مصطفى ملا هذال
خطر لا يقل أهمية من خطر انتشار فيروس كورونا يهدد العالم ولم يُعرف لغاية الآن كيف السبيل لمواجهته والخلاص منه، انه خطر الأزمة الاقتصادية التي أخذت ملامحها بالظهور بدول متعددة ومن بينها العراق، للازمة الحالية تداعيات كثيرة على المستويين الدولي والمحلي، فعلى المستوى الأخير لها انعكاسات سلبية واضحة بانت خيوطها منذ اشهر قبل الآن، وتجلت بشكل كبير بالتزامن مع تسنم السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة بعد خلافات كبيرة بين زعماء الكتل السياسية وتحديدا الشيعية.
وأخيرا اهتدوا الى الصواب واتفقوا على اختياره لإسكات الشارع الغاضب، تدهور الوضع الاقتصادي في البلد جراء الإصابة بفيروس كورونا وانخفاض سعر النفط بصورة عامة، وضع القيود بيد الكاظمي وقلل حركته، وقتل طموحاته التي كان يحلم بها لتحقيق برنامجه الحكومي الذي أعلنه امام الملء، وبذلك لا يمكن له ان يقيم المشاريع التي يتطلع لها الجمهور، ويأمل منها ان تكون منفذا لاستقطاب الأيدي العاملة الوطنية والتقليل من نسبة البطالة، والتخفيف من حدة النقمة الجماهيرية على الحكومات السابقة التي اكتفت بالسلب والنهب، وعدم الاكتراث لما وصل اليه البلد من حالة مأساوية، وتراجع في جميع بناه التحتية، يرافق ذلك تدهور في القطاعات الصحية والتربوية والتعليمية وكذلك الأمنية.
التركة الثقيلة التي يواجهها الكاظمي صعب جدا التعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر، فعليه ان يقنع الفئات الماكثة في الشوارع بحثا عن التعيين في المؤسسات الحكومية، وعليه ايضا ان يجد حلول لتكملة المشاريع المتوقفة وإكمالها بالوقت المناسب.
والأشد من ذلك هو تأمين رواتب الموظفين، اذ لا تزال المشكلة قائمة والحيرة حاضرة في ذهن رئيس الحكومة الذي رأى من المناسب ان يعيد ترتيب علاقاته الدولية وأرسل من ينوب عنه الى المملكة العربية السعودية من اجل طلب المساعدة المالية، والوقوف مع العراق في ظرفه العصيب هذا.
وهنا السؤال الذي لابد من طرحه هو، لماذا السعودية تحديدا؟
نتكهن بالإجابة وقد نُصيب وربما نكون على خطأ، الالتجاء الى العربية السعودية، يحمل العديد من الرسائل ويعطي دلالات غير قليلة، أولى تلك الرسائل هو رغبة حكومة البيت الأبيض الى استثمار الضائقة المالية التي يمر بها العراق وسحبه خطوة الى الوراء عن عدوها اللدود في المنطقة ايران.
وهذا التقرب من السعودية يعني تقليل المسافة بين العراق والبيت العربي الذي فقد منذ سنوات احد أعضاءه المؤثرين بالمنطقة العربية، عبر وقوفه الى جانب الدولة الجارة التي دائما ما توجه اللوم الى الدول العربية بانها سبب عدم الاستقرار، وتحملها ايضا سبب التدخلات الأجنبية في شؤون الدول الجارة لها.
الى جانب طلب المعونات المالية فقد تكون هذه الزيارة هي تمهيد لبدء عملية استيراد الغاز والكهرباء من المملكة العربية بدلا من ايران، ولضمان تنفيذ الرغبة الأمريكية، أمهل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو العراق مائة وعشرين يوميا ومن ثم عليه ان يبحث عن بدائل.
البدائل هذه المرة ستكون من الاخ العربي بمباركة وقبول وحتى توصية أمريكية، فالمجتمع الغربي وبالخصوص الولايات المتحدة وحلفاءها لا يريدون للنفوذ الإيراني ان يستمر بالعراق الذي اصبح بمثابة محمية امريكية، فهذا النفوذ في حال تنامى بشكل اكبر يؤثر على امن قواتها واستقرارهم بصورة دائمة.
ما يحتاجه الكاظمي اليوم هو سيولة مالية قادر على تفعيل العمل ببعض المشاريع المتلكئة، فضلا عن إعطاء تطمينات للموظفين فيما يخص قوت عيشهم، فهو جل ما يسعى لتحقيقه الآن هو امتصاص غضب الشارع الهائج وإسكات لسان الشعب الذي يلهج بالحقوق منذ شهور.
فالأوضاع لا تتحمل مزيدا من التصعيد وعليه ان يكمل مشاوره الذي سار بخطواته الأولى حينما أعاد الفريق عبد الوهاب الساعدي الى الخدمة وتوليته رئيسا لجهاز مكافحة الإرهاب، ذلك كون ما يتمتع به الساعدي من شعبية كبيرة اكتسبها إبان فترة مقاتلة الزمر الإرهابية، جعل منه بطلا ورمزا وطنيا، ومن غير المنصف ان يتم معاملته بهذه الصورة السالفة.
امام الكاظمي في الوقت الحالي خريطة واحدة في حال السير عليها سيكون النجاح حليفه، والخطوط العريضة لهذه الخريطة تتركز في تمتين العلاقة مع المجتمع الدولي واقناعه بضرورة الوقوف الى جانب العراق للمضي قدما بتجاه النجاح.
رابط المصدر: