انسحبت إثيوبيا من إجتماعات سد النهضة الإثيوبي المنعقدة بواشنطن نهاية فبراير الماضي، ودخلت الأزمة مرحلة جديدة من الصراع على مياه النيل بين مصر واثيوبيا. وأعربت وزارة الخارجية ووزارة المياه والري والطاقة في إثيوبيا، في بيان نشرته على موقع التواصل الإجتماعي لوزارة الخارجية، عن خيبة أمل في البيان الصادر عن وزارة الخزانة الامريكية بشان سد النهضة الاثيوبي الصادر في 28 شباط / فبراير 2020 عقب الإجتماع الذي عقد دون مشاركة اثيوبيا. (1)
ورفضت الحكومة الإثيوبية الدور الأمريكي واعتبرته تدخلًا غير مقبول. ووصلت المفاوضات القائمة بين مصر وإثيوبيا والسودان إلى طريق مسدود. فقال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، ديميك ميكونين، والذي يشغل أيضًا منصب رئيس المجلس الوطني لبناء سد النهضة الإثيوبي “إن التدخل الخارجي والتحرك للضغط على إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة أمر غير مقبول، وإن أي تحرك لإخبارنا بما يجب أن نفعله وما يجب ألا نفعله غير مقبول”، وذلك في اجتماع الدورة الثانية عشرة العادية للمجلس، والتي عقدت يوم الجمعة 5 مارس الماضي. (2)
وزير المياه والري والطاقة، سيليشي بيكيلي، قال إنه على الرغم من دعوة الولايات المتحدة في المفاوضات كمراقب، إلا أنها تصرفت لاحقًا كوسيط، ثم صاغت اتفاقًا، وهو أمر غير مقبول من الجانب الإثيوبي. وفي كلمتها قالت رئيسة الدولة، سهلي ورك زودي، إن السد هو أكبر من مجرد كونه مشروع تنموي، وسيبدأ ملء السد في شهر يوليو القادم، ويتم استكمال السد بالكامل في عام 2023. (3)
إثيوبيا تفرض الأمر الواقع
وكشفت أثيوبيا عن إصرارها على المضي قدمًا في إنجاز بناء السد دون انتظار لنتائج المفاوضات مستغلة توقيع مصر على إعلان المبادئ في الخرطوم في 23 في مارس 2015. وقد جاء في بيان وزارتي الخارجية والمياه والري والطاقة الإثيوبي أن: “إثيوبيا بوصفها مالك سد النهضة سوف تبدأ في الملء الأول للسد بالتوازي مع بناء السد كما ينص عليه الاتفاق المتعلق باعلان المبادئ”. (4)
وهذا من شأنه أن تفرض اثيوبيا سياسة الأمر الواقع وتقوم بإنجاز بناء السد والبدء في تشغيله دون تنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان، وهي السياسة التي حذر منها الجنرال عبد الفتاح السيسي في حواره مع عدد من الشخصيات الأميركية المؤثرة داخل المجتمع الأميركى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ونقلته بوابة الأهرام الرسمية. (5)
تداعيات كارثية للسد على الحياة الإقتصادية والإجتماعية في مصر
إقدام إثيوبيا على الإنتهاء من ملء السد بالكامل في 2023، أي بعد 4 سنوات من الآن، وفق تصريح رئيسة الدولة، يعني أن حصة مصر من مياه النيل الأزرق ستنخفض بمقدار 25 مليار متر مكعب في السنة. هذه الكمية يمكن تعويضها من المخزون الحي لبحيرة ناصر ولكنه سيفرع تماما بعد 3 سنوات. وفي السنة الرابعة تفقد مصر 25 مليار متر مكعب من حصتها، ما يؤدي إلى تبوير 5 ملايين فدان وتشريد 5 ملايين مزارع يعولون 5 ملايين أسرة تضم 25 مليون مواطن. (6)
