إن للفساد سلوكا ومفاهيم محددة ينتهجها الفاسدون لتنفيذ مخططاتهم بهدف الاستيلاء على أكبر قدر من الأموال بزمن قياسي يتزامن مع حملات لتضليل المجتمع بأزمات مفتعلة حالما ينتهي منها المجتمع يصحو على مسؤول رفيع المستوى انتهى للتو من تحويل حصته من صفقات الفساد الى البلد الذي يستخدمه كملاذ آمن لأمواله، متفرغا لوسائل الاعلام لنبذ الفساد وادانته لأنه أنهك الدولة ودمر المجتمع وسيقتل الأجيال القادمة.
في العراق عودتنا الحكومات المتعاقبة على ادانتها للفساد وتشكيل لجان ومجالس لمحاربته، هذا ما يعرفه المجتمع عنها من خلال وسائل الاعلام، لكن المختصين يرون ويلمسون ