مابعد تزايد نفوذ الحرس الثوري الإيراني علي حساب حكومة روحاني الدينية في ظل وباء كورونا وأثرها علي تغيير طبيعة النظام في إيران

اعداد :

  • أ. عبدالرحمن عاطف أبوزيد   
  • أ. فيصل عبدالله

 

شهدت الفترة الأخيرة تداعيات للوباء علي مستوي إقليمي ودولي، ولم تسلم منها القوي الإقليمية والدولية، وفي الشرق الأوسط نجد أن إيران هي اللأكثر تضررًا من الأزمة حيث وصل عدد الإصابات نتيجة وباء الكورونا بها حتي يوم 28 إبريل 2020 إلي 92.584 و الوفيات حوالي 5.877 وبمعدل 72.434 حالات تم شفاؤها [1]؛ وفي ظل احتدام الأزمة أخذ الحرس الثوري الإيراني في الصعود، خصوصًا في ظل قيامه بدورإحتواء أزمة الوباء في إيران، وهو الدورالذي عجزت الدولة عن القيام به مما أكسبه شعبية كبيرة علي حساب الحكومة الدينية التي تواجه عدة احتجاجات منذ عدة اشهر ويواجهها نسبة كبيرة من عدم الرضا الشعبي ، فهل يمكن أن يكون لذلك دور في إعادة تشكيل النظام الإيراني في فترة لاحقها، ومنها سياستها الخارجية ودورها الإقليمي.

نستعرض في السطور التالية مؤشرات ازدياد نفوذ الحرس الثوري الإيراني وضعف موقف الحكومة الإيرانية خاصة خلال أزمة الكورونا، ثم نتطرق إلي العوامل التي قد تداخل لتؤثر أو تساهم في تغيير النظام الإيراني، وأخيرُ سنستعرض أهم السيناريوهات المستقبلية بخصوص النظام الإيراني الفترة القادمة.

أولُا- مؤشرات ازدياد نفوذ الحرس الثوري الإيراني وضعف موقف الحكومة الإيرانية خاصة خلال أزمة الوباء:

  • تزايد الإستقلالية الكبيرة التي يتمتع بها الحرس الثوري:

لا يتبع الحرس الثوري الإيراني أى من مؤسسات الدولة، وليس لرئيس الجمهورية أى ولاية عليه، ويتم تعيين قياداته بقرار من المرشد منفردًا، ويعمل الحرس الثورى أيضا على تأكيد سيطرة المرشد على مؤسسات الدولة.

ومنذ تأسيسه في خضم ثورة 1979، نما الحرس الثوري تدريجياً ليصبح دعامة للجمهورية الإسلامية. وهي المدافع المعيّن للثورة الإسلامية ، وحارس المرشد الأعلى ، والآلية الرئيسية للقوة القسرية الإيرانية.؛ ويمتلك الحرس الثوري الذراع التجارية الضخمة التي تشارك في البناء الصناعي والشحن والاتصالات السلكية واللاسلكية والإعلام. وتشرف على العمليات السرية الحساسة لإيران ومعظم عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية الأجنبية ، من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا. وتسيطر على أهم رادع استراتيجي لإيران ، وبرنامجها للصواريخ الباليستية ، وتسهل العلاقات مع أقرب حلفاء إيران وعملائها الإقليميين ، مثل حزب الله اللبناني ، والميليشيات الشيعية في العراق ، ونظام بشار الأسد في سوريا .[2]

وقديمًا قاوم الحرس الثوري الإيراني محاولات إخضاعه للسيطرة السياسية وإدراجه في حظيرة القوات المسلحة النظامية. كان التوتر واضحًا بشكل خاص بين الحرس الثوري الإيراني والرئيس الأول لإيران ، أبو الحسن بني صدر (1980-1981) ، الذي أدى احتكاكه مع شخصيات حكومية مختلفة إلى عزله وإقالته من منصبه في عام 1981. ومع ذلك ، فإن الرئيسين اللاحقين ، محمد علي رجائي ( أغسطس 1981) وعلي خامنئي (1981-1989) ، كانا مواتين للحرس الثوري ، وساعد خامنئي المنظمة بموارد توسعية. على الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني تم نشره في البداية في الحرب الإيرانية العراقية لتعزيز جهود الجيش النظامي ، إلا أنه نما بقوة وهيكل وتعقيد بدعم من المؤسسة السياسية. أصبحت فرقة للعمليات الأجنبية ، تُعرف باسم قوة القدس ، نشطة في الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1982 ، وأذن الخميني بإنشاء بحرية وسلاح جوي في عام 1985 .[3]

  • زيادة أنشطة ونفوذ الحرس الثوري في المجالات المختلفة داخل الدولة:

ومع تكريس وترسيخ وجود الحرس الثورى داخل الدولة، أصبح يمتلك أنشطة فى جميع المجالات، سواء الاقتصادية، أو العسكرية، أو الدبلوماسية أو الاجتماعية، حتى أصبح دولة داخل الدولة يتمتع بقدرات مالية ضخمة. وتمكن الحرس الثورى من تحقيق ثروة اقتصادية هائلة، من السيطرة على الصناعات الثقيلة، كما يخضع القطاع الاقتصادى لسلطة قادة خدموا سابقا فى قوات الحرس الثوري.وكان النشاط الاقتصادى للحرس الثورى فى البداية محدودا فى بعض مشروعات إعادة الإعمار بعد الحرب مع العراق، لكنه أصبح من خلال مؤسسة «المستضعفين» الخيرية، المتحكم الرئيس فى حركة الاقتصاد داخل البلاد.[4]

وفي بداية فترة الرئيس الإيراني حسن روحاني كانت العلاقات بين الحكومة والحرس الثوري متوترة، ولم يتمكن روحاني من اتباع سياسة متسقة من شأنها أن تغير الدور الاقتصادي للحرس الثوري بشكل جذري، وفي أول عامين له سعي إلي احتواء معارضة الحرس الثوري المحتملة للمفاوضات النووية عن طريق التهدئة، وفي نهاية عام 2014، اقترح روحاني زيادة بنسبة 50% في الانفاق الدفاعي علي القوات المسلحة الإيرانية للعام المقبل، وبما ان الحرس الثوري خصص 62% من ميزانية القوات المسلحة، فقد زاد من 115 تريليون ريال(4.2 مليار دولار في ذلك الوقت) إلي 174 تريليون ريال ( 6.5 مليار دولار).[5]

ج- زيادة تأييد الشارع الإيراني للحرس الثوري خاصة خلال أزمة الوباء:

في يناير 2020 طافت شوارع المدن الإيرانية مسيرات شعبية حاشدة تأييدًا للحرس الثوري وتنديدًا بإغتيال قاسم سليماني، وأعلنوا عن تأييدهم لإجراءات الحرس الثوري في الإنتقام لمقتله، وأعلنوا دعمهم للضربة الصاروخية التي وجهها الحرس الثوري للقاعدة الأمريكية.[6] وخلال أزمة الكورونا، ظهر دور الحرس الثوري الكبير والذي أكسبه دعمًا كبيرًا من الشارع، في ظل وجود عدم ثقة تجاه السياسات الحكومية في احتواء الأزمة لدي شريحة كبيرة من الإيرانيين.

وفي مارس 2020، أعلن القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي عن إجراء القوة البرية للحرس الثوري مناورات صحية-علاجية في سبع محافظات، مضيفاً أن هذه المناورات هي “عمليات حقيقية تجند خلالها القوة البرية للحرس الثوري جميع إمكانياتها الصحية والعلاجية بما في ذلك مستشفياتها الميدانية وفرق مكافحة التلوث”. وعلى هامش اجتماع قيادة قاعدة الدفاع البيولوجي لمكافحة كورونا السبت، أضاف اللواء سلامي، “عقب انتشار هذا الوباء، وسع الحرس الثوري نطاق خدماته في مجال الصحة والعلاج ليعمل كمكمل للشبكة العلاجية في البلاد”.وأعلن عن زيادة عدد الأسرة في المستشفيات المخصصة للمصابين بكورونا التابعة للحرس الثوري.[7]

د- إتهام الحكومة الإيرانية لواشنطن بالإرهاب الاقتصادي في ظل الأزمة:

في ضوء تفاقم الوضع الاقتصادي الحالي في طهران، أطلق النظام الإيراني حملة دولية واسعة للضغط علي الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة علي ايران، وتدعي الحكومة الإيرانية أن عقوبات الأمريكية تعرقل وصول الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة الوباء، وأصرت الحكومة الأمريكية أنها لا تنوي تخفيض العقوبات أو تخفيف استراتيجيتها في وضع أقصى ضغط على النظام الإيراني، حتى أن الولايات المتحدة أعلنت عن مجموعة جديدة من العقوبات ضد الشركات والأفراد الإيرانيين، وكانت حجة الإدراة الأمريكية أن العقوبات الاقتصادية لا تستهدف القطاع الصحي في إيران، لكن العقوبات تستهدف منع الأموال عن النظام الإيراني.[8]

وفي وقت لاحق من إبريل 2020 طالبت السلطات الإيرانية صندوق النقد الدولي لأول مرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من التسهيلات السريعة للطوارئ التي وضعت لمساعدة الدول في التعامل مع أزمة الوباء، لكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت تمرير قرار صندوق النقد الدولي لإقراض إيران.[9] مماسيزيد العبئ الإقتصادي علي إيران في ظل العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها وفي ظل أزمة وباء كورونا الذي أثر بشدة علي الوضع الإقتصادي لإيران، ومن ثم تزايد السخط الشعبي.

ه- زيادة موقف الحرس الثوري المتشدد من الغرب:

في الفترة الأخيرة تصاعد حدة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران خاصة من جانب الحرس الثوري، وقد ظهر ذلك في مواقفه المختلفة خاصة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 2018.

هدد الحرس بعرقلة حركة النفط إذا أضطر إلي ذلك، لكن قادته شككوا في احتمال شن الولايات المتحدة لهجوم لما سيتبعه من بدء صراع إقليمي أوسع نطاقًا، كما شكك قادة كبار الحرس من أن تحدث أنفراجة مع الغرب بعد توقيع الرئيس حسن روحاني للاتفاق النووي عام 2015 والذي فرض قيودًا علي برنامج إيران النووي في مقابل رفع بعض العقوبات عنها؛ عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018، وقال قادة الحرس الثوري أن الغرب وخصوصًا الولايات المتحدة لايمكن الوثوق بهم.[10]

وتزايدت حدة التصعيد بين واشنطن وطهران بعد إعلان الحرس الثوري نجاحة في إطلاق أول قمر صناعي عسكري  محلي الصنع “نور1″، وذلك بعد فشل إيران في محاولة إطلاق قمرًا صناعيًا في فبراير 2020. [11]

أعلن بعدها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعاقب إيران على إطلاق صاروخ يحمل قمرًا صناعيًا عسكريًا إلى الفضاء معتبرًا ذلك  خرقًا لقرارات مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة؛ حيث اتهم إيران بتطوير التكنولوجيا الصاروخية المستخدمة في وضع الأقمار الصناعية في المدار الخارجي والتي يمكن أن تُستخدم أيضًا في إطلاق رؤوس حربية نووية أي بما يخدم البرنامج النووي الإيراني.[12] وأعقب ذلك في إبريل 2020، إعلان البحرية في الحرس الثوري الإيراني بيان نشر على موقع أخبار الحرس الثوري سيبه نيوز إن إيران سترد ردا حاسما على أي خطأ ترتكبه الولايات المتحدة في الخليج. وقال الجيش الأمريكي يوم الأربعاء إن 11 سفينة تابعة للبحرية الثورية اقتربت بشكل خطير من سفن البحرية الأمريكية وخفر السواحل في الخليج، واصفا التحركات بأنها “خطيرة واستفزازية”[13]

ثانيًا- العوامل التي يمكن أن تتداخل وتساهم في حدوث تغيير في طبيعة النظام الإيراني:

  • طبيعة ازدواجية السلطة في إيران:

إن هياكل السلطة في الجمهورية الإسلامية هي المفتاح لفهم استقرار نظام رجال الدين وكذلك التوترات المستمرة السائدة فيه. يتميز النظام السياسي في إيران بعدد كبير من مراكز القوى المترابطة بشكل عام والمنافسة بشدة ، سواء الرسمية أو غير الرسمية. فالأول يستند إلى الدستور واللوائح الحكومية ويتخذ شكل مؤسسات ومكاتب الدولة. وتشمل الأخيرة الجمعيات الدينية السياسية والمؤسسات الثورية والمنظمات شبه العسكرية المتحالفة مع الفصائل المختلفة للقيادة الدينية الإيرانية.

الرئيس ، بصفته الرئيس التنفيذي ، هو المسؤول عن الإدارة اليومية للبلاد. ومع ذلك ، فهو لا يحدد المبادئ التوجيهية العامة للسياسة الإيرانية الداخلية والخارجية ، كما أنه لا يقود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. هذه السلطة ، المنصوص عليها في الدستور ، تقع في يد “المرشد الأعلى” – أقوى مركز قوة في الجمهورية الإسلامية. على الرغم من أن القائد الأعلى نادراً ما يتدخل في مخاوف السلطة التنفيذية للدولة ، إلا أنه يراقب سياساتها من خلال نظام “مفوضين رجال الدين” المتشابكين بشكل وثيق على مستوى الدولة الذين يعملون بمثابة الذراع الطويلة للزعيم الأعلى. ومع ذلك ، بدون التعاون بين الرئيس والقائد الأعلى ، لا يمكن الحفاظ على استقرار الجمهورية الإسلامية. لهذا السبب ، تعاون شاغلو المنصب حتى الآن بشكل محتمل ، على الرغم من الاختلافات الشخصية والتنافسات.[14]

ولا تقتصر ازدواجية السلطة هذه على الرئيس والقائد الأعلى ؛ يمر مثل خيط تقريبا في جميع المجالات السياسية لجمهورية إيران الإسلامية. وهو واضح بشكل خاص، على سبيل المثال، في الفرع التشريعي (البرلمان مقابل مجلس الأوصياء) والقوات المسلحة (الجيش النظامي مقابل الحرس الثوري). إن ازدواجية السلطة هذه ليست مسؤولة فقط عن أوجه القصور الهائلة وعدم الاتساق في السياسات الخارجية والدفاعية للبلاد ، ولكن أيضًا عن الشلل الذي يؤثر على النظام السياسي في إيران ، مما يخلق “مناطق رمادية” تزدهر فيها العديد من الجماعات “شبه المعارضة” الدينية الدعوة للإصلاح السلمي وتحرير النظام الإسلامي (ضمن الحدود التي حددها الدستور). تحتفظ هذه الجماعات بدرجة من التأثير على التطورات السياسية والدينية ، وفي حالة حدوث مواجهة بين المعسكرات الرئيسية المتعارضة للقيادة السياسية في إيران ، يمكنها أن تميل الموازين لصالح الإصلاحيين.[15]

  • عدم الإستقرار السياسي وتفجير بعض الاحتجاجات الإجتماعية علي فترات متباعدة ضد الحكومة الإيرانية:

يمكن اعتبار أن الحركتين الاحتجاجيتين في 2009 و2017 هما أضخم انفجارين اجتماعيين واجها نظام ولاية الفقيه في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالرغم من الاختلافات البنيوية الغائرة بين المكونات الإثنولوجية والجيوبولوتيكية في الحركتين، وما أسفر عنهما من نتائج مباشرة؛ فإنهما كذلك يلتقيان في عدد من المرتكزات الرئيسة والأساسية، منها: ازدياد النقمة الاجتماعية على النظام، واتساع رقعة الرفض المجتعمي لآليات عمل المؤسسات الدستورية والقانونية والأمنية في البلاد، إلى جانب الربط المجتمعي المستحدث بين الأزمات الاقتصادية والتنموية الداخلية كعَرَضْ، والسياسات الخارجية للبلاد كمرض يتسبب في العرض الظاهر بالمجتمع من الداخل.[16]

وفي 16 نوفمبر 2019، شهدت طهران ومدن إيرانية احتجاجات عقب فرض زيادة بنسبة 50% في أسعار البنزين، وشملت الإحتجاجات التظاهر وغلق الشوارع ب السيارات ومهاجمة البنوك ومنشآت حكومية. والحالة الإحتجاجية في إيران خاصة منذ 2009 وتظاهرات الحركة الخضراء قد أصبحت عاملًا مهمًا من عوامل عدم الاستقرار السياسي.[17]

ج – تراجع دور الحكومة لصالح الحرس الثوري منذ اندلاع وباء الكورونا:

بعد أشهر من إنكار إيران تفشي فيروس كورونا على أراضيها، كانت أول مبادرة رئيسية قامت بها لاحتواء الفيروس هي إنشاء “مقر وطني” لمكافحة هذا الوباء تحت توجيه الرئيس حسن روحاني، ومع ذلك، فإن عدم كفاءة الحكومة، والفجوة بين الرئيس ومنافسيه، والانتشار السريع لـلفيروس في جميع أنحاء البلاد سرعان ما أقنعت المرشد الأعلى علي خامنئي بإشراك القوات المسلحة بما فيها الحرس الثوري في المبادرة. وبدلا من وضع القوات تحت سيطرة روحاني، أمر خامنئي بإقامة “مقر الإمام الرضا الصحي والعلاجي” في 12 مارس برئاسة رئيس “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” اللواء محمد باقري. وقد طُلب من اللواء التعامل مع الوضع على أساس أنه مناورة دفاعية ضد هجوم بيولوجي، بما يتماشى مع ادعاء خامنئي بأن الوباء جزء من حملة حرب بيولوجية أميركية ضد النظام.[18]

ومن خلال وضع “مقر” العلاج الجديد تحت سلطة “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” ـ أعلى هيئة عسكرية في إيران ـ كلّف خامنئي بشكل أساسي جميع القوات المسلحة في البلاد بمكافحة الفيروس. وفي الوقت نفسه، فإن إنشاء مقرات الدفاع البيولوجي والانتشار الواسع لـ “وحدات حرس المحافظات” التابعة لـ “الحرس الثوري” يُعدان إشارتان مقلقتان أخريان إلى عدم أهمية حكومة روحاني وازدياد وتيرة تسييس القضايا الأمنية في الجمهورية الإسلامية وتبرير اللجوء إلى تدابير استثنائية لمعالجته. إنّ النفوذ والتغلغل الاجتماعي اللذين يستطيع “الحرس الثوري” تحقيقهما من خلال هذه القيادات المحلية في المحافظات سيعززان ثقله في الصراع النهائي لتحديد خلَف خامنئي [19].

علي الرغم من قول قوات الأمن والحرس الثوري إن مشاركتها تأتي في إطار استنفاذ كافة الطاقات والإمكانيات لمكافحة انتشار فيروس كورونا، اعتبر الناشطون أن هذا الانتشار يأتي تحسبًا لاندلاع احتجاجات ضد النظام بسبب سوء إدارته للأزمة والتعامل الأمني مع تفشي المرض خاصة بعد تجمعات في مختلف المناطق ضد تقصير الحكومة في إحتواء الكارثة خلال الأيام الماضية. ويمكن النظر لذلك علي أنها محاولة من الحرس الثوري لتصوير حكومة روحاني علي أنها غير كفؤة حيث تصرف الأول بالمثل خلال الفيضانات التي اجتاحت إيران في إبريل 2019.[20]

و بدأ الوباء فعلاً في تغيير طبيعة النظام السياسي في إيران. ومن المرجح أن تشكّل مقاومة رجال الدين الواضحة لمهام الدولة في مكافحة الفيروس نهاية ثقة الشعب برجال الدين إلى الأبد والشك في قدرتهم على العمل كرجال سلطة عقلانيين في المجال السياسي أو الاجتماعي. إن الهوة الآخذة في الاتساع بين السلطات الشيعية من جهة، والطبقة الوسطى العصرية والشباب المثقف في إيران من جهة أخرى، ستجعل الجهات الفاعلة في السلطة أقل اهتماماً بالسعي للحصول على دعم أيديولوجي أو سياسي من رجال الدين في مرحلة ما بعد خامنئي. وبما أن دور رجال الدين آخذ في التضاؤل، فإن المجتمع المدني ليس في وضع يسمح له بالتقدم إلى الأمام. ونتيجةً لذلك، قد تكون إيران في خضم تغيير تطوّري.[21]

فالنموذج القديم قد شكّل نظاماً ثورياً إسلامياً تم إدراجه بموجب مبدأ “ولاية الفقيه”، ولكنّ ذلك يمكن أن يفسح المجال أمام قيام نظام أمني وعسكري خاضع إلى حد كبير لسيطرة تحالف من الفصائل الرئيسية في «الحرس الثوري» من جهة وحلفاء الحرس المحددين حديثاً والمستفيدين منه وعملائه من جهة أخرى. وستأخذ هذه العملية قفزة كبيرة إلى الأمام إذا أصبح الانتقال على مستوى المرشد الأعلى ضرورياً على المدى القريب. فخامنئي هو في الثمانين من عمره، لذلك فإن احتمال وفاته أو عجزه عن تأدية مهام منصبه كبير. وحتى لو بقي في السلطة لبعض الوقت، فقد يجد نفسه مهمشاً في البيئة الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن يكون أي انتقال إلى زعيم جديد أو نظام قيادة جديد سريعاً وتوافقياً على غرار ذلك الذي أعقب وفاة الخميني في عام 1989.[22]

د- التغيير في بنية وأفكار أعضاء الحرس الثوري بمرور الوقت:

من المرجح انه مع مرور الوقت، سينتهي عهد ”الحرس القديم“ الذي ساعد العشرات من عناصره علي إنجاح الثورة الإسلامية والذين شغلوا مناصب ذات سلطة ونفوذ في الجمهورية الإسلامية منذ ذلك الحين. ومع الوقت يمكن أن يحل جيل جديد من القادة محل الذين بلغ الكثيرون منهم سن الرشد خلال الحرب الإيرانية. وسيحملون معهم إلى مناصبهم نظرة مختلفة تجاه الجمهورية الإسلامية وتجارب حياتية مختلفة. ويرتبط بعض أفراد هذا الجيل الجديد ببروز الحرس الثوري ويتحدون بالفعل ”الحرس القديم“ ولا سيما الأعضاء من رجال الدين. ويمكن النظر إلى استخدام أحمدي نجاد للصور المجازية المتعلقة بالمهدي في خطابه وإدانته للفساد المزعوم في صفوف رجال الدين الرئيسيين وإثرائهم في هذا الضوء. وسيظهر أيضا جيل جديد من اليساريين الإسلاميين فضلًا عن كادر أصغر سنا من رجال الدين الذين ستختلف اتجاهاتهم السياسية وعقائدهم مع النظام عن تلك الخاصة بالجيل الأكبر سنًا من قادة المعارضة. وستحدد على الأرجح وجهات النظر السياسية لجيل القادة الجديد دور المرشد الأعلي من منظور يختلف عن منظور الذين سبقوهم.[23]

ثالثًا- السيناريوهات المتوقعة:

  • إحكام سيطرة النظام على توجهات الرأي العام:

استنادًا لشرعية النظام الإيراني القائمة على العداء للغرب وخاصًة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدراة الرئيس ترامب. يبدو أن الجانب الإيراني يحاولان استغلال التصعيد في الوقت الذي يعاني فيه النظام السياسي من ضغوطات داخلية؛ حيث يتم انتقاد الحكومة الإيرانية بسوء إدارة أزمة الوباء المتفشي والذي أهلك النظام الصحي للبلاد، فإيران لديها أكبرعدد من الوفيات في الشرق الأوسط، ولذلك فالنظام الإيراني يحاول جذب الرأي العام فيما يتعلق بقدرته على تحقيق إنجازات تكنولوجية كإطلاق أول قمر صناعي عسكري بالجهود الإيرانية دون الإعتماد على الدول الأخرى ليدلل على قدرته في حماية الأمن القومي في ظل أسوأ الظروف، وتسليط الضوء على محاولات واشنطن لكبح جهود النظام الإيراني سواءً على صعيد مواجهة الوباء داخليًا من خلال رفض رفع العقوبات الاقتصادية ومنع تمرير طلب طهران قرض صندوق النقد الدولي، أو من خلال التركيز على تعنت واشنطن في المواجهة العسكرية المباشرة للحرس الثوري في الخليج.

ويتلاعب النظام الإيراني بالرأي العام الداخلي من خلال وسائل الإعلام لضمان بقائه بعد مرور الأزمة، وليضمن عدم تكرار سيناريو إحتجاجات 2019. فقد أصبحت توجهات الدعاية الإعلامية التي تسيطر عليها الدولة بالكامل تثني على الدور الجوهري الذي يلعبه الحرس الثوري في مواجهة الحرب البيولوجية الأمريكية التي تروج لها وسائل الإعلام.

  • تمكين النظام الإيراني من خلال تقوية نظام الرقابة على المعارضة:

لم يدع النظام الإيراني مجالاً كبيرًا للكيانات غير الحكومية للمشاركة في احتواء الوباء، حيث نتج عن  التدابير التي تتخذها إيران في مكافحة انتشار وباء كورونا في إضعاف دور المجتمع المدني، وأدى إلى إضمحلال دور المقاومة السياسية والشعبية ضد النظام الذي كان يتخوف من اندلاع المزيد من الاحتجاجات نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، ولذلك لم يبقى أمام المعارضة السياسية ومراكز النفوذ المتنافسة سوى القليل من الوسائل لتبرير خلق بديل آخر للقيادة، ولأن الوباء أيضًا قد ساعد النظام في تطبيع نمط الاستبداد الإلكتروني الذي يمارسه؛ حيث يمكن للنظام حاليًا أن يحكم السيطرة على شبكة الإنترنت ومراقبة النشاط السيبراني، وفرض المزيد من الرقابة على المعارضة بزعم استخدام الرقابة كأداة لتتبع إنتشار المرض وحماية الصحة العامة، ففي السنوات الأخيرة كان تطوير قدرات جديدة للرقابة الإلكترونية أحد أبرز الأهداف والأولويات التي تسعى إليها الحكومة الإيرانية، وخلقت الأزمة الراهنة فرصة جلية للنظام السياسي في بسط نفوذه على المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي، ولذلك يتوقع أن تؤدي تدابير الطوارئ التي تتخذها الدولة حاليًا إلى توسيع وتمكين أنشطة الرقابة على الفضاء السيبراني في أعقاب الأزمة.

ج- تزايد نفوذ الحرس الثوري على حساب المؤسسات المدنية:

تزايدت هيمنة الحرس الثوري الإيراني بإحكامه السيطرة على النظام الصحي في أعقاب انتشار فيروس كورونا وتكليفه بإنفاذ تدابير مكافحة انتشار الوباء، والذي بدوره أدى إلى تفاقم الصراع بين الحرس الثوري ووزارة الصحة المدنية حول إجراءات التعامل مع الأزمة. ولذلك يتوقع أن يتزايد تدخله في سياسات الحكومة بعد مرورالوباء خاصًة الآن بعد أن أصبح مجلس الشورى الإسلامي القادم تحت سيطرته.

ه- سياسة خارجية أكثر عدائية تجاه الغرب بتأثير من الحرس الثوري:

في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيراني الذي تضرر بشدة بفعل العقوبات الأمريكية الناجمة عن جائحة كورونا، ورفض الولايات المتحدة رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران والتي ينظر من خلالها ممارسة واشنطن الإرهاب الاقتصادي على إيران بسبب منع العقوبات وصول الإمدادات الطبية اللازمة لمواجهة الأزمة، وقيام الولايات المتحدة بمنع تمرير قرض صندوق النقد الدولي، وأيضًا بتعرض العديد من المؤسسات المالية للحرس الثوري الذي يعتمد دخله الرئيسي على تهريب النفط، والذي تأثر بفعل الإنخفاض العالمي للأسعار، وما يتبع ذلك من أعباء اقتصادية يتحملها الحرس الثوري في ظل الأزمة الصحية الراهنة في البلاد بما في ذلك بناء المستشفيات وإنفاذ قوانين الحجر الصحي. ستؤدي كل هذه العوامل إلى سياسة أكثر عدائية للحرس الثوري تجاه الولايات المتحدة، وسيحمل الحرس الثوري واشنطن تكلفة الأزمة الراهنة على الاقتصاد الإيراني التي يتحملها الحرس الثوري بالفعل لعدم قدرة الدولة على تحمل أعباءها، مما سيؤدي إلى تزايد حدة التصعيد بين الجانبين في المرحلة القادمة. فمن المتوقع أن يواصل الحرس الثوري التخطيط لهجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة، سواء من خلال مناورات مباشر خاصًة في الخليج العربي أو من خلال وكلائه في الدول التي يحكم سيطرته عليها.

المراجع:

[1] World Meters, Iran. ( last access: 28 April, 2020)

Available at: https://www.worldometers.info/coronavirus/country/iran/

[2] Afshon Ostovar, “6 things you need to know about Iran’s powerful Islamic Revolutionary Guards Corps”, Vox, May 16, 2016.

Available at: https://www.vox.com/2016/5/16/11682458/iran-revolutionary-guards

[3] Britannica, Islamic Revolutionary Guard.

Available at: https://www.britannica.com/topic/Islamic-Revolutionary-Guard-Corps

[4] هناء قنديل، ” الحرس الثوري الإيراني: 40 عامًا من الإرهاب.. ميليشيات مسلحة أسسها الخميني بعيدًا عن الجيش الرسمي للدولة.. نفذ عمليات إرهابية وأغتيالات بزعم حماية الجمهورية الإسلامية”، البوابة نيوز، 9 إبريل 2019.

متاح علي الرابط التالي: https://www.albawabhnews.com/3555235

[5] Hesam Forozan and Afshin Shahi, “The Military and the State in Iran: The Economic Rise of the Revolutionary Guards”, The Middle East Journal, February 2017, p:83.

[6] قناة المنار، مسيرات حاشدة في المدن الإيرانية دعمًا للحرس الثوري”، 17 يناير 2020.

متاح علي الرابط التالي: http://almanar.com.lb/6192628

[7] قناة المنار، “الحرس الثوري الإيراني يجري مناورات صحية-علاجية في سبع محافظات”، 21 مارس 2020.

متاح علي الرابط التالي: http://almanar.com.lb/6422352

[8]   https://www.inss.org.il/publication/coronavirus-and-iran-economy/

[9] https://www.bloomberg.com/news/articles/2020-04-08/trump-administration-will-block-iran-s-5-billion-imf-loan-bid

[10] رويترز، “حقائق: الحرس الثوري الإيراني: حماة النظام الديني الحاكم”، 22 سبتمبر 2018.

متاح علي الرابط التالي: https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN1M20UE

[11] https://ara.reuters.com/article/arabicWorldService/idARAL5N2CA1Q7

[12] https://arabic.sputniknews.com/world/202004221045246693-بومبيو-يتوعد-سنحاسب-إيران-على-إطلاق-قمر-صناعي-عسكري/

[13]  Reuters, “Iran’s Revolutionary Guards say have increased Gulf Patrols”, April 19, 2020.

Available at:

https://www.reuters.com/article/us-iran-usa-gulf/iran-will-give-a-decisive-response-to-any-mistake-by-the-u-s-in-the-gulf-revolutionary-guards-navy-idUSKBN2210FB

[14] Wilfried Buchta, “Who Rules Iran: The structure of power in the Islamic Republic”, The Washington Institute, January 200.

Available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/who-rules-iran-the-structure-of-power-in-the-islamic-republic

[15] Ibid.

[16] محمد محسن ابو النور، إيران بين حركتين احتجاجيتين (2009) و (2017)”، مركز المسبار، 2 يوليو 2019.

متاح علي الرابط التالي:

https://www.almesbar.net/إيران-بين-حركتين-احتجاجيتين-2009-و2017/

[17] هيبة غربي, ” أسباب المظاهرات في إيران وأهم السيناريوهات المتوقعة”، مجلة مدارات إيرانية، العدد 7 مارس 2020، ص:42.

[18]  سعيد جولكار، ” الحرس الثوري يهمش الحكومة في مكافحة فيروس كورونا”، الحرة، 9 ابريل 2020.

متاح علي الرابط التالي:

https://www.alhurra.com/different-angle/the-irgc-is-marginalizing-the-government

[19] Ibid.

[20]  صالح حميد، ” الحرس الثوري علي خط كورونا في إيران.. بحرب كيماوية”، العربية.نت، 2 مارس 2020.

متاح علي الرابط التالي:

https://www.alarabiya.net/ar/iran/2020/03/02/رسميا-الحرس-الثوري-يتبنى-قمع-كورونا-في-ايران

[21] Mehdi Khalaji, “Pandemic Could Change Iran’s Model of Supreme Leadership Forever”, The Washington Institute, April 17, 2020.

Available at: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/coronavirus-could-change-irans-model-of-supreme-leadership-forever

[22] Ibid.

[23] Nader, Alireza. “The next supreme leader: succession in the Islamic Republic of Iran”, NATIONAL DEFENSE RESEARCH INSTITUTE, Rand institute, 2011. P: 81:82.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=66049

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M