وقد كشف وزير الري المصري الحالي، محمد عبد العاطي، عن خطورة سد النهضة على الحياة الزراعية والاقتصادية في مصر أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة، وقال إن فقدان مصر 2% من المياه، ما يعادل مليار متر مكعب، يعني فقدان 200 ألف أسرة وظائفها ويعرضهم للتطرف. المصري اليوم في 2 أبريل 2018. (7)
بالإضافة إلى تدهور الأراضي الزراعية القريبة من البحر المتوسط في شمال الدلتا بسبب زحف مياه البحر المالحة تحتها، وتخفيض مساحة زراعة الأرز الذي يتغذى عليه غالبية المصريين، وقد تحولت مصر بالفعل إلى استيراد الأرز من الصين والهند بعد أن كانت تصدره قبل الأزمة. وسوف يزيد فاتورة استيراد الغذاء، لأن مصر تعاني عجزاً في إنتاج القمح قدره 60%، والذرة 50% وزيوت الطعام 92%، بسبب وجود عجز مائي قدره 20 مليار متر مكعب قبل أن تبدأ أثيوبيا في احتجاز المياه. العربي الجديد 26 مارس 2015. (8)
ليس هذا فحسب، إذ يتوقع خبراء التنمية الريفية بمركز البحوث الزراعية في مصر أن يسبب سد النهضة زلزالًا في المجتمع الريفي يبدد نسيجه الاجتماعي الذي استقر عبر آلاف السنين. وأكدوا أن نقص الحصة السنوية من مياه النيل يؤدي إلى زيادة الفجوة الغذائية وارتفاع أسعار الغذاء، ومعدلات الفقر الريفي، ومعدلات الإصابة بالأمراض، وزيادة جرائم السرقة وتعاطي المخدرات والعنف، والبطالة والفقر، وبالتالي زيادة معدلات هجرة الريفيين الداخلية إلى المدن، والخارجية إلى الدول العربية، وزيادة موجات الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي. (9)
اعتراف مصر بفشل المفاوضات
اعترفت مصر رسميًا بفشل المفاوضات في الوصول لحل يحقق مصالح مصر المائية، وأقرت بتعنت وبسعي إثيوبيا لفرض الأمر الواقع والسيطرة على النيل. وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيان حول الاجتماع الوزاري الذي عُقد في أديس أبابا وقالت فيه أن الاجتماعات الوزارية الأربعة التي عقدت على مدار الشهرين الماضيين لمناقشة قواعد ملء وتشغيل سد النهضة لم تفض إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت أثيوبيا وتبنيها لمواقف مغالى فيها تكشف عن نيتها في فرض الأمر الواقع وبسط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، كل ذلك بما يخالف التزامات إثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس 2015، وكذلك اتفاقية 1902 التي أبرمتها إثيوبيا بإرادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية 1993 التى تعهدت فيها بعدم إحداث ضرر لمصالح مصر المائية، إلا أن إثيوبيا تسعى للتحكم فى النيل الأزرق كما تفعل فى انهار دولية مشتركة أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة. (10)
وأكد البيان أن هذا المنحى الأثيوبي المؤسف قد تجلى في مواقفها الفنية ومقترحاتها التي قدمتها خلال الاجتماعات الوزارية، والتي تعكس نية أثيوبيا ملء خزان سد النهضة دون قيد أو شرط ودون تطبيق أية قواعد توفر ضمانات حقيقة لدول المصب وتحميها من الأضرار المحتملة لعملية الملء. كما توضح مصر أن سبب رفض إثيوبيا تصريف الإيراد الطبيعي أثناء عملية تشغيل سد النهضة يرجع الى نيتها لتوظيف هذا السد والذى يستهدف فقط توليد الكهرباء لإطلاق يدها في القيام بمشروعات مستقبلية واستغلال موارد النيل الأزرق بحرية تامة دون الإكتراث بمصالح مصر المائية وحقوقها التي يكفلها القانون الدولي، وفق هيئة الإستعلامات المصرية.
موقف مصر التفاوضي يزداد ضعفاً
أكدت دراسة أعدها المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في يوم 11 مارس الماضي، تحت عنوان: “صراع النيل: التعويض بدلاً من الوساطة” على فشل مبادرة الولايات المتحدة تمامًا واحتمال استمرار الأزمة دون حل لمدة طويلة، الأمر الذي يضر بموقف مصر التفاوضي والذي يزيد ضعفًا بمرور الوقت. وقد صرح مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، بأن الأمر قد يستغرق أشهر قبل التوصل إلى إتفاق. وبما أن ثلاث جولات من المفاوضات في واشنطن قد فشلت بالفعل في تحقيق أي نتائج ملموسة، فإن الفشل التام للمبادرة الأمريكية لا يمكن استبعاده، وفق الدراسة الألمانية. (11)
إثيوبيا لديها اكتفاء من الكهرباء وفائض للتصدير
إن الجدوى الاقتصادية المتوقعة من مشروع سد النهضة، والمعلنة على الأقل من جانب اثيوبيا، تنحصر في الطاقة الكهرومائية التي سينتجها السد. ورغم أن اثيوبيا تدعي أنها في حاجة إلى بناء سد النهضة للحصول على الكهرباء اللازمة للتنمية وعلاج الفقر، لكن الإنتاج المحلي من الكهرباء يغطي الإستهلاك المحلي، وتقوم بتصدير الفائض منه بعد تشغيل مجموعة سدود جيبي، وتاكيزي، وهاليلي، وغيرها من محطات الرياح. إذ صرح مدير العلاقات العامة والاتصالات في وزارة المياه والري والكهرباء، بزونه تولشا، لوكالة الأنباء الإثيوبية، بأن أثيوبيا تمتلك نحو 4625 ميجاوات من الكهرباء، وتقوم بتصدير نحو 190 ميجاوات منها حالياً إلى السودان بنحو 100 ميجاوات، ولجيبوتي نحو 80 ميجاوات، ولكينيا بنحو 10 ميجاوات. (12) وكالة الأنباء الإثيوبية، أثيوبيا تكمل دراسات الجدوى لتصدير الكهرباء إلى مصر
البروفيسور ديل ويتنغتون وهو أستاذ الهندسة المدينة والإدارة الدولية لأحواض الأنهار في جامعة كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية وتركزت أبحاثه على إدارة حوض نهر النيل، كتب مقالًا بعنوان “لماذا هناك حاجة إلى مفاوضات فنية لسد النهضة الإثيوبي؟”، نُشر في موقع كونفرزاشن في 8 يونيو 2016، قال فيه أن بيع الطاقة الكهرومائية لسد النهضة هو عنصر أساسي في المفاوضات بين مصر وأثيوبيا، لأن إثيوبيا لا تستطيع استخدام جميع الكهرباء المولدة من السد على المدى القصير والمتوسط، فسوقها المحلي للكهرباء صغير جدا، ولديها مشاريع طاقة مائية أخرى قيد الإنشاء، لذا تسعى إثيوبيا لبيع الكهرباء إلى جيرانها. (13)
وقال ديل، أن النجاح المالي لسد النهضة الإثيوبي يعتمد إلى حد كبير على قدرة اثيوبيا على بيع الطاقة الكهرومائية في أقرب وقت ممكن وبسعر معقول. تعد كينيا سوقا صغيرا لمبيعات الكهرباء. من مصلحة مصر والسودان، وكذلك من إثيوبيا، أن يبدأ بناء خطوط نقل الكهرباء من سد النهضة إلى السودان في أقرب وقت ممكن.
الخبير الإثيوبي المتخصص في السياسات المالية الإثيوبية، ايزانا كيبيدي، شكك في جدوى تصدير كهرباء سد النهضة إلى دول مثل إريتريا وجنوب السودان واليمن كما تزعم حكومة بلاده، لأن الثلاث دول الأخيرة لا تزال في حالة حرب أهلية ولن تشتري الكهرباء حاليًا. وقال في مقاله المنشور بتاريخ 30 مارس/آذار 2015 بعنوان “تمويل سد النهضة” أن اثيوبيا لم تبع سوى 400 ميغاواط لكينيا، و60 ميغاواط لجيبوتي الفقيرة، وتساءل كيبيدي، لمن ستبيع الباقي من 6000 ميغاوات؟! وقال كيبيدي أنه ليس أمام إثيوبيا إلا أن تبيع كهرباء سد النهضة إلى مصر، وإلا فقد السد جدواه وفشل في تغطية نفقات التشغيل والصيانة، فضلًا عن تحقيق أرباح للمساهمين. (14)
إثيوبيا تكشف عن طلب مصر شراء كهرباء السد ومصر تنفي
ينص المبدأ السادس من اتفاق المبادئ الذي وقعه الجنرال السيسي في الخرطوم في مارس 2015 الخاص ببناء الثقة على أنه “سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة”، حيث يؤكد مناقشة شراء مصر والسودان كهرباء سد النهضة بدلًا من مقاطعتها.
كشفت وزارة المياه والري والكهرباء الاثيوبية عن أن مصر قد أبدت اهتماما لشراء الطاقة الكهربائية من أثيوبيا وأن الوزارة بدورها قد أكملت الدراسات المتعلقة بهذا الصدد، وأنهت دراسة الجدوى التي أجريت حول إمكانية تصدير الكهرباء إلى كل من مصر والسودان وجيبوتي. وصرح مدير العلاقات العامة والاتصالات في وزارة المياه والري والكهرباء السيد بزونه تولشا لوكالة الأنباء الإثيوبية بأن المشاورات جارية حالياً مع السلطات المصرية لبحث سبل البدء في امدادات الطاقة للبلاد. (15)
وفي تعليقها على الخبر، نفت وزارة الكهرباء المصرية بشدة الإدعاء الأثيوبي، ونفت وجود أي شراكة مع إثيوبيا. وفق صحيفة “المصريون” في 2 مايو 2017. (16) لكن خبراء الموارد المائية والري اعتبروا أن ما تتداوله إثيوبيا قد يكون حقيقيًا، وعللوا ذلك بأن مصر لم يكن لها رد فعل على التجاوزات الإثيوبية طوال فترة التفاوض التي استغرقت سنوات طويلة، مؤكدين أن اتفاقية المبادئ أيضًا تتضمن بنود توحي بأن مصر قد تستفيد من الكهرباء. وقال الدكتور أحمد الشناوي، خبير السدود الدولي، إن هذا الأمر “غير مستبعد”، بعد ما وصفه بـ “الانبطاح” أمام إثيوبيا، لافتًا إلى أن مصر هي من سلمت بنفسها رقبتها إلى أعدائها. وأشار إلى خطورة العقلية التفاوضية مع إثيوبيا، معتبرًا أنها تتنازل عن حقوق مصر التاريخية، وفق صحيفة المصريون.
وفي وقت سابق، اعترف وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، في ندوة “مشكلات الطاقة المتجددة” بنقابة المهندسين المصرية في 26 أكتوبر 2014، بأن هناك دراسات متعلقة بإمكانية شراء كهرباء سد النهضة وأن الأمر يحتاج إلى قرار سياسي، وفق بوابة فيتو المصرية. (17)
شراء كهرباء سد النهضة تحت غطاء الربط الكهربائي
كشف وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، عن أن الإدارة الأمريكية أرسلت مبادرة لمصر للتعامل مع أزمة سد النهضة تتضمن اعتراف مصر بسعة السد الإثيوبى ثم تتفاوض مع إثيوبيا لاحقًا حول سنوات ملء السد وسياسات تشغيله وتعهد مصر بشراء الجزء الأكبر من كهرباء السد. وقال أنه قد يتفاجأ البعض بأن المبادرة الأمريكية تتطابق مع صياغة وثيقة إعلان مبادئ مارس 2015، وفق مقاله بصحيفة الوطن المصرية بتاريخ 30 يناير 2016. (18)
وفي فبراير 2018، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء المصرية، أيمن حمزة، أنه جار تحديث عدد من الدراسات السابقة للربط الكهربائي مع السودان وإثيوبيا. وفق الأهرام في 8 فبراير 2018. (19) وقال إن الربط مع السودان سيمكن دول إفريقية مثل الكونغو وإثيوبيا من تصدير قدرات كبيرة الى أوربا عبر الشبكة المصرية، وفق تصريحه لموقع باور نيوز في 11 إبريل 2018. (20)
وفى مؤتمر أفريقيا 2017، والذي عقد خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر في مدينة شرم الشيخ المصرية، صرح وزير الكهرباء المصري أن مصر تعمل على تنفيذ الربط الكهربائى المشترك بين شمال وجنوب البحر المتوسط والمملكة العربية السعودية والسودان وأثيوبيا لتحقيق ما يعرف بالممر الأخضر لربط ونقل كهرباء اثيوبيا إلى أسيا وأوروبا عبر الأراضي المصرية. (21)
ولتحقيق هذا الهدف، وقّعت الشركة المصرية لنقل الكهرباء إتفاقية تاريخية شركة يورو أفريكا القبرصية لإنشاء وتشغيل خط الربط الكهربى بين شبكات الكهرباء فى مصروقبرص، وذلك في مقر مجلس الوزراء المصري في 23 مايو 2019. وقال رئيس الشركة أنه قد تم الإنتهاء من دراسات الجدوى للربط الكهربى بين إفريقيا وأوروبا بدعم من الجنرال السيسي. وفق موقع شركة يورو أفريكا على الإنترنت (22)
مقاطعة كهرباء سد النهضة
ومع خطورة الوضع التفاوضي المصري، وتهديد السد للأمن المائي والأمن القومي المصري، طالبت مجموعة حوض النيل المصرية، وهي تضم 15 من الأستاذة والخبراء والسفراء ووزراء الري بجامعة القاهرة والمركز القومي لبحوث المياه في سبتمبر 2015، بوقف المشاركة في التفاوض العبثي واللجوء إلي محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي للمطالبة بوقف بناء سد النهضة، وباستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف البناء في السد حتى إتمام الدراسات الفنية، استناداً إلى اتفاقية الأنهار الدولية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة عام 1997، خشية أن يؤدي السد إلى أزمة تشعل صراعًا مسلحًا يهدد سلم وأمن الإقليم، وهو ما لم يفعله الجنرال عبد الفتاح السيسي حتى الآن. (23)
في ظل تعنت الجانب الإثيوبي، وحتى تأخذ مصر برأي مجموعة حوض النيل، فإن إعلان مصر مقاطعة وحصار كهرباء السد والطعن في مشروعيتها هي ورقة مهمة يمكن أن تستخدمها للضغط على إثيوبيا من أجل إلزامها ببعض الإجراءات التي من شأنها تقليل الأضرار المتوقعة على مصر والسودان إلى حد يمكن تجاوز أثاره.
إذ يرى وزير الري الموارد المائية المصري الأسبق، الدكتور محمد نصر الدين علام، أن على مصر مقاطعة كهرباء سد النهضة وحصارها، بالتنسيق مع دولة السودان والصومال وجيبوتي، ومن ثم تهديد الجدوى الاقتصادية للسد، وخاصة أن اختيار موقع السد بالقرب من الحدود السودانية يهدف لتصدير معظم كهربائه. وفى حالة عدم قدرة إثيوبيا على تصدير الكهرباء، فإنه لا يوجد مجال آخر لاستخدام معظم كهرباء السد. سيما أن شبكات توزيع الكهرباء الإثيوبية لن تستطيع استيعاب أكثر من سدس القدرة الكهربية للسد والتى تبلغ 6000 ميجاوات. (24)
يقول علام إن نقل 1000 ميجاوات فقط من كهرباء السد من خلال خطوط ضغط عالٍ إلى الداخل الإثيوبى تتكلف ما يزيد على مليار دولار. وبالتالي فإن العائد من مبيعات هذه النسبة من الكهرباء لن يكفى لتغطية مصاريف صيانة وتشغيل السد. أمّا بقية كهرباء السد، 5000 ميجاوات، فلا تستطيع الشبكة الإثيوبية استيعابها. والتوسع فى شبكة توزيع الكهرباء الإثيوبية لاستيعاب هذه الكميات الهائلة من الكهرباء سيتطلب أكثر من ثلاثين عاماً وباستثمارات مالية هائلة لمد خطوط ضغط عالى لنقلها إلى الداخل وزيادة امتداد الشبكات الداخلية. ذلك بالإضافة أنه ليست هناك حاجة محلية حقيقية لكهرباء سد النهضة، لأن هناك سدوداً إثيوبية أخرى تم الانتهاء من بعضها، والآخر على وشك الانتهاء منها، لتوليد الكهرباء للاستخدام الداخلى وللتصدير لكينيا وجيبوتى والصومال، ومثال على ذلك سلسلة سدود جيب على نهر أومو.
ومن المتوقع، وفق علام، تحت هذه المقاطعة المصرية السودانية، ألا تقل الخسارة الإثيوبية من السد عن 6-7 مليارات دولار مما يؤثر على قدرة إثيوبيا فى رد القروض الداخلية والخارجية، وما لذلك من آثار سلبية على استقرار البلاد. بالإضافة إلى أن معاداة إثيوبيا لمصر سيفقدها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تستطيع استيعاب كميات هائلة من الكهرباء سواءً للاستهلاك المحلى أو للتصدير للدول العربية والأوروبية، مما يهدد بعرقلة مخطط السدود الإثيوبية والتى تهدف إلى تصدير الكهرباء للخارج.
وستؤدى المقاطعة المصرية السودانية للكهرباء إلى مشاكل عديدة فى تشغيل السد، حيث ستضطر إثيوبيا إلى إغلاق معظم فتحات مياه السد نتيجة لعدم تشغيل التوربينات، وسيؤدى ذلك إلى ارتفاع مناسيب المياه أمام السد إلى أن تخرج مياهه من مهرب الفيضان الواقع أعلى السد. وفى حالة حدوث فيضان عالٍ مفاجئ والسد ممتلئ بالمياه، فسوف تغمر مياه الفيضان جسم السد، ما يعرضه للانهيار، وفق علام.
إمتناع الصومال وجيبوتي عن شراء كهرباء سد النهضة يدعم الموقف المصري في المفاوضات مع إثيوبيا. سيما أن الدولتين أعضاء في جامعة الدول العربية. وقد اتخذ مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب قرارًا يرفض فيه أي مساس بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، وأن الأمن المائي لمصر هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. وأكد المجلس، في قرار بعنوان “سد النهضة الإثيوبي” صدر في ختام أعمال دورته الـ 153 برئاسة سلطنة عمان، على تضامن الدول الأعضاء مع مصر في مواجهة المخاطر والتأثيرات والتهديدات المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة دون التوصل لاتفاق عادل ومتوازن مع إثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. (25) وتستطيع جامعة الدول العربية مساعدة جيبوتي والصومال في إنشاء محطات كهرباء محلية والإستغناء عن كهرباء سد النهضة لدعم الموقف المصري.
الخلاصة
تحريك مصر ورقة “المقاطعة” لكهرباء سد النهضة التي تنوي اثيوبيا انتاجها وتصديرها عبر أراضيها، ومنع مرورها عبر الأراضي المصرية، والسعي لحصارها، وحث الصومال وجيبوتي، الأعضاء في جامعة الدول العربية، على مقاطعة كهرباء السد، يمكن أن تكون ورقة ضغط على النظام في اثيوبيا لتخفيض سعة الخزان إلى حجمه الأول، وهو 14 مليار متر مكعب، وحماية أمن مصر المائي، والمحافظة على استقرار الشعب المصري، الذي سوف تعاني أجياله الحالية والأجيال القادمة في المستقبل، من الآثار السلبية للسد على الأوضاع المائية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية.
الهامش:
- https://www.facebook.com/623401301020450/posts/statement-on-the-negotiations-on-the-grand-ethiopian-renaissance-dam-29-february/3419116894782196/
- https://www.ena.et/en/?p=13053
- https://www.ena.et/en/?p=13053
- https://www.ena.et/en/?p=13053
- http://gate.ahram.org.eg/News/2286235.aspx
- https://www.alaraby.co.uk/economy/2018/4/26/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D8%A9-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-1
- https://www.almasryalyoum.com/news/details/1277493
- https://www.alaraby.co.uk/economy/2015/3/26/%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A6-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
- http://srv4.eulc.edu.eg/eulc_v5/Libraries/UploadFiles/DownLoadFile.aspx?RelatedBibID=NjcwMjI5Y2UtYzliZS00ODhiLTkyYmEtNzFlZWZlZWE3NGExX2l0ZW1zXzEyMzg5Mzc4XzM1Mjg2OV9f&filename=1383%20-%201391.pdf
- https://www.sis.gov.eg/section/11281/14597?lang=ar
- https://www.swp-berlin.org/10.18449/2020C11/
- https://www.ena.et/ar/index.php?option=com_k2&view=item&id=2792:2017-05-01-13-20-22&Itemid=323
- https://theconversation.com/why-technical-discussions-are-needed-for-the-grand-ethiopian-renaissance-dam-60004
- https://ezanakebede.wordpress.com/2015/03/30/the-financing-of-the-grand-ethiopian-renaissance-dam-gerd/
- https://www.ena.et/ar/index.php?option=com_k2&view=item&id=2792:2017-05-01-13-20-22&Itemid=323
- https://mesrion.com/story/1070070/%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%83%D9%87%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
- http://www.vetogate.com/1295840
- https://www.elwatannews.com/news/details/947077
- http://gate.ahram.org.eg/News/1824104.aspx.
- https://powernews.cc/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%B7-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D9%85/
- http://gate.ahram.org.eg/News/1693331.aspx
- https://www.euroafrica-interconnector.com/ar/historic-agreement-for-egypt-europe-electricity-interconnector-via-cyprus/
- https://www.almasryalyoum.com/news/details/812256
- https://www.elwatannews.com/news/details/623526
- http://gate.ahram.org.eg/News/2379698.aspx
رابط المصدر: