ترجمة: ابراهيم قنبر
يَظهر جليًّا أنّ معظم الأوبئة الرئيسية في العصر الحديث والتي كان لها أثرٌ كبيرٌ على الاقتصاد العالمي قد نشأت بالأصل في الصين وانتقلت إلى العالم من هناك.
أيضًا وممّا لا يقبل النقاش أن نجاح طريق الحرير الجديد، يتطلب تغييرًا جذريًّا في السياسة الصحية الصينية، ذلك لأنّ ردّ الفعل الصيني على وباء كورونا يتمّ فرضه من خلال رغبة بكين في إرسال رسائل سياسيةٍ قويةٍ إلى المجتمع الدولي، هذا بالإضافة إلى حاجتها الماسّة إلى مكافحة انتشار الفيروس.
لا يزال وباء كورونا يبعث على قلقٍ متزايد، إذ بدأ تأثير هذا الفيروس وبشكلٍ أساسي في الصين، لكنّه في الأيام الماضية بدأ يمتدّ إلى ما وراء الحدود الصينية ليشمل بشكلٍ خاصّ إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية.
فقد أُحصي يوم الثلاثاء ٢٥ شباط/فبراير ٨٠ ألف إصابة و٢٦٢٠ حالة وفاة، بالمقارنة مع هذه الأرقام وحسب (مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC ) فإنّ الإنفلونزا تسبّبت في موسم ٢٠١٧- ٢٠١٨ ب٨١٠ ألف إصابةٍ توفي منها ٦١ ألفًا في الولايات المتحدة وحدها.
لكن تبقى حالة عدم اليقين فيما يخصّ هذا الفيروس أكثر ما يثير الخوف والهلع لدى كثيرٍ من الدول، وهذا بالتأكيد أحد الأسباب التي دفعت الصين إلى فرض حجرٍ على عشرات الملايين من الأشخاص وبناء مشفى خلال عشرة أيام فقط.
وكما كان الحال مع فيروس H1N1 فمن المحتمل أن يتمّ اتهام السلطات الصينية في وقتٍ لاحقٍ بأنها بالغت كثيرًا في ردّ فعلها، ولكن وإن ظهر نهاية المطاف أنه بالفعل كان مبالغًا فيه سيكون وقتها أقلّ شرًّا مقارنةً بالوباء الذي لا تتمّ إدارته بشكلٍ جيد.
وراء هذا الشعور الذي يتزايد لدى العديد من المراقبين، يمكن تطوير رؤيةٍ أخرى، ففي واقع الأمر ربّما يكون ردّ فعل الصين مبالغًا فيه بسبب رغبتها بإرسال رسائل قويةٍ إلى المجتمع الدولي، وبشكلٍ خاصّ إلى الموقّعين على الاتفاق المتعلق بطريق الحرير الجديد، بالطبع هذا بالإضافة إلى حاجة بكين إلى مكافحة انتشار الفيروس بالدرجة الأولى.
الإمبراطورية الوسطى الجديدة:
أطلقت الصين في عام ٢٠١٢ خطّة استثمارٍ دوليةٍ طموحةٍ تهدف إلى زيادة نفوذها التجاري في العالم، منذ ذلك الحين وقّعت ٦٠ دولةٍ على هذا الاتفاق.
بذلك بدأت بكين في إطلاق هذه الخطة الاستثمارية بقيمة ١٠٠٠ مليار دولار فيما يسمى بـطريق الحرير الجديد، ويُطلق عليه أيضًا / one Belt on Roads”حزامٌ واحد طريقٌ واحد”، حيث نظرت الدول الموقّعة على هذه الاتفاقية إلى هذه العملية على أنّها: اتفاقية رابح/رابح.
بالنسبة للبلدان الآسيوية أو الأوروبية أو الأفريقية فإن الأمر يتعلق بشكلٍ ملموسٍ بالترحيب بالاستثمارات الصينية الضخمة التي تهدف إلى إنشاء الهياكل الأساسية البرية والبحرية والسكك الحديدية وتجديدها، وكذلك توفير آلاف الوظائف من خلال هذه العملية الاقتصادية الضخمة.
على الجانب الصيني فإن هذا “الحزام” يُفترض أن يغطّي في نهاية المطاف ثلثي سكان العالم، ويهدف إلى تطوير وتسهيل التجارة الدولية، كما ينبغي له أن يضمن الرخاء الاقتصادي للبلاد واستغلال الطاقة.
أما في أوروبا، تفتتح إيطاليا العملية بدخول الخطة حيز التنفيذ في مينائي تْريستا وجِنَوة، وكان من دواعي سرور فرنسا الافتتاح المرتقب لخط السكك الحديدية الذي يربط ليون بمقاطعة ووهان فضلًا عن دخول ميناء مرسيليا ضمن الخطّة.
من جانبها رحبت اليونان باستثماراتٍ تصل إلى ٦٦٠ مليون، وفتحت ذراعيها لجعل ميناء بيرايوس أكبر ميناءٍ في أوروبا.
كذلك فقد انضمّت بلدانٌ أخرى في آسيا إلى الخطّة مثل أفغانستان وتايلاند وسيريلانكا، والقارة الأفريقية ليست جانبًا، حيث ستستفيد مما مجموعه 15% من الاستثمارات، إذ سيتمّ التركيز على تطوير هياكل موانئ في كينيا ومصر، وكذلك هياكل السكك الحديدية في باقي دول المنطقة.
“حزامٌ واحد طريقٌ واحد” هل يمضي إلى الأسوأ أم إلى الأفضل؟
إذا كان الهدف خفض المسافات بين الصين والدول المُوقّعة على الاتفاقية فسيترتب عليها نتائج مباشرة على زيادة التجارة، وبالتالي زيادة الاعتماد على السوق الصينية.
يُذكر أنه منذ بداية هذا القرن تضاعفت حصّة الصين في التجارة العالمية من الناحية العملية، حيث يشكّل السوق الصيني كمثالٍ على ذلك ٣٠٪ من حجم مبيعات LVMH و٤٠٪ من الأرباح في عالم السيارات رقم واحد(شركة VW).
تاريخيًّا كانت التجارة في كثير من الأحيان تتأثر من انتشار الأوبئة، فيُذكِّرُنا فيروس كورونا على سبيل المثال بالطاعون الأسود الذي تسبب في إبادة ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر، والجدير بالذكر أنّ هذا المرض أيضًا وصل إلى أوروبا من الصين، وتحديدًا مرورًا بطريق الحرير في ذلك الوقت.
تمّ تصديرُ وباء طاعونٍ آخر يسمى “طاعون الصين” إلى أوروبا وأمريكا عن طريق البحر في بداية القرن العشرين، وفي الآونة الأخيرة في عام ٢٠١٧ تبين أن السارس، الذي انتشر في عام ٢٠١٣، قد نشأ في كهفٍ في مقاطعة يونان الصينية، حيث أثّر هذا الوباء على ثلاثين دولةٍ وكلّف الاقتصاد العالمي أكثر من ٥٤ مليار دولار.
في كلمةٍ ألقاها في منتدى التعاون الصحي في الصين عام ٢٠١٧، أشاد الدكتور تيدروسالمدير العام لمنظمة الصحة العالمية بمبادرة الرئيس شي جين بينغ بإنشاء “طريق حريرٍ صحي” والذي من شأنه “تقوية وتجديد العلاقات القديمة بين الثقافات والشعوب من خلال إعطاء مكانةٍ مركزيةٍ للصحة”.
كم من السهل قول مثل هذه الكلمات وكم من الصعب تنفيذها وتحويلها واقعًا، وهذا ما يثير السخرية في مبادرات كهذه.
ليس لدى الصين الآن بعد أن انتشر فيها فيروس كورونا أي اختيار سوى العمل على الجبهة الصحية بشكلٍ جدي أو المجازفة بطريق حرير جديد طويل جدًّا ومليءٍ بالمخاطر.
سمير أيوب ولوك مونييه لصحيفة لا تروبين ٢٦ شباط/فبراير ٢٠٢٠
رابط المصدر: