إعداد الباحثة : آية يوسف ذكى يوسف – تحت إشراف: أ.د.مصطفى كامل السيد – أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
تعليق الباحثة :
بعد مُضى مايقربُ من ثلاث سنوات على تخرجى قد تراءى لى أن أقوم بنشرِ هذا البحث الذى قمت بإعداده كمشروع للتخرج فى عام 2017م،والحقيقة هى أننى أفخر كثيراً بهذا الجهد على الرغم من صغر سنى وقت إعداده ،فهو كأى جهد بشري غير قابل للكمال ،ومع هذا فإنه يعنى الكثير بالنسبة لى وقد كان بداية خير لى ،فبعدما قمت بتسليمه لأستاذى الدكتور “مصطفى كامل السيد” (أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة) بوقت ليس بالكثير علمت أننى قد حصلت على المرتبة الأولى فى دفعتى وأننى على وشك التعيين كمعيدة بجامعة القاهرة ،لذا وإحقاقاً للحق فإننى أفخر بهذا العمل كثيراً وأحمل خالص الشكر والعرفان لمشرفى وصاحب فكرة المشروع دكتور” مصطفى كامل السيد ” ،وهو أيضاً صاحب فكرة اختيار فترتين زمنيتين مختلفتين للدراسة فى كل من مصر وكوريا الجنوبية وكان ذلك بهدف تحقيق قدر من العدالة فى مقارنة الدولتين ، ذلك لأن مصر فى فترة الستينيات كانت مثقلة بأعباء الصراع العربي الإسرائيلى فى حين أن كوريا الجنوبية فى نفس الفترة كانت شبه جاهزة لعمليات التنمية ،لذا وجد المشرف بالاشتراك مع الباحثة أن اختيار فترة الثمانينات للدراسة فى مصر هو أنسب للمقارنة مع أوضاع كوريا الجنوبية فى فترة الستينيات .
و إلى جانب رغبتى فى إحياء هذا المشروع وجدت سبباً أخر قد دفعنى بقوة لنشره ألا وهو رغبتى فى الحفاظ على جهدى المبذول به من محاولات السرقة العلمية والاحتيال .
وأود أن أبدأ بحثي بنفس الجملة التى خطرت على بالى فى بداية إعدادى للمشروع : الحق بالسؤال هو أساس تقدم البشرية” …”أنديرا غاندى”” الباحثة/”آية يوسف” معيدة بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية-جامعة القاهرة
مقدمة:
يُعَد مفهوم الدولة التنموية أحد أهم المفاهيم التى حظيت باهتمام كبير من جانب باحثى علماء السياسة بشكلِ عام ، و من جانب باحثى حقل التنمية بشكل خاص ، الأمر الذى شكل لديهم ما يُعرف “بنظرية الدولة التنموية” سعياً لضبط المفهوم و وضع مؤشرات محددة له ، و تعريفه لغوياً و إجرائياً ، و قد ظهر المفهوم لأول مرة عام 1982م على يد عالم السياسة الأمريكى(تشالمرز جونسون) فى كتاب له حول ما اسماه (المعجزة اليابانية)[1] ، ذلك إشارة إلى نموذج التنمية التى شهدتها اليابان خلال النصف الثانى من القرن العشرين ، و بشكل عام قد تكرر هذا النموذج داخل دول فى جنوب شرق آسيا ، و يشير المفهوم لنموذج تنموى تلعب فيه الدولة الدور الأهم من حيث تدخلها فى مسار التنمية الاقتصادية و توجيهه ، كما قد حدد (تشالمرز جونسون) مجموعة من المؤشرات على أدوار الدولة التنموية ، و بصفة عامة يمكننا القول من خلال التعرض لعدد من المفاهيم التى قُدمت لتعريف الدولة التنموية فإن تلك الدولة هى الدولة التى تمارس دوراً محورياً فى عملية التنمية ، و هى عادة الدولة التى تبدأ متأخرة فى عملية التنمية لذا تسعى لتحقيق النمو السريع و المعتمد على التصنيع الموجه نحو التصدير بالأساس ، و هى فى سبيل ذلك تستعين ببيوقراطية ذات كفاءة ، كما أنها تقيم تحالفاً مع القطاع الخاص بحيث تقوم بتوجيهه و قيادته نحو أهداف التنمية، كما أن تلك الدولة الإنمائية فى أحيان كثيرة تستمد شرعيتها من انجازها الاقتصادى المتواصل. [2]
نذكر من بينها : و قد حددت الأدبيات المختلفة مؤشرات معينة للدولة التنموية
1)وجود دور مهم للبيروقراطية التى تتميز بالكفاءة الإدارية ، و فى نفس الوقت انخفاض تكلفتها ، بحيث تتمكن من وضع أفضل السياسات الاقتصادية ،و ذلك فى ظل وجود دور تدخلى للدولة ، و فى ظل استمرار القطاع الخاص تحت مظلة الدولة التى تعمل على استياعبه .[3]
2) وجود دور لآليات السوق إلى جانب الدور التدخلى الأساسى للدولة ، و قد اتضحت هذه السياسة بشكل كبير فى النموذج اليابانى[4] من حيث تواجد مؤسسات مالية مهمة تابعة للدولة تعمل على تحديد السياسات الضريبية و الاستثمارية ، هذا إلى جانب سعى الدولة نحو تشجيع التنافس ليس على المستوى المحلى و القومى فحسب و إنما على المستوى العالمى كذلك ،هذا إلى جانب افتراض سعى الشركات العاملة فى مجال التنمية إلى التنافس من أجل هدف أسمى من هدف المنافسة فى حد ذاتها ألا و هو هدف التنمية ، بالإضافة إلى رعاية الدولة و مسئوليتها عن تطوير البحث العلمى.
و لمفهوم الدولة التنموية مؤشرات أخرى أكثر تحديداً سنفرد لها جزءاً من الفصل الأول لاحقاً ، كما أنه لنموذج الدولة التنموية تحديات واجهته و اشكاليات يثيرها التطبيق ، الأمر الذى جعل نموذج الدولة التنموية يثبت نجاحه فى حالات معينة ، فى الوقت الذى تراجع فيه هذا النجاح فى حالات أخرى ، و من هنا انطلق موضوع البحث حول دراسة مفهوم الدولة التنموية لتطبيقه على حالتين هما : مِصر فى الفترة(1981-2008) ، و كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) ، و ذلك لتحديد سبب نجاح التطبيق فى حالة كوريا الجنوبية و تراجع هذا النموذج فى مصر ، و فى حين امتداد و تطور دور الدولة التنموية فى حالة كوريا الجنوبية منذ عقد الستينيات خلال فترة حكم الجنرال”بارك تشونغ هى” ، فلم يتحقق مثل هذا النموذج فى مصر رغم محاولات التطبيق خلال فترة التخطيط المركزى فى عهد الرئيس “جمال عبد الناصر” .
أما عن حالة كوريا الجنوبية ، فنجد أنها بدءاً من عقد الستينيات قد شرعت فى عمل طفرة نوعية فى تنمية المجتمع على كافة المستويات خاصة إذا ما نظرنا إلى وضع الدولة الكورية عقب الحرب الكورية (1950-1953) ، و التى خرجت منها منهكة تماماً [5]، و لكنها تمكنت من تحقيق انجاز كبير فى فترة زمنية ليست بالطويلة إذا ما نظرنا لحجم الضرر الذى كان قد لحق بالدولة الكورية آنذاك ، فقد أضرت تلك الحرب كثيراً بقطاع الزراعة الذى كان يشكل أساساً للاقتصاد الكورى آنذاك ، و ذلك فى الوقت الذى لم تكن فيه المساعدات الأمريكية تستطيع احتواء كل متطلبات و احتياجات الدولة الكورية من الغذاء و الطاقة على سبيل المثال ، و إذا اضفنا إلى ذلك حالة عدم الاستقرار السياسى التى خلفتها الحرب يمكننا تصور إلى أى مدى كانت كوريا الجنوبية مدمرة عندما شرعت فى التنمية[6] ،فمنذ وصول الجنرال “بارك شونغ هى” للسلطة عبر انقلاب عسكرى فى عام 1961م و الكثير من النهضة الاقتصادية الكورية يُعزى لتلك الفترة ، حيث وضع “بارك” أولوية عظمية للتنمية الاقتصادية ، و بدأ مرحلة جديدة استبدل بها استراتيجية التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات باستراتيجية أخرى و هى التصنيع من أجل التصدير ، كما يتضح نموذج تطبيق الدولة التنموية عند الجنرال “بارك” فى سعيه نحو الاعتماد على أسلوب التخطيط المركزى ، حيث قام بتدشين ما عُرف “بالمخطط الخماسى” عام 1962م ، كما أنه قد انشأ ما عُرف وقتها”بمجلس التخطيط الاقتصادى” للاشراف على المشروعات ، كما قد وضعت كوريا الجنوبية هدف تحقيق نمو اقتصادى يصل إلى 7.1%فى خلال الفترة 1962-1966 ، و بالفعل حققت تلك الفترة نتائج تفوق تلك التى كان يُتطلع إليها ، حيث زاد الناتج المحلى الإجمالى من 4.1% فى عام 1962 إلى 9.3% فى عام 1963م [7]، كما عمل الجنرال “بارك شونغ” على تشجيع عمل الشركات العملاقة بهدف توسيع مشاركتها فى تنفيذ مخططات الدولة ، و بالفعل كان يقدم لها المساعدات و التسهيلات و لكنه كان يمنح لها تلك التسهيلات و الامتيازات شريطة اسهامها فى نهضة الدولة و سيرها على المخطط الموضوع من قبل الدولة ، أما مع بداية السبعينيات فقد عدلت كوريا الجنوبية من استراتيجيتها ، حيث وجدت نفسها محاطة بمنافسة شرسة من جانب الدول الصاعدة حديثاً و التى استطاعت تطوير صناعتها ، و من هنا دشنت كوريا الجنوبية خطة خمسية ثالثة تهدف لتطوير الصناعات الخفيفة ، و إنشاء قطاعات جديدة تعمل فى انتاج الصناعات الثقيلة و الكيمياوية ، و قد شجعت الدولة على الاستثمار فى هذه القطاعات بشكل كبير ، فقد وفرت لها اعفاءات ضريبية خلال الثلاث سنوات الأولى ، الأمر الذى جعل هذه الصناعات تحقق نجاحاً منقطع النظير خلال عقد التسعينيات ، فقد شكلت تلك الصناعات ما يزيد عن نسبة 60% من صادرات كوريا الجنوبية للخارج ، و بالفعل قد حافظت كوريا الجنوبية على معدل نمو كبير خلال السبعينيات و الثمانينيات و التسعينيات ، حيث ركزت على تطوير قطاعات الاستثمار و البحوث ، و التطوير التكنولوجى ، الأمر الذى حافظ لها على ميزتها التنافسية فى الخارج، و قد كان نتاج الخطط الخمسية الأربع الأولى أن أصبحت كوريا الجنوبية اقتصاداً صناعياً مُصدراً ، و أن ظهرت مجموعة من الشركات الكورية العملاقة و التى عُرفت بمسمى “مجموعات تشابول” ، و قد استطاعت الارتقاء بالاقتصاد الكورى و تحويله لاقتصاد مُصدر ، و مع تطور دور الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية مع حلول عقد الثمانينيات قللت الدولة من دورها التدخلى فى مساعدة الشركات العملاقة ، و بدأت فى دور اشرافى أكثر منه تدخلى ، و قد كان نتيجة لكل هذه التطورات المتتالية أن ظهرت ما نسميها اليوم “بالمعجزة الكورية” ، فزاد متوسط دخل الفرد من 87 دولار فى عام 1962 إلى 6749 دولار فى عام 1992م ، و أيضاً زاد الناتج المحلى الاجمالى لكوريا الجنوبية من 3810 مليون دولار فى عام 1960 إلى 65750مليون دولار فى عام 1981م .[8]
أما عن الحالة المصرية ، فنجد أنها كانت تفوق كوريا الجنوبية فى كل هذه الأرقام سالفة الذكر خلال الستينيات ، و لكن خلال الثلاثين عاماً التى تلت ذلك تمكنت كوريا الجنوبية من القفز على مصر و تخطيها بأميال ، فنجد أن الناتج المحلى الاجمالى المصرى كان حوالى 3880 مليون دولار فى عام 1960 ، بمعنى أنه كان يفوق مثيله فى كوريا الجنوبية بقليل ، ثم ارتفع إلى 23110 مليون دولار فى عام 1981 ( أى أنه انخفض عن مثيله الكورى بمقدار 35%) [9] ، وفى خلال تلك الفترة يمكننا تصور محاولات التنمية التى دشنتها مصر ، فنجدُ أن مِصرُ قد بدأت ما عُرف “بالتخطيط العمرانى” خلال عقد الستينيات ، و لم يقتصر هذا التخطيط على مجرد إعادة تقسيم الأراضى ، و إنما امتد ليشمل محاولة عمل نهضة صناعية ، و بالفعل قد نجحت مِصرُ خلال الخطة الخمسية الأولى (1960-1965م) فى تحقيق بعض أهدافها ، إلا أن الخطة الخمسية الثانية (1965-1970م) قد شابتها العراقيل فلم تكتمل [10]، و لدراسة فترة الستينيات و محاولات التنمية ينبغى التعرض لمفهوم “الميثاق الوطنى” الذى دشنه الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” فى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية (مايو-1962) ، و يمثل هذا الميثاق الفلسفة التى حكمت تلك الفترة ، و يتكون الميثاق من عشرة أبواب يحمل بعضها عناوين : فى حتمية الحل الاشتراكى – الانتاج و المجتمع –مع التطبيق الاشتراكى و مشاكله، و بشكل عام قد مثل هذا الميثاق الوطنى الأساس الفكرى الذى الذى انطلقت منه محاولات التنمية ، و قد قام الميثاق بتعريف عملية التخطيط بأنها عملية تستهدف استيعاب كافة التحديات التى يواجهها المجتمع ، و بأنها لا تهدف فقط نحو تحقيق الممكن ، و إنما نحو تحقيق الأمل حسب تعبير الميثاق ، كما عبر الميثاق عن دور و أهمية هذا التخطيط الشامل فى الاستغلال الأمثل و الكفء لكافة امكانيات و موارد المجتمع الإنسانية و الاجتماعية و المادية و الاقتصادية ، ذلك من أجل تنمية المناطق المهملة ، و من ثم يتبلور دور التخطيط فى استيعاب مقدرات المجتمع من أجل القفز عليها لتحقيق الآمال و التطلعات التى تتجاوز تلك المقدرات، كما أن التخطيط بهذا المعنى لا يُقصد به مخاطبة الشعوب بآمال وهمية بعيدة المنال و غير قابلة للتحقيق ، و إنما يسعى نحو مخاطبة الواقع بمفرادت الواقع نفسه من أجل استغلال امكانياته و قدراته الاستغلال الذى يحل اشكاليات الواقع و يحقق مطالب الشعوب ، و من ثم فقد اعتبر الميثاق عملية التخطيط بمثابة عملية صعبة تستهدف زيادة الانتاج فى الوقت الذى تعمل فيه على زيادة الاستهلاك ، و هى العملية التى تتم من خلال تجنيد كافة امكانات المجتمع دون ارتجال أو عشوائية ، و من ثم فهى عميلة تتطلب الرؤية الشاملة لكافة أبعاد التنمية إلى جانب رؤية تفصيلية لكل بعد من أبعاد التنمية على حدة . [11]
و من خلال تتبع خطابات الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر ) وجد الباحثون أنه ركز فى جانب كبير على البعد التنموى ، و قد اتخذ هذا البعد عدة مسميات عنده من بينها : الاستقلال الوطنى أو التنمية الشاملة أو التنمية ذات التوجه الاشتراكى ، و من ثم تحدثت دكتورة (ماجدة على صالح) عن بعدين لمفهوم التنمية عند (جمال عبد الناصر) : البعد الداخلى و البعد الخارجى ، أما عن البعد الداخلى فقد ركز الاهتمام على مجموعة من المفاهيم الفرعية : كالتنمية المستقلة أى التنمية المعتمدة على الذات ، كذلك التنمية الشاملة و التى تشمل كل أبعاد الحياة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، و رغم تركيز خطابات عبد الناصر على مفهموم التنمية الشاملة ، إلا أن التنمية فى المجال السياسى – على سبيل المثال- لم تكن على نفس الدرجة من التطبيق الأمثل الذى جاء فى الخطابات أو فى الدستور و القوانين ، كما ركز عبد الناصر كذلك على مفهوم التنمية المستندة على أساس اشتراكى و اعتبرها الحل الأمثل بديلاً عن الرأسمالية ، بحيث تكون للدولة يد عليا فى عملية التنمية الشاملة ، مع ضرورة تملك الدولة لوسائل الانتاج ، و سريان القطاع الخاص فى ظل الخطة العامة للدولة ، أما عن البعد الخارجى فى سياسة (عبد الناصر) التنموية ، فقد ركز على توجهين : الأول : هو فك الارتباط بالخارج و الاعتماد على الذات ، و الثانى هو زيادة الارتباط بالدارئرة العربية التى اعتبرها الدائرة الأولى بالنسبة لمصر. [12]
و لكن الباحثة وجدت أن المقارنة بين كوريا الجنوبية و مصر لن تكون عادلة إذا كانت فى فترة الستينيات ، نظراً لأن مصر خلال الستينيات كانت مواجهة بتحديات أمنية لم تكن متوفرة فى حالة كوريا الجنوبية ، حيث أن الستينيات فى مصر قد شهدت العديد من التحديات العسكرية كان أبرزها التدخل العسكرى المصرى فى اليمن ، لذا قررت الباحثة أن تستبعد دراسة الستينيات فى مصر من خلال استبدالها بفترة(مبارك) ، لذا تركزت الدراسة حول مقارنة كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987)، و مصر فى الفترة(1981-2008) ، و ذلك تمهيداً للإجابة عن السؤال البحثى الرئيسى الذى سيتم عرضه فيما يلى.
فمِصر فى عهد (مبارك) قد شهدت ماأسماه البعض بمعضلة النظام القوى و الدولة الضعيفة ، فلم تكن الدولة المصرية قادرة على تعبئة مواردها ، و هو ما قادها للجوء لأساليب تستعيض بها عن تعبئة الموارد ، فلجأت الدولة لفرض الضرائب كسعى لتحقيق مفهوم الدولة الساعية لجمع الدخل بأية طريقة و من أى مصدر ، فتم فرض ضريبة على المبيعات، و ضريبة على المصريين بالخارج ،و تم اللجوء للاقتراض ، و لكن كلها كانت حلول قصيرة الأجل ،حيث ظلت الأزمة المالية الخانقة فى مصر تهدد شرعية النظام السياسى ، و لعل عجز الدولة المصرية عن تعبئة مواردها كان سبباً و عاملاً أصيلاً فى فشل التنمية فى تلك الفترة. [13][14]
المشكلة البحثية :
تتمثل المشكلة البحثية التى يدور حولها هذا البحث فى معرفة سبب عدم تحقق الدولة التنموية فى مصر خلال الفترة (1981-2008) فى حين أن مؤشرات تحقق هذا المفهوم قد توافرت فى الحالة الكورية ، أى أننا نود البحث فى أسباب تحقق مؤشرات الدولة التنموية فى حالة كوريا الجنوبية بالتركيز على الفترة(1961-1987) و ذلك بالمقارنة مع الوضع فى مصر فى الفترة
1981-2008) ، و من هنا يمكننا صياغة سؤالنا البحثى فى السؤال الآتى: )
لماذا نجح نموذج الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) بينما لم يتحقق هذا النموذج فى الحالة المصرية رغم توافر الظروف المواتية له فى الفترة (1981-2008) ؟
ويتفرع عن هذا التساؤل الرئيسى مجموعة من الأسئلة الفرعية:
1-ماذا يقصد تحديدا بمفهوم الدولة التنموية؟
2-ما هى مؤشرات الدولة التنموية؟
3- ما هى التحديات التى تواجه نموذج الدولة التنموية؟
4-ما هو الوضع الاقتصادى و الإجتماعى و السياسى فى كوريا الجنوبية قبل البدء فى التنمية؟
5-ماهو الوضع الاقتصادى و الإجتماعى و السياسى فى مصر قبل البدء فى التنمية؟
6-ماهى المراحل التى مرت بها التجربة التنموية لكوريا الجنوبية(1961-1987)؟
7-ماهى المراحل التى مرت بها التجربة التنموية لمصر(1981-2008)؟
8-إلى أى مدى تحققت مؤشرات الدولة الإنمائية فى كل من كوريا الجنوبية(1961-1987)، و مصر(1981-2008)؟
9-ماهى نتائج التجربة التنموية فى كل من كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987)، و مصر فى الفترة(1981-2008)؟
10-ماهى عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة (1961-1987)، و ماهى عوامل الإخفاق فى مصر (1981-2008)؟
-أهمية الدراسة:
أولاً: الأهمية العلمية:
تتمتثل الأهمية العلمية للدراسة فى كونها تناقش مدى تحقق مؤشرات الدولة التنموية فى كل من الحالتين الكورية و المصرية فى فترات زمنية مختلفة فى كلا الدولتين تمهيداً لاستيفاء ظروف متقاربة تسمح بمقارنة عادلة ، فالدولة المصرية فى عهد (مبارك) كانت قد فرغت من معضلة تحرير الأرض و من معضلة التورط العسكرى فى الخارج ، و من ثم كان جديراً بها تحقيق التنمية و مع ذلك لم تفعل ، لذا تتمثل أهمية الدراسة العلمية فى الوقوف على أسباب و عوامل فشل الدولة الإنمائية فى مصر فى الفترة(1981-2008) فى ضوء نجاحها فى كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987).
ثانياً: الأهمية التطبيقية:
نسعى من خلال هذا البحث إلى الوصول لمؤشرات حقيقية لتحقق الدولة التنموية من خلال دراسة حالة كوريا الجنوبية ، و كذلك من خلال وضع أيدينا على ثغرات التطبيق فى مصر تمهيداً لحلها على أرض الواقع ، و ذلك للوقوف على خطوات عملية و علمية صحيحة لكيفية الوصول لدولة تنموية حقيقية فى مصر .
التحديد الزمانى :
تتركز الدراسة على مقارنة كوريا الجنوبية و مصر من خلال مقارنة وضع كل من الدولتين فى فترة زمنية معينة ، بمعنى أننا سنركز دراستنا لكوريا الجنوبية فى خلال الفترة الزمنية (1961-1987) ، بينما ستتركز دراستنا للحالة المصرية فى خلال الفترة الزمنية (1981-2008) ، و يرجع السبب فى اختيار كلا الفترتين لأغراض استيفاء ظروف متعادلة فى كلا الدولتين ، ففى بداية البحث فى هذا الموضوع كانت الباحثة تود أن تدرس كل من كوريا الجنوبية و مصر فى خلال عقد الستينيات ، لنبحث السبب فى تحقق مؤشرات الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية و فشل هذا التحقق فى مصر ، لكننا وجدنا أن ظروف المقارنة خلال عقد الستينيات لن تكون متكافئة بين الدولتين ، ذلك لأن مصر خلال عقد الستينيات قد عانت ظروف الحرب ، ففى الستينيات كانت مصر عالقة فى حرب اليمن اضافة إلى ظروف حرب 1967م ، فى حين أن كوريا الجنوبية فى نفس الفترة لم تكن تعانى من معضلة الأمن تلك ، ذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتولى مهمة الدفاع عنها ، و من ثم كانت كوريا الجنوبية تضع الاقتصاد كأولوية بالنسبة لها فى الوقت الذى كانت فيه مصر لاتزال تعانى من عدم الاستقرار و التورط فى حروب ، لذا قررنا أن نستوفى ظروف تتيح لنا المقارنة العادلة بين الدولتين ، و على هذا الأساس تم اختيار فترة (1981-2008) للدراسة فى مصر ، و السبب تحديداً يرجع إلى كون عام 1981م هو بداية حكم الرئيس الأسبق(محمد حسنى مبارك) بعد عملية اغتيال الرئيس الراحل (السادات) بعدما كان قد أقر السلام مع إسرائيل ، و تنتهى عند عام 2008م و هو العام الذى ضربت فيه الأزمة المالية العالم ، أما عن كوريا الجنوبية فتم اختيار دراستها فى خلال الفترة الزمنية(1961-1987) ، و السبب يرجع إلى كون عام1961 هو بداية طريق التنمية الكورية على يد الجنرال (بارك شونغ) من خلال انقلاب عسكرى قام به ، و تنتهى الفترة عند عام 1987م و هو العام الذى تحولت فيه كوريا الجنوبية ديمقراطياً من خلال انتخابات حرة نزيهه[15] لذا سندرس أثر هذا التاريخ على الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية . لذا و بعدما تم استعراض أسباب اختيارنا لكلا الفترتين نجد أن الفترة الزمنية(1981-2008) فى مصر تتشابه مع الفترة (1961-1987) فى كوريا الجنوبية من ناحية انتفاء معضلة الأمن فى كلا الدولتين ، و من ثم يحق لنا التساؤل فإذا كانت معضلة الأمن قد انتفت فى مصر خلال الفترة الزمنية(1981-2008) فلماذا لم تحقق مصر ماحققته كوريا الجنوبية ؟ ، أو بمعنى أخر لماذا لم تستوفِ مصر شروط تحقق الدولة التنموية مثلما فعلت كوريا الجنوبية منذ 1961 م
التحديد المجالى:
تقع الدراسة ضمن حقل الاقتصاد السياسى ، و هو حقل بينى يجمع بين دراسة الاقتصاد و السياسة تحت افتراض مهم مؤداه أن كل من المجالين يؤثر فى الأخر ، لذا فإن دراستنا عن الدولة الإنمائية لمقارنة حالة كوريا الجنوبية كنموذج نجاح بحالة مصر كنموذج فشل ، هى دراسة تقع فى حقل الاقتصاد السياسى.
منهج الدراسة:
يعد منهج الدراسة بمثابة الطريق الذى يسلكه الباحث للوصول إلى حقيقة ما ، بحيث يصبح هذا المنهج هو الطريقة التى يتبعها الباحث فى دراسة مشكلة أو ظاهرة معينة ، و من ثم فلاغنى عن وجود منهج للدراسة ليس فقط لأغراض البناء العلمى الدقيق للبحث و إنما أيضاً بغرض توظيفه توظيفاً حقيقياً فى متن البحث بحيث لا يصبح مجرد وسيلة شكلية غير مستخدمة أو مُستفاد بها داخل البحث .[16]
تعتمد الدراسة على استخدام و توظيف المنهج المقارن ، و هو منهج قديم و يعود فى جذور نشأته إلى( أرسطو) ،و لكن تم تطويره فيما بعد بواسطة عالم الاجتماع(أميل دور كايم)، حيث رأى (أميل) أن التجربة العلمية بمعناها الدقيق يصعب أو يستحيل تطبيقها فى دراسة العلوم الاجتماعية ، و من ثم يمكن استخدام المقارنة بدلاً من التجربة لدراسة الظواهر الاجتماعية ، لأن هذه الظواهر تتسم بالتعقيد الشديد و بالتغير المستمر ، و بالتالى لا يمكن لأى الباحث أن يدعى التحكم التام فى كافة العوامل المتعلقة بأى ظاهرة اجتماعية ، و من ثم تصبح التجربة شبه مستحيلة التطبيق داخل هذه العلوم الاجتماعية .[17]
و المقصود بالمقارنة هو التمييز بين الأشياء أو الظواهر المختلفة لمعرفة فى أى الجوانب تتشابه و فى أى الجوانب تختلف ، أو بمعنى أخر يُقصد بالمقارنة تحديد الاختلافات و التشابهات بين الظواهر ، مما يقودنا إلى الوصول للعوامل المؤدية للاختلاف أو التشابه، مثال على ذلك : لو تشابهت ظاهرتان فى كل العوامل و اختلفتا فى عامل واحد فقط ، فإن هذا العامل الذى اختلفتا فيه – فى الغالب – يعد هو سبب الاختلاف بين الظاهرتان بشكل عام .[18]
و بالفعل وُجدت العديد من الدراسات فى حقل السياسة المقارنة ، و لكنها تُواجه بصعوبات و معوقات عدة ، و من بين أبرز هذه المعوقات صعوبة توافر معلومات حول ظواهر معينة ، فعلى سبيل المثال يصعب الحصول على معلومات دقيقة فى حالة الأنظمة الديكتاتورية أو الشمولية ، و من هنا يصعب اتمام الدراسة على نحو دقيق لو غابت المعلومات اللازمة عن الباحث.[19]
توظيف المنهج داخل البحث:
فالبحث بالأساس قائم على مقارنة أوجه الاختلاف و التشابه بين التجربة التنموية لكوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) ، و فشل التنمية فى مصر فى الفترة (1981-2008)، و ذلك من أجل الوقوف على الأسباب/العوامل التى أدت لنجاح التنمية فى كوريا الجنوبية فى مقابل الأسباب/العوامل التى أدت لفشل تحقق مثل هذه التنمية فى مصر ، و يعد المنهج المقارن هو السبيل للوقوف على هذه الأسباب/العوامل ، فمن خلال الاستعراض المقارن لمراحل تطور كلا التجربتين سنصل إلى كل من عوامل النجاح بالنسبة لكوريا و عوامل الفشل بالنسبة لمصر.
الأدبيات السابقة:
أولاً: أدبيات تتعلق بمفهوم الدولة التنموية:
)1- The logic of the developmental state): [20]
تناولت تلك الدراسة كيف سادت مدرسة الليبرالية الجديدة أو الهيكلية طوال حقبة الخمسينيات و الستينيات حيث كانت النظرة لدور الدور أساسية ، كما تطرقت الدراسة للجدل الدائر حول مدى أهمية دور الدولة فى تصحيح مسار التنمية ، و تطرقت إلى تجارب دول شرق آسيا التى تمكنت ليس فقط من تحقيق التنمية الاقتصادية و إنما من تحقيق عدالة فى توزيع الدخل أيضاً ، فدولة مثل كوريا الجنوبية تمكنت من انجاح تجرتها التنموية عبر شراكة بين الدولة من ناحية و القطاع الخاص من ناحية أخرى ، حيث تمكنت الدولة من تطويع امكانات القطاع الخاص فى سبيل خدمة سياسات و أهداف التنمية ، و أشارت الدراسة إلى الانطباع بأن التنمية التى تأتى متأخرة لابد و أن تقودها الدولة على أساس أنها الأجدر على تطويع كل المقدرات الداخلية و الفرص الخارجية فى سبيل خدمة أهداف التنمية ، و من ثم تستفاد الدولة من روح المبادرة الفردية التى يتمتع بها القطاع الخاص ، و لكنها فى نفس الوقت تقوم بتوجيهه فى سبيل تحقيق التنمية الصناعية التى تعد أساساً فى عملية التنمية الاقتصادية فى تلك البلاد ، و من أهم الأسئلة التى أثارتها تلك الدراسة هى ماإذا كانت الدولة الإنمائية تظهر فى ظل ظروف تاريخية و ثقافية معينة ؟ و ما إذا كانت تتطلب وجود شكل معين للنظام السياسى ؟ و ماهى التحديات التى تواجه نموذج الدولة الإنمائية؟ و ماهى التحديات التى يمكن أن تواجه الدول التى تحاول اقتباس نماذج الدول الإنمائية كنموذج اليابان أو كوريا الجنوبية؟
–2Putting the Developmental state on the SDG Agenda [21]:
و هى دراسة تتمحور حول سؤال رئيسى مؤداه : ماهو الدور الحالى للدولة الإنمائية ؟،و ماهى مآلات هذا الدور فى المستقبل؟، و إلى أى مدى يستطيع هذا الدور بلوغ أهداف التنمية الشاملة؟ ، لذا ركزت الدراسة على فكرة مؤداها أن اقتصاديات السوق ظهر قصورها حينما ظهرت الحاجة لدور الدولة لتحقيق أهداف التنمية ، فضلاً عن تحقيق التنمية الاقتصادية تقليدياً يمكننا إضافة أبعاد أخرى للتنمية كالبعد الذى يتعلق بارتباط التنمية الاقتصادية فى بعض الدول بأهداف إجتماعية ، لذا توصلت تلك الدراسة إلى أن الدولة الإنمائية لديها من الإمكانات ما يؤهلها إلى تحقيق أهداف التنمية ، ذلك فضلاً عن قدرة الدور الفاعل للدولة على التنسيق و القيادة فى عملية التنمية .
ثانياً:أدبيات تتعلق بنموذج الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية:
1-“النموذج الكورى للتنمية”[22]
و هو كتاب صادر عن مركز الدراسات الآسيوية،و يتضمن مجموعة من البحوث التى قُدمت فى المؤتمر السنوى الأول لمركز الدراسات الآسيوية ، و قد تناول التجربة الكورية بالتحليل من جوانب عدة ، فقد تناولت تلك البحوث المُجمعة :
الوضع الذى بدأت منه كوريا الجنوبية التنمية ، حيث كانت لاتزال منههكة من آثار الحرب الكورية (1950-1953)، و مع ذلك حققت فى فترة زمنية ليست بالطويلة انجازاً كبيراً ، كما تناولت الخطط و الاستراتيجيات التى اتبعتها كوريا الجنوبية فى طريقها للتنمية ، حيث انطلقت فى طريقها التنموى مع الستينيات من خلال الخطة الخمسية الأولى(1962-1966) ، و التى اعتمدت فيها على استراتجية التصنيع من أجل التصدير ، ثم بدأت الدولة فى تحفيز قطاع الصناعات الثقيلة ، ثم استمرت بعد ذلك كوريا الجنوبية فى تتبع خططها التنموية ، الأمر الذى جعل كوريا الجنوبية بعد انتهاء الخطط الخمسية الأربع الأولى اقتصاداً صناعياً مُصدِراً ، فحدثت المعجزة الكورية ، فنجد أن متوسط دخل الفرد قد ارتفع من 87 دولار فى عام 1962 إلى 6749 دولار فى عام 1992 ، كما ارتفع الناتج القومى لكوريا الجنوبية من 2.3 بليون دولار فى عام 1962 إلى 294.5 بليون دولار فى عام 1992 ، كما يتساءل الكتاب عن طبيعة الدور الذى لعبته الدولة الكورية و ساعدها على الوصول لهذا ، حيث ذكر الكتاب أن مصر كان لها الأفضلية من ناحية متوسط دخل الفرد و مؤشرات أخرى ، إذاً فماالذى حدث خلال العقود الأخيرة و جعل مصر تتأخر إلى هذا النحو؟ و جعل كوريا تنطلق بهذه السرعة؟
الأمر المهم فى هذا الصدد هو أن هذا الكتاب فى مقدمته أكد على أن النموذج الكورى لا يمثل نموذجاً يتعين علينا الاقتداء به بحذافيره ، و لكنه يمثل تجربة تنموية لها ما لها و عليها ماعليها ، و يمكننا أن نسترشد بمثل هذه التجربة عند التطبيق على الحالة المصرية لكن مع الأخذ فى الاعتبار اختلاف و تنوع البيئة و الثقافة و السياق ، كذلك قد تناول الكتاب العوامل التى ساعدت على نجاح التجربة الكورية :
و من عوامل النجاح : دور التمويل الأجنبى ، تنمية الموارد البشرية من خلال التعليم و رفع المستوى الصحى ،تنمية المجتمعات الريفية ، دور البيروقراطية ذات الكفاءة ، الدور التعاونى بين الدولة و القطاع الخاص ، دور العامل الثقافى و القيم التى ساهمت فى نجاح تلك التجربة ، دور العسكريين ، و غيرها من العوامل و الأدوار التى ساعدت على احداث المعجزة الكورية.
2)“تطور الدور الانمائى للدولة فى كوريا الجنوبية فى الفترة 1961-2008”[23]
هى دراسة تعرضت فيها الباحثة إلى أوجه التغير و الاستمرارية التى طرأت على دور الدولة فى كوريا الجنوبية ، فبالأساس قد تعرض هذا الدور الانمائى للدولة لمتغيرات عدة كالمتغيرات العالمية أو الداخلية مما أوجب تحولات فى شكل دور الدولة ، و من هنا تطرقت الدراسة لبحث الدور الذى لعبته كوريا الجنوبية فى جوانب التنمية المختلفة كالتنمية الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ، فمن ناحية التنمية الاقتصادية توصلت الدراسة إلى مرور دور الدولة فى الاقتصاد بمجموعة من المراحل ، حيث بدأت الدولة بالتدخل المباشر الكبير فى عملية التنمية ، و استمر هذا حتى اغتيال الجنرال (بارك شونغ) عام 1979م ، ثم تحولت الدولة بعد ذلك إلى الدمج بين السياسات التدخلية و سياسات السوق و استمر هذا الخلط أثناء الفترة(1979-حتى الأزمة المالية الآسيوية1997م)، حيث مثلت هذه الأزمة نقطة تحول محورية فى تاريخ الاقتصاد الكورى ، حيث اتبعت بعدها الدولة الكورية سياسات تحررية مع احتفاظها بدور رقابى بحيث تتمكن من التدخل لمنع وقوع مشكلات أو لتصحيح الانحرافات ، ومن ثم لم تتخل الدولة عن دورها بالكامل حيث ظلت تتدخل فى أوقات الأزمات مثلما فعلت وقت الأزمة المالية العالمية ، أما من ناحية التنمية السياسية:فنجد أنه على الرغم من تحقيق كوريا الجنوبية لتجربة تنموية تستحق الدراسة و التتبع إلا أنها ظلت تعانى من ممارسات غير ديمقراطية حتى انفاضة عام 1987م و التى بدأت تتحول بعدها كوريا الجنوبية نحو الديمقراطية ،أما من ناحية التنمية الاجتماعية:هنا نجد الدولة الكورية كانت تستبعد بعض فئات العمال ، و تدعم فئات أخرى ، و كان المنطق الحاكم لتلك العملية هو رغبتها فى دعم العمالة فى المجالات الصناعية التى تدعمها الدولة (كصناعات الصلب على سبيل المثال)،و من ثم عانت بعض فئات العمال من التهميش ،و استمر الوضع هكذا إلى أن وقعت الأزمة الآسيوية حيث تدخلت الدولة بعدها لتبنى بعض سياسات الضمان الاجتماعى .
ومن ثم قد توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها أن كوريا الجنوبية رغم ماعليها من ملاحظات و انتقادات إلا أنها لازالت تمثل نموذجاً تنموياُ مهماً يستحق الدراسة لأخذ نقاطه الايجابية و محاولة محاكتها على الصعيد العربى ، فإن هذا النموذج الكورى قد تمكن من الأخذ بمقتضيات المتغيرات العالمية و الضغوط الداخلية كى يطور من نفسه نموذجاً ناجحاً نجح فى الأخذ باقتصاد السوق و فى نفس الوقت لم يتخل عن دور مهم للدولة بالأخص لمنع وقوع أزمات أو فى حالة وقوع أزمات .
ثالثاً:أدبيات تتعلق بالتجربة التنموية لمصر :
1-النظام القوى و الدولة الضعيفة[24]:
يتحدث الكتاب عن كيفية مواجهة النظام المصرى فى عهد مبارك للأزمات المالية ، فمنذ منتصف الثمانينيات واجهت الدولة المصرية أزمة ديون خانقة لم تتمكن من النجاة منها إلا فى 1990م بسبب غزو صدام للعراق و احتياج التحالف الدولى للتدخل العسكرى المصرى ، لذا بدأت المعونات تتدفق على الخزانة المصرية ، و لكن ماحدث لم يكن حل للأزمة و إنما كان بمثابة مجرد تكيف أو مسكن للأزمة دور حل واضح و جذرى لأسبابها ، الأمر الذى جعل أزمة الديون تعود لتتكرر مع منتصف التسعينيات من جديد ، و السبب كان و لايزال هو عجز الدولة المصرية عن تعبئة الموارد و الإيرادات بشكل يمكنها من مواجهة أزمة الديون الخانقة ، لذا تلجأ دوماً لسياسة الاقتراض ، و من هنا نجد أن (سامر سليمان) تناول فى هذا الكتاب أبعاد أساسية أهمها :
أسباب الأزمة المالية التى واجهت مصر فى عهد مبارك ، و تداعيات تلك الأزمة على النظام و على علاقته بالمجتمع ، و كيف كان الاستقرار السياسى مصحوباً بهيمنة و استبداد من جانب الدولة ، و أيضاً تطرق الكتاب إلى استحواذ مؤسسات معينة على الموارد ، و أيضاً تطرق إلى الصدام مع الجماعات الإسلامية فى الصعيد و كيف أثرت تلك المواجهات على علاقة النظام بالصعيد و التحيز ضده ، و أيضاً قد ناقش الكتاب محاولات النظام زيادة إيرادات الدولة و فشل تلك المحاولات.
2-The Autumn of Dictatorship:Fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak[25]:
تدور تلك الدراسة حول بحث تداعيات الأزمة المالية الخانقة فى عهد (مبارك) ، و كيف أن الدولة كانت عاجزة عن تعبئة مواردها ، و تتسائل الدراسة عن كيفية مواجهة الدولة المصرية للتناقص الشديد فى العوائد الريعية ، و من ثم تحولت الدولة منذ منتصف الثمانينيات من مفهوم الدولة الريعية إلى مفهوم الدولة الساعية نحو تجميع الدخل بمختلف الطرق و بصرف النظر عن أية اعتبارات ، و لكن الدولة المصرية فى سعيها نحو توفير الموارد بأية طريقة واجهت صعوبات فى كل من تلك الطرق ، فعلى سبيل المثال بدأت الدولة فى تطبيق ضريبة التضخم منذ منتصف الثمانينيات حتى مثلت عوائد تلك الضريبة 11.7% من إجمالى الناتج المحلى المصرى بحلول عام 1987م، و كذلك كان من بين الطرق التى لجأت إليها الدولة المصرية لتأمين موارد لها هى سياسة الاقتراض ، و كذلك الضريبة على المبيعات و التى شكلت مصدر أساسى للدخل منذ 1991م ، و قد بلغ الأمر إلى اللجوء لمصادر دخل من قبيل الضرائب على المصريين فى الخارج ، و من ثم تدور تلك الدراسة حول فكرة رئيسية مؤداها أن افتقاد الدولة للقدرة على تعبئة الموارد و لجؤها إلى محاولات عديدة فشلت واحدة تلو الأخرى ، و هو الأمر الذى أدى بالدولة إلى التحول عن دورها الأساسى فى الاقتصاد و البدء فى التحالف مع القطاع الخاص ، كما أن ضعف دور الدولة و عجزها عن تعبئة الموارد قد أدى لتحولات جذرية فى علاقتها مع المجتمع بالأخص الطبقة الوسطى و العاملة ، و هو الأمر الذى حدى بالمجتمع المصرية إلى الثورة فى النهاية.
رابعاً:أدبيات تتعلق بمقارنة مصر بكوريا الجنوبية فيما يخص التجربة التنموية لكل منهما
1)”مصر مقابل كوريا الجنوبية :دربان متباينان للتصنيع” .[26]
تم التركيز فى تلك الدراسة على فكرة أساسية مؤداها هو أن سياسات التنمية التى اتبعتها مصر خلال أكثر من خمسين عاماً ماضياً تشابهت ظاهرياً مع السياسيات التى اتبعتها كوريا الجنوبية رغم أن النتائج اختلفت إلى حد كبير ، و يتمثل التشابه فى مجموعة من النقاط يمكننا ايجازها فى الآتى:
– كلا الدولتين اتبعت سياسة التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات .
-كلا الدولتين تلقتا مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن النظر إلى حجم المساعدات التى تلقتها مصر فى فترة من الفترات كان أكبر من التى تلقتها كوريا الجنوبية.
-كل من مصر و كوريا الجنوبية اسندتا دوراً كبيراً و أساسياً للدولة فى عملية التنمية.
و لكننا نلاحظ أنه رغم التشابه الظاهرى فى سياسات التنمية التى اتبعتها كلا الدولتين إلا أن الاختلاف فى النتائج قد جاء بسبب مجموعة من العوامل التى ركزت عليها كوريا الجنوبية و أهملتها مصر مثل:
-غرس قيم التنافسية من خلال بناء نظام متكامل للحوافز ، ففى حين نجحت كوريا الجنوبية من تعزيز التنافسية ، و دعم الأداء التصديرى ، ظلت مصر تحارب من أجل أهداف اجتماعية بالأساس.
-تغلب كوريا الجنوبية على الفساد المتفشى من خلال سيادة القانون ، فى الوقت الذى ظل فيه الأداء المصرى يتسم بالعشوائية.
-الاحتفاظ بظاهرة ” التأثر بالمسار المُتبع فى السابق” فى مصر ، و التى يُقصد بها تأثر نتائج السياسيات المُتبعة فى الوقت الحالى بالسياسيات التى كانت مُتبعة سابقاً ، الأمر الذى يؤدى لظهور فئة معارضة لأى تغيير جديد و تقاتل لأجل بقاء الوضع الراهن .
و من ثم كان تركيز دراسة دكتور”أميرة الحداد” فى الأساس منصباً على تفسير اختلاف نتائج سياسات مصر عن مثيلاتها فى كوريا الجنوبية على الرغم من التشابه الظاهرى ، و ذلك من خلال التطرق لعدد من النقاط المتعلقة بالوضع السياسى و التطورات السياسية، إلى جانب مقارنة الأداء فى كلا الدولتين ، مع عرض الاختلاف فى السياسات ، انتهاءاً بعرض رؤية مستقبيلية لدور الدولة.
تقسيم الدراسة:
الفصل الأول: نظرية الدولة التنموية
- المبحث الأول: نشأة المفهوم و تعريفه.
- المبحث الثانى:مؤشرات المفهوم.
- المبحث الثالث:التحديات التى تواجه نموذج الدولة التنموية.
الفصل الثانى : تطور التجربة التنموية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر:
- المبحث الأول:نبذة عن الوضع السياسى و الإقتصادى و الإجتماعى قبل البدء فى التنمية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر.
- المبحث الثانى:المراحل التى مرت بها التجربة التنموية فى كل من كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987)، و مصر فى الفترة(1981-2008)
الفصل الثالث: تطبيق مفهوم الدولة الإنمائية على كل من كوريا الجنوبية و مصر:
- المبحث الأول:مدى توافر مؤشرات الدولة الإنمائية فى كل من كوريا الجنوبية (1961-1987)، و مصر(1981-2008)
- المبحث الثانى: نتائج التجربة الإنمائية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر.
الفصل الرابع:تقييم التجربتين:عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987)، و عوامل الإخفاق فى مصر (1981-2008)
الفصل الأول :نظرية الدولة التنموية:
منذ ظهور تجارب التنمية التى شهدتها دول شرق و جنوب شرق آسيا ، و يتعرض مفهوم الدولة التنموية للشرح و الدراسة من جانب الباحثين ، و رغم أن الدور التنموى للدولة ليس بحديث النشأة إلا أن الدولة التنموية كمفهوم قد تبلور فى الثمانينيات من القرن العشرين على يد عالم السياسة الأمريكى (تشالمرز جونسون) و ذلك فى :
، ).The growth of industrial policy ,1925:1975دراسة بعنوان 🙁
و قد تم صك هذا المفهوم فى تلك الدراسة سنة 1982م فى اطار حديث (جونسون) عن المعجزة اليابانية [27]. و ما يعنينا-نحن- فى دراستنا المقارنة بين تحقق الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية و غياب هذا النموذج عن مصر أن نتعرض لنظرية الدولة التنموية أولاً و ذلك للتعرف على المفهوم و نشأته ، كذلك للتعرف على مؤشرات الدولة التنموية و شرح كل مؤشر من هذه المؤشرات ، و التعرض لنماذج من التحديات التى تواجه الدولة التنموية .
فدراسة الدولة عموماً من الناحية السياسية هى دراسة تشتمل على جوانب عدة ، و من بينها دراسة الوظائف الأساسية التى تضطلع بها الدولة ، و هنا نجد دراسات عديدة قد تناولت الوظيفة الاقتصادية للدولة ، و من هنا يثور التساؤل حول ما إذا كان من اللازم وجود وظيفة اقتصادية للدولة أم لا ؟ و إذا وجدت مثل هذه الوظيفة بالفعل فماهى النواحى و المجالات الاقتصادية التى يحق للدولة التدخل فيها ؟ و ما هو حجم هذا التدخل ؟ ، بصفة عامة فإن هذا التدخل يتراوح فى مداه ما بين تدخل محدود للغاية إلى تدخل كبير للغاية يكاد يصل لحالة توجيه الدولة للنشاط الاقتصادى بالكامل ، و من هنا جاءت دراسة الوظيفة الاقتصادية للدولة عامة متراوحة ما بين مدرستين /رؤيتين :
المدرسة الأولى :
هى المدرسة الفردية التى تحبذ دوراً محدوداً للدولة ، و هو الدور الذى يقتصر على القيام بالحد الأدنى من الوظائف ، و التى اسماها عالم السياسة الأمريكى(ويسلون) “الوظائف التكوينية للدولة” ، و هى من قبيل وظائف الأمن ، و الدفاع ، و العدالة ، و تتجلى هذه المدرسة الفردية بشكل كبير فى الفكر الرأسمالى الذى يدعو لاطلاق حرية السوق ، لأن اطلاق مثل هذه الحرية سيساعد على أن يتحقق التوازن بين العرض و الطلب بشكل تلقائى دون أى تدخل من جانب الدولة .
أما المدرسة الثانية:
فهى المدرسة الجماعية التى تدعو لضرورة وجود دور فاعل للدولة باعتبارها الكيان الذى يعمل على تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ككل ، و يُؤخذ بهذه المدرسة داخل الفكر الاشتراكى .
و تتجلى نقطة الاختلاف الأساسية بين كلا الرؤيتين فى كون المدرسة الفردية تؤمن بأن المصالح المتعارضة لأعضاء المجتمع ستصل من تلقاء نفسها إلى نقطة توافق ، و ذلك فى اطار مناخ من حرية الفرد المستهلك وسيادته ، و كذلك فى ظل اطار من حرية السوق ، أما عن المدرسة الجماعية ، فهى ترى أن تناقضات المجتمع لا يقدر على تصحيحها سوى الدولة ، ذلك لأن اطلاق الحرية الفردية فى ظل مناخ التناقضات هذا لن يؤدى سوى لحالة من هيمنة فئة على حساب فئة أخرى ، و من ثم يكمن الحل- من المنظور الجماعى – فى المساواة ، و أن الدولة وحدها هى القادرة على احداث التوافق بين تناقضات المجتمع .[28]
مما سبق يتضح لنا إن الوظيفة الاقتصادية للدولة هى محل خلاف و جدل بين المدارس و الأيدلوجيات المختلفة ، فالأمر يختلف ما بين مؤيد لدور قوى للدولة فى مختلف الأوقات ، و بين معارض لهذا الدور فى الأوقات العادية و يراه ضرورياً فقط فى أوقات الأزمات مثلما يحدث وقت الأزمات المالية العالمية ، لكننا – هنا- بصدد شرح و استعراض مفهوم غير محسوب على أى من هذه المدارس الفكرية ، فلانستطيع تصنيف الدولة التنموية كمفهوم اشتراكى أو ليبرالى ، و إنما هو مفهوم قائم بذاته ، كما أن له من المؤشرات ما يدعم اثبات وجود دور تنموى للدولة أو ما يدحض هذا الزعم ، و من هنا سنناقش فى هذا الفصل ثلاثة مباحث :
المبحث الأول:نشأة المفهوم و تعريفه .
المبحث الثانى:مؤشرات الدولة التنموية.
المبحث الثالث:التحديات التى تواجه نموذج الدولة التنموية.
المبحث الأول:نشأة المفهوم و تعريفه :
لقد تعرض الدور الانمائى للدولة إلى الدراسة من جانب الباحثين بصور مختلفة ، و بصفة عامة قد مر هذا الدور الانمائى للدولة بمراحل عدة ، ففى فترات الحرب الباردة كان الصراع على أشده ما بين ايدلوجية اشتراكية تسعى إلى وجود دور كبير للدولة ، و بين ايدلوجية ليبرالية تسعى إلى تقليل دور الدولة و إلى اطلاق حرية السوق ، و لكن الدارس لمفهوم الدولة الانمائية سيجده مفهوماً قائماً بذاته لا هو مندرج تحت الايدلوجية الاشتراكية ، و لا هو مندرج تحت الايدلوجية الليبرالية ، فما هو سوى مفهوم مستقل عن هذه الايدلوجيات ، كما أن نماذج الدولة التنموية ليست بالجديدة ، حيث توجد للدولة الانمائية نماذج قديمة للغاية ، فقد ظهرت الدولة الانمائية فى ممالك قديمة كالمملكة البيرطانية و الهولندية على سبيل المثال.[29]
أما عن تعريف المفهوم ذاته فقد دارت معظم التعريفات للدولة الانمائية حول كونها دولة تقوم بقيادة عجلة التصنيع بشكل سريع و عاجل ، أو بمعنى أخر فهى دولة جاءت متأخرة فى عمليات التنمية لذا بدأت تسعى إليها بصورة عاجلة ، كما أن للدولة دور أساسى فى قيادة عملية التنمية هذه.[30]
و من التعريفات التى قُدمت لمفهوم الدولة الانمائية ، و أيضاً من أوائل من تعرضوا لهذا المفهوم هو (ألكسندر غرشنكيرون) الذى وضع تعريفاً لهذا المفهوم خلال عقد الستينيات ، وقد ارتبط هذا المفهوم بتجارب التنمية فى دول شرق و جنوب شرق آسيا ، و الدولة التى بدأت هذه التنمية فى آسيا هى اليابان ، فقد بدأت اليابان تجربتها التنموية فى أوائل الخمسينيات ثم جاءت بعدها كوريا الجنوبية فى خلال عقد الستينيات ، ثم لحقتهما الصين مع نهاية السبعينيات من القرن العشرين.[31]
أما عن (مانويل كاستلس) فقد اعتبر أن الدولة الانمائية هى دولة تستمد شرعيتها من احداث تحولات جذرية فى هيكل اقتصادها ، و من تحقيق معدلات مرتفعة للنمو . [32]
(شالمرز جونسون) : قد كان له دور مهم فى صك هذا المفهوم خلال الثمانينيات من القرن العشرين،و ذلك من خلال حديثه عن التجربة اليابانية و الدور الذى لعبته وزارة الاقتصاد و التجارة و الصناعة فى تحقيق المعجزة اليابانية ، حيث اعتبر (جونسون)الدولة الانمائية هى دولة تسعى لإحداث تنمية اقتصادية عاجلة مستخدمة فى سبيل ذلك بيروقراطية ذات كفاءة ،و تسعى تلك الدولة إلى تحقيق معدل نمو عالى فى سبيل الحفاظ على شرعيتها .[33]
(ميريدث ووكمنجز) :قد اعتبر الدولة الانمائية بمثابة الطريق الذى سلكته دول شرق آسيا لتحقيق التنمية الاقتصادية ، و تحاول فى سبيل تحقيقها للتنمية أن تجمع ما بين سمات كل من النموذجين الاشتراكى و الليبرالى معتمدة فى ذلك على قيادة سياسية ذات فلسفة مشجعة على التنمية.[34]
(هيران ليم) اعتبر الدولة التنموية هى دولة تقوم على سيطرة الحكومة على النشاط الاقتصادى و فى نفس الوقت تعتمد على وجود طبقة بيرقراطية ، بالاضافة إلى ذلك فهى تعتمد على وجود تحالف بين الدولة من ناحية و القطاع الخاص من ناحية أخرى.[35]
لذا فإن دور الدولة قد بدأ يأخذ بعداً جديداً خاصة بعد الركود الذى شهده العالم فى فترة الثلاثينيات من القرن العشرين ، لذا لم يعد دور الدولة قاصراً على مجرد التدخل المحدود لمواجهة الأزمات ، و إنما تحول هذا الدور و تطور ليصبح دوراً أساسياً لا غنى عنه فى مختلف النواحى الاقتصادية و الاجتماعية ، فأصبحت الدولة مسئولة عن تحقيق مستوى معقول من المعيشة للمواطن ، و هى الدولة التى عُرفت بمسمى (دولة الرفاه) . [36]
المبحث الثانى:مؤشرات الدولة التنموية:
على الرغم من تعدد التعريفات التى وُضعت لمفهوم الدولة الانمائية إلا أنه لابد من النظر إلى مجموعة من المؤشرات لكى يتم التعرف على نموذج الدولة الإنمائية ، و هى بالأساس مشتقة من تجارب الدول الانمائية ، و فى هذا الصدد يمكننا مناقشة المؤشرات الآتيه:
أولاً : قيادة تحمل هدفاً و أولوية لتحقيق التنمية.
ثانياً:نخبة بيروقراطية تتسم بالكفاءة.
ثالثاً:القيم الآسيوية.
رابعاً:جهة مسئولة عن عملية التنمية و التخطيط لها.
خامساً:مجتمع مدنى متسم بالضعف فى بداية التجربة ثم يقوى مع مرور الوقت.
سادساً:تمتع الدولة الإنمائية بالاستقلالية ، و القدرة على تعبئة الموارد.
فإذا كان بحثنا هذا يتمحور هدفه الرئيسى حول سؤال مفاده معرفة سبب فشل الدولة الانمائية فى مصر خلال الفترة الزمنية(1981-2008) فى حين انتفاء معضلة الأمن و الحرب التى مثلت عائقاً أمام التنمية خلال فترة الستينيات و السبعينيات ، هذا بالمقارنة مع أسباب نجاح الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية خلال الفترة(1961-1987) ، لذا لابد من التعرف على ماهية مؤشرات الدولة الإنمائية أو بمعنى أخر التعرف على العوامل التى تمثل مجتمعة دعائم قيام الدولة الانمائية ، و سنناقش كل مؤشر منها على حدة على هذا النحو:
المؤشر الأول: قيادة تحمل هدفاً و أولوية لتحقيق التنمية:
و هنا اعتبر بعض الباحثين أن المؤشر و الداعم الأول لتحقق الدولة الإنمائية هو وجود قيادة مستنيرة لديها تصور لتجربة تنموية ناجحة تسعى إلى تحقيقها ، و هو الأمر الذى حدث مع (مهاتير محمد) فى ماليزيا ، أو مع (نهرو) فى الهند ، أو مع الجنرال(بارك تشونج هى) فى كوريا الجنوبية ،و يُلاحظ على تجارب هؤلاء القادة أن تصورهم للتنمية كان قائماً على ضرورة وجود دور مهم و فعال للدولة فى التنمية ، هذا إلى جانب اهتمام هؤلاء القادة بالتحالف مع رجال الأعمال من ناحية و البيروقراطية ذات الكفاءة من ناحية أخرى ، كما نجد أن هذه القيادة لابد و أن تحمل استراتيجية معينة لتحقيق التنمية ، و تقوم تلك الاستراتيجية على مفاهيم معينة من بينها : الاعتماد على الذات ، و قيام الدولة بالدور الأهم فى عميلة التنمية ، و التنصيع من أجل التصدير ،و اعطاء أولوية للاهتمام بالتصنيع ، و وضع قيود و ضوابط على عمليات الاستثمار الأجنبى .[37]
إن للقيادة السياسية دور أساسى بصدد تحقيق أى تنمية ، فالقيادة التى تضع التنمية على سلم الأولويات هى أقرب إلى تحقيقها من قيادة أخرى لا تضع التنمية كأحد أولوياتها ، و قد تم دراسة عنصر القيادة من عدة أوجه، حيث توجد مجموعة من العوامل و العناصر التى تحدد توجهات القيادة السياسية ، فمثلاً السمات الشخصية لشخص القائد أو الدوافع التى تحركه قد تدفعه لتبنى مواقف معينة ، أو إلى بلورة قضايا معينة و ابرازها على ماعداها من القضايا ، و من هذه الدوافع :
-الرغبة فى ممارسة السلطة و النفوذ .
-أو الرغبة فى تحقيق المجد الشخصى ، و الاعتداد بالذات ، و الرغبة فى نسبة أى انجاز لشخص القائد .
و غيرها من الدوافع و السمات الشخصية التى قد تحدد طريقة تعامل القيادة مع القضايا و الملفات المختلفة ، و ترجع أهمية دراسة القيادة فى صدد الحديث عن دور الدولة الانمائية إلى كون هذه القيادة بمثابة العنصر الذى يحدد الأولويات فى السياسة العامة للدولة ، كما أنها تتمتع بدور محورى ليس فقط فى رسم هذه السياسة ، و إنما فى تنفيذها أيضاً ، لذلك نجد أن القيادة المستنيرة صاحبة المشروع التنموى هى أول مقوم من مقومات الدولة الانمائية . [38]
المؤشر الثانى : نخبة بيروقراطية تتسم بالكفاءة:
و تعمل هذه النخبة البيروقراطية كذراع تنفيذى فى يد الدولة لتحقيق التنمية ، و لابد لهذا النخبة البيروقراطية أن تتسم بالكفاءة و الفعالية و التماسك من الداخل ، بالإضافة إلى ضرورة عدم تأثرها بالمصالح السياسية التى تهيمن على رجال السياسة عادة ، و من ثم لابد أن تتسم هذه النخبة البيروقراطية بالاستقلالية عن السياسيين ، و أن تجعل هدفها الأول هو الهدف التنموى للدولة ، و على هذا الأساس تقوم هذه النخبة بالعديد من المهام ، و من بينها :
أ) معاونة الدولة فى تحقيق السياسات التنموية ، فتعمل هذه النخبة البيروقراطية على تخصيص الموارد اللازمة للمشروعات المختلفة بالأخص التى تصب فى صالح التنمية .
ب) كما تعمل هذه النخبة البيروقراطية على التنسيق مع الشركات الأجنبية و الاشراف عليها بحيث تضمن بقاء و قوة الصناعات المحلية ، الأمر الذى يسهل من وصول تلك الصناعة المحلية إلى الأسواق العالمية.
ج)العمل على توفير الخدمات الأساسية كخدمات التعليم و الصحة ، و هى خدمات من شأنها توفير البنية الأساسية للعنصر البشرى ذى الكفاءة ، هذا إلى جانب توفير بنية أساسية أو بمعنى أخر اقامة مشروعات البنية التحتية التى تمثل عماد التنمية الصناعية و التجارية ، و كذلك السعى نحو إنشاء مشروعات و صناعات تهدف لتحقيق الربح .[39]
المؤشر الثالث : القيم الآسيوية :
يُعد من العوامل التى ساعدت على قيام و نجاح نماذج الدول الانمائية فى آسيا عموماً هو وجود القيم الآسيوية ، ويحتاج موضوع القيم الآسيوية إلى الدراسة و التدقيق ، لذا سنتناوله فى الفصل الرابع بصفته عامل من عوامل نجاح الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية ، و لكننا الآن بصدد الحديث الموجز عن القيم الآسيوية بصفتها مؤشر و عامل من عوامل قيام الدولة الانمائية ، فهذه القيم من بينها:
أ)إيمان الفرد الآسيوى بقيمة الجماعة ، و من ثم يرفض الفرد الآسيوى النزعات الفردية الأنانية و يفضل بديلاً عنها العمل فى فريق ، فهو لا ينظر إلى مصالحه الذاتية الخاصة فحسب ، و إنما ينظر إلى مصالح الجماعة التى ينتمى إليها إلى جانب مصالحه الخاصة.
ب) قيمة التعليم أحد أهم القيم التى ساهمت فى نهضة الشعوب الآسيوية ، فالأسرة قد تضحى بالكثير من أجل تعليم الأبناء .
ج)كذلك يحمل الآسيويون نمطاً استهلاكياً معتدلاً يميل نحو الادخار أكثر منه نحو الاستهلاك.[40]
إن القيم الآسيوية على الرغم من تعددها و اختلافها من دولة آسيوية إلى دولة آسيوية أخرى ، إلا أنه توجد قيم آسيوية مشتركة بين كل الدول الآسيوية ، و بالأساس تدور تلك القيم –كما ذكرنا- حول قيم الجماعة ، و احترام القيادة و اعتبارها أساس استقرار المجتمع ، و لتدليل على أهمية القيم الآسيوية عند الآسيويين أُجريت دراسة على عدد من المواطنين من دول شرق و جنوب شرق آسيا ، فى مقابل عدد من مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية ، و ذلك بغرض استطلاع آراء كل هؤلاء حول أبرز القيم التى يتبعونها فى حياتهم ، فوُجدت أبرز القيم عند الآسيويين هى ست قيم أساسية من بينها :
-قيمة العمل الجماعى.
-أهمية الموظفين العموميين .
-احترام القيادة و اعتبرها أساس استقرار المجتمع . [41]
المؤشر الرابع : جهة مسئولة عن عملية التنمية و التخطيط لها:
و تظهر هذه الجهة المسئولة عن عملية التنمية داخل التجارب الآسيوية للتنمية ، فمثلاً نجد هذه الهيئة تظهر فى صورة:
: (وزارة التجارة الخارجية و الصناعة) – Ministry of International Trade and Industry
فى اليابان*
:مجلس التخطيط الاقتصادى –The Economic Planning Board
فى كوريا الجنوبية *
و قد جمعت بين هذه الهيئات المسئولة عن عمليات التنمية فى بلادها سمة واحدة ألا و هى أنها تأسست بواسطة الدولة وحدها دون أى تدخل من جانب القطاع الخاص ، بينما كان (مجلس الانتاجية) فى حالة هونج كونج استثناء على هذه القاعدة ، حيث إن هذه المجلس لم يتم انشاءه بواسطة الدولة بصورة خالصة أو القطاع الخاص وحده ، و إنما هو تنظيم حكومى و لكن مهمة ادارته و تمويله تقع على عاتق القطاع الخاص .
و يعنينا فى هذا الصدد الإشارة إلى الدور الأساسى الذى تلعبه الهيئة المسئولة عن التنمية فى تجارب التنمية عموماً ، حيث تعمل تلك الهيئة أياً كان مسماها على التنسيق بين خطط التنمية ، و تخصيص الموارد للمشروعات المختلفة و العمل على حل الصراعات التى تنشأ جراء ندرة الموارد، و كذلك تعمل هذه الهيئة على التنسيق بين سياسات و خطط التنمية .[42]
المؤشر الخامس : مجتمع مدنى متسم بالضعف فى بداية التجربة ثم يقوى مع مرور الوقت:
هنا نلاحظ إن وجود دولة إنمائية فى الغالب كان يصاحبه وجود مجتمع مدنى ضعيف ، حيث فى ظل وجود دور قوى و مهم للدولة كان المجتمع المدنى دوماً يتعرض للاختراق و التدخل فى شئونه من قبل الدولة ، فعلى سبيل المثال كان يتم التحكم فى الوسائل الاعلامية و محاولة اقصائها من الحياة السياسية ، و لعل أبرز الأسباب التى وقفت خلف ضعف المجتمع المدنى هو الافتقاد إلى وجود طبقة من البرجوازيين تستطيع مواجهة الحكومة و الوقوف أمام هيمنتها ، و من ثم نجد أن نماذج الدولة الانمائية فى آسيا اتسمت بوجود مجتمع مدنى ضعيف ، و لكن ما حدث بعد ذلك هو التحول الديمقراطى جراء تزايد أعداد المتعلمين و المثقفين الذين طالبوا فيما بعد بالديمقراطية.[43]
و بصفة عامة فإن مصطلح (المجتمع المدنى) يشير إلى الدور الذى تقوم به الجماعات المختلفة داخل المجتمع من أجل تحقيق التعاضد فيما بينها على أساس من العمل الجماعى التطوعى الخدمى ، و لعل أبرز ما يتسم به المجتمع المدنى على هذا النحو هى السمات الآتيه:
– العمل الجماعى.
– الترابط لمواجهة التحديات المشتركة.
– إعلاء قيم حقوق الإنسان بالأخص الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية (و ذلك فى حالة النماذج الآسيوية)
– تقديم قيم أداء الواجب قبل البحث عن الحقوق . [44]
المؤشر السادس: الاستقلالية :
و يُقصد بالاستقلالية قدرة الدولة الإنمائية على صياغة أهداف باستقلالية عن المصالح الفردية الضيقة ، و كذلك قدرتها على تعبئة الموارد و وضع الاستراتيجيات فى سبيل تحقيق أهداف التنمية.[45]
المبحث الثالث:التحديات التى تواجه نموذج الدولة التنموية:
إن الدور الإنمائى للدولة قد شهد تطورات عديدة كان سببها مجموعة من الأحداث و التطورات العالمية و الداخلية أيضاً ، و قد أثرت هذه التطورات –بطبيعة الحال- على شكل هذا الدور و أهمية النظرة إليه ، و يمكننا هنا الحديث عن مجموعة من الأحداث و المراحل المهمة التى أثرت على شكل الدور الانمائى للدولة و مثلت تحديات بالنسبة له .
أولاً:فترة الكساد الكبير فى الثلاثينيات من القرن العشرين ( أى فترة مابين الحربين) :
فى هذه الفترة حدثت مجموعة من التطورات التى فرضت على الدولة ضرورة التدخل فى عمليات التنمية ، و إذا أضفنا إلى حدث الكساد الكبير فى الثلاثينيات حدث أخر سابق عليه ألا و هو (الثورة البلشفية) فى روسيا عام 1917م ، و التى تبنت النهج الاشتراكى و سعت إلى نزع الملكيات الخاصة ، فإننا يمكن أن نتصور التوجه العام و الخط الناظم لفترة مابين الحربين و ميلها نحو إعطاء دور كبير للدولة و مؤسساتها فى مختلف نواحى الحياة ، و لقد بلور (كينز) نظريته حول دولة الرفاه بناء على هذا الأساس ، و إذا أضفنا إلى هذه العوامل و الأحداث حدث أخر جديد فى تلك الفترة (بالأساس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) ألا و هو بدء مرحلة التحرر الاستعمارى لدول العالم الثالث ، و سعى هذه الدول إلى تحقيق التنمية ، فإننا يمكننا أن نتصور مدى أهمية الدور الذى تعين على الدولة القيام به فى تلك الفترة (مابين الحربين ، و بعد الحرب العالمية الثانية و بدء مرحلة التحرر من الاستعمار) .
ثم مثلت فترة (مابعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و حتى انهيار الاتحاد السوفيتى) فترة حرب باردة بين المعسكر الغربى الذى تبنى الايدولوجية الليبرالية الرأسمالية القائمة على مبادىء أساسية أهمها:
الملكية الخاصة ، و حرية السوق ، و حرية التبادل التجارى .
و المعسكر الشرقى الذى تبنى الايدلوجية الاشتراكية القائمة على:
الملكية العامة لوسائل الانتاج ، و تحقيق ما يُعرف (بدولة الرفاهه) .[46]
أما عن دولة العالم الثالث و دول الجنوب فقد تبنت سياسات تميل نحو الاتجاه الاشتراكى،
و لكن على الرغم من تزايد أهمية دور الدولة طوال فترة مابعد الحرب العالمية الثانية إلا أن هذا الدور قد شهد تطوراً منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين حيث تم إعادة النظر فى مدى جدوى دور الدولة خاصة فى ظل الأزمات التى شهدتها تلك الفترة كأزمة ارتفاع أسعار البترول فى السبعينيات و ما أحدثته من ركود ، لذا تم إعادة النظر فى مدى أهمية الدور الانمائى للدولة ، و ما إذا كان تدخلها يعد ضرورياً أم لا ، ثم حُسم الأمر لصالح الايدولوجية الليبرالية مع انتصار المعسكر الغربى فى الحرب البادرة انتصاراً ايدلوجياً سلمياً لا عسكرياً ، فتم اعتبار أن نهاية هذه الحرب هى نهاية فكرية و ايدلوجية للمعسكر الاشتراكى ، و بدأ يتم النظر للدور الانمائي للدولة باعتباره جزء من التراث الذى عفا عليه الزمن و اثبت عدم جدواه . [47]
ثانياً:العولمة:
قد شكلت العولمة تحدياً كبيراً لدور الدولة الانمائية ، و العولمة كمفهوم قد ذُكر لأول مرة عام 1991م ، حيث تم اعتبار انهيار سور برلين بشكل سلمى و نهاية الحرب الباردة نهاية غير عسكرية هو بمثابة تأصيل لبداية مرحلة جديدة تنهار فيها الحدود الوطنية فيما بين الدول ، و قد نشر (فرانسيس فوكوياما) مقالة عام 1989م بعنوان(نهاية التاريخ) ، حيث اعتبر(فوكوياما) أن انهيار الاتحاد السوفيتى هو انتصار للايدولوجية الليبرالية على نظيرتها الاشتراكية ، و العولمة تنصرف فى معناها إلى زيادة الترابط الاقتصادى و الاجتماعى و السياسى و الثقافى فيما بين الدول ، كما ترتبط العولمة أيضاً بفكرة زوال الحدود القومية و اندماج العالم كله فى بوتقة واحدة ، و هو الأمر الذى ساعدت عليه عمليات تطور وسائل الاتصال و تكنولوجيا المعلومات ، و لكن العولمة رغم جوانبها الخلاقة إلا أنها قد مثلت تحدياً للدولة القومية الحديثة من ناحية مجموعة من الأمور :
1- حرية التجارة العالمية و ما فرضته من تحديات على الصناعة الوطنية .
2- منظومة القيم العالمية المنصرفة إلى حقوق الإنسان و الديمقراطية ، و وصول الحديث عن تلك القيم إلى مختلف الدول ، و من ثم مثلت تحدياً للدولة القومية التى أصبح منوطاً بها احداث التغيرات اللازمة لتلبية تلك الحقوق.
3- محاولات(الأمركة) أو بمعنى أوضح محاولات بناء كافة المجتمعات على النمط و النهج الغربى ، و تجاهل منظومات القيم المحلية و الوطنية ، و تجاهل الخصوصيات الثقافية .
4- تنامى دور الفواعل من غير الدول و تزايد رؤوس أموالها و عدد المندمجين فيها .
-فقدان الدولة القومية لسيطرتها على اقيلمها من الناحية الاقتصادية . [48] 5
فرغم الجوانب الايجابية لظاهرة العولمة (من ناحية تقارب الشعوب ، و زوال فكرة الحدود التقليدية ، و انتشار وسائل الاتصال و تكنولوجيا المعلومات ، و تطور وسائل الاتصال ) إلا أنها قد حملت إلى جانب تلك الظواهر الايجابية جوانب أخرى خطيرة للغاية ، و قد كان من أبرز تلك الجوانب السلبية تزايد مساحة الفجوة فيما بين الدول الصناعية الغنية و دول الجنوب ، لذا تمت إعادة النظر من جديد فى مدى جدوى دور الدولة و ذلك إبان الأزمة المالية الآسيوية عام 1997م و التى وقعت بفعل تدهور كبير فى قيمة العملة الآسيوية ، و بفعل هذه الأزمة بدأ يتم النظر لدور الدولة الانمائية باعتباره دور ضرورى ، و قد تدعمت تلك النظرة أكثر مع وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008م .[49]
ثالثاً:الدور الذى يلعبه رجال الأعمال فى إطار تحالفهم مع الدولة : بين النظرة الايجابية و السلبية:
البعض ينظر لدور رجال الأعمال فى عمليات التحول الديمقراطى نظرة سلبية ، ذلك لأن رجال الأعمال- بطبيعة الحال- يميلون نحو الابقاء على نموذج التحالفات القائمة كما هى حفاظاً على مصالحهم ، و لكن على الجانب الأخر قد تؤدى سياسات الاصلاح الاقتصادى إلى تقليل اعتمادية رجال الأعمال على الدولة ، و تقليل تبعيتهم لها ، الأمر الذى قد يدعم من استقلالية و قوة رجال الأعمال فى مواجهة دور الدولة .[50]
رابعاً : مدى تمتع الدولة بالاستقلالية فى مواجهة سياسات الخصخصة و الاصلاح الاقتصادى:
هنا تثور وجهتان للنظر :
وجهة النظرالأولى :
ترى أن الدولة تستمر مهيمنة حتى مع تنامى دور القطاع الخاص ، و أن أى دور يلعبه القطاع الخاص و المجتمع بشكل عام هو دور آتى من قبيل المنحة التى تعطيها الدولة للمجتمع كى تحصل على الدعم و المساعدة فى تحقيق أهدافها التنموية ، ناهيك عن العامل الخارجى فى الضغط على بعض الدول النامية كى تتجه نحو إعطاء مزيد من الأدوار للقطاع الخاص ، و من ثم تعد أدوار المجتمع و القطاع الخاص هى أدوار تأتى بعد دور الدولة و ليست سابقة عليها أو مهددة لسيطرتها الكاملة ، و إنما هى عوامل مساعدة للدولة على تحقيق أهدافها .
وجهة النظرالمقابلة :
تنظر إلى دور المجتمع و القطاع الخاص بمزيد من الايجابية ، حيث ترى إن رجال الأعمال (مع وجود سياسات الانفتاح و الخصخصة) قد يلعبون دوراً مشاركاً للدولة بل ضاغطاً عليها فى بعض الأحيان ، و بالتالى قد يضغط القطاع الخاص- و المجتمع عامة – على الدولة نحو تحقيق التنمية الاقتصادية من ناحية ، و التحول الديمقراطى من ناحية أخرى.[51]
الفصل الثانى:تطور التجربة التنموية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر :
لقد قطعت كوريا الجنوبية شوطاً كبيراً فى طريق التنمية منذ عام 1961م و هو العام الذى جاء فيه الجنرال (بارك شونغ هى) إلى السلطة فى كوريا الجنوبية عبر انقلاب عسكرى ، و على الرغم ما كانت عليه الدولة الكورية من حالة سيئة عقب الحرب الكورية(1950-1953) إلا أنها استطاعت تجاوز الأزمة و المضى قدماً فى طريق التنمية ، و فى سبيل ذلك مرت بمراحل عدة تميزت كل مرحلة عن سابقتها باستراتيجية مختلفة فى التصنيع ،و كما أن التجربة التنموية لكوريا الجنوبية تظهر أمامنا متفردة نظراً لأنها تحمل الكثير من عوامل النجاح ، فإن الاقتصاد المصرى أيضاً قد مر بمراحل عدة يمكننا أن نتتبعها منذ العهد الملكى مروراً بالتخطيط الاشتراكى فى ظل حكم الرئيس الراحل(جمال عبد الناصر) وصولاً إلى سياسات الانفتاح فى عهد الرئيس الراحل (محمد أنور السادات) و التى أكملت مسيرتها فى الانفتاح فى عهد الرئيس الأسبق(مبارك) ، و رغم إن تركيزنا فى الدراسة سينصب على فترة (مبارك) فى مصر ، و على الفترة (1961-1987) فى كوريا الجنوبية إلا إنه يتعين علينا تتبع بعض مراحل تطور كل من التجربة التنموية لكوريا الجنوبية و مصر فيما قبل الفترات الزمنية محل الدراسة ، هذا إلى جانب ضرورة أن نطبق مؤشرات الدولة الانمائية -و التى سبق و أن عرضناها خلال الفصل الأول من الدراسة- على التجربة التنموية لكل من كوريا الجنوبية و مصر ، ذلك تمهيداً للتعرف على عوامل نجاح الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية(1961-1987) و اخفاقها فى مصر(1981-2008) ، لذا سيناقش هذا الفصل المباحث التالية :
المبحث الأول : نبذة عن الوضع السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى فى الفترات الزمنية السابقة على الفترة محل الدراسة فى كل من كوريا الجنوبية (1961-1987) ، و مصر(1981-2008)
المبحث الثانى:المراحل التى مرت بها التجربة التنموية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر.
المبحث الأول : نبذة عن الوضع السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى فى الفترات الزمنية السابقة على الفترة محل الدراسة فى كلا الدولتين :
أولاً:نبذة عن الوضع فى كوريا الجنوبية فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة:
تتمثل الفترة الزمنية موضع الدراسة فى كوريا الجنوبية فى الفترة (1961-1987) ، و لكن من الأهمية بمكان استعراض أهم التطورات و الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لكوريا الجنوبية قبل البدء فى بحث مؤشرات تجربتها التنموية التى بدأت مع الستينيات ، لذا تعنى الباحثة فى هذا الصدد باستعراض مراحل أساسية فى تاريخ كوريا ، و إبراز سمات تلك المراحل التاريخية بايجاز ، و هى بالأساس –وفقاً لبعض التصنيفات- مرت بمرحلة اتسم فيها الاقتصاد الكورى بكونه اقتصاداً زراعياً تقليدياً و ذلك خلال الفترة(1392-1910) ، ثم فترة الاستعمار اليابانى منذ 1910 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 م ، ثم الحرب الكورية (1950-1953) و التى انتهت بدمار كبير ، لكننا لن نركز على كافة المراحل السابقة على فترة الدراسة بالتفاصيل ، و إنما سنركز على الفترة التى تلت الحرب الكورية (1950-1953) . [52]
-الوضع السياسى فى كوريا الجنوبية فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة :
قد عُرفت الأسرة الحاكمة فى كوريا بسلالة (يى) خلال الفترة (1392-1910)أى أنها استمرت حتى الاستعمار اليابانى لكوريا ، و سُميت كوريا فى تلك الفترة بمملكة(شوسون)[53] ، ثم شهدت الفترة (1910-1945) الاحتلال اليابانى لكوريا ، أما عن الفترة(1945-1948) فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى التى تسير الحكم داخل كوريا بعد هزيمة اليابان فى الحرب العالمية الثانية .[54]
ثم تأسست الجمهورية الكورية الأولى فى عهد (سينجمان رى) ، و امتد حكمه منذ 1948 حتى عام 1960م ،حيث لم يتم انتخابه من جديد فى عام 1960م بسبب اهتزاز شرعيته فى ظل نظام كان دائم الصدام مع المعارضة ، فتم تشكيل حكومة مؤقتة عقب حالة عدم الاستقرار التى سادت البلاد فى تلك الفترة ، ثم أتت الانتخابات ب(شانج ميون) كرئيس للوزراء ليؤسس بذلك الجمهورية الثانية ، و لكن هذا النظام رغم غطائه الديمقراطى إلا أنه لم ينجح فى اقرار الاستقرار السياسى و لم يحقق أى انجاز اقتصادى ، مما أدى إلى حالة من الفوضى التى أعقبها استيلاء الجنرال (بارك) على السلطة فى انقلابه العسكرى الذى قام به فى 1961م . [55]
الوضع الاقتصادى فى كوريا الجنوبية فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة:
ماوجدته الباحثة خلال بحثها فى تلك الفترة القديمة فى تاريخ كوريا (1392-1910)، أن تلك الحقبة من تاريخ كوريا قد حملت جذوراً للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية ، و من الأمثلة فى هذا الصدد ، أنه قد تم التوصل إلى ابتكار يقيس شدة هطول الأمطار و ذلك فى عهد الملك (يى الرابع)، كذلك تم بناء سفينة حربية على شكل سلحفاة لذا تمت تسميتها ب (سفينة السلحفاة الحربية) ، و هى منسوبة إلى الأدميرال(يى سون شن)، و قد كان دافع كوريا فى تطوير صناعة السفن خلال تلك الفترة هو سعيها لصد أى غزو من جانب اليابان ، لكن رغم كل هذا الجهد الذى أسهم به الكوريون من انجاز علمى و صناعى إلا أن المنظور الغربى لكوريا يميل إلى اختزال تاريخ كوريا فى فترة الاستعمار اليابانى ، على الرغم من كون هذا التاريخ هو بنية أساسية لما حققته كوريا الجنوبية من نهضة فيما بعد ، فكوريا الجنوبية فى عام 1987م (و هى نهاية فترة الدراسة) كانت تمتلك صناعة كبرى للسفن الحديثة ، و هى نفسها الدولة التى طورت قبل ذلك بقرون أى فى عام(1592) سفينة السلحفاة الحربية لمواجهة الغزو اليابانى .[56]
و قد كانت كوريا تطبق سياسة أقرب إلى العزلة خلال فترة حكم (مملكة شوسون) 1392-1910، ثم بدأت مع توقيعها اتفاقية تجارية مع اليابان فى عام 1876 تنفتح بشكل اضطرارى على العالم الخارجى ، و وقتها كان اقتصادها يتسم بطبيعة زراعية، و قد صاحب هذا الاقتصاد الزراعى الغير متقدم عدد سكان فى تزايد مستمر ، الأمر الذى أدى إلى محدودية نصيب الفرد من الدخل . [57]
و قد اتسمت الفترة التى تلت انتهاء الاحتلال اليابانى لكوريا فى 1945 بتزايد الهيمنة الأمريكية على الأوضاع فى كوريا الجنوبية ، فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من برامج الدعم المالى و الفنى و العسكرى إلى كوريا الجنوبية ، ففى عام 1948م كانت قيمة تلك المعونات 179.6مليون دولار ، و وصلت إلى 368.8مليون دولار فى عام 1957م،ثم بدأت تلك المعونة فى الانخفاض بعد ذلك ، و قد كانت أغلب تلك المعونة يذهب إلى أغراض الغذاء و السلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى . [58]
الوضع الاجتماعى فى كوريا الجنوبية فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة:
لقد انقسم المجتمع الكورى أثناء فترة حكم مملكة (شوسون) 1392-1910 إلى ثلاث طبقات أساسية ، يأتى فى مقدمتها طبقة المتعلمون ، ثم طبقة العامة ، ثم الطبقة الدنيا المتمثلة فى العبيد ، و قد كانت الزراعة هى مجال العمل الرئيس للكوريين فى تلك الحقبة . [59]
ثانياً:نبذة عن الوضع فى مصر فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة:
لقد شهدت مصر محاولات عديدة للتنمية و إحداث النهضة و ذلك على مدار تاريخها الطويل ، و لكن الظروف شاءت فى أغلب الأحيان ألا تكتمل تلك المحاولات أو أن تتم اجهاضها بعدما تقتطع شوطاً مهماً ، و قد أرجع البعض أسباب اخفاق تلك المحاولات إلى عوامل داخلية و خارجية ، لذا لا نستطيع أن نعول فى فشل محاولات التنمية فى مصر على العوامل الداخلية وحدها ، حيث كان للعامل الخارجى أيضاً دور لا يُنكر فى هذا الشأن ، لذا ستتعرض الباحثة لبحث الوضع السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى فى مصر منذ ثورة يوليو 1952 ، و ذلك من أجل الوصول تدريجياً إلى الفترة الزمنية محل الدراسة فى مصر و هى (1981-2008) ، ذلك لأن التنمية بصفة عامة لا تكون وليدة اللحظة ، كما أنها لا تظهر بصورة فجائية منفصلة عن الجذور و التاريخ ، و إنما هى وليدة تطور العصور ، كما أنها وليدة لتضافر مجموعة من العوامل .
-الوضع السياسى فى مصر فى الفترات السابقة على الفترة الزمنية محل الدراسة :
لقد مثلت ثورة يوليو 1952 نقطة تحول جذرية لابد لأى باحث يسعى لدراسة التنمية فى مصر أن يتعرض لها بالبحث و الدراسة و التدقيق ، ذلك للوصول للأسباب و العوامل التى وقفت خلفها من ناحية ، و لتقييم نتائج تلك الثورة من ناحية أخرى ، كذلك و اتصالاً بموضوع دراستنا لاغنى عن التعرض بالبحث إلى دراسة جذور مجاولات التنمية فى مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952م ، فهذه الثورة اعتبرها البعض أحد أهم مراحل تطور الحركة القومية فى مصر ، و قد أرجع دكتور (بكر مصباح تنيره) فى رسالته حول تطور النظام السياسى فى مصر فى الفترة (1952-1976) تطور تلك الحركة القومية فى مصر إلى أواخر القرن الثامن عشر . [60]
و قد اعتبر دكتور(بكر مصباح تنيره) أن تجربة الثورة المصرية فى يوليو عام 1952 هى بمثابة تجربة متفردة عن غيرها من تجارب التنمية فى دول العالم الثالث الأخرى ، حيث اعتبر أن هذه التجربة تحمل آثاراً مهمة ليس فقط على الواقع المصرى و إنما أيضاً على واقع دول العالم الثالث ككل، ذلك بسبب ما مثلته تلك الثورة من أمور و محاولات للتنمية تأخذ ما يفيدها من تجارب الدول الأخرى بالشكل الذى يلائم واقعها المصرى ، و بصفة عامة و بصرف النظر عن تقييم ثورة يوليو 1952 ، يمكن للباحثة فى هذا الصدد أن تقف على العوامل التى وقفت خلف ثورة يوليو كى تستطيع أن تتعرف على الوضع المصرى قبيل قيام ثورة يوليو ، و ذلك تمهيداً للمرور بهذا الوضع عبر فترات الرؤساء (جمال عبد الناصر) و (محمد أنور السادات) .[61]
فقد اتسم الوضع السياسى قبيل قيام ثورة يوليو 1952 بالتأزم الشديد ، و قد كانت الأسباب و العوامل السياسية أحد أهم عوامل قيام الثورة ، و يمكننا ايجاز تلك العوامل فيما يلى :
1)تناقض مصالح الشعب مع مصالح المستعمر:
حيث تقوم الثورات عادة عندما تتناقض الأهداف التى يسعى إليها المستعمر مع رغبات و طموحات الشعوب ، فالمستعمر البريطانى منذ مجيئه و هو يسعى بمختلف الطرق لاستغلال طاقات الدولة المصرية و هو الأمر الذى ولد شعوراً بالسخط العام لدى المصريين .
2)التعاقب السريع لوزرات متتالية:
الأمر الذى جعل من الصعوبة بمكان على أى وزارة أن تضع و تنفذ خطط للتنمية.
3)هشاشة الأحزاب المصرية:
حيث اتسمت الأحزاب بالشخصنة ، و غياب المؤسسية ، و تركز أهدافها حول الصراع على السلطة ، إلى جانب افتقادها لاستراتيجية و رؤية تنموية شاملة لكافة النواحى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
4)غياب ثقافة سياسية واعية:
حيث غابت الثقافة السياسية التى تقوم على أسس ديمقراطية ، مما أدى إلى اضعاف الحياة السياسية ، و عدم قيامها على أسس ليبرالية .[62]
5)كنتيجة منطقية لكل من غياب الوعى السياسى، و الافتقاد إلى الثقافة الديمقراطية، و ضعف الأحزاب و عدم مؤسسيتها ، فقد الشعب ثقته فى غالبية الأحزاب :
حيث اعتبرها الشعب تميل لتمثيل مصالح الحزب نفسه بديلاً عن مصالح الشعب.
6)استمرار الاحتلال البريطانى :
على الرغم من الاستقلال الشكلى الذى تحقق بموجب تصريح 28 فبراير 1922 ، و معاهدة 1936 ، ظلت بريطانيا متواجدة فى منطقة قناة السويس ، علاوة على نفوذها و تأثيرها فى الوضع الداخلى المصرى . [63]
أما عن الوضع السياسى لمصر فى عهد الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) ، فإذا نظرنا إلى المبادىء التى قامت عليها ثورة يوليو 1952 سنجد أنها جعلت هدف تحقيق الديمقراطية السليمة هو المبدأ السادس و الأخير من مبادىء الثورة ، و تعليقاً على ذلك كان (جمال عبد الناصر) يرى أن الديمقراطية و هى الحرية السياسية-من وجهة نظره- لابد و أن تأتى تالية على تحقيق الحرية الاقتصادية ، بمعنى أنه كان يعطى الأولوية إلى تحقيق الانجاز الاقتصادى أولاً ثم الاتجاه إلى تحقيق الحرية السياسية بعد ذلك، حيث انتقد (جمال عبد الناصر) الوضع الاجتماعى و الاقتصادى الذى كان سائداً قبل الثورة ، و هو الوضع الذى اتسم بسوء توزيع الثروة و تراكمها فى أيدى فئة محدودة العدد ، و غياب العدالة الاجتماعية فى ظل نظام اقطاعى ، لذا جعل (ناصر) أولوية الدولة هى اصلاح الاختلالات الاجتماعية و الاقتصادية ، و البعض أطلق على هذه الفكرة مسمى (الديمقراطية الاشتراكية) . [64]
الوضع الاقتصادى فى مصر فى الفترات السابقة على الفترة الزمنية محل الدراسة:
اتسم الوضع الاقتصادى قبيل قيام ثورة يوليو بالسوء الشديد ، لذا قد مثل هذا الوضع عاملاً شديد الأهمية لقيام الثورة ، و يمكننا وصف هذا الوضع و سرد أهم ملامحه من خلال العناصر الآتية:
1)غياب التنمية الحقيقية التى تحقق التوازن بين قطاعات الاقتصاد المختلفة ، و التى تحقق مستوى عالى من الناتج القومى .
2)انخفاض متوسط دخل الفرد كنتيجة للانخفاض فى الانتاج القومى ، مما انعكس على وجود مستوى معيشة متدنى للغاية عند أغلبية المصريين ، فقد انخفض متوسط دخل الفرد من 10.2 جنية فى الأعوام (1937-1939) إلى 9.5 جنية فى الفترة السابقة على قيام الثورة (1950-1953) .
3)تركز مصادر الدخل و ملكية الأرض فى أيدى فئة محدودة جداً من كبار الملاك ، و هى بالأساس فئة منتمية للأسرة المالكة .
4)نظراً لاستمرار خضوع مصر من الناحية الرسمية للاستعمار البريطانى فقد استمر الاقتصاد المصرى خاضعاً و تابعاً لنظيره الأوروبى ، و غنى عن البيان أن تلك التبعية كانت لها مآلاتها تاريخياً منذ منح امتياز قناة السويس لشركة فرنسية ، مروراً بأزمة الديون فى عهد الخديوى (إسماعيل) ، و لكن الأمر ازداد سوءاً مع مرور الوقت ، وازدادت تبعية الاقتصاد المصرى للخارج ، الأمر الذى أضر بهيكل الاقتصاد المصرى بشكل كبير ، فقد اعتمد الاقتصاد بصورة أساسية على الانتاج الزراعى ، ففى عام 1939 كانت نسبة الدخل من الانتاج الزراعى حوالى 48% من الدخل القومى . [65]
الوضع الاجتماعى فى مصر فى الفترات السابقة على الفترة محل الدراسة:
لقد كان الوضع الاجتماعى فى مصر قبيل ثورة يوليو لا يقل سوءاً عن الوضعين السياسى و الاقتصادى بل كان بمثابة محصلة لنتائجهما معاً ، فقد عانى المجتمع المصرى من الظلم الاجتماعى، و من غياب العدالة فى توزيع الثروة ، حيث تركزت مصادر الدخل و الملكية فى يد فئة محدودة ، إضافة إلى ذلك اتسمت الطبقات الاجتماعية بالجمود، ففقد كان من الصعب أن يتحول شخص من طبقة اجتماعية لطبقة اجتماعية أخرى ، حيث كان الوضع الاجتماعى يتحدد بناء على الطبقة الاجتماعية التى يُولد فيها الفرد و ليس بناء على اجتهاده الشخصى و انجازه ، لذا كان لكل ماسبق تأثير سلبى كبير على المجتمع المصرى الذى انقسم إلى :
أ)طبقة عليا تضم كبار ملاك الأراضى ، و هم بالأساس منتمون إلى أفراد الطبقة المالكة .
ب) طبقة متوسطة تضم العمال ، و الموظفين ، و صغار ملاك الأراضى ، و قد كان تأثير تلك الطبقة الوسطى على السلطة السياسية محدوداً للغاية لسببين :
أولهما بحكم ضعف تلك الطبقة .
و الثانى : لبعدها عن مراكز القوة و النفوذ ، و لكن على الرغم من ذلك كان يرجع إلى تلك الطبقة المتوسطة بروز عدد من الرموز الوطنية المصرية . [66]
و للوضع الاجتماعى مكانة مهمة للغاية فى خطاب (جمال عبد الناصر) الذى اعتبر أن تصحيح الوضع الاجتماعى المختل هو الأولوية بالنسبة له من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة ، و قد اعتبر(ناصر) أن مصر قد ورثت نظاماً يتسم بوجود طبقتين غير متكافئتين تكره كل منهما الأخرى و هما: طبقة العبيد و طبقة الأسياد ، لذا قد ربط(ناصر) بين تحقيق العدالة الاجتماعية من جهة و تحقيق الديمقراطية من جهة أخرى كما سبق و أن ذكرنا ، حيث اعتبر العدالة الاجتماعية مُقدمة على بل و شرطاً أساسياً لتحقيق الديمقراطية ، و هذا ما أكده فى كتابه (فلسفة الثورة) ، فقد اعتبر(ناصر) أن حقوقاً كحق التعليم و الصحة و العمل هى حقوق أساسية لأى مواطن ، و هى الأساس الذى يمكن عليه تحقيق الديمقراطية فيما بعد . [67]
المبحث الثانى : المراحل التى مرت بها التجربة التنموية لكل من كوريا الجنوبية و مصر:
تقوم الدراسة على سؤال محورى ألا و هو : لماذا نجحت الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية(1961-1987) ، و اخفقت فى مصر (1981-2008) ؟ ، و كما سبق و أن ذكرنا ، فعلى الرغم من انتفاء المعضلة الأمنية التى شغلت مصر أثناء الستينيات و حتى نهاية السبعينيات مع توقيع اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية (1979) ، لم تستطع مصر أن تحقق تجربة تنموية تقارب ماوصلت إليه كوريا الجنوبية ، و ذلك على الرغم من أن مؤشرات النمو و الدخل فى مصر أثناء الستينيات أى مع بداية مرحلة التنمية فى كوريا الجنوبية مع مجيىء الجنرال( بارك شونغ هى) كانت تفوق مثيلاتها فى كوريا الجنوبية ، و يمكننا تصور ذلك الفارق(كما ذكرنا) عندما نجد أن الناتج المحلى الاجمالى المصرى كان حوالى 3880 مليون دولار فى عام 1960 ، بمعنى أنه كان يفوق مثيله ح فى كوريا الجنوبية ، و لكنه ارتفع إلى 23110 مليون دولار فى عام 1981 و بذلك يكون قد انخفض عن مثيله الكورى بحوالى 35% [68]
و لكننا بصدد الإجابة عن التساؤل الرئيسى حول العوامل التى أدت لنجاح الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية و فشلها فى مصر لا يعنينا كثيراً الحديث عن التطور التاريخى لتجارب كلا الدولتين ، و إنما سوف نركز على بعض التطورات المهمة بغرض فهم أسباب نجاح التجربة فى كوريا الجنوبية و فشلها فى مصر ، لذا و تطبيقاً للمنهج المُقارن سنستعرض بعض التطورات من كلا التجربتين على حدة ثم نقوم بمحاولة للوقوف على جوانب التشابه أو الاختلاف بين مراحل التجربتين .
أولاً: التجربة التنموية لكوريا الجنوبية (1961-1987):
لقد اتسمت كوريا الجنوبية عند بدء تجربتها بامتلاك اقتصاد متأخر يتسم بفائض فى العمالة ، و وجدت الدولة الكورية نفسها منوطة بحل تلك المشكلة ، فعملت على تشجيع انتقال العمالة من الريف إلى الحضر ، و اقامة الصناعات كثيفة العمالة ،و ذلك كله لاستيعاب هذا الفائض فى العمالة ، و فى نفس الوقت عملت الدولة على زيادة الاستثمارات فى المجال الزراعى ، و ذلك لإتاحة الفرصة للتبادل التجارى بين الريف و الحضر ، و من الملاحظات المهمة فى هذا الصدد أن الدولة سعت لضبط معدل المواليد فى الريف سعياً لتقليل العدد الفائض من العمالة المتزايدة . [69]
و من المهم أيضاً فى هذا الشأن هو أن كوريا الجنوبية تميزت فى أوائل الستينيات بفائض فى العمالة المتعلمة و المثقفة ، فقد كانت نسبة من يتمكنون من القراءة و الكتابة حوالى 70% من السكان ، و من ثم كانت العمالة التى تتمتع بمستوى تعليمى عالى عاملاً من عوامل الانطلاق للتجربة الكورية.[70]
لكننا إذا بدأنا البحث فى عوامل نجاح الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية و اخفاقها فى مصر لابد لنا أن نستطلع الوضع فى كلا الدولتين قبيل البدء فى التنمية ، فمصر كانت فى الستينيات تفوق كوريا الجنوبية فى معدلات كثيرة ، و لكن الأوضاع و التطورات التى تلت ذلك و على مدار الثلاثين عاماً التالية للستينيات تغير الوضع رأساً على عقب، و قفزت كوريا الجنوبية على مصر و تخطتها ، لذا سنتناول فى هذا المبحث المراحل التى مرت بها تجربة كل من كوريا الجنوبية و مصر فى التنمية .
المراحل التى مرت بها التجربة التنموية لكوريا الجنوبية:
و سنناقش فى اطار استعراضنا لتطور تجربة الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) نقطتين أساسيتين ألا و هما :
أ) التحول الذى شهده هيكل الصناعة الكورية (باعتبار أنه قد مثل أساساً فى التجربة التنموية لكوريا الجنوبية).
ب)مراحل تطور التجربة التنموية لكوريا الجنوبية .
أ) التحول الذى شهده هيكل الصناعة الكورية: إن عملية التصنيع ضرورية لأى دولة تريد احداث تنمية،و من هنا جاءت ضرورة دراسة التصنيع كأحد جوانب التنمية فى كوريا،فكوريا الجنوبية قد تحولت بدءاً من الستينيات و على مدى فترة وجيزة من دولة زراعية متخلفة إلى دولة صناعية كبرى دون أن يؤدى هذا القفز التنموى السريع إلى اختلالات فى توزيع الثروة أو التسبب فى معدلات بطالة عالية ،و كانت نقطة البداية بالنسبة لكوريا الجنوبية فى هذا الصدد هو التحول عن استراتيجية التصنيع من أجل الاحلال محل الورادات و هى الاستراتيجية المُتبعة من قبل عدد كبير من الدول النامية ،إلى استراتيجية التصنيع من أجل التصدير ،و هو الأمر الذى ينفى الادعاء القائل بأن سبب نمو قطاع الصناعة الكورى يرجع لتزايد معدلات الطلب الداخلى،ذلك لأنه ينبغى التفرقة بين الدولة التى تتوجه فى استراتيجيتها الصناعية نحو الداخل و الدولة التى تقوم على استراتيجية صناعية قوامها هو التصنيع من أجل التصدير ، و لايضاح الفرق نلاحظ أن :
أ)الدولة التى تتبع استراتيجية التصنيع من اجل الاحلال محل الواردات: هى دولة تتوجه نحو الداخل، و هى تقوم بالتركيز على مقتضيات الطلب المحلى بغرض الاستغناء عن الورادات. ب)أما الدولة التى تتبع استراتيجية التصنيع من أجل التصدير:فهى دولة تتوجه نحو الخارج و تلك هى الاستراتيجية التى اتبعتها كوريا الجنوبية منذ ستينيات القرن العشرين.[71]
و قد مر الاقتصاد الكورى بمراحل عدة قبل أن يصل لما هو عليه الآن ، حيث صعدت كوريا الجنوبية من وضع كانت تعانى فيه من الويلات التى خلفتها الحرب الكورية (1950-1953) إلى وضع جديد يشهد له العالم بالمعجزة الاقتصادية ،حيث وصلت بمقتضاه كوريا الجنوبية لتكون ضمن الدول الصناعية الحديثة، و المتتبع للمراحل التاربخية التى مر بها الاقتصاد الكورى سيواجه بأول مرحلة مهمة :
1–و هى(مرحلة الاحلال محل الواردات) فى الفترة (1950-1961):
هنا ينبغى الاشارة إلى الوضع المتدنى فى كوريا الجنوبية عقب خروجها من الحرب الكورية(1950-1953)،فقد كانت تعانى- إلى جانب عدم الاستقرار السياسى – من الاعتماد الكبير على المعونات الأجنبية التى كانت تتدفق عليها فى ذلك الوقت من أجل تعويضها عن حالة الخراب التى وصلت إليها ، و يمكننا الاشارة فى هذا الصدد إلى حجم المعونة الأجنبية التى كانت تقدر بحوالى15%من متوسط الناتج القومى الاجمالى سنوياً فى الفترة( 1953-1958 )، كما أن الاقتصاد الكورى فى تلك الفترة كان يعانى من عجز فى الموازنة سعت الدولة لعلاجه من خلال قروض البنك المركزى ،و قد وصلت حالة السوء لذروتها فى عام 1959حينما وصل الاقتصاد الكورى لحالة من الركود تسبب فيها تناقص حجم المعونات الأجنبية مما أدى لعجزها عن الوفاء بمتطلبات الأفراد حتى من الغذاء و الطاقة.[72]
2-أما المرحلة الثاني فهى مرحلة : النمو مقابل التنمية فى الفترة (1960-1993):
ما حدث خلال تلك المرحلة كان أبعد من مجرد تزايد فى المعدلات و الأرقام المعبرة عن الدخل ، حيث أنه لم يصاحب الزيادة فى الدخل حدوث أية اختلالات فى توزيع الدخل أو ازياد لمعدلات البطالة ، بل صاحب معدلات النمو المرتفعة تناقص فى نسب البطالة ، كذلك انخفض حجم التضخم من 19.5% فى عقد السبعينيات إلى 6.3% فيما بعد عام 1980( فى المتوسط ).[73]
هنا يتضح أن مجرد زيادة معدلات النمو أو معدلات دخل الفرد زيادات مطردة لا تكفى للتعبير عن امكانية احداث تنمية شاملة للمجتمع ، و من هذا يتضح إن ما حدث فى كوريا الجنوبية خلال الفترة(1960-1993) لم يكن مجرد زيادة فى معدلات الدخل ، و إنما كان فكرة أبعد و أهم من ذلك ،فنجد أنه قد صاحب زيادة معدلات الدخل و التقدم الاقتصادى مستويات أعلى من الرفاهية للكوريين من ناحية مستويات التعليم و الصحة ، حيث ازداد العمر المتوقع للفرد من 54 سنة فى عام 1960 إلى 60 سنة فى عام 1970 ، ثم إلى 66 سنة فى عام 1980، كذلك فقد انخفضت نسبة الأمية بين الكبار من 29% سنة 1960 إلى 7% فى عام 1970 ، و إلى أقل من 5% فى عام 1993م [74]
أما عن التحول الحقيقى الذى شهده هيكل الصناعة الكورية:
فيُقصد به التحول من انتاج الصناعات الخفيفة التى تعتمد على عمالة كثيفة نحو انتاج الصناعات الثقيلة التى تعتمد على رأس مال كثيف ، أو بمعنى أخر التحول من الصناعات الخفيفة إلى الصناعات المعمرة ، و هو ما حدث بالفعل فى كوريا الجنوبية ، و يتضح ذلك من خلال معرفة أن نسبة الصناعات الخفيفة انخفضت من 70% إلى 30% فى خلال السنوات (1960-1990)، بينما زادت نسبة الصناعات الثقيلة من 30% إلى 70% فى خلال نفس الفترة.[75]
و من هنا تحولت كوريا الجنوبية من دولة زراعية إلى دولة صناعية كبرى ، و هى الدولة التى قد بدأت مسيرتها التنموية منذ الستينيات ، ثم نجحت فى تحقيق انجازات ضخمة ، و المؤشرات على ذلك عديدة :
–حيث ارتفع الناتج المحلى الاجمالى من 3810مليون دولار فى عام 1960 م إلى 65750مليون دولار فى عام 1981م ، كما ارتفع أيضاً إلى 236400مليون دولار فى عام 1990م
-كما أن للصناعة التحويلية دور لا يُنكر فى هذا الشأن ، حيث زادت القيمة المُضافة لتلك الصناعة التحويلية من 2346مليون دولار فى عام 1970م إلى 9843مليون دولار فى عام 1980م، كما زادت أيضاً إلى 66215 مليون دولار فى عام 1990م.[76]
ب)مراحل تطور التجربة التنموية لكوريا الجنوبية :
المرحلة الأولى: الخطتان: الخمسية الأولى و الثانية (1962-1971):
نجد فى هذه المرحلة و منذ بدايتها حرص و اهتمام الجنرال(بارك)- منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكرى – على تشجيع الصادرات بصورة كبيرة ، و تقديم كافة التسهيلات للمصدرين ، و إعفائهم من الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الوسيطة التى يستخدمونها فى انتاج السلع المُصدَرة ، كذلك عملت الحكومة على تنويع أسعار الصرف و ذلك بهدف دعم و تشجيع الصادرات،و هنا نلاحظ أن الدولة الكورية عملت –من ناحية-على منح اعفاءات جمركية للسلع الوسيطة المستوردة بغرض إعادة استخدمها فى انتاج سلع موجهة نحو التصدير ، و من ناحية أخرى فرضت سياسات حمائية على صناعات معينة بغرض حماية الانتاج المحلى ، و لذا يتعين على الدولة التى تسعى إلى التحول من استراتيجية التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات إلى استراتيجية التصنيع من أجل التصدير أن تضع فى اعتبارها المسائل التالية:
-على الدولة التى تسعى إلى انجاح سياسة التصنيع من أجل التصدير أن تراعى الحفاظ على سعر صرف للعملة يسمح للمصدرين بتحقيق أرباح ، فعلى سبيل المثال قامت كوريا الجنوبية بتخفيض قيمة عملتها الوطنية فى أوائل الستينيات مرتين ، حيث خفضتها فى البداية بنسبة (1.4%) ، كما قامت بتخفيضها بعد ذلك بنسبة (65%) .
