البيانات وأهميتها في التحليل العلمي

حسن المصطفى

 

لكي نفهم مجريات الأحداث من حولنا، من الضروري أن نتعامل معها بشكل علمي متجرد، بعيداً عن الحب والكراهية، أو المصالح والمنافع.

الموضوعات محل الدراسة، يجب بحثها بمعزل عن الدوافع والانطباعات الذاتية، المبنية على مواقف وصور ذهنية مسبقة، والتي غالباً تقود لنتائج خاطئة، تجعلنا لا نكون أفكاراً صحيحة، وبالتالي نفشل في معالجة المشكلات.

ما سبق يدفعنا للتركيز على أهمية البيانات والإحصاءات في التحليل المنهجي. فالبيانات التي تجمعُ بشكل دقيق، وتصنف علمياً، وفق آلية محددة وشفافة، تشكل قاعدة معلومات أساسية، ليس في الاقتصاد وحسب، بل في السياسة والطب والدين وعلم الاجتماع، وسواها من الحقول المعرفية.

أضرب ثلاثة أمثلة على أهمية التفكير الرياضي والإحصاء، في فهم ظواهر تتعلق بالطائفية والعنصرية والحركات المسلحة والإرهاب:

1. د. عايد العجمي، وفي 2 مارس الماضي، نشر عبر حسابه في تويتر، فيديو تحدث فيه عن “نموذج الفصل المكاني”، للبرفيسور توماس شيلينغ، واستخدام هذا النموذج في فهم السلوك الفردي والمجتمعي. متسائلاً: هل تجمّع السنة في مناطق والشيعة في مناطق أخرى، يعني بالضرورة أنهم طائفيون؟ وهل تواجد البيض في أحياء، والسود في أحياء أخرى، يعني بالضرورة أن هناك عنصرية؟

العجمي ومن خلال تطبيقه لنظرية شيلينغ، يشرح لنا، أن ما قد يعتقد البعض أنه سلوك طائفي وعنصري، ناتج عن أفراد طائفيين وعنصريين، هو ليس كما يظهر. فالأفراد لم يتصرفوا على أساس عنصري، وإنما وفق دوافع اجتماعية طبيعية، ولكن الحصيلة النهائية تظهرهم كما ولو أنهم يمارسون فصلاً عنصرياً! هو لا ينكر وجود أفراد “عنصريين”، لكنهم لا يشكلون أغلبية المشهد العام.

2. الباحث هشام الهاشمي، شارك في مايو الجاري في ندوة حول قوات “الحشد الشعبي” في العراق. وهو ولكونه خبيراً في التنظيمات المسلحة، قدم أرقاماً عن عدد التشكيلات التي يتألف منها الحشد، والمذاهب، بل الأديان والأعراق التي ينتمي لها المقاتلون، وتوزيع المناصب بينهم، والميزانيات. وهو من خلال هذه الأرقام، يكشف كيف أن بنية “الحشد الشعبي” ليست واحدة متجانسة، وإنما هي خليط من مجاميع حزبية ودينية وعشائرية ومناطقية عدة. ولكي تستطيع الحكومة العراقية التعامل مع سلاحه وتجعله تحت سيطرة الدولة، عليها فهم تركيبته بشكل دقيق.

مايكل نايتس، زميلُ برنامج “ليفر” في معهد واشنطن، قدم ندوة عن تنظيم “داعش”، عرض فيها رسوماً بيانية لعدد الهجمات التي شنها في الأشهر الأخيرة، ونوعية السلاح المستخدم، والأماكن المستهدفة، ومدى خطورة العمليات ودقتها، ومن خلال ذلك بنى توقعاته لسلوك “داعش” خلال المرحلة القادمة.

أهمية النماذج السابقة، أنها بنت تحاليلها على البيانات، التي لم تكتفِ بجمعها وحسب، بل عملت على فهم دلالاتها، دون أن تجعلها رهينة المواقف السياسية أو الحزبية.

المشكلة تكمن في أن كثيراً من المُعلقين لا يجيدون هذا النوع من التعامل المنهجي، لافتقادهم أدواته، أو لكونهم يقدمون مادة موجهة، تحركها مصالح خاصة، وهو ما يدفع إلى الوقوع في التضليل والتعمية!

 

رابط المصدر:

https://www.alarabiya.net/ar/politics/2020/05/26/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A.html

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M