلع ولجميع دول العالم وبثمن رخيص، وهذا الثمن الصيني سوف ينقذ الكثير من شعوب العالم، لكن هذا لا يحلو لامريكا التي تريد تجويع الاخرين وتبقى هي المسيطرة وهي “المنقذ السينمائي” لهذا العالم البائس، عاقبت تركيا لانها ارادت انقاذ نفسها من الغطرسة الامريكية وعاقب الاتحاد الأوربي لانه أراد تطوير منظومته الصناعية وتقديم خدمة جليلة للمجتمع البشري، هددت أمريكا حليفتها السعودية لانها لم تقدم بعض المليارات عنوة لواشنطن المثقلة بالديون.
من ينظر للعقوبات الامريكية فانها تحمل ابعادا ديكتاتورية همجية ولا علاقة لها بالتقدم العلمي ولا المنظور “الانقاذي للبشرية”، لا هي تريد اصلاح العالم ولا تطويره، أمريكا تريد عالما وكوكبا يخلو من التطور وتبقى هي الوحيدة التي تقدم الغذاء والدواء والأسلحة لشعوب فقيرة ومن ثم تاتي لتقول لهم “انني انقذتكم”، ومتى ذلك؟ عندما تسرق براءات اختراعهم وعلمائهم ونفطهم، هل نسينا كيف فرض ترامب على دول الخليج زيادة انتاج النفط من اجل تخفيض أسعاره، وكيف اثرت الأسعار المخفضة على اقتصادات الدول النامية، وكيف تم تجويع الدول الجائعة أصلا؟
السياسة الامريكية لم تربك الحسابات العالمية وحسب بل عرضت الكوكب لحروب خطيرة، حروب اقتصادية واستغلال بشع للدول الأخرى لانها تنافس أمريكا فقط، واليوم بعد انتشار وباء كورونا نجد أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تريد الاستيلاء على حقوق انتاج العقار المضاد للفيروس واحتكاره ومنع الاخرين من الوصول اليه، بينما تقوم الدول بالتعاون فيما بينها من اجل انقاذ الجنس البشري، لماذا تريد أمريكا انتاجا حصريا للعقار المضاد لكورونا؟ هل لإنقاذ الكوكب ام لاحتكار العلاج ومن ثم اجبار الشعوب الأخرى على الخضوع مرة أخرى للمنطق الديكتاتوري الأمريكي؟ عالم اليوم لا يريد من أمريكا الذهاب في رحلة بين النجوم لايجاد كوكب جديد صالح للعيش، عالم اليوم يريد من أمريكا ترك الجنس البشري يمارس حياته من دون ضغوط ومن دون عقوبات ومن دون احتكار لحقوق المعرفة، فالعلم للبشرية جميعا ولا يجوز لاحد احتكاره، هكذا يمكننا انقاذ البشرية.