-كما يتعين على تلك الدولة التى تتوجه نحو التصدير أن تراعى دعم صناعات معينة بهدف تمكينها من الدخول بقوة فى السوق العالمية ، حيث أن الدخول لتلك السوق يتطلب منتج كفء يتمتع بميزة تنافسية .
-و للتحول من التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات إلى التصنيع من أجل التصدير لابد من تشجيع المنتجين على الانتاج الموجه نحو الخارج، و ذلك من خلال منح مزايا معينه للمنتجين لتشجيعهم على الاستثمار فى الصناعات التصديرية.[77]
المرحلة الثانية:الاهتمام بالصناعة الثقيلة و الكيمياوية(1972-1979):
هذه المرحلة مثلت بداية الخطة الخمسية الثالثة ، و معها بدأت الحكومة فى توجيه الدعم و الاهتمام إلى قطاعات الصناعات الثقيلة : كصناعة الصلب – و البتروكيماويات – و صناعة السفن ، و غيرها من الصناعات الثقيلة ، و ما ساعد الدولة على ذلك مجموعة من العوامل يأتى فى مقدمتها زيادة حجم الإعانات و الدعم التى كانت تحصل عليه كوريا الجنوبية من أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية .[78]
المرحلة الثالثة:مرحلة التحرير الاقتصادى و الاصلاحات الاقتصادية(1980-1990):
فى هذه المرحلة حدث تحول مهم فى اقتصاد كوريا الجنوبية ، حيث عدلت الحكومة عن تركيز الدعم و الاهتمام على الصناعات الثقيلة و الكيماوية ، و بدأت فى اتخاذ اجراءات و تدابير من شأنها الاتجاه نحو تحرير السوق و تحرير الواردات .
و تعليقاً على ذلك يمكننا القول إن كوريا الجنوبية تحولت من تطبيق سياسات و اجراءات حمائية متشددة على صناعات معينة كانت تهدف منها إلى حماية الانتاج المحلى و كان ذلك بالأخص فى فترة الستينيات و السبعينيات ، كذلك توجهت الدولة نحو الاهتمام بإنتاج نوع معين من الصناعات ألا و هو الصناعات الثقيلة و المتوسطة معتمدة فى ذلك على مجموعة من المشروعات الضخمة (التى سُميت بتشايبول) ، ثم انتقلت الدولة إلى سياسة جديدة مفادها افساح المجال أمام آليات السوق .[79]
ثانياً: التجربة التنموية لمصر فى الفترة (1981-2008):
لم تكن قضايا التنمية هى الشغل الشاغل للادارة المصرية أثناء فترات الاحتلال البريطانى حيث كانت الأولوية فى ذلك الوقت تنصب على ضرورة تحرير البلاد أولاً ثم التوجه نحو التنمية ، لذا بعد التحرر من الاستعمار بدأت قضايا التنمية تفرض نفسها فرضاً على الادارة المصرية ، و قد بدأت تجربة تنموية مهمة فى مصر خلال العقد الستينيات و لكنها تعثرت نظراً للعديد من العوامل الداخلية و الخارجية ، فعلى سبيل المثال لم تكن تلك التنمية شاملة لكافة نواحى حياة الإنسان المصرى ، فالتنمية الاقتصادية القاصرة على زيادة معدلات النمو و الدخل وحدها لا تكفى لعمل تنمية شاملة ، ذلك لأن أبعاد التنمية أوسع من مجرد التنمية الاقتصادية و المادية ، و إنما لابد من تنمية الإنسان نفسه من خلال التنمية الاجتماعية و التعليمية و الصحية و تحقيق العدالة الاجتماعية ، و هذا ما تعذر تحقيقه أثناء التجربة التنموية لمصر فى الستينيات .[80]
و فى خلال الفترة الزمنية (1981-2008)أى منذ تولى الرئيس الأسبق مبارك الحكم عقب اغتيال (السادات) ، و حتى عام 2008م و هو عام الأزمة المالية العالمية ، مرت مصر بالعديد من التطورات و المراحل ، و التى أرادت الباحثة استعراض أبرز محطاتها بغية الوصول لإجابة عن تساؤلها البحثى الرئيسى ألا و هو سبب فشل تحقق الدولة الانمائية فى مصر .
- ملامح تلك التجربة فى بداية فترة حكم (مبارك):
يمكننا فى هذا الصدد استطلاع الوضع فى بداية حكم الرئيس الأسبق (مبارك) ، و أبرز ما اتسم به هذا الوضع هو الديون التى كانت مصر مثقلة بها عقب اغتيال(السادات) ، و الأرقام فى هذا الصدد عديدة يكفينا منها معرفة أن إجمالى ديون مصر عند وفاة السادات بلغت حوالى ثلاثين بليون دولار ، و هو رقم بلا شك كبير ، و يتضمن داخله اجمالى الديون المدنية و العكسرية ، طويلة و متوسطة و قصيرة الأجل ، الحكومية و المستحقة على القطاع الخاص .[81]
و قد كان يتعين على الحكومة المصرية فى ذلك الوضع أن تتخذ قرارات عصيبة قد تثير بعض الصعوبة على المدى القصير و لكنها ستؤدى لنتائج جيدة على المدى البعيد ، كقرارات تخفيض الانفاق الحكومى من خلال تخفيض الانفاق العسكرى ، و تقليل الواردات و بالأخص السلع الثانوية الكمالية ، و البعد عن الحلول قصيرة الأجل المتمثلة فى اللجوء إلى سياسات أخذ القروض لسد عجز الموازنة ، و لكن ما فعلته الحكومة المصرية كان مغايراً للقرارات الرشيدة سالفة الذكر ،حيث فضلت الحكومة المصرية الأخذ بسياسة الحلول قصيرة الأجل ، و هى حلول آثارها وخيمة على المدى البعيد ، ففضلت الحكومة اللجوء إلى سياسة القروض لسد عجز الموازنة ، و لم تخضع الانفاق العسكرى للتقيد . [82]و قد كانت سياسة الحلول قصيرة الأجل وخيمة النتائج على المدى البعيد ، و هى نفس السياسة التى كانت سائدة فيما قبل عام 1981م ، الأمر الذى أدى إلى زيادة اجمالى الديون المستحقة على مصر من حوالى 30بليون دولار فى عام 1981إلى حوالى 45بليون دولار فى عام 1986م، و قد أرجع البعض ذلك إلى استمرارية النظام القائم فى الأخذ بنفس الأسلوب المتبع فى السابق ، حتى إن الخطة الخمسية الأولى (1982-1986)لم تضع هدف تقليل الاعتماد على التمويل الخارجى ذلك على الرغم من أنها قد جعلت سياسة الاعتماد على الذات أحد مبادئها ، لذا كان من المنطقى أن تكون السياسة المتبعة فى التعامل مع الديون هى سياسة لم تؤدِ إلا إلى تفاقم تلك الديون كما سبق و أن أوضحنا . [83]
و مع حلول عام 1986م تأزم الوضع المصرى بشدة مع انخفاض أسعار البترول ، الأمر الذى هدد الاقتصاد المصرى بعدة أزمات كان أهمها أن العجز الذى كانت تعانيه الدولة المصرية كان معرضاً لأن يتفاقم مؤدياً لعواقب وخيمة ، إضافة إلى ذلك انخفضت قيمة تحويلات العمالة المصرية فى الخارج فى ظل انخفاض أسعار البترول ، كذلك أصبحت تلك العمالة مهددة بالرجوع إلى مصر مما يهدد سوق العمالة المصرية التى كانت تعانى بالفعل من نسبة بطالة عالية ، و البعض يرجع كل هذه التداعيات إلى سياسة الانفتاح الاقتصادى منذ السبعينيات ، و التى اتهمها البعض بأنها تحمل أهدافاً متناقضة الأمر الذى اعاقها عن تحقيقها لأهدافها ، فكيف لتلك السياسة أن تحقق نجاحاً فى ظل سعيها إلى الحفاظ على دور الدولة و فتح الأسواق أمام الواردات الأجنبية فى نفس الوقت ، أو كيف لها أن تحقق نجاحاً فى ظل سعيها إلى الحفاظ على أسعار غذاء معقولة فى ظل تشجيع صادرات الزراعة فى نفس الوقت ، و أبرز دليل على أن تناقض تلك السياسة فى الانفتاح كان سبباً فى عواقبها الوخيمة هو أن سياسة مصر فى الفترة (1956إلى 1965) قد حققت نجاحاً كبيراً نظراً لاتساق أبعاد تلك السياسة مع بعضها الأمر الذى لم يتحقق فى ظل سياسة الانفتاح التى بدأت منذ السبعينيات. [84]
2-السياسة الاقتصادية التى تم وضعها فى الفترة منذ منتصف الثمانينات (خلال الخطة الخمسية الثانية) ، و النصف الأول من التسعينيات (أى خلال الخطة الخمسية الثالثة):
اتسمت تلك السياسة بالتحول عن السياسة التى كانت سائدة عقب ثورة يوليو 1952م و حتى تطبيق سياسة الانفتاح، و هى التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات إلى سياسة التصنيع من أجل التصدير إلى جانب سياسة التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات بصورة جزئية ، و من ثم كان أحد أهداف هذه الخطط هو تشجيع الصادرات و تقليل الواردات ، و لكن ما حدث فعلياً كان مختلفاً إلى حد كبير . [85]
3-الفترة من (1986) إلى( 2004):
كانت التوقعات تذهب إلى أن الديون المصرية ستستمر فى مسلسل الازدياد بنسب أعلى من نسب الزيادة فيما سبق ، و لكن ماحدث أن نسبة الزيادة فى الديون بعد عام 1986 لم تبلغ نسبة الزيادة خلال السبعينيات ، و لكن الوضع استمر سيئاً على أية حال، حيث بلغت نسبة المديونية 45,7بليون دولار فى عام 1989، و من ثم عانت مصر من مديونية كبيرة ، و فى نفس الوقت عانت من عجز كبير فى حساب العمليات الجارية ، و لكن حرب الخليج الثانية و غزو العراق للكويت سنة 1990 ،قد مثل الفرصة السانحة لانفراجة فى تلك الأزمة ، حيث تدفقت المساعدات على مصر ، و تم إسقاط جانب كبير من المديونية المصرية ، و ذلك على إثر التدخل العسكرى المصرى فى حرب تحرير الكويت .[86]
و فى الفترة (1994-2004) اتسمت الديون الخارجية المصرية بقدر من الثبات النسبى ، بعدما كانت تلك الديون فى معدلات زيادة مستمرة فى فترة (السادات) و بداية عهد (مبارك) .
و الغريب فى تلك الفترة(1986-2004) أنه برغم من محاولات الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلا أن حجم تلك الاستثمارات كان ضئيلاً فى تلك الفترة، ثم بدأت تلك الاستثمارات فى الزيادة منذ عام 2005م ، و قبلها بعام أى سنة 2004 كانت مصر قد وقعت اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفقت بموجبها على دخول المنتجات المصرية للسوق الأمريكية بدون تعريفة جمركية بشرط احتواء المنتج المصرى على مساهمة من الإنتاج الإسرائيلى .[87]
و قد وجدت الحكومة فى تشجيع الاستثمارات وسيلة لزيادة النمو ، حيث اعتبرت الحكومة المصرية أن أبرز مشكلة تواجهها آنذاك هى مشكلة تناقص النمو ، لذا سعت لحلها بهذه الطريقة .
الأزمة المالية العالمية 2008م:
إن آثار الأزمة المالية العالمية على مصر جاءت لتفاقم من الآثار السلبية التى تركها فتح الباب على مصراعيه أمام تدفقات رأس المال الأجنبى ، حيث كان خضوع مصر للإرادة الأمريكية منذ 2004 من خلال توقيع اتفاق تصدير المنتجات المصرية المؤهلة للولايات شريطة احتوائها على نسبة مساهمة إسرائيلية ، هو بمثابة البداية لتشجيع تدفق الاسثمارات الأجنبية على مصر ، و قد زاد على إثرها معدل النمو دون أن ينعكس ذلك على حل لمشكلة البطالة أو لسوء توزيع الثروة ، لذا عندما جاءت الأزمة المالية العالمية لم تفعل شيئاً سوى أن فاقمت من سلبيات النظام المصرى ، حيث انخفض معدل النمو ، و انخفضت الصادرات ، و تدهور الاستثمار الأجنبى فى مصر . [88]
الفصل الثالث:تطبيق مفهوم الدولة الانمائية فى كل من كوريا الجنوبية و مصر :
لما كان موضوع هذا البحث هو دراسة عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية ، و فشلها فى مصر ، فإنه من الأهمية بمكان تطبيق مؤشرات الدولة الإنمائية التى تم عرضها فى الفصل الأول على كل من حالتى كوريا الجنوبية و مصر ، للتعرف على مدى توافر تلك المؤشرات فى كل من الحالتين ، فمؤشر القيادة المستنيرة ذات الهدف التنموى –على سبيل المثال- قد توافر فى كوريا الجنوبية منذ انقلاب (بارك شونغ هى) عام 1961م الذى جاء حاملاً أولوية تحقيق إنجاز اقتصادي يكون أساساً لشرعية النظام القائم آنذاك ، فتم وضع خطط التنمية و تنفيذها لتبدأ كوريا مسيرة تنمية وصلت بها إلى حد المعجزة الاقتصادية ، ففى عام 1990م كانت نسبة الصادرات المصنعة إلى إجمالى الصادرات الكورية هى 94,1[89]
و ذلك فى الوقت الذى افتقدت فيه الحالة المصرية لمؤشرات الدولة الإنمائية ، حيث افتقدت مصر للقيادة ذات الهدف التنموى ، كذلك افتقدت إلى وجود جهة مسئولة عن عملية التنمية و عن تنسيق خططها .
و من ثم سيتناول هذا الفصل الأتى:
المبحث الأول : مدى توافر مؤشرات الدولة الانمائية فى كل من كوريا الجنوبية(1961-1987)، و مصر (1981-2008)
المبحث الثانى: نتائج التجربة الانمائية فى كل من كوريا الجنوبية(1961-1987) ، و مصر(1981-2008)
المبحث الأول :مدى توافر مؤشرات الدولة الانمائية فى كل من كوريا الجنوبية(1961-1987)، و مصر(1981-2008):
مؤشرات الدولة التنموية فى كوريا الجنوبية (1961-1987):
لقد اشتملت التجربة التنموية لكوريا الجنوبية على نواحى عدة تؤكد على أهمية الدور الذى لعبته الدولة التنموية فى تلك التجربة ، و يمكننا أن نستعرض فى هذا الصدد مدى تحقق مؤشرات الدولة التنموية (التى سبق و أن عرضناها خلال الفصل التمهيدى المتعلق بنظرية الدولة التنموية) فى حالة كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) من خلال مقارنتها مع الوضع المناظر لها فى مصرفى الفترة (1981-2008)
أولا:القيادة التى تحمل هدف تنموي:
إن عنصر القيادة يعد مؤشر مهم من مؤشرات الدولة الانمائية ، فكثيراً ما تمتلك دول موارد غنية و مع ذلك تفتقر إلى العنصر البشرى القادر على تحويل تلك الموارد إلى امكانات و قدرات حقيقية تتمكن من وضع الدولة فى موضع مهم فى خريطة القوى العالمية ، كما أننا نجد من النماذج الناجحة فى التنمية دولاً لم تكن تمتلك من الموارد ما يؤهلها للتنمية إلا أنها قد تمكنت من القفز فوق حاجز محدودية الموارد عبر قيادة وطنية تضع من التنمية أولوية للدولة ، فكوريا الجنوبية قد خرجت مدمرة على خلفية الحرب الكورية عام 1950م ، و رغم ذلك قد تمكنت بدءاً من فترة الستينيات من تحقيق التنمية الاقتصادية التى تبعتها التنمية السياسية و التحول الديمقراطى فى خلال فترة الثمانينيات ، وبذلك إذا نظرنا لوضع كوريا الجنوبية التى لحقها من الضرر مالحقها عقب الحرب الكورية ، و إذا أضفنا إلى ذلك افتقارها للموارد الوافرة اللازمة لأي عملية تنمية نستطيع أن نتخيل السبب الذى سُميت على إثره تجربة كوريا الجنوبية “بالنمر الآسيوى” أو “بالمعجزة الاقتصادية” . [90]
أما عن دور القيادة فى الحالة المصرية:
نجد إن أهم منصب داخل النظام السياسى المصرى هو منصب رئيس الجمهورية ،فإن معظم الدراسات التى تناولت النظام السياسى المصرى قد وجدت أن جوهر هذا النظام هو شخص الرئيس، و لكن البعض يتحجج فى هذا الصدد بأن الرئيس الأسبق (مبارك) قد قلل من حجم الصلاحيات الموجودة فى يده من خلال محاولته لاشراك القطاع الخاص فى الجانب الاقتصادى ، و الاتجاه نحو سياسات الخصخصة ، و لكن يمكننا الرد على ذلك بأنه على الرغم من الانفتاح و اعطاء دور للقطاع الخاص فى الحياة الاقتصادية إلا أن المجتمع المدنى فى عهد(مبارك) لم يكن شريكاً بأى حال من الأحوال فى صنع القرارات ، و إنما كان مجرد مشارك فى تنفيذ القرارات التى يتخذها الرئيس بالأساس ، و بالتالى (مبارك) كان هو العنصر الأساسى داخل النظام السياسى المصرى . [91]
ثانياً: النخبة البيروقراطية ذات الكفاءة :
إن البيروقراطية و هى الجهاز المنوط به تنفيذ السياسات التى تحددها الدولة ، و التى يُفترض فيها الكفاءة و الفعالية ، هى شرط من شروط تحقق الدولة الإنمائية ، فلكى تحقق القيادة التنموية أهدافها عليها الاستعانة بجهاز بيروقراطى ذى كفاءة قادر على تنفيذ السياسات التنموية ، و لكننا إذا نظرنا إلى حالة الأجهزة البيروقراطية داخل الدول النامية عامة سنجد خلطاً شديداً فيما بين ماهو بيروقراطى و ما هو سياسى ، لذا يتداخل المفهومان ، و يصعب على الإنسان العادى التمييز بين دور البيروقراطية من ناحية و الدور السياسى لكل من السلطتين التنفيذية و التشريعية من جهة أخرى ، و هذا ماعرضه (فريد ريجز) فى كتابه حول :”البيروقراطية داخل الدول النامية” [92]
و نظراً لأن البيروقراطية عادة ماتلعب دوراً معارضاً للتغيير عامة و ذلك سعياً منها نحو الحفاظ على أوضاعها و امتيازاتها القائمة فى ظل وضعها الحالى ، لذا عادة ماتلقى عمليات التغيير و الإصلاح معارضة شديدة من جانب البيروقراطية ، و لكن يُفترض أن تقوم النظم السياسية بالدور الرائد فى عملية التغيير و التطوير إلا إذا كانت تلك النظم تعتمد فى بقائها و استمرارها على البيروقراطية القائمة ، لذا ترفض تلك النظم السعى نحو التغيير و التطوير خوفاً من أن تتعرض لمقاومة البيروقراطية التى هى فى الأساس دعامة نظامها القائم التى إذا انهارت ينهار النظام معها ، نستنتج من ذلك أن طبيعة النظم التى تبتعد عن إصلاح مفاسد البيروقراطية هى فى الأساس نظم لا تستند على أساس شرعى تدعمه الجماهير ، و إنما هى نظم تقوم على تحكم و استبدادية ، و تستند فى وجودها على جهاز بيرقراطى فاسد . [93]
ثالثاً: القيم الآسيوية
إن عامل القيم السياسى هو مؤشر من مؤشرات الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية ، و هو أحد عوامل نجاحها فى ذات الوقت ، و رغم إنه لا يمكن أن يُعزى نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية إلى عامل القيم الآسيوية وحده ، إلا أن لتلك القيم دور مهم فى التجربة الكورية ، فإن قيم العائلة و الأسرة ، و احترام الموظف العام ، و التأكيد على ضرورة محاسبته إن أخطأ ، و كذلك قيم العمل الجماعى ، و احترام حقوق الجماعة و إعطائها الأولوية على حساب الحقوق الفردية ، و كذلك النظرة إلى أهمية دور التعليم ، كلها أمور ساهمت بصورة أو بأخرى فى نشأة نموذج ناجح للدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية . [94]
رابعاً: وجود جهة مسئولة عن عملية التنمية:
إن أحد مؤشرات الدولة الإنمائية هو وجود جهة تضطلع بمسئوليات التنسيق بين خطط و سياسات التنمية ، و تعمل على حل النزاعات التى تنشأ بين المؤسسات المشاركة فى عملية التنمية ، كما إنها تعمل على تخصيص الموارد للمشروعات التنموية المختلفة ، و قد تمثلت تلك الجهة فى حالة كوريا الجنوبية فى (مجلس التخطيط الاقتصادى) . [95]
و لا تخفى أهمية وجود جهة تضطلع بالمسئولية عن عملية التنمية ، فحتى مع وجود قيادة مستنيرة لديها هدف تنموى ، و حتى مع وجود دور قوى للعسكريين تحت مظلة تحقيق التنمية ، فإن وجود مثل تلك الجهة و اضطلاعها بمسئوليات التنسيق بين مشروعات التنمية ، هى مسألة مهمة من الناحية المؤسسية ، و هو الأمر الذى غاب عن الوضع فى مصر ، فمصر قد وصفها البعض فى عهد (مبارك) بأنها(دولة رخوة) وفقاً للنظرية التى كتب عنها (ميردال) ، و قد قصد (ميردال) بالدولة الرخوة الدولة التى تضع القوانين و لكن لاتطبقها ، فهى دولة يعم فيها الفساد ، و يدين فيها أبناء الطبقة العليا بالولاء لطبقتهم الإجتماعية لا إلى الدولة ، [96] و من ثم لا يتصور مع وجود دولة رخوة تفتقد القدرة على تعبئة مواردها أن تتواجد مؤسسة أو جهة تكون مسئولة عن عملية التنمية فى ظل غياب الهدف التنموى للدولة ، و على الرغم من أن مصر فى الستينيات على سبيل المثال كانت أبعد ماتكون عن صورة الدولة الرخوة ، و الدليل أن (ميردال) نفسه قد ذكر أمثلة من أمريكا اللاتينية ، و بعض الدول فى أفريقيا ، و جنوب آسيا ، و لكن مصر قد بدأت تأخذ بعض ملامح تلك الدولة فى وجهة نظر البعض ، (كجلال أمين) الذى رأى أن مصر فى السبعينيات قد بدأت تتجه نحو نموذج أشبه بالدولة الرخوة حيث لم تعد الحكومة تقوم بوظائفها الضرورية ، و بدأ يتضاءل دور الدولة المصرية شيئاً فشىء . [97]
خامساً:المجتمع المدنى الذى يتسم بالضعف فى بداية الأمر ثم يتحول نحو القوة :
البعض يعتقد أن تحقيق التنمية الاقتصادية لابد و أن يأتى أولاً ثم يتبعه التحول الديمقراطى ، و من ثم تتسم مراحل التنمية الاقتصادية فى بداياتها بضعف دور المجتمع المدنى نظراً للدور الكبير للدولة فى عملية التنمية ، الأمر الذى جعل الكوريون يصفون دولتهم بعد انقلاب الجنرال(بارك شونغ) فى 1961 بالدولة الإنمائية الاستبدادية ، و ذلك نظراً لدور الدولة فى كوريا الجنوبية فى عملية التنمية . [98]
سادساً:الشراكة بين القطاعين العام و الخاص:
إن أحد المؤشرات على الدولة الانمائية هو تحالف الدولة مع القطاع الخاص ، و لكن ما هو شكل هذا التحالف ؟ و مدى تحقيقه لأهداف التنمية ؟ هى من قبيل الأمور التى يحب فحصها فى كل من مصر (1981-2008) ، و كوريا الجنوبية(1961-1987) .
لقد شهد القطاع الخاص العديد من الفرص أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق(مبارك) ، و لعل من أبرز الدراسات التى تناولت هذا الأمر هى دراسة بعنوان ” تأثير سياسة الاصلاح الاقتصادى على التغير فى هيكل الفرص السياسية لكل من العمال و رجال الأعمال:دراسة لحالة مصر فى حقبة التسعينيات” ، و هى دراسة حاولت بحث العلاقة بين الدولة و سياسات الاصلاح الاقتصادى(بالأخص السياسات التى بدأت مع عام 1991م بحكم إنها السنة التى وُقع فيها أول اتفاق مع صندوق النقد الدولى) من جانب ، و العمال و رجال الأعمال من جانب أخر ، بحيث يتم الكشف عن حجم الفرص التى اُتيحت أمام رجال الأعمال من ناحية ، و حجم التحديات التى فُرضت على العمال من ناحية أخرى ، حيث سعى رجال الأعمال إلى التعجيل باجراءات الاصلاح الاقتصادى و بسياسات الخصخصة ، بينما سعى العمال إلى محاولة الحفاظ على مكتسباتهم و حقوقهم من المساس بها بفعل سياسات الاصلاح الاقتصادى و قرارات الخصخصة ، لذا فهى دراسة جديرة بالاهتمام فى هذا الصدد . [99]
لكن على الرغم من سياسات الاصلاح الاقتصادى و اعطاء القطاع الخاص الفرصة للبدء فى مباشرة بعض الأدوار ، إلا أنه قد ظلت الدولة فى عهد (مبارك) تباشر الدور الفاعل و القائد فى عمليات التنمية ، لذا تمركزت أدوار الفواعل الأخرى داخل الدولة فى محاولات القيام بدور مشارك للدولة أو مجرد متحالف معها ، فقد شهدت العلاقة بين الدولة المصرية و رجال الأعمال أثناء حقبة التسعينيات تطوراً شديد الأهمية ، حيث كانت النظرة المجتمعية إلى دور رجال الأعمال قبل التسعينيات هى نظرة سلبية و يشوبها عدم الثقة فى مدى قدرة القطاع الخاص على القيام بدور فاعل فى التنمية ، أُضيف إلى ذلك – و مما دعم تلك النظرة- أن أنشطة القطاع الخاص كانت تتسم بغياب العائد و الأثر الواسع الذى يمكن أن يشعر به المجتمع ، و لكن تلك النظرة السلبية إلى دور القطاع الخاص فى مصر قد تبدلت مع حقبة التسعينيات لمجموعة من العوامل :
- ظهور طبقة جديدة من البرجوازيين لا هم منتمون إلى طبقة البرجوازية القديمة و لا إلى طبقة برجوازية الدولة ، فهى طبقة جديدة صارت تسعى نحو الانتاج من أجل التصدير ، الأمر الذى صادف السياسة التى انتهجتها الحكومة فى تلك الفترة ، الأمر الذى أدى إلى إحداث نوع من التقارب بين الدولة من جانب و طبقة رجال الأعمال الجديدة من جانب أخر.
- إن فترة التسعينيات قد شهدت هزيمة الايدلوجية الاشتراكية بانهيار الاتحاد السوفيتى ، الأمر الذى جعل الرأى العام يتحول نحو مزيد من الثقة فى السياسات الليبرالية و فى دور القطاع الخاص . [100]
و بصفة عامة يمكننا القول إن دور القطاع الخاص فى مصر قد شهد نمواً كبيراً منذ الثمانينيات من القرن العشرين ، و قد برز هذا الدور تحديداً داخل القطاع الصناعى ، حيث ارتفعت مساهمة الصناعة فى استثمارات القطاع الخاص مما يقرب من 16% فى عام 1981 إلى ما يقرب من 46% فى عام 1995 ، و الجدير بالذكر فى هذا الصدد أنه قد حدث تداخل و تضافر بين جهود الرأسمالية الصناعية من جانب، و الرأسمالية التجارية من جانب أخر، بل إن بعض رجال الأعمال العاملين فى مجال التجارة قد تحولوا من استيراد بعض السلع فى السبعينيات إلى تصنيعها بأنفسهم فى حقبة التسعينيات ، مثل : التحول الذى قامت به عائلة (غبور) من استيراد السيارات إلى تصنيعها ، و ينطبق نفس الأمر على عائلة(العربى)بالنسبة لاستيراد ثم تصنيع الأجهزة الكهربائية.[101]
المبحث الثانى: نتائج التجربة الانمائية فى كل من كوريا الجنوبية(1961-1987) ، و مصر(1981-2008)
أولاً-النتائج السياسية :
لقد ثار الجدل حول ماإذا كان من الأفضل أن تكون الأولوية للتنمية الاقتصادية على التنمية السياسية أم العكس ، و من هنا ظهر تساؤل مفاده : ماهو العامل المستقل فيهما : التنمية الاقتصادية أم السياسية؟ ، فهل من الأفضل أن تأتى التنمية الاقتصادية أولاً ؟ ، و فى هذا الصدد نجد أن وجهة النظر الغربية ترى أن للتنمية الاقتصادية الأولوية على المدى القصير ، و أن التنمية السياسية ستتواكب مع التنمية الاقتصادية بعد ذلك ،و من ثم تم اعتبار المتغير الاقتصادى هو المتغير المستقل ، لذا على الدولة أن تخطو بعض الخطوات على طريق هذا المتغير الاقتصادى كى تتحول بعد ذلك نحو التحول الديمقراطى ، و لكن هذا الرأى لا يتفق مع واقع بعض الدول التى على الرغم من عدم فقرها قد عاشت فى ظل ممارسات غير ديمقراطية مثل الحال فى ألمانيا أثناء عهد النازى ، أو حالة الاتحاد السوفيتى السابق ، و بنفس المنطق نجد أن هناك دول أفريقية -على سبيل المثال-رغم عدم ثرائها الاقتصادى إلا أنها تمكنت من أن تخطو خطوات على طريق الديمقراطية . [102]
بالنسبة للوضع السياسى الذى آلت إليه كوريا الجنوبية فى عام 1987م ، كان قوامه هو التحول الديمقراطى ، حيث رضخت كوريا الجنوبية تحت حكم ديكتاتورى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، و قد تعرضت لانقلاب عسكرى فى عام 1961م بقيادة الجنرال (بارك شونغ هى) ، و الذى تم اغتياله فى انقلاب عسكرى جديد فى عام 1979م ، و ذلك لكى يأتى حاكم عسكرى جديد مستمراً فى نفس سلسلة قمع المعارضة ، و قد ساعد على استمرار هذا النظام العسكرى التسلطى أمران :
أولا: أن هذا النظام العسكرى قد تمكن من تحقيق انجاز اقتصادى كبير ابتداءاً من ستينيات القرن العشرين.
ثانياً: أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتبع مع كوريا الجنوبية سياسة الصمت عن استبداد النظام السياسى القائم بكوريا الجنوبية آنذاك .
و لكن النظام فى كوريا الجنوبية بدأ يسعى للحصول على الدعم و الشرعية من خلال عمل انتخابات دورية منذ عام 1963م ، و قد شكل النظام الحاكم حزباً له يُدعى: حزب العدالة الديمقراطية ، و لكن قد كان الانجاز الاقتصادى الكبير الذى حققه النظام الكورى آنذاك هو مسمار نعشه الأخير، و ذلك لأن هذا الانجاز الاقتصادى قد أدى لخلق طبقة وسطى متعلمة ، و كذلك إلى تكوين جماعات ضغط من الطلبة و رجال الدين و المثقفين و أساتذة الجامعات ، و قد شكل هؤلاء قوام المظاهرات و الاحتجاجات التى قامت ضد النظام فى كوريا الجنوبية ،و هو الأمر الذى دفع بالنظام إلى الرضوخ لمطالب المظاهرات خاصة و أن الإنجاز الاقتصادى قد بدأ يتعرض لتحديدات فى فترة الثمانينيات ، و أيضاً قد بدأت الولايات تتخلى عن دعمها للنظام فى كوريا الجنوبية فى ظل تصاعد الاحتجاجات و المظاهرات الكورية ، لذا قرر النظام عقد انتخابات رئاسية فى عام 1987م ، و رغم أن من فاز بها كان هو مرشح النظام الحاكم (روو) ، إلا أن هذا التاريخ يؤرخ إلى بداية التحول الديمقراطى فى كوريا الجنوبية ، و ذلك لأن الفيصل كان هو تطبيق الإجراءات الديمقراطية بصرف النظر عما تأتى به الانتخابات من نتائج ، و فى انتخابات عام 1992م فاز مرشح المعارضة(كيم يونغ سام) . [103]
و لكن النظام السياسى المصرى فى عهد (مبارك) اتسم بسماتين متناقضتين ، حيث استمر الطابع السلطوى قائماً ، كما تضخم الجهاز البيروقراطى للدولة ، و تدخلت الدولة فى أنشطة عديدة لم يكن ضرورياً التدخل فيها ، كما تغيبت الدولة عن التدخل فى أنشطة أخرى كان يتوجب عليها التدخل فيها، و من ناحية أخرى بدأت الدولة منذ منتصف السبعينيات تتحول نحو التعددية ، حيث سمحت الدولة بالتعددية الحزبية منذ عام 1976م ، كما ازداد تواجد المعارضة داخل البرلمان المصرى من 8.6% فى انتخابات عام 1979 إلى 15% فى انتخابات عام 1984 ، ثم إلى 22.3% فى انتخابات عام 1987 ، و من هنا تتضح السمتان التى اتسم بهما الواقع السياسى المصرى فى عهد (مبارك) ألا و هما :
أ)الاتجاه نحو السماح بالتعددية الحزبية ، و هو اتجاه شكلى بالأساس ، حيث ظل الحزب المهيمن على الحياة السياسية و المحتكر للأغلبية البرلمانية هو الحزب الوطنى .
ب)و فى نفس الوقت استمرار الطابع السلطوى للدولة المصرى ، و تضخم جهازها البيروقراطى .
و من ثم نصل إلى نتيجة مفادها أن الاتجاه نحو التعددية الحزبية كان مقيداً بضوابط معينة،فعلى الرغم من السماح بالتعددية السياسية إلا أنه قد ظل الحزب الوطنى مهيمناً كحزب حاكم ، و متمتعاً بالأغلبية باستمرار ، و هو الأمر الذى جعل البعض يعتبر أن ثمة تناقضاً يحيط بالنظام السياسى المصرى ، فقد كان لايزال سلطوياً من جانب ، و يأخذ بالتعددية السياسية و الانفتاح الاقتصادى من جانب أخر ، و هذا هو ما عبر عنه “نزيه الأيوبى” بقوله: “بينما طُبقت سياسات الليبرالية السياسية و الاقتصادية ، ظلت الرئاسة مسيطرة حتى فى الأمور الاقتصادية” [104]
ثانياً النتائج الاقتصادية:
إن النتائج الاقتصادية كانت أبرز ما تحقق فى المعجزة الكورية ، و بالأخص حتى فترة الثمانينيات ، حيث لم تتحول كوريا الجنوبية ديمقراطياً إلا مع عام 1987م ، لذا كان النظام القائم فى كوريا الجنوبية منذ الستينيات و حتى أواخر الثمانينيات يستند على الإنجاز الاقتصادى المتعاظم لتبرير وجوده و لتأسيس شرعيته ، و يمكننا أن نتذكر ما عرضناه خلال الفصل الثانى من ملامح لتطور هيكل الصناعة الكورى على هذا النحو:
التحول الحقيقى الذى شهده هيكل الصناعة الكورية:
يُقصد به التحول من انتاج الصناعات الخفيفة التى تعتمد على عمالة كثيفة نحو انتاج الصناعات الثقيلة التى تعتمد على رأس مال كثيف ، أو بمعنى أخر التحول من الصناعات الخفيفة إلى الصناعات المعمرة ، و هو ما حدث بالفعل فى كوريا الجنوبية ، و يتضح ذلك من خلال معرفة أن نسبة الصناعات الخفيفة انخفضت من 70% إلى 30% فى خلال السنوات (1960-1990)، بينما زادت نسبة الصناعات الثقيلة من 30% إلى 70% فى خلال نفس الفترة.[105]
و من هنا تحولت كوريا الجنوبية من دولة زراعية إلى دولة صناعية كبرى ، و هى الدولة التى قد بدأت مسيرتها التنموية منذ الستينيات ، ثم نجحت فى تحقيق انجازات ضخمة ، و المؤشرات على ذلك عديدة :
–حيث ارتفع الناتج المحلى الاجمالى من 3810مليون دولار فى عام 1960 م إلى 65750مليون دولار فى عام 1981م ، كما ارتفع أيضاً إلى 236400مليون دولار فى عام 1990م
-كما أن للصناعة التحويلية دور لا يُنكر فى هذا الشأن ، حيث زادت القيمة المُضافة لتلك الصناعة التحويلية من 2346مليون دولار فى عام 1970م إلى 9843مليون دولار فى عام 1980م، كما زادت أيضاً إلى 66215 مليون دولار فى عام 1990م.[106]
أما عن الوضع فى مصر :
أثار تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادى فى عام 1991م داخل مصر اتجاهين لتقييم مدى نجاح هذا البرنامج ، و هذا ما حاولت أحد الدراسات عرضه تحت عنوان”أثر تطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادى و التكيف الهيكلى على الاستقرار السياسى فى مصر 1991-2003″ ، فكانت أحد التوجهات فى هذا الصدد ترى أنه كان لتطبيق تلك السياسة للاصلاح الاقتصادى فى التسعينيات أثر ايجابى على الاستقرار السياسى فى مصر ، و أن الجوانب السلبية التى نجمت عن هذه السياسة كسوء توزيع الثروة مثلاً هى أمور لا تقترن بتطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادى ذاتها و إنما هى نتائج ناجمة عن التطبيق السيىء من جانب الدولة ، أما عن وجهة النظر الأخرى فهى ترى تلك السياسة للاصلاح الاقتصادى التى طبقها نظام (مبارك ) فى التسعينيات بعين الانتقاد ، و ترى أن آثارها الاقتصادية و السياسية هى فى الأغلب آثار سلبية ، و أن السبب الرئيسى وراء ذلك يرجع إلى المناخ غير الديمقراطى الذى طُبقت فيه ، و أن تلك السياسة رغم ماحققته من زيادة فى معدل النمو إلا أن آثارها الاقتصادية السلبية كانت كبيرة ، حيث أدت إلى الاضرار بوضع العدالة الاجتماعية ، و إلى الاضرار بمستوى معيشة الكثيرين نتيجة ارتفاع الأسعار . [107]
و لعل أبرز مؤشرات الأداء الاقتصادى المصرى هو حجم الدين الخارجى الذى بلغ فى (2016-2017) بصدد الدين متوسط و طويل الأجل 55377.3مليون دولار فى الربع الثانى ، و قد بلغ الدين قصير الأجل 11945.3مليون دولار فى الربع الثانى ، و هذا وفقاً لبيانات البنك المركزى المصرى. [108]
ثالثاً النتائج الاجتماعية
بدأ تطبيق نظام الرفاه الاجتماعية فى كوريا الجنوبية منذ ستينيات القرن العشرين ، و فى عام 1960 أصدرت كوريا نظام تقاعد الخدمة المدنية ، ثم نظام تقاعد العسكريين فى عام 1962، و كذلك شرعت كوريا الجنوبية فى إنشاء مشروع التأمين الصحى التجريبة عام 1965 ، إلا أن جهود السلطة السياسية تلك كانت تسعى لهدف أساسى من وراء كل هذه الاجراءات الاجتماعية و هو الحصول على الدعم الشعبى كى تؤسس نفسها على أساس شرعى ، و بما أن كوريا الجنوبية كانت تفتقد للأساس الديمقراطى فى تلك الحقبة فقد كانت تستمد أسس شرعية نظامها السياسى من خلال تحقيق النظام الحاكم للانجاز الاقتصادى ، هذا إلى جانب محاولة الحصول على الدعم الشعبى من خلال تطبيق الاجراءات الاجتماعية كاجراءات التأمين الصحى و أنظمة التقاعد . [109]
و قد تم تطبيق أول برنامج للتأمين الصحى الوطنى فى كوريا الجنوبية سنة 1977م، و قد طُبق فى بداية الأمر على عدد محدود من الموظفين و هم بالأساس موظفو الشركات التى تشمل عمالة قوامها 500 عامل أو أكثر ، ثم تم تطوير هذا البرنامج سنة 1998 لكى يشمل أصحاب المهن الحرة . [110]
و على الرغم من أن الكوريين قد تمتعوا بمستوى معيشى مرتفع نتيجة الوضع الاقتصادى المتميز قبل وقوع الأزمة المالية الآسيوية(عام 1997م) ، إلا أن وقوع تلك الأزمة قد أدى إلى ظهور مشكلات تتعلق بنظام الرفاه الاجتماعية ، خاصة فى ظل انخفاض معدل النمو، الأمر الذى أدى إلى انخفاض متوسط دخل الفرد ، و ازياد معدل البطالة من نسبة 2.6% فى عام 1997 إلى نسبة 7% فى عام 1999 [111]
و لكن كوريا الجنوبية التى كانت تمتلك برنامجاً للتأمين ضد البطالة ، و ضد فقدان فرص العمل الصادر سنة 1995 ، قد شرعت فى تطوير نظاماً للتأمين الاجتماعى لمواطنيها و ذلك مع حلول سنة 1999 ، و قد كان الدور الذى لعبه المجتمع المدنى فى هذا الصدد هو العامل الرئيسى فى تحقيق هذا الانجاز . [112]
و إذا كان الجانب الاجتماعى فى تجربة كوريا الجنوبية لم يتم اغفاله ، فإن هذا الجانب عليه كثير من المؤشرات السلبية فى فترة (مبارك) فى التجربة المصرية ، حيث إن تطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادى مع عام 1991م كان لها العديد من التأثيرات السلبية على الجانب الاجتماعى ، فعلى الرغم من أن هدف تلك النوعية من برامج الاصلاح يصبو أساساً نحو تحقيق معدل نمو مرتفع و تقليل معدل التضخم ، إلا أن تطبيق مثل تلك السياسات داخل مجتمع يحوى داخله من التناقضات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ما يحوى قد أدى إلى الإضرار بفئة محدودى الدخل نظراً لارتفاع الأسعار من ناحية ، و رفع الدعم عن سلع و خدمات ضرورية من ناحية أخرى ، علاوة على تدنى مستوى المعيشة و الاضرار بالعدالة الاجتماعية داخل المجتمع المصرى ، لذا فإن تطبيق الحكومة المصرية لسياسة تهدف لحل أزمة على المدى القصير قد أدى إلى تناقضات و أزمات على المدى البعيد ، حيث تزايدت نسب البطالة ، و بطبيعة الحال شكلت هذه البيئة فرصة سانحة لانتشار الجرائم و عدم الاستقرار السياسى . [113]
معدل البطالة فى مصر:
قد بلغ معدل البطالة فى عام 2016م نسبة 12.5% وفقاً لبيانات البنك المركزى المصرى . [114]
الفصل الرابع: تقييم التجربتين:عوامل نجاح الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية(1961-1987) ، و عوامل الاخفاق فى مصر ( 1981-2008):
يناقش هذا الفصل العوامل التى تضافرت لتحقيق نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة(1961-1987) ، و العوامل التى أعاقت نجاح التنمية فى مصر فى الفترة (1981-2008) ، و نحن فى هذا الصدد لا نجد عاملاً واحداً مسئولاً عن النجاح أو مسئولاً عن الفشل ، بل هى مجموعة من العوامل المتضافرة ، فعلى سبيل المثال قد كان عامل القيم الآسيوية أحد عوامل النجاح فى حالة كوريا الجنوبية ، و لكن عامل القيم وحده لايصلح لتفسير نجاح تجربة ما ، فرغم أهمية عامل القيم إلا أنه لم يؤدِ إلى تحقيق التنمية فى هذه الدول الآسيوية فى فترات تاريخية سابقة ، بمعنى إن التنمية تحققت فى فترات حديثة نسبياً و معنى ذلك أن عامل القيم وحده لايصلح لتفسير نجاح تلك التجارب[115] ، و إنما هى مجموعة من العوامل تقف جنباً إلى جنب ، لذا سيتناول هذا الفصل مجموعة من العوامل التى أدت إلى نجاح التجربة التنموية فى كوريا الجنوبية و هى :
أولاً-عامل القيم الآسيوية.
ثانياً-دور الدولة.
ثالثاً-دور العسكريين
رابعاً-العامل الخارجى.
خامساً-الاهتمام بالعنصر البشرى.
أما عن الحالة المصرية:
فنجد أنه قد تضافرت مجموعة من العوامل التى وقفت خلف فشل حدوث أى تنمية فى مصر ، و قد كان أبرز هذه العوامل :
-افتقاد الدولة المصرية للقدرة على تعبئة مواردها ، لذا قد تحولت من دولة ريعية إلى دولة جباية تسعى بمختلف الطرق لجمع المال ، و من ثم أصبحت الدولة المصرية ضعيفة فى مواجهة نظام قوى ، فهى دولة لا تستطيع تعبئة الموارد اللازمة لعملية التنمية، كما أن الأزمة المالية الخانقة فى مصر تمت مواجهتها بأسلوب التكيف بدلاً من تقديم حلول جذرية للأزمة ، حيث تم الاعتماد على المساعدات الخارجية ، و هو الأمر الذى فاقم من الأزمة . [116]
إضافة إلى ذلك لابد من التطرق لدور البيروقراطية ذات الكفاءة فى تحقيق التنمية فى كوريا الجنوبية ، و كيف مثل غياب تلك البيروقراطية ذات الكفاءة فى مصر فى غياب التنمية عنها ، و على الرغم من أن البيروقراطية فى أى دولة عادة ما تلعب دور المقاوم للتغيير سعياً منها للحفاظ على مكتسابتها إلا أن الدولة القوية وحدها هى التى تستطيع فرض التغيير عليها ، بينما الوضع فى الدول التى لا تستند أنظمتها السياسية إلى أية شرعية هو أن تلك الدول تتخوف من تغير أوضاع البيروقراطية نظراً لاستناد تلك النظم على دعم البيروقراطية لها لا على أساس شرعى. [117]
و من هنا تتبلور المحاور العامة لهذا الفصل ، حيث سيتناول
عوامل نجاح الإنمائية فى كوريا الجنوبية ، و أوضاع تلك العوامل فى مصر.
أولاً-عامل القيم :
تعد القيم الآسيوية أحد عوامل قيام الدولة الانمائية فى كوريا الجنوبية ، فهذه القيم بما تحث عليه من أهمية العمل الجماعى ، و احترام السلطة التى تكفل استقرار المجتمع ، و تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ، و ضرورة احترام الموظف العام و أهمية محاسبته ، و قيم العائلة و الأسرة ، هى كلها قيم ساعدت بصورة أو بأخرى فى قيام نهضة كورية أطلق عليها البعض مصطلح (المعجزة الآسيوية) ، و لكن تثور هنا العديد من الملاحظات أهمها :
أ)كيف يمكننا الاعتداد بالبعد الاقتصادي فى القيم الآسيوية فى حين إن هناك تعدد كبير داخل ثقافات و ديانات القارة الآسيوية ؟! ، و يمكن الرد على ذلك بأنه على الرغم من هذا التعدد الكبير فى الثقافات و الديانات و القيم الآسيوية إلا أنه لاتزال هناك قيم مشتركة تجمع بين كل هذه الشعوب .
ب)بعض الدراسات التى اهتمت بمفهوم القيم و اسهامها فى عمليات التنمية قد ذهبت إلى الاعتقاد فى أن الأبعاد الاقتصادية المادية وحدها لا تكفى لتحقيق التنمية ، فالدول العربية – على سبيل المثال- فشلت فى تحقيق التنمية الحقيقية فى الوقت الذى تمتلك فيه تلك الدول ثروات اقتصادية و بترولية هائلة ، لذا يعزى هؤلاء الباحثون التخلف العربى إلى منظومة القيم العربية التى تميل إلى الاستهلاك أكثر من الانتاج ، و لكن يمكننا نقد تلك الفكرة من خلال تساؤل بسيط :
إذا كانت منظومة القيم العربية هى السبب فى التخلف العربى ، فكيف يمكننا أن نفسر تحقيق تلك الدول العربية لبعض الانجازات فى فترات تاريخية سابقة ؟
و بنفس المنطق : إذا كانت القيم الآسيوية بما تحث عليه من قيم العمل الجماعى و تقدير قيمة السلطة هى العامل الأساسى خلف تحقيق النهضة الآسيوية ، فكيف لم تتحقق تلك النهضة الآسيوية فى فترات سابقة ؟
ج) لا يتوقف الأمر عند حد السؤال عن مدى اسهام القيم فى تحقيق التنمية فى كوريا الجنوبية ، و إنما لابد من السؤال حول ما إذا كانت تلك القيم قد أفضت إلى حالة من الفساد الذى تسببت فيه المبالغة فى تقدير قيم العائلة و الأسرة ، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك حيث تم اعتبار أن بعض تلك القيم الآسيوية كانت تقف خلف وقوع الأزمة الآسيوية عام 1997م ، و للرد على ذلك يمكننا التصور أنه بطبيعة الحال لايمكن تحميل القيم الآسيوية وحدها مسئولية تحقق نجاح التجربة الآسيوية ، فالقيم الآسيوية هى فى النهاية عامل يقع ضمن عوامل أخرى ساهمت بدرجات متفاوته فى نجاح التجربة الانمائية فى كوريا الجنوبية. [118]
لكن مع التحول الديمقراطى الذى شهدته كوريا الجنوبية مع عام 1987م قد بدأت القيم الديمقراطية تهيمن على المجال السياسى إلا أن الكوريين لايزالون يأخذون بالقيم الكونفوشيوسية فى مجالهم الخاص . [119]
ثانياً-دور الدولة:
قد ينظر البعض إلى دور الدولة فى ظل مجتمعات العالم الثالث التى شهدت فترات حكم استعمارى على أنه دور ضرورى لتحقيق التنمية ، خاصة فى ظل غياب الفواعل الأخرى القادرة على القيام بمثل هذا الدور، ففى حالة كوريا الجنوبية لم تكن البرجوازية المحلية بقادرة على قيادة دفة التنمية فى ظل افتقادها للقدرة على ذلك لأسباب عدة منها ضعف قدراتها من ناحية و تبعيتها للبرجوازية العالمية من ناحية أخرى ، و هو الأمر الذى جعل دور الدولة لا غنى عنه بالنسبة لدول العالم الثالث الطامحة إلى التنمية . [120]
و لعل الأمر الأكثر أهمية الذى يمكن أن يفسر لنا الحاجة الماسة لدور الدولة فى عملية التنمية فى كوريا الجنوبية هو عجز البرجوازية المحلية- فى فترة مابعد الاستقلال- عن السيطرة على التراكم بكل أشكاله سواء القدرة على السيطرة على تراكم الفائض المالى ، أو القدرة على السيطرة على السوق المحلية أو الدخول فى الأسواق العالمية ، أو حتى السيطرة على الموارد، أو على الوسائل التكنولوجية ، فبعد خضوع الدولة الكورية للاستعمار اليابانى لفترة خمسة و ثلاثين عاماً خرجت الدولة الكورية و هى تحوى برجوازية عاجزة عن القيام بدور تنموى حقيقى فى ظل كل أشكال التبعية التى عانت منها الدولة الكورية أثناء فترة الاحتلال .[121]
و يمكننا تصور الدور الذى قامت به الدولة فى كوريا الجنوبية لتحقيق التنمية من خلال تتبع مراحل أساسية فى عملية التنمية لكوريا الجنوبية:
-مع انقلاب الجنرال (بارك شونج) سنة 1961 ، شرعت الدولة فى التحول من استراتيجية التصنيع من أجل الاحلال محل الواردات إلى استراتيجية التصنيع من أجل التصدير ، ثم بدأت مرحلة جديدة مع منتصف الستينيات حتى عام 1973م ، و هى المرحلة التى دعمت فيها الدولة الصناعات الخفيفة المعتمدة على عنصر أيدى عاملة كثيف ، و كان دافع الدولة فى هذا التوجه هو محاولة تحقيق تراكم رأسمالى كبير ، إلى جانب افتقاد الدولة للموارد الطبيعية و البترول لذا ارتأت الدولة أن التصدير هو طريقها للحصول على عوائد تمكنها من استيراد المواد الخام اللازمة للصناعة ، إضافة إلى رغبة الدولة فى استيعاب العمالة الكثيفة المدربة التى انتقلت من مجال الزراعة إلى مجالات التصنيع ، كل هذه العوامل دفعت الدولة نحو سياسة دعم الصناعات الخفيفة كثيفة العمالة بهدف التوجه نحو التصدير ، و لكن مع عام 1973م و حدوث ركود فى كثير من الأسواق العالمية التى كانت تتوجه إليها كوريا الجنوبية بصادراتها ، لذا استشعرت الدولة فى كوريا الجنوبية ضرورة التوجه نحو دعم الصناعات التى تعتمد على رأس المال الكثيف ، و هى الصناعات الثقيلة بالأساس ،فصناعات من قبيل الصلب و السيارات و البتروكيماويات حازت بالاهتمام و الدعم الأول من جانب كوريا الجنوبية منذ عام 1973، ثم جاء التحول الكبير فى دور الدولة فى كوريا الجنوبية بداءاً من عام 1979 حتى عام 1990، حيث تخلت الدولة عن دورها المهيمن و المباشر فى الاقتصاد و بدأت فى اعطاء دور أكبر لصالح القطاع الخاص . [122]
و فى مصر حاولت الدولة لعب دور تنموى و لكن الظروف كانت مغايرة عن الوضع فى كوريا الجنوبية ، و لعل واحدة من أبرز الدراسات التى تناولت هذا الشأن هى دراسة (سامر سليمان) :”النظام القوى و الدولة الضعيفة” و الذى ذكر فى مقدمته رؤية “روبرت سبرينيبورج و الذى وضع فيه سيناريوهات ثلاثة لتعامل “نظام مبارك” مع أزمة الديون سنة 1989م ، و قد كان أول تلك السيناريوهات:
أ) أن يقيم النظام تحالفاً فيما بين الجيش و رجال الأعمال ، بحيث يتم اطلاق نظام رأسمالي على مستوى الاقتصاد فى ظل استمرار الديكتاتورية و الاستبداد على المستوى السياسى .
ب) أما عن السيناريو الثانى فقد كان قوامه هو التحالف فيما بين الجيش و الإسلاميين ، و لكن ما تحقق بالفعل كان هو السيناريو الثالث.
ج)و قد كان السيناريو الثالث يتنبأ باستمرار النظام السياسى المصرى على الإبقاء على الأوضاع كما هى انتظاراً لتدفق مزيد من الموارد ، و قد مثل الغزو العراقى للكويت الفرصة السانحة لتحقق ذلك السيناريو حيث تدفقت المعونات ، و تم اسقاط جانب كبير من الديون ،و ذلك نتيجة احتياج التحالف الدولى لتحرير الكويت إلى تدخل الجيش المصرى . [123]
لقد كان توصيف “سامر سليمان” لمصر فى عهد “مبارك” قائم على فكرة” نظام قوى و دولة ضعيفة” ، فالنظام السياسى حاول قدر إمكانه الحفاظ على أوضاعه كما هى سعياً لتكريس نفسه داخل السلطة ، لذا حاول هذا النظام الصمود أمام الضائقه المالية التى تفاقمت على مصر فى عام 1989من خلال انتظاره للمعونات الخارجية على إثر تدخله فى حرب الخليج الثانية . [124]
دور العسكريين:–ثالثاً
إن دور العسكريين فى عملية التنمية يعد من المسائل الجدلية التى تسود بشأنها أكثر من وجهة نظر واحدة ، ففى هذا الصدد سادت وجهتان كل منهما تحاول أن تحدد حدود معينة لدور المؤسسة العسكرية :
-وجهة النظر الأولى:
تميل إلى الاعتقاد بضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحياة الاقتصادية و السياسية ، و اقتصار دورها على وظيفة واحدة ألا و هى وظيفة الدفاع و تأمين حدود الدولة.
-وجهة النظر الثانية:
ترى دور الجيش من منظور أكثر ايجابية ، حيث ترى ضرورة أن تتدخل المؤسسة العسكرية فى عمليات التنمية ، و ذلك بالأخص فى حالة الدول النامية نظراً لاتسام تلك الدول بمجموعة من السمات التى تجعل لتدخل الجيش ضرورة قصوى ، فهذه الدول تعانى من أوضاع اقتصادية و اجتماعية و سياسية عسيرة ، بالإضافة إلى تعرض تلك الدول لأزمات سياسية و اضطرابات متعلقة بصراع الأطياف السياسية المختلفة على السلطة ، الأمر الذى يجعل من تدخل الجيش أمراً ضرورياً. [125]
و للمؤسسة العسكرية دور داخل العملية السياسية فى مصر منذ ثورة يوليو 1952م ، و هو الأمر الذى يشبه الوضع فى كوريا الجنوبية التى شهدت انقلاباً عسكرياً من جانب الجنرال(بارك شونغ هى) فى مايو 1961عقب حالة من عدم الاستقرار السياسى التى شهدتها كوريا الجنوبية ، فظهرت المؤسسة العسكرية داخل كوريا الجنوبية كإنها المخلص من حالة التردى و الاضطراب التى عانت منها البلاد ، و بالفعل وضع العسكريون فى كوريا الجنوبية أولوية لتحقيق التنمية الاقتصادية لانقاذ حالة الاقتصاد المتردى ، و اعتمدت المؤسسة العسكرية فى ذلك على عدد من الاستراتيجيات :
أولاً: اعداد مجموعة من الخطط فى مجال التنمية الاقتصادية :
فى هذا الصدد يمكننا الاشارة إلى خطة (1962-1966) و التى تبدأ منها الفترة محل الدراسة فى كوريا الجنوبية ، ثم خطة (1967-1971) ، و خطة (1972-1986) ، و استمر العسكريون فى اعداد و تنفيذ الخطط فى المجال الاقتصادى حتى عام 1991 م
ثانياً: اعتماد استراتيجية التصنيع من أجل التصدير ، و العمل على تشجيع الصناعات الثقيلة على وجه التحديد
ثالثاً: العمل على بناء اقتصاد قوى يعتمد سياسة الاعتماد على الذات .
رابعاً: وضع تحقيق الانجاز الاقتصادى كأولوية للنظام العسكرى القائم فى تلك الفترة.
خامساً: الاستعانة بجهود القطاع الخاص إيماناً بأهمية تنمية روح المبادرة الفردية ، و لكن فى ظل قيادة و توجيه الدولة فى نفس الوقت ، و من ثم نشأ تحالف بين العسكريين من ناحية و رجال الأعمال من ناحية أخرى .[126]
أما عن وضع الجيش و أدواره فى الحالة المصرية خلال عهد (مبارك) ، فنجد أن (مبارك) اعتمد سياسة الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية و اعطائها مزيد من الدور بعدما حاول(السادات) التضييق من الدور العسكرى فى الحياة العامة و السياسية ، فاعتمد (مبارك) على زيادة ميزانية الجيش ، و لعل دافع (مبارك) الأساسى من وراء ذلك كان محاولة ضمان ولاء قيادات الجيش له ، إضافة إلى ضمان حماية المؤسسة العسكرية لنظام حكمه ، فاعتمد (مبارك) على سياسة التحالف فيما بين الحكومة و المؤسسة العسكرية من أجل اعطائها مزيد من الدور فى الشأن الداخلى .[127]
و لكن هل انعكس هذا النفوذ السياسى للمؤسسة العسكرية على الاسهام فى مسار التنمية الاقتصادية أم أن مسار الاصلاح الاقتصادى الذى انتهتجه الحكومة و بالأخص منذ التسعينيات من خلال اقرار سياسة الاصلاح الاقتصادى فى عام 1991م ، و الذى أدى إلى الاتجاه نحو سياسات الخصخصة و التقليل من الاعتمادية على الدور المباشر للدولة ، قد أدى إلى التقليل من الدور الاقتصادى للعسكريين ؟ أو بمعنى أخر :هل أدت تلك السياسات الانفتاحية على مستوى الاقتصاد إضافة إلى سياسة التحالف مع رجال الأعمال إلى الانتقاص من المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية فى عهد مبارك ؟ ، فهذا تساؤل يستحق البحث
رابعاً : تنمية العنصر البشرى:
إن تجربة الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية تحققت بفعل عوامل عدة ، و لا يمكن إغفال العنصر البشرى من بين تلك العوامل ، وذلك على الرغم من أن سياسات تنمية العنصر البشرى فى كوريا الجنوبية حوت بعض التناقضات فى بعض الفترات إلا أن العنصر البشرى قد وُجه إليه الكثير من الاهتمام ، سعياً من السلطة الحاكمة آنذاك نحو استغلال العنصر البشرى استغلالاً أمثل فى العملية الإنتاجية ، لذا تم تركيز الاهتمام على فئات معينة فى حين لم تلقَ فئات أخرى نفس درجة الاهتمام ، و لكن بشكل عام يمكننا القول أنه أثناء تحقيق التنمية الاقتصادية فى كوريا الجنوبية كان العنصرالبشرى يتلقى جهوداً كبيرة ،فاهتمت الدولة فى كوريا الجنوبية بالإشراف على السياسات التعليمية و على المناهج الدراسية ، و كذلك اهتمت الدولة بتعليم و تأهيل المعلم الكورى و اعتبرته أساس النهضة التعليمية ، فعلى سبيل المثال ارتفع معدل القراءة و الكتابة إلى 97%تقريباً فى عام 1990 م ، كما ارتفع العمر المتوقع ، و ارتفع نصيب الفرد من الدخل القومى أيضاً ، و تقدم تصنيف كوريا الجنوبية فى دليل التنمية البشرية فى عام 1992م ، و لكن كل هذه الإحصائيات لا تنكر وجود بعض التناقضات من أمثلة توزيع الدخل أو توزيع الموارد على المناطق الريفية و الحضرية أو حتى مستوى الاهتمام الذى كان يلقاه العامل فى كوريا ، كما أن كوريا الجنوبية ظلت حتى عام 1987م قابعة تحت حكم ديكتاتورى ، و من ثم كانت سياسات الاهتمام بالعنصر البشرى عليها بعض الانتقادات و التناقضات التى تم تصحيح الكثير منها مع الوقت . [128]
خامساً:العامل الخارجى:
إن العامل الخارجى قد اتضح فى حالة كوريا الجنوبية بشكل كبير ، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى التى تسير الأمور فى كوريا الجنوبية ، هذا فضلاً عن المساعدات الأجنبية التى تلقتها الدولة الكورية ، و لكن عادة ما يتجه البعض إلى التركيز على دور العامل الخارجى فى تفسير أسباب التنمية فى دول شرق و جنوب شرق آسيا ، رغم أن هذا العامل وحده لا يكفى لإحداث تنمية ، لذا يُفضل البعض عدم المبالغة فى تقدير دور العامل الخارجى فى عمليات التنمية ، فمصر و رغم ماتلقته من معونات أمريكية إلا أن تلك المعونات و المساعدات لم تؤدِ لتحقيق تنمية حقيقية ، و ذلك لأن التنمية الرأسمالية تتطلب وجود مؤسسات فضلاً عن السياسات التنموية التى تضع أساساً لتحقيق التنمية. [129]
و رغم ذلك لا يمكن إغفال دور العامل الخارجى فى نجاح التحول الديمقراطى فى كوريا الجنوبية ، فالولايات المتحدة الأمريكية و رغم إتباعها أسلوب الصمت تجاه ديكتاتورية و تسلط النظام الكورى منذ الستينيات ، إلا أنها قد بدأت تتحول عن صمتها هذا خاصة بعد سقوط(ماركوس) فى الفلبين ، فأمام تظاهرات و احتجاجات الكوريين لم تجد الولايات مفراً من الضغط على النظام الكورى فى سبيل التحول الديمقراطى ، و غنى عن البيان أن التعويل على العامل الخارجى وحده لايكفى لدراسة كيفية التحول الديمقراطى فى كوريا الجنوبية ، حيث أن هذا التحول قد جاء بالأساس نتيجة تضافر مجموعة من العوامل كان فى مقدمتها ارتفاع مستوى المعيشة و الذى ترتب عليه ظهور طبقة وسطى قوية ، إضافة إلى طبقة المتعلمين و المثقفين و أساتذة الجامعات و رجال الدين ، و هم من قادوا المظاهرات ضد النظام فى كوريا الجنوبية ، و هو الأمر الذى أدى للتحول الديمقراطى فى نهاية الأمر.[130]
أما عن بقية العوامل التى أعاقت تحقق مؤشرات الدولة الإنمائية فى مصر:
أولاً:قدرة الدولة على تعبئة الموارد:
إن للدولة دور أساسى فى عملية التنمية وفقاً لنظرية الدولة الإنمائية ، و قد ذهب البعض إلى أن نجاح التجارب التموية فى دول شرق و جنوب شرق آسيا فى ظل فشل تلك التنمية فى دول أمريكا اللاتينية إنما يُعزى إلى أن الدولة كانت قوية فى دول شرق و جنوب شرق آسيا ، و المقصود بقوة الدولة هنا هو قدرتها على التوغل فى المجتمع و فرض التغييرات السياسية و الاقتصادية عليه ، و من ثم يمثل تحالف الدولة مع المجتمع عاملاً ضرورياً فى هذا الصدد . [131]
و إذا قمنا بتطبيق تلك الفكرة على مصر فى عهد (مبارك) سنجد أن الدولة كانت تفتقد إلى القدرة على تجميع الموارد ، و هى فى سبيل التكيف مع الأزمة المالية الخانقة التى ضربت الدولة المصرية منذ الثمانينيات حاولت اللجوء لوسائل عدة ثبت فشل الواحدة منها تلو الأخرى ، فالدولة قد لجأت على سبيل المثال إلى ضريبة التضخم و ضريبة المبيعات التى شكلت مصدراً أساسياً منذ التسعينيات ، و كذلك اللجوء للاقتراض ، أو إلى فرض ضرائب على المصريين بالخارج ، و لكن كلها كانت بمثابة محاولات للتكيف مع الأزمة دون وضع حل جذرى لها ، ثم تحولت الدولة عن دورها فى الاقتصاد من الدور المهيمن إلى التحالف مع رجال الأعمال منذ التسعينيات ، و قد عملت الدولة على إبراز مكانة رجال الأعمال من خلال الأعمال الفنية و المسلسلات ، و لكن هذا التحالف جاء على حساب ابتعاد الدولة عن الطبقة المتوسطة و العاملة ، و هو الأمر الذى فاقم من سوء توزيع الثروة ، و من معدلات غياب العدالة الاجتماعية . [132]
إذن قد كان افتقاد الدولة المصرية للقدرة على تعبئة الموارد أحد عوامل فشل التنمية آنذاك .
ثانياً:السياسة المالية للدولة:
فقد ذهبت بعض الدراسات إلى التأكيد على أهمية النظر إلى السياسة المالية لأى دولة كى نستطيع التعرف على طبيعة علاقة الدولة بالمجتمع عامة ،و ذلك نتيجة لظهور بعض النظريات التى ذهبت إلى الربط بين وضع ميزانية الدولة و عوامل أخرى مرتبطة بها ، فمثلاً قد ظهرت نظرية(جيمس أوكنور) فى كتابه(الأزمة المالية للدولة الرأسمالية) ، و قد أوضح فيه أن طبيعة الدولة الرأسمالية تقودها للوقوع فى أزمات مالية ، نظراً لافتقادها القدرة على اقتطاع الكثير من ثروات رجال الأعمال عن طريق الضرائب ، و فى نفس الوقت يكون منوطاً بها توفير البيئة الملائمة لنجاح نظامها الرأسمالى ، لذا تتجه نفاقتها بشكل عام إلى الزيادة [133]، و من هنا يمكننا ملاحظة أهمية السياسة المالية كمؤشر عام على وضع الدولة ، و إذا أضفنا إلى ذلك وضع الدولة المصرية و افتقادها القدرة على تعبئة الموارد- كما بينا من قبل- يمكننا تصور إلى أى مدى كانت السياسة المالية للدولة المصرية معبرة عن وضعها اقتصادياً و سياسياً، حيث أن افتقاد الدولة المصرية للقدرة على التعبئة و على مواجهة أزماتها المالية إلا من خلال التحول عن الدولة الريعية إلى دولة الجباية ، و هى الدولة التى تسعى بكافة الطرق إلى جمع المال دون وضع حلولاً جذرية لأزماتها المالية الخانقة، كلها مثلت عوامل لضعف الدور التنموى للدولة.[134]
و لكن تلك السياسة المالية للدولة المصرية تزداد أهمية إذا مانظرنا إلى الطبيعة الريعية لتلك الدولة فى وقت ما ، و يصف دكتور(حازم الببلاوى) الدولة الريعية بإنها الدولة التى تستمد جانب كبير من إيرادتها من مصادرها و ثرواتها الطبيعية ، و قد ذهب بعض الباحثين إلى أن طبيعة الدولة الريعية تجعلها أكثر ميلاً نحو ممارسة الاستبداد . [135] هذا يقودنا للحديث عن مدى أهمية الموارد الطبيعية فى تنمية دولة ما :
إننا لا نستطيع القول بأن وفرة الموارد الطبيعية تعد عامل من عوامل نجاح أو فشل التنمية بل إن البعض قد ذهب إلى الاعتقاد بأن وفرة الموارد الطبيعية قد يكون بمثابة اللعنة على الاقتصاد فيما يُعرف(بلعنة الموارد)، حيث اتضح لهم أن معدل النمو فى الدول التى تتوافر بها الموارد الطبيعية بكثرة هو أقل منه فى حالة الدول التى تفتقد للموارد الطبيعية ،هذا فضلاً عما ذكرناه من قبل من اعتقاد بعض علماء الاقتصاد السياسى فى أن وفرة الموارد فى دولة ما و اعتماد تلك الدولة على كونها دولة ريعية يؤدى إلى ميل تلك الدولة إلى ممارسة الاستبداد ،فكلها مؤشرات على أن وفرة الموارد الطبيعية ليس شرطاً لتحقيق التنمية فى دولة ما ، بل قد يكون عائقاً وفقاً لبعض النظريات. [136]
و بصفة عامة قد اتسمت الدولة المصرية منذ منتصف السبعينيات بكونها دولة ريعية ، و قد اعتبر البعض أن التدفقات الريعية على مصر هى المحرك الأساسى للاقتصاد المصرى ، فتدفقات عوائد البترول، و قناة السويس، أو حتى تحويلات المصريين بالخارج ، فضلاً عن المساعدات الخارجية، هى التى تحدد درجة انتعاش الاقتصاد المصرى ، و لكنها موارد لا تأتى من أنشطة انتاجية ،كما أن تلك الايرادات الريعية تحتاج لبعض الجهد المبذول من جانب الدولة ، فمثلاً الحصول على الدعم و المساعدات الخارجية يحتاج إلى جهد من جانب الدولة المصرية لإقناع الدولة الأخرى بمساعدتها، و على أية حال قد تحول الاقتصاد المصرى عن تلك الدولة الريعية إلى دولة الجباية التى تسعى لاقتطاع المال بأية وسيلة . [137]
و قد كانت تلك السياسة المالية عاملاً و مؤشراً على الإخفاق فى مصر ، فالنظام فى الثمانينيات قد واجه انخفاض فى الإيرادات الريعية و الضريبية أيضاً ، و لم يستطع النظام تقليل النفقات كوسيلة لتقليل عجز الموازنة نظراً لأنه نظام يعتمد أساساً على فكرة العطايا من أجل احكام سيطرته على المجتمع ، الأمر الذى فاقم من الأزمة . [138]
ختاماً لما سبق يتضح لنا تعدد عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة (1961-1987) من عامل القيم الآسيوية التى تحث على العمل الجماعى ، و احترام الموظف العام ، و تقدير قيم الأسرة و العائلة ، إضافة إلى الدور الذى لعبته الدولة فى كوريا الجنوبية منذ انقلاب(بارك شونغ هى) فى عام 1961م ، حيث عملت الدولة على وضع الخطط الخمسية بدءاً من 1962م و تنفيذها ، كما سعت الدولة إلى التحول عن استراتيجية التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات إلى استراتيجية التصنيع من أجل التصدير ، و فى سبيل تحقيق الدولة لأهدافها التنموية أقامت تحالفاً مع رجال الأعمال ، أما عن الحالة المصرية ، ففى الفترة(1981-2008) لم تتمكن الدولة المصرية من النهوض بأدور الدولة الإنمائية ، حيث فشلت الدولة فى قدرتها على تعبئة الموارد ، و فشلت فى قيادة علاقتها بالقطاع الخاص بصورة تخدم أهداف التنمية ، كما أن الدولة المصرية قد افتقدت للقيادة التنموية التى تضع من تحقيق أهداف التنمية أولوية بالنسبة لها ، و هى كلها أمور لايمكن إغفالها إذا أرادنا الحديث عن دولة إنمائية تضع من الإنجاز الاقتصادى أولوية بالنسبة لها .
خاتمة:
إن هذه الدراسة قد انطلقت من مقارنة بين كوريا الجنوبية فى الفترة (1961-1987) كنموذج دولة إنمائية ناجح ،و مصر فى الفترة (1981-2008) كنموذج فشل لتحقق مفهوم الدولة الإنمائية ، و على الرغم من أن مؤشرات الدخل و النمو فى مصر كانت تفوق مثيلاها فى كوريا الجنوبية فى إحدى الفترات إلا أن كوريا الجنوبية قد تخطت مصر بالكثير فى العقود التالية لتصبح كوريا الجنوبية معجزة اقتصادية أو كما أسماها البعض(معجزة نهر الهان) . [139]
لذا اتخذت الدراسة سؤالاً بحثياً رئيسياً و هو : ماهى عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية فى الفترة (1961-1987)؟ ، و ماهى عوامل فشل هذه الدولة الإنمائية فى مصر فى الفترة (1981-2008)؟
و للإجابة عليه تدرجت الدراسة من التعرض لمفهوم الدولة الإنمائية نفسه ، و لمؤشراته و من بينها:
القيادة المستنيرة ذات الهدف التنموى ، و البيروقراطية ذات الكفاءة ، و استقلالية الدولة ، و الشراكة فيما بين الدولة و القطاع الخاص ، و وجود جهة مسئولة عن عملية التنمية ، و مجتمع مدنى ضعيف فى البداية ثم يبدأ فى الصعود مع الوقت .
ثم تطرقت الدراسة للبحث فى الوضع السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى فى كل من كوريا الجنوبية و مصر فى الفترات الزمنية السابقة على فترة الدراسة ، و ذلك إيماناً بأن التنمية ليست وليدة اللحظة و إنما هى محصلة لعمليات متتالية تاريخياً ، ثم تعرضت الدراسة لبحث مراحل تطور كل من تجربتى كوريا الجنوبية و مصر فى الفترات الزمنية محل الدراسة ، و ذلك سعياً للوصول لأهم نتائج تلك التجارب من النواحى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من ناحية ، و للتعرف على مدى اشتمال تلك التجارب على مؤشرات للدولة الإنمائية من ناحية أخرى .
ثم وصلت الدراسة إلى مرحلة بحث عوامل نجاح الدولة الإنمائية فى كوريا الجنوبية كعامل القيم الآسيوية التى شجعت على قيم العمل الجماعى ، و احترام السلطة ، و كذلك دور الدولة ، و دور العسكريين فى التنمية .
أما عن عوامل الفشل فى مصر فتمثل أبرزها فى افتقاد الدولة المصرية للقدرة على تعبئة الموارد ، و لجوء الدولة إلى حلول قصيرة الأمد وخيمة النتائج على المدى البعيد ، حيث اقتصر دور الدولة المصرية فى عهد (مبارك) على التكيف مع الأزمات المالية الخانقة لا عن طريق تقديم حلول جذرية لها ، كما افتقدت الدولة المصرية لبيروقراطية ذات كفاءة ، و لقيادة تحمل هدفاً تنموياً للدولة ككل.
قائمة المراجع
أولاً:قائمة المراجع باللغة العربية
-الكتب :
أحمد سعيد دويدار ،(1985)،البناء الاقتصادى ، القاهرة ، المركز القومى للبحوث الاجتماعية و الجنائية
المسح الاجتماعى الشامل للمجتمع المصرى 1952-1980 ، (1985) ، البناء الاقتصادى :المجلد الخامس. أحمد سعيد دويدار (اشراف) ، القاهرة ، المركز القومى للبحوث الاجتماعية و الجنائية .
بيونج ناك سونج،(2006)،صعود الاقتصاد الكورى،ترجمة:عبد الله شحاته خطاب ،(ص15)،القاهرة،مركز الدراسات الآسيوية
جمال الشلبى ،(2004)،مفهوم الديمقراطية فى الخطاب الناصرى ،الديمقراطية و التنمية الديمقراطية فى الوطن العربى، الطبعة الأولى ،بيروت،مركز دراسات الوحدة العربية
جلال أمين ، (2012)،قصة الاقتصاد المصر ى فى علاقته بالعالم من محمد على إلى حسنى مبارك ،(الطبعة الأولى)،القاهرة ،دار الشروق
جلال عبدالله معوض ،(1997م)،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية:دراسة نقدية ،محمد السيد سليم ، نيفين عبد المنعم مسعد(محرران) ،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية فى آسيا،القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
خالد زكريا أبو الدهب ،(1997)،كوريا الجنوبية و تايوان ، محمد السيد سليم ، نيفين عبد المنعم مسعد (تحرير)،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية فى آسيا ،القاهرة ،مركز الدراسات الآسيوية
سامر سليمان ، (2005)،النظام القوى و الدولة الضعيفة (إدارة الأزمة المالية و التغيير السياسى فى عهد مبارك)،القاهرة،مُتاح على : https://www.scribd.com ،تاريخ الدخول 15يونيه2017
طاهر كنعان ، مى حنانية ،(2006)،أنظمة الرفاه فى شرق آسيا ، حالات منتقاة:كوريا الجنوبية ، ماليزيا،الصين،دولة الرفاه الاجتماعية (بحوث و مناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدى بالإسكندرية) ،(الطبعة الأولى)،بيروت،مركز دراسات الوحدة العربية
[1] طه عبد العليم ،هدى الشرقاى ،على الصاوى ، و آخرون ، (1996)،النموذج الكورى للتنمية . محمد السيد سليم(محرر)،ص : ي ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
عبد الغفار رشاد القصبى ،(2004) ، مناهج البحث فى علم السياسة :الكتاب الأول التحليل السياسى و مناهج البحث ،(الطبعة الأولى) ،القاهرة ، مكتبة الآداب.
عبد الفتاح ماضى،مداخل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية،فؤاد الصلاحى(تحرير)،لما انتقل الآخرون إلى الديمقراطية و تأخر العرب؟:دراسة مقارنة لدول عربية مع دول أخرى ،مركز دراسات الوحدة العربية.
ماجدة على صالح ، (2003) ، مفهوم التنمية لدى الحزب الديمقراطى الناصرى .كرم خميس (تحرير)،صور المجتمع المثالى : نماذج التنمية فى فكر القوى السياسية فى مصر ، القاهرة ، مركز دراسات و بحوث الدول النامية.
محمود محمد الجراح ،(2008)،أصول البحث العلمى ،(الطبعة الأولى)، عمان،الراية.
مدحت أيوب ،(2007) ، القيم الآسيوية و التنمية الاقتصادية فى كوريا ، هدى ميتكيس (تحرير)،القيم الآسيوية ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
معتز بالله عبد الفتاح ، (1998)،الوظيفة الاقتصادية للدولة : دراسة فى الأصول و النظريات ،(الطبعة الأولى)،القاهرة،مركز دراسات و بحوث الدول النامية
-الرسائل
إيمان فخرى أحمد ،(2011)،تطور الدور الإنمائى للدولة فى كوريا الجنوبية فى الفترة 1961-2008،(رسالة ماجستير)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية.
بكر مصباح تنيره ،(1979)، تطور النظام السياسى فى مصر 1952-1976 ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية
شرين محمد فهمى محمد ،(2005)، أثر تطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادى و التكيف الهيكلى على الاستقرار السياسى فى مصر 1991-2003،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية.
منى حسن السيد ،(2009)،تقييم استراتيجيات التصنيع فى مصر فى ضوء تجربتى كل من ماليزيا و كوريا الجنوبية ،(رسالة ماجستير)،جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية
ناهد عز الدين عبد الفتاح ، (2003) ، تأثير سياسة الاصلاح الاقتصادى على التغير فى هيكل الفرص السياسية لكل من العمال و رجال الأعمال : دراسة لحالة مصر فى حقبة التسعينيات ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية
وفاء سعد محمد الشربينى ،(1996)،تكوين النخبة السياسية فى مصر 1970-1986 ،(رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية) ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية.
وفاء لطفى حسين عبد الواحد،(2014)،السياسات التنموية فى الدول الصناعية الجديدة فى آسيا:دراسة مقارنة لكوريا الجنوبية و ماليزيا،(رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية)، جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية.
دوريات علمية
عزازن حفيظة ،(11-2016)،التنمية الاقتصادية فى كوريا الجنوبية من اقتصاد زراعى متخلف إلى اقتصاد صناعى متقدم ، مجلة التنظيم و العمل ، العدد4، مُتاح على: file:///C:/Users/samsung/Downloads/a4b6fe1c404a4a6d4885580b20323c71.pdf ، تاريخ الدخول : 16يونيه-201
-مواقع الانترنت
أميرة الحداد،(2012)،مصر و كوريا الجنوبية :دربان متباينان فى التصنيع(مُلخص)، شركاء التنمية ، مُتاح على: http://www.pidegypt.org/download/mixed-economy/Dr.%20Amira%20El%20Haddad.pdf ، تم الدخول فيه :10.48صباحاً-26-2-2017م
الميثاق الوطنى ،(مايو-1962) ، مُتاح على : http://nasser.bibalex.org/Speeches/browser.aspx?SID=1015&lang=ar تم الدخول فى 14مارس 2017
خيرى أبو العزايم فرجانى،ملامح تطور الاقتصاد المصرى فى ظل التحولات السياسية و الاقتصادية. متاح على : http://saaid.net/book/20/13395.pdf
تم الدخول فى : 10 مساءاً – 6مارس –2017
[1] موقع البنك المركزى المصرى، مُتاح على : http://www.cbe.org.eg/ar/EconomicResearch/Publications/Pages/MonthlyStatisticaclBu lletin.aspx ، تاريخ الدخول :يونيه 2017
محمد سمير الجبور،(2014)،الدور السياسى للمؤسسة العسكرية المصرية فى ظل التحولات السياسية ،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة الأزهر-غزة،كلية الاقتصاد و العلوم الإدارية ، ص ص 30:29،مُتاح على : file:///C:/Users/samsung/Downloads/%C3%A3%C3%87%C3%8C%C3%93%C3%8A%C3%AD%C3%91%C3%A3%C3%8D%C3%A3%C3%8F%20%C3%87%C3%A1%C3%8C%C3%88%C 3%A6%C3%91.pdf ، تم الدخول فى 29مايو 2017 – 9.30م
محمود أحمد عبدالله ،(15نوفمبر/2015)،مفهوم الدولة التنموية و تطوره استبيان بيريز كالدينتى(1)،المركز العربى للبحوث و الدراسات ، مُتاح على :http://www.acrseg.org/39585
. تم الدخول فى 9.30 مساءاً -4-3-2017
ثانياً:قائمة المراجع باللغة الإنجليزية:
Books
Johnson ,(1999). The developmental state:Odyssey of a concept .Woo.Cumings,Meredith(ed),the developmental state. New york:Cornell university press. Retrieved from: http://www.bresserpereira.org.br/Terceiros/Cursos/09.Woo-Cumings,Meredith_The_developmental_State_Odyssey_of_a_concept.pdf accessed 7-3-2017
Johnson,Chalmers,(1982).MITI and the Japanese miracle:The growth of industrial policy.California:Stanford university press . Retrieved from: http://faculty.arts.ubc.ca/tiberg/MPA_Asia_Apr_2010_readings/Johnson,%20Chalmers.%201982.%20MITI%20and%20the%20Japanese%20Miracle%20Ch.%201.pdf . Accessed 7-3-2017
Pirie,Lain .(2007).The Korean developmental state : from dirigisme to neo-liberalism .New york :Routledge . Retrieved from: https://edisciplinas.usp.br/pluginfile.php/224854/mod_resource/content/1/The_Korean_Developmental_State.pdf . accessed 7-3-2017
Waterbury,John.(1983).The Egypt of Nasser and Sadat : The political economy of two regimes . New Jersey : Princeton university press. Retrieved from: https://books.google.com.eg/books?hl=ar&lr=&id=YOP_AwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PP1&dq=egypt+under+nasser+and+sadat&ots=e_WrKT10tR&sig=Mz6wzbv2B1Vrlocq8fMNiskx9EI&redir_esc=y#v=onepage&q=egypt%20under%20nasser%20and%20sadat&f=false . accessed 7-3-2017
Ikram,Khalid.(2006).The Egyptian economy,1952-2000:performance,policies,and issues. New York : Routledge. Retrieved from: https://books.google.com.eg/books?hl=ar&lr=&id=JZ52wsURFj8C&oi=fnd&pg=PR1&dq=the+egyptian+economy+robert+&ots=YhDLX82cea&sig=3TmFvcQvXQl-TlYLTqwadOXrL7o&redir_esc=y#v=onepage&q=the%20egyptian%20economy%20robert&f=false . accessed 7-3-2017
The Autumn of Dictatorship:Fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak. Stanford studies in middle Eastern.pp available at: accessed June 2017
Ziya Onis,(oct.1990).The logic of the developmental state .Comparative politics .vol.24.No.1, available at:
http://www.jstor.org/stable/422204
Lianne Schmidt .( 25June 2015).Putting the Developmental state on the SDG Agenda:Introducing a multidimentional scale of the inclusive developmental state.(to be presented at first world congress of comparative Economics Rome). University of Amsterdam. Available at : https://editorialexpress.com/cgi-bin/conference/download.cgi?db_name=WCCE2015&paper_id=472 . accessed June 2017
Fred Warren Riggs .(1964) .Administration in developing countries. available at : http://www.worldcat.org/title/administration-in-developing-countries-the-theory-of-prismatic-society/oclc/185953733?referer=di&ht=edition
Periodicals
John Minns,(2001).of miracles and models :the rise and decline of the developmental state in South Korea.Third World Quarterly . Vol.22 . Retrieved from: http://courses.arch.vt.edu/courses/wdunaway/gia5524/Minns01State.pdf . accessed 6-3-2017
Öniş,Ziya ,(1991).The logic of the developmental state .Comparative politics.Vol.24,No.1.Retrieved from: http://www.rochelleterman.com/ComparativeExam/sites/default/files/Bibliography%20and%20Summaries/Onis%201991.pdf . accessed 4-3-2017
Tuong Vu ,(2007).State formation and the origins of developmental states in South Korea and Indonesia .Studies in comparative international development.Vol.41,No.4 . Retrieved from : https://casprofile.uoregon.edu/sites/casprofile2.uoregon.edu/files/State%20Formation%20and%20Origins%20of%20Developmental%20States%20in%20Korea%20and% . accessed 6-3-2017
Vivek Chibber ,(September,1999).Building a developmental state:The Korean case Reconsidered.politics & society ,vol.27,No.3 . Retrieved from : http://sociology.fas.nyu.edu/docs/IO/225/building.developmental.pdf . Accessed 3-6-2017
Conferences
Luis Mah ,(17th of June 2011),Lessons from Korea to Africa : leaders , politics and developmental states ,(The 4th European conference on African studies in Uppsala-(Sweden) , Centre of African and developmental studies ,Faculty of Economics and Management Technical University of Lisbon. Retrieved from : https://pascal.iseg.utl.pt/~cesa/files/Doc_trabalho/WP97.pdf Accessed 6-3-2017
Schmidt,Lianne,(25June 2015),Putting the developmental state on the SDG Agenda:Introducing a multidimensional scale of the inclusive developmental state ,(The first world congress of comparative economics Rome) .Retrieved from : https://editorialexpress.com/cgi-bin/conference/download.cgi?db_name=WCCE2015&paper_id=472 accessed 7-3-2017
[1] Johnson,Chalmers,(1982).MITI and the Japanese miracle:The growth of industrial policy.California:Stanford university press .(p1) Retrieved from: http://faculty.arts.ubc.ca/tiberg/MPA_Asia_Apr_2010_readings/Johnson,%20Chalmers.%201982.%20MITI%20and%20the%20Japanese%20Miracle%20Ch.%201.pdf . Accessed 7-3-2017
[2] وفاء لطفى حسين عبد الواحد،(2014)،السياسات التنموية فى الدول الصناعية الجديدة فى آسيا:دراسة مقارنة لكوريا الجنوبية و ماليزيا،(رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية)، جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، ص ص : 38:33
[3] إيمان فخرى أحمد ،(2011)، تطور الدور الإنمائى للدولة فى كوريا الجنوبية فى الفترة من 1961-2008،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، ص 28
[4] Johnson,Chalmers,OP.Cit.,pp6:8
[5] بيونج ناك سونج،(2006)،صعود الاقتصاد الكورى،ترجمة:عبد الله شحاته خطاب ،(ص15)،القاهرة،مركز الدراسات الآسيوية.
[6] طه عبد العليم ،هدى الشرقاى ،على الصاوى ، و آخرون ، (1996)،النموذج الكورى للتنمية . محمد السيد سليم(محرر)،ص : ي ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية.
[7] هدى الشرقاوى،(1996)،التصنيع فى جمهورية كوريا : الهيكل و الاستراتيجية ، محمد السيد سليم(تحرير)، النموذج الكورى للتنمية ،( ص ص 73:63)
[8] 9-10 Ibid.,pp
[9] Ibid.,p10
[10] عندما كان التخطيط الشامل هو الحل ، مُتاح على : https://walycenterjournal.wordpress.com/2016/03/06/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%8A%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81/ ، تاريخ الدخول يونيه 2017
[11] الميثاق الوطنى ،(مايو-1962) ، مُتاح على : http://nasser.bibalex.org/Speeches/browser.aspx?SID=1015&lang=ar تم الدخول فى 14مارس 2017
[12] ماجدة على صالح ، (2003) ، مفهوم التنمية لدى الحزب الديمقراطى الناصرى .كرم خميس (تحرير)،صور المجتمع المثالى : نماذج التنمية فى فكر القوى السياسية فى مصر ، ( ص ص :337-346)، القاهرة ، مركز دراسات و بحوث الدول النامية.
[13] سامر سليمان،(2005)،النظام القوى و الدولة الضعيفة، ص ص 36:34
[14] The Autumn of Dictatorship:Fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak. Stanford studies in middle Eastern.pp available at: accessed
[15] عبد الفتاح ماضى،مداخل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية،فؤاد الصلاحى(تحرير)،لما انتقل الآخرون إلى الديمقراطية و تأخر العرب؟:دراسة مقارنة لدول عربية مع دول أخرى ،(ص ص 71:68)،مركز دراسات الوحدة العربية.
[16] عبد الغفار رشاد القصبى ،(2004) ، مناهج البحث فى علم السياسة :الكتاب الأول التحليل السياسى و مناهج البحث ،(الطبعة الأولى) ،(ص 245) ، القاهرة ، مكتبة الآداب.
[17] المرجع السابق ، ص 241
[18] المرجع السابق،ص 241
[19] المرجع السابق،ص ص 245-246
[20] Ziya Onis,(oct.1990).The logic of the developmental state .Comparative politics .vol.24.No.1,pp109-126 available at:
http://www.jstor.org/stable/422204
[21] Lianne Schmidt .( 25June 2015).Putting the Developmental state on the SDG Agenda:Introducing a multidimentional scale of the inclusive developmental state.(to be presented at first world congress of comparative Economics Rome). University of Amsterdam. Available at : https://editorialexpress.com/cgi-bin/conference/download.cgi?db_name=WCCE2015&paper_id=472 . accessed June 2017
[22] طه عبد العليم ، هدى الشرقاوى ،على الصاوى ، و آخرون،(1996) .محمد السيد سليم(محرر)،النموذج الكورى للتنمية،القاهرة،مركز الدراسات الآسيوية .
[23]إيمان فخرى أحمد ،(2011)،تطور الدور الانمائى للدولة فى كوريا الجنوبية فى الفترة 1961-2008،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية.
[24] سامر سليمان ، (2005)،النظام القوى و الدولة الضعيفة (إدارة الأزمة المالية و التغيير السياسى فى عهد مبارك)،القاهرة،مُتاح على : https://www.scribd.com ،تاريخ الدخول 15يونيه2017
The Autumn of Dictatorship:Fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak,Stanford studies in Middle East. Available at: http://fepsmoodle.com/moodles/pluginfile.php/9623/mod_resource/content/1/The%20Autumn%20of%20Dictatorship_%20Fiscal%20Crisis%20and%20Political%20Change%20in%20Egypt%20under%20Mubarak%20%28Stanford%20Studies%20in%20Middle%20Eastern%20and%20I%29-79-129.pdf . accessed June 2017 [25]
[26] أميرة الحداد،مصر و كوريا الجنوبية :دربان متباينان فى التصنيع، شركاء التنمية ،(2012)، مُتاح على: http://www.pidegypt.org/download/mixed-economy/Dr.%20Amira%20El%20Haddad.pdf ، تم الدخول فيه :10.48صباحاً-26-2-2017م
Johnson,Chalmers,(1982).MITI and the Japanese miracle:The growth of industrial policy.California:Stanford university press . Retrieved from: http://faculty.arts.ubc.ca/tiberg/MPA_Asia_Apr_2010_readings/Johnson,%20Chalmers.%201982.%20MITI%20and%20the%20Japanese%20Miracle%20Ch.%201.pdf . Accessed 7-3-2017
[28] معتز بالله عبد الفتاح ، (1998)،الوظيفة الاقتصادية للدولة : دراسة فى الأصول و النظريات ،(الطبعة الأولى)،(ص ص 4-36)،القاهرة،مركز دراسات و بحوث الدول النامية .
[29] إيمان فخرى أحمد ، مرجع سبق ذكره، ص ص: 22-23
[30] المرجع السابق،ص 23
[31] المرجع السابق،ص23
[32] وفاء لطفى حسين عبد الواحد ،(2014)،السياسات التنموية فى الدول الصناعية الجديدة فى آسيا : دراسة مقارنة لكوريا الجنوبية و ماليزيا ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية،ص 38
[33]إيمان فخرى أحمد ،مرجع السابق،ص25
[34] المرجع السابق،ص25
[35] المرجع السابق،ص 26
[36] وفاء لطفى حسين عبد الواحد ، مرجع سابق ، ص 38
[37] إيمان فخرى أحمد ،مرجع السابق، ص ص :26-27
[38] وفاء لطفى حسين عبد الواحد ،مرجع سابق ، ص ص :39-42
[39] إيمان فخرى أحمد،مرجع السابق، ص 28
[40] المرجع السابق، ص ص 28-29
[41] وفاء لطفى حسين عبد الواحد ، مرجع سابق ،ص ص : 42-43
[42] إيمان فخرى أحمد ،مرجع سبق ذكره ، ص ص :29-30
[43] المرجع السابق، ص ص :30-31
[44] وفاء لطفى حسين عبد الواحد ، مرجع سابق ، ص ص : 44-46
[45] Luis Mah.(17 of June 2011).Lessons from Korea to Africa :leaders ,politics and Developmental states,(Presented at the 4th European conference on African studies in Uppsala ).Lisbon .centre of African and Development studies) .Faculty of Economics and management. Available at : https://pascal.iseg.utl.pt/~cesa/files/Doc_trabalho/WP97-1.pdf . accessed :June 2017
[46] إيمان فخرى أحمد ، مرجع سابق ، ص ص :33:40
[47] إيمان فخرى أحمد ، مرجع سابق ، ص ص :33:43
[48] المرجع السابق ، ص ص : 50:44
[49] المرجع السابق ، ص ص : 53:52
[50] ناهد عز الدين عبد الفتاح ، (2003) ، تأثير سياسة الاصلاح الاقتصادى على التغير فى هيكل الفرص السياسية لكل من العمال و رجال الأعمال : دراسة لحالة مصر فى حقبة التسعينيات ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ص:415
[51] ناهد عز الدين عبد الفتاح، مرجع سابق ، ص 416
[52] بيونج ناك سونج ،(2006)،صعود الاقتصاد الكورى ،ترجمة:عبد الله شحاته خطاب ،(ص 47)،القاهرة ،مركز الدراسات الآسيوية .
[53] بيونج ناك سونج،مرجع سبق ذكره ، ص 50
[54] خالد زكريا أبو الدهب ،(1997)،كوريا الجنوبية و تايوان ، محمد السيد سليم ، نيفين عبد المنعم مسعد (تحرير)،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية فى آسيا ،(184)،القاهرة ،مركز الدراسات الآسيوية.
[55] خالد زكريا أبو الدهب،مرجع سبق ذكره ، ص ص :185:184
[56] بيونج ناك سونج،مرجع سبق ذكره ، ص ص :52:51
[57] بيونج ناك سونج،مرجع سبق ذكره ، ص ص : 53:52
[58] خالد زكريا أبو الدهب،مرجع سبق ذكره ، ص ص :177:176
[59] بيونج ناك سونج، مرجع سبق ذكره ، ص 53
[60] بكر مصباح تنيره ،(1979)، تطور النظام السياسى فى مصر 1952-1976 ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ص ص : 2:1
[61] بكر مصباح تنيره،تطور النظام السياسى فى مصر(1952-1976)، ص ص 5:1
[62] بكر مصباح تنيره،تطور النظام السياسى فى مصر(1952-1976)، ص ص 94:88
[63] بكر مصباح تنيره ، مرجع سابق ، ص ص : 94:88
[64] جمال الشلبى ،(2004)،مفهوم الديمقراطية فى الخطاب الناصرى ،الديمقراطية و التنمية الديمقراطية فى الوطن العربى، الطبعة الأولى ،(ص ص : 107:106)،بيروت،مركز دراسات الوحدة العربية.
[65] بكر مصباح تنيره ، مرجع سابق ، ص ص : 96:94
[66] بكر مصباح تنيره ، مرجع سابق ، ص ص : 98:97
[67] جمال الشلبى،مرجع سبق ذكره، ص ص : 115:107
[68] طه عبد العليم ،هدى الشرقاى ،على الصاوى ، و آخرون ، (1996)،النموذج الكورى للتنمية . محمد السيد سليم(محرر)،ص : ي ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية.
[69] هدى الشرقا وى ،(1996)،التصنيع فى جمهورية كوريا : الهيكل و الاستراتيجية ، محمد السيد سليم(محرر)،النموذج الكورى للتنمية ،( ص ص47)،القاهرة ،مركز الدراسات الآسيوية
[70] المرجع السابق،ص48
[71] المرجع السابق، ص ص35-40
[72] المرجع السابق، ص ص 35-43
[73] المرجع السابق ، ص 40
[74] المرجع السابق ، ص ص 40-43
[75] المرجع السابق،ص52
[76] طه عبد العليم،(1996)،نموذج التنمية الكورى:نظرة عامة ،محمد السيد سليم(محرر)،النموذج الكورى للتنمية،(ص ص 9-10)،القاهرة، مركز الدراسات الآسيوية.
[77] هدى الشرقاوى،(1996)،التصنيع فى جمهورية كوريا :الهيكل و الاستراتيجية ،محمد السيد سليم (محرر)،النموذج الكورى للتنمية،(ص ص : 63-67)،القاهرة، مركز الدراسات الآسيوية.
[78] المرجع السابق ، ص ص: 68-69
[79] المرجع السابق ، ص 71
[80] أحمد سعيد دويدار ،(1985)،البناء الاقتصادى ،(ص : د) ، القاهرة ، المركز القومى للبحوث الاجتماعية و الجنائية .
[81] جلال أمين ، (2012)،قصة الاقتصاد المصر ى فى علاقته بالعالم من محمد على إلى حسنى مبارك ،(الطبعة الأولى)،( ص 84)،القاهرة ،دار الشروق
[82] جلال أمين ، مرجع سبق ذكره ، ص ص :87:84
[83] جلال أمين ، مرجع سبق ذكره ، ص ص : 88:87
[84] جلال أمين،مرجع سبق ذكره، ص ص :99:95
[85] خيرى أبو العزايم ،( ) ، ملامح تطور الاقتصاد المصرى ، ص 144
[86] جلال أمين ، ص ص :105:103
[87] المرجع السابق ، ص ص 112:111
[88] جلال أمين ، قصة الاقتصاد المصرى ، ص ص 162:161
[89] هدى الشرقاوى ، (1996)،التصنيع فى جمهورية كوريا :الهيكل و الاستراتيجية ،محمد السيد سليم(تحرير)،النموذج الكورى للتنمية ، ص 76
[90] عزازن حفيظة ،(11-2016)،التنمية الاقتصادية فى كوريا الجنوبية من اقتصاد زراعى متخلف إلى اقتصاد صناعى متقدم ، مجلة التنظيم و العمل ، العدد4،ص114، مُتاح على: file:///C:/Users/samsung/Downloads/a4b6fe1c404a4a6d4885580b20323c71.pdf ، تاريخ الدخول : 16يونيه-2016
[91]وفاء سعد محمد الشربينى ،(1996)،تكوين النخبة السياسية فى مصر 1970-1986 ،(رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية) ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ص ص :309:307
[92]Fred Warren Riggs .(1964) .Administration in developing countries. available at : http://www.worldcat.org/title/administration-in-developing-countries-the-theory-of-prismatic-society/oclc/185953733?referer=di&ht=edition
[93] سامر سليمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 463
[94] مدحت أيوب ،(2007) ، القيم الآسيوية و التنمية الاقتصادية فى كوريا ، هدى ميتكيس (تحرير)،القيم الآسيوية ،( ص ص : 339:337) ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
[95] إيمان فخرى أحمد ،مرجع سبق ذكره ، ص ص :29-30
[96] جلال أمين ،(2011 ) ، مصر و المصريون فى عهد مبارك (1981-2011)،(ص ص 25:24)،القاهرة،دار الشروق.
[97] جلال أمين ، مصر و المصريون فى عهد مبارك ، ص ص 26:25
[98] عزازن حفيظة،مرجع سبق ذكره،ص115
[99] ناهد عز الدين عبد الفتاح ، (2003) ، تأثير سياسة الاصلاح الاقتصادى على التغير فى هيكل الفرص السياسية لكل من العمال و رجال الأعمال : دراسة لحالة مصر فى حقبة التسعينيات ،(رسالة دكتوراه الفلسفة فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ص ص :
[100] ناهد عز الدين عبد الفتاح ، مرجع سابق ، ص 410
[101] ناهد عز الدين عبد الفتاح ، مرجع سابق ، ص 411
[102] جلال عبدالله معوض ،(1997م)،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية:دراسة نقدية ،محمد السيد سليم ، نيفين عبد المنعم مسعد(محرران) ،العلاقة بين الديمقراطية و التنمية فى آسيا ،( ص ص 17:5)،القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية .
[103] عبد الفتاح ماضى ، مداخل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية ، فؤاد الصلاحى(تحرير)،لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية و تأخر العرب؟:دراسة مقارنة لدول عربية مع دول أخرى ،الطبعة الثانية،(ص ص :71:68)،مركز دراسات الوحدة العربية.
[104] وفاء سعد محمد الشربينى ، مرجع سابق ، ص ص :313:309
[105] المرجع السابق،ص52
[106] طه عبد العليم،(1996)،نموذج التنمية الكورى:نظرة عامة ،محمد السيد سليم(محرر)،النموذج الكورى للتنمية،(ص ص 9-10)،القاهرة، مركز الدراسات الآسيوية.
[107] شرين محمد فهمى محمد ،(2005)، أثر تطبيق سياسات الاصلاح الاقتصادى و التكيف الهيكلى على الاستقرار السياسى فى مصر 1991-2003،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة القاهرة ،كلية الاقتصاد و العلوم السياسية،ص 286
[108] موقع البنك المركزى المصرى، مُتاح على : http://www.cbe.org.eg/ar/EconomicResearch/Publications/Pages/MonthlyStatisticaclBulletin.aspx ، تاريخ الدخول :يونيه 2017
[109] طاهر كنعان ، مى حنانية ،(2006)،أنظمة الرفاه فى شرق آسيا ، حالات منتقاة:كوريا الجنوبية ، ماليزيا،الصين،دولة الرفاه الاجتماعية (بحوث و مناقشات الندوة الفكرية التى نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدى بالإسكندرية) ،(الطبعة الأولى)،(ص 300)،بيروت،مركز دراسات الوحدة العربية .
[110] طاهر كنعان ، مى حنانية، مرجع سبق ذكره ، ص 303
[111] طاهر كنعان ، مى حنانية، مرجع سبق ذكره ، ص 301
[112] طاهر كنعان ، مى حنانية،مرجع سبق ذكره، ص ص : 305:304
[113] شرين محمد فهمى محمد،مرجع سبق ذكره، ص 286
[114]موقع البنك المركزى المصرى ، مُتاح على: http://www.cbe.org.eg/ar/EconomicResearch/Publications/Pages/MonthlyStatisticaclBulletin.aspx ، تاريخ الدخول :يونيه 2017
[115] مدحت أيوب ،(2007) ، القيم الآسيوية و التنمية الاقتصادية فى كوريا ، هدى ميتكيس (تحرير)،القيم الآسيوية ،( ص ص : 339:337) ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
[116] سامر سليمان ، النظام القوى و الدولة الضعيفة ، ص ص :36:31
[117] سامر سليمان،النظام القوى و الدولة الضعيفة ، ص 463
[118] مدحت أيوب ،(2007) ، القيم الآسيوية و التنمية الاقتصادية فى كوريا ، هدى ميتكيس (تحرير)،القيم الآسيوية ،( ص ص : 339:337) ، القاهرة ، مركز الدراسات الآسيوية
[119] مدحت أيوب ،مرجع سبق ذكره، ص ص : 365:363
[120] سامح فوزى ،(1996)،دور الدولة الكورية فى التنمية ، محمد السيد سليم(تحرير)،النموذج الكورى للتنمية ،(ص ص : 319:317)،القاهرة،مركز الدراسات الآسيوية
[121] سامح فوزى ، مرجع سبق ذكره ، ص 319
[122] سامح فوزى ، ص ص :327:323
[123] سامر سليمان ، (2005)،النظام القوى و الدولة الضعيفة (إدارة الأزمة المالية و التغيير السياسى فى عهد مبارك)،(ص ص :12:11) ،القاهرة،مُتاح على : https://www.scribd.com ،تاريخ الدخول 15يونيه2017
[124] سامر سليمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 12
[125] ماجدة صالح ،(1996)،دور العسكريين فى التنمية الكورية ، محمد السيد سليم(تحرير)،النموذج الكورى للتنمية،(ص 410)،القاهرة ،مركز الدراسات الآسيوية.
[126] ماجدة صالح ، مرجع سبق ذكره ، ص ص : 416:412
[127] محمد سمير الجبور،(2014)،الدور السياسى للمؤسسة العسكرية المصرية فى ظل التحولات السياسية ،(رسالة ماجستير فى العلوم السياسية)،جامعة الأزهر-غزة،كلية الاقتصاد و العلوم الإدارية ، ص ص 30:29،مُتاح على : file:///C:/Users/samsung/Downloads/%C3%A3%C3%87%C3%8C%C3%93%C3%8A%C3%AD%C3%91%C3%A3%C3%8D%C3%A3%C3%8F%20%C3%87%C3%A1%C3%8C%C3%88%C3%A6%C3%91.pdf ، تاريخ الدخول فى 29مايو 2017 – 9.30م
[128] نيفين توفيق منير ،(1996)،تنمية المواد البشرية فى كوريا ، محمد السيد سليم(تحرير)،النموذج الكورى للتنمية ،(ص ص 190:181)،القاهرة،مركز الدراسات الآسيوية.
[129] سامر سليمان ، النظام القوى و الدولة الضعيفة ، ص 24
[130] مينا اسحق طانيوس بولس ، (د.ت)،التحول الديمقراطى لكوريا الجنوبية و أثره فى تغير سياستها الخارجية تجاه كوريا الشمالية ، (ص ص : 121:93 ) المكتب العربى للمعارف .
[131] سامر سليمان ، مرجع سبق ذكره ، ص ص :22:18
[132] The Autumn of Dictatorship : fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak .Stanford studies in middle eastern , available at : http://fepsmoodle.com/moodles/pluginfile.php/9623/mod_resource/content/1/The%20Autumn%20of%20Dictatorship_%20Fiscal%20Crisis%20and%20Political%20Change%20in%20Egypt%20under%20Mubarak%20%28Stanford%20Studies%20in%20Middle%20Eastern%20and%20I%29-79-129.pdf . accessed June 2017
[133] سامر سليمان،النظام القوى و الدولة الضعيفة، ص ص :30:27
[134] The Autumn of dictatorship :fiscal crisis and political change in Egypt under Mubarak .Stanford studies in Middle Eastern. Pp 79:129
[135] سامر سليمان،النظام القوى و الدولة الضعيفة، ص 32:31
[136] سامر سليمان ، النظام القوى و الدولة الضعيفة، ص ص 34:33
[137] سامر سليمان، النظام القوى و الدولة الضعيفة، ص ص 37:35
[138] سامر سليمان،النظام القوى و الدولة الضعيفة ، ص ص 87:86
[139] طه عبد العليم و آخرون ، نموذج التنمية الكورى ، مرجع سبق ذكره ، ص 10
رابط المصدر: