نـــــزار حيدر
بينهُما ٢٣ عاماً.
الأَوَّل نيسان الأَحمر وكان عام ١٩٨٠.
والثَّاني نيسان الأَسود وكان عام ٢٠٠٣.
الأَوَّل حدثَ عندما ارتكبَ نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين ثلاثة أَبشع جرائم، وهيَ؛
– حملات الإِعدام الجماعيَّة بعد أَن كانَ قد ملأَ السُّجون والمُعتقلات بالأَحرار {مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} ومن مُختلف شرائح المُجتمع، مِن الذين رفضُوا سياساتهِ التدميريَّة القائِمة على نظريَّة [الدَّولة المُغلقة].
– إِعدام المرجِع الدِّيني والفقيه المُجدِّد والمفكِّر الإِستثنائي الشَّهيد السَّعيد آية الله العُظمى السيِّد محمَّد باقر الصَّدر والذي خسِرت البشريَّة والعراقيُّون على وجهِ التَّحديد بغيابهِ عن السَّاحة الفقهيَّة والعلميَّة الحوزويَّة عَلماً نادِراً كانَ لهُ أَن يُساهم بشكلٍ واسعٍ في إِعادة صياغة العقل البشري من جَدِيد.
– عمليَّات التَّهجير والتَّسفير والإِبعاد القسري لشريحةٍ واسعةٍ من الشَّعب العراقي الأَصيل، وأَقصد بها الكُرد الفيليُّون [فضلاً عن شرائحَ أُخرى] والذين تنكَّر لهُم النِّظام الظَّالم ولتاريخهِم ومساهماتهِم ودورهم وتضحياتهِم في بناءِ العِراق منذُ أَقدم العُصور وفي أَحلك الظُّروف وأَشدَّها خطُورة.
لقد تنكَّر النِّظام لكلِّ ذلكَ ليسلبهُم حقوقهُم الماديَّة والمعنويَّة ويسلبهُم حق المُواطنة ثمَّ يرميهِم على الحدُود في حالاتٍ إِنسانيَّةٍ يُرثى لها.
ذاكَ كانَ نيسانُ الأَحمر الذي اصطبغَ لونهُ بلونِ الدَّم والمُعاناة والمأساة الإِنسانيَّة التي حلَّت بالوطن.
أَمَّا نيسان الثَّاني الأَسود فحدث عام ٢٠٠٣ عندما قادَ عنادُ الطَّاغية البلادَ إِلى الغزوِ الأَجنبي وفُقدان السِّيادة والإِستقلال.
ذاكَ النيسانُ الأَسود كانَ يُمكنُ أَن يكونَ أَبيضاً لَو أَنَّ البديل الذي اعتلى السُّلطة بعدَ سقُوط الصَّنم قدَّم أَداءً أَفضلَ وعلى مُختلف الأَصعِدة.
لو كانوا [رِجال دَولة] وليسُوا [عِصابة حاكِمة] على غرار عصابة الطَّاغية.
لَو كانَ البديلُ قد نجحَ في بناءِ دَولةِ المُواطنة لنسِيَ العراقيُّون [رُبما] نيسان الأَحمر!.
لَو كانَ البديلُ قد نجحَ في بناءِ نظامٍ سياسيٍّ تشارُكيٍّ حقيقيٍّ القانُونُ فيهِ فوقَ الجميع، لا يتميَّزُ فيهِ مُواطنٌ عن آخر إِلَّا بالقُدرة على الخدمةِ والإِنجاز والنَّجاح بنزاهةٍ وبِلا مُحاصصةٍ، لنسِيَ العراقيُّون [رُبما] نيسان الأَسود!.
ولَو أَنَّ البديلَ قد نجحَ في تكريسِ مفاهيمِ الحريَّة والعدل والمُساواة والأَمن والعدالة الإِجتماعيَّة وتكافُؤ الفُرص لنسيَ العراقيُّون [رُبما] كلَّ مُعاناتهِم التي ذاقُوها على مدى ٣٥ عاماً عِجافاً هي فترة حُكم نظام الطَّاغية.
ولو أَنَّ البديل قد نجحَ في بناءِ دَولةٍ عصريَّةٍ وحضاريَّةٍ لا تحكمها الدَّولة العميقة ولا يُهدِّدها السِّلاح السِّياسي خارج سُلطة الدَّولة ولا تُرعِبُ مُواطنيها ميليشيات أَحزاب السُّلطة ولا تُشهِّر بالمُجتمع جيوشها الإِليكترونيَّة وجوكرها وأَبواقها وذيُول [العِجل السَّمين].
دَولةٌ وطنيَّةٌ مِعيارُها المُواطنة حصراً وليس مدى حجم الذَّيليَّة لـ [الغُرباء] والولاء للأَحزاب والكُتل والزَّعامات، ولا للمذهبيَّة والإِثنيَّة والمناطقيَّة والعشائريَّة والأُسرةِ والتَّقليد المرجعي والإِلتزام الدِّيني.
دولةٌ ذاتَ سيادةٍ تحترم قرارها الوطني وتحمي مصالحها الوطنيَّة العُليا وأَمنها الوطني والإِقليمي بعيداً عن تدخُّل [الغُرباء] ونفوذهُم وعبثهُم بشؤُونِها.
دَولةٌ لا تزجُّ أَو تُورِّطُ نفسها بمشاكلِ الآخرين حتَّى تحوَّلت إِلى ساحةٍ مُفضَّلةٍ وسهلةٍ في مُتناوَل اليدِ لتَصفيةِ [الغُرباء] حساباتهُم معَ بعضهِم متى أَرادُوا عِبرَوكلائهِم!.
ولمَّا فشلَ البديلُ في كلِّ ذلكَ، استرجعَ العراقيُّون كلَّ الماضي وتلكَ الذِّكريات الأَليمة، فيما تطرَّف آخرُون [مِن ضحايا نظام الطَّاغية] عندما عبَّرُوا، بصَوتٍ عالٍ،عن أَمانيهِم ورغبتهِم بعَودةِ عقاربِ الزَّمن إِلى الوَراء.
وتطرَّف آخرُون [مِن الضَّحايا كذلكَ] عندما بدأُوا يُعيِّرُون ضحايا عمليَّة التَّهجير القسري كونهُم [مُسفَّرُون] لا يحقُّ لهُم المُشاركة في الشَّأن العام في البلادِ، وكأَنَّهُم يُمجِّدونَ الجريمة!.
كما اتَّسعت الفجوة بينَ مفهومَي [عراقيُّو الخارِج والدَّاخل] بعد أَن كانت هِجرة [عراقيُّو الخارج] دُرَّةً في جباههِم! بصفتِها [هجرةٌ في سبيلِ الله].
فعِندما تعرَّضت مؤَخَّراً أَحد الأَقلام الحُرَّة الشَّريفة والشُّجاعة [العِراقيَّة العربيَّة الأَصيلة] لحملةِ تشهيرٍ ظالِمةٍ مِن قِبل الجيُوش الأَليكترونية التي يديرُها [القائد الضَّرورة] ومِن قِبل أَبواقهِ وذيُول [العِجل السَّمين] أَخذُوا عليهِ أَنَّهُ [مُسفَّرٌ] عادِّين عمليَّات التَّهجير الظَّالمة من بطُولات الطَّاغية ومِن أَعمالهِ التاريخيَّة العظيمة! التي يُعيَّر بها [المُسفَّرون].
آخر، وهوَ عِمامةٌ فاسِدةٌ تقيمُ هُنا في واشنطن، يدُورُ في الأَسواق مُحذِّراً من مغبَّة التَّعامل معَ [المُسفَّرين] كونهُم [عجَم] لا علاقةَ لهُم بالعِراقِ الجَديد!.
وتطرَّف آخرُون من الضَّحايا كذلك ليكفُروا بالشَّهيد صاحب الذِّكرى عندما رأَوا أَنَّ منهجهُ الفكري والحَركي أَنتجَ جماعةً بائِسةً فاشِلةً فاسِدةً تافِهةً مُنافقةً بكلِّ معنى الكلِمة دمَّرت البِلاد وضيَّعت المُستقبل عندما استُخلِفت في السُّلطة بعدَ طولِ انتِظار.
وآخرَ أَعمى {يَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ، وَيَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ} يقودُ قطيعاً من الجهَلةِ {عَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ}.
وكلُّ خشيتي أَنَّنا مُستقبلُونَ يوماً ينسى فيهِ العراقيُّون كلَّ شيءٍ مرَّ عليهِم والذي صبغَ أَيَّامهُم بالأَحمر القاني والأَسود الدَّاكن، إِذا ظلَّت [العِصابة الحاكِمة] تدفع بالبلدِ إِلى الهاوِية!.
من الصَّعبِ جدّاً إِقناعُ جيلٍ لم يعِش زمن ما قبلَ ٢٠٠٣ كونهُ كان سيِّئاً، ونحنُ فشلنا في تقديمِ البديلِ السَّليم.
من الصَّعبِ جدّاً إِقناعهُ بأَنَّ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين كانَ ظالماً وهوَ يرى كلَّ هذا الظُّلمِ مِن [البديل].
من الصَّعب جدّاً أَن نقنعهُ بالتطلُّع إِلى المُستقبل وقد تساوى يوماهُ؛ ما قبلَ وما بعدَ ٢٠٠٣.
الجيلُ الجديد لا يهمَّهُ الماضي بمقدار إِهتمامهِ بالحاضر والمُستقبل، فهو لم يصنع الماضي ولكنَّهُ يعيش الحاضر.
إِنَّهُ لا يعيشُ عُقدة الماضي كما نعيشها، ولذلك فمِنَ الصَّعبِ جدّاً أَن يعِيهُ كما نتصوَّرهُ في يقظتِنا ومنامِنا في ظلِّ بديلٍ جمعَ لهُ اللَّونَينِ [الأَحمر والأَسود].
رابط المصدر: