سيد شمخي الموسوي
مقدمة
لأهمية هكذا موضوع مهم وحساس لارتباطه بمفاهيم كثيرة وقيم متعددة وارتباطه بالسلوك الجمعي الوجداني للشعوب والمجتمعات المختلفة لذا حظي باهتمام مفكري الأمم وقادتها افرادا كانوا او مؤسسات وحكومات
ولمناقشة هكذا موضوع علينا ان ندرسه من جوانب عدة ومن زوايا مختلفة لنحيط به معرفيا لنتمكن من وضع الأسس الصحيحة للتعامل معه
وبعجالة نحاول الإضاءة على الموضوع وفق نقاط مترابطة :
أولا – التعريف ( بالرمز ) وكيفية الاستدلال عليه .
ثانيا – هل يجوز ( يحق لاحد ما ) سب واهانة الرمز بشكل عام والرمز الديني والمقدس بشكل خاص
وللاجابة على هذا السؤال المهم علينا ان ننظر للموضوع من زاويتين ان صحت العبارة
1- الزاوية الأولى : الموقف القيمي الأخلاقي السائد في المجتمع والموقف الشرعي ( موقف الدين )( من الإساءة )
2- الزاوية الثانية : الموقف القانوني ( من الإساءة )
ثالثا – هل يمكن مقاضاة القائم بفعل السب والإساءة . ومن له الحق بمقاضاته ؟
أولا : التعريف بالرمز وكيفية الاستدلال عليه
الرمز هو علامة تدل على معنى له وجود قائم بذاته فان ذكرت فهي تمثله وتحل محله
والرمز قد يكون شخص طبيعي او شخص معنوي او شيء ما
وعبارة رمز يمكن ان تصف شيء سيء او حسن مثلا كذا رمزا للتضحية وكذا رمزا للطغيان
والرمز يمكن ان يتكون عبر أجيال او ازمان وتشكله يأتي غالبا ( وليس دائما ) من توافق الناس عليه ( أي على توصيفه )
مفهوم عبارة (الرمز ) في الدستور العراقي
من المعروف إن العبارات والمفاهيم الواردة في الدستور تتسم بصفة العلوية على غيرها من العبارات والمفردات الواردة في القوانين والتشريعات الأخرى عند ترجيحها على غيرها من العبارات الواردة وفق القاعدة الدستورية (سمو الدستور) والواردة في نص الفقرة (أولاً) من
المادة (12) من الدستور النافذ لعام 2005 التي جاء فيها الآتي (أولا: يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة، وبدون استثناء)
وعلى ما تقدم فاذا اردنا تحديد ماهية الرمز وكيفية الاستدلال عليه قانونا علينا الرجوع الى نصوص الدستور العراقي
فقد وردت عبارة الرمز مرتين فقط مادة 12 مايخص العلم ومادة 67 فيما يخص منصب رئيس الجمهورية
ووردة بصيغة الجمع في ديباجة الدستور ومواد دستورية أخرى (مادة 7 و مادة 134 )وكذلك ذكرت في قانون العقوبات العراقي في المادة ( 372 ) .
ثانيا: هل يحق لاحد ما سب واهانة الرمز بشكل عام والرمز الديني بشكل خاص ؟
في الثقافة الحرة والديمقراطية الرفيعة لا يجوز السب والشتم والتجاوز, فهو سلوكيات تعبر عن خواء العقل وضحالته وعدم المقدرة الفكرية للنفاذ للظاهرة قيد الدرس وتفكيكها وبحثها موضوعيا من خلال المعارف العلمية المتاحة. اما النقد فامر اخر فكل الظواهر قابلة للنقد والنقد الذاتي دون المساس بقدسيتها لدى الأتباع و تلك هي سنة التطور والبقاء والأداء الأفضل في الحاضر والمستقبل
وللحد من التأثير السلبي الخطير للتجاوز على الرموز وخاصة الدينية والمؤسسات الدينية وآثاره المدمرة للوحدة الاجتماعية فأن اغلب دساتير العالم الديمقراطي منه والدكتاتوري وغيرها من النظم حذرت من المساس بالرموز الدينية ومن المقدسات الدينية وعدم التجاوز على الآخرين في معتقداتهم مهما كانت مصداقيتها, بل وحتى نصت على عقوبات صارمة اتجاه من يرتكب ذلك بحق الرموز الدينية التاريخية. ومنها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وفي المادة 372 .
وللإجابة على هذا السؤال المهم يمكن نلخص الإجابة بمحورين ( او ننظر للموضوع من زاويتين )
1-الأول – القيم والأخلاق السائدة في المجتمع والموقف الديني ( من فعل الإساءة ).
تعد القيم من اهم المرتكزات التي تقوم عليها المجتمعات البشرية وهي معايير عامة ضابطة للسلوك داخل المجتمع يتم التوافق عليها عبر الزمن وتخضع لمتغيرات شتى والذي يحدد وجود هذه القيم هو الاطار التربوي والثقافي ومدى الوعي الذي وصل اليه الناس في تعاملهم مع بعضهم البعض , ويتم التعبير عن القيم بمجموعة اقوال وافعال ومن المعلوم ان رقي القيم في مجتمع ما تدل على تماسك المجتمع ورقيه والعكس صحيح ومن بوادر انهيار المجتمعات والأمم هو انهيار منظومتها القيمية والأخلاقية ( انما الأمم الاخلاق ما بقيت وان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا .
العوامل المؤثرة في تنمية القيم 1 – التربية 2- التعليم 3- البيئة
العوامل المؤثرة في تراجع القيم 1-ضعف الوازع الديني 2- انعدام الوعي 3- الاعلام المضلل 4- اتباع الهوى 5- تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة
وقد ركزت تعاليم الأديان السماوية على أهمية تنمية القيم والأخلاق في المجتمعات لما لها من أهمية في البناء الصحيح في المجتمع ابتداء من الاسرة باعتبارها اللبنة الأساسية في المجتمع وهي قيمة من قيم المجتمع فمن البديهي ان يرفض المجتمع ذو القيم والأخلاق كل فعل او قول به إساءة للرموز المقدسة
التكييف القانوني لفعل الإساءة للرموز
ان المنظومة القانونية العراقية لم تتخطى أو تهمل بعض الأفعال التي يتصور البعض انه بمنأى عن المسائلة القانونية إذا ما أتى على ارتكابها ، ومنها التهجم أو التطاول على الرموز الدينية لكل الأديان والطوائف والمذاهب دون أي استثناء، ويستدل على ذلك من إطلاق النص في معالجة الفعل الموصوف بموجبه ، حيث أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد جرم الفعل الذي بموجبه يتم التطاول أو الاعتداء على أي رمز ديني او شخصية دينية لطائفة معينة، وهذا التجريم لا ينته عند الوصف أعلاه بل شمل أوصاف أخرى وردت في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، تحت عنوان الجرائم التي تمس الشعور الديني، ومنها ما ذكر في الفقرات والبنود، التي تضمنتها المادة 372 عقوبات حيث ورد التي
1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات:
ا- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لأحدى الطوائف الدينية او حقر من شعائرها.
ب- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية او على حفل او اجتماع ديني او تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك.
ج- من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لإقامة شعائر طائفة دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية.
د- من طبع او نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية اذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه أو إذا استخف بحكم من أحكامه او شيء من تعاليمه.
هـ- من اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية.
و- من قلد علنا نسكا او حفلا دينيا بقصد السخرية منه
.2- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من تعرض بإحدى طرق العلانية للفظ الجلالة سبا او قذفا بأية صيغة كانت)،
متى يجرم فعل الإساءة وفق القانون
ومن تحليل النص يتبين لنا إن الفعل يتحقق بموجبه الاتهام إلى القائم به حينما يتوفر على العناصر التالية :-
أ- وجود فعل إهانة وهذا الأمر يتعلق بتوجيه أوصاف منافية للأخلاق العامة وإلصاقها بالرمز الديني أو يكون فيها وقع التجريح بمقام ذلك الرمز، ومفردة الإهانة لها مدلول التحقير والتصغير في قواميس اللغة العربية .
ب- أن يكون علناً بمعنى أن لا يكون في موقع التستر دون وضوح وقوع الفعل أمام الناس، وقد حدد قانون العقوبات وسائل العلانية في المادة 19 عقوبات ومنها وسائل الإعلام كافة التي هي مناط هذا المطلب .
ج- أن يتعدى الفعل الى مقام رمز او شخص هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة معينة، بمعنى اذا كان النعت والوصف تعدى إلى مقام شخص لا يتمتع بصفة التمجيد او الاحترام كأن يكون من عامة الناس من أبناء هذه الطائفة أو تلك ، فان الأمر لا يخضع لأحكام هذه المادة بل مواد أخرى عالجها النص في مواضع أخرى .
لذلك فان القانون العراقي لم يقف ساكناً تجاه مثل هذه الحالات بل أوجد لها مركزاً قانونياً ، يكون مرتكب هذا الفعل الجرمي موضع المسائلة القانونية
ثالثا : هل يمكن مقاضاة القائم بفعل الاساءة ؟ ومن يحق له ذلك ؟
في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل قد حدد في نص المادتين 47،48 تلك الجهات ومنها كل من تحقق علمه بوقوع جريمة، لذا فان أي منظمة أو فرد أو جهة حكومية لها الحق بموجب القانون طلب الشكوى ضد من قام بهذا الفعل وتحريكها أمام القضاء العراقي واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يرتكب مثل هذه الأفعال . وقد قدم احد المحامين شكوى جزائية لرئاسة الادعاء العام في محكمة استئناف البصرة الاتحادية ضد شاعر عراقي مقيم في كندا هادي ياسين رداً على
الإساءة الفادحة التي بدرت منه عبر حسابه الشخصي في موقع (فيسبوك) بحق الإمام الحسين (ع)”، مبيناً أن “ما فعله جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي، حيث تنص المادة 372 منه على معاقبة كل من اعتدى بأحد الطرق العلانية على معتقد لا حدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها أو أهان علناً رمزاً أو شخصاً هو موضع تقديس أو تمجيد لدى طائفة دينية بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات .
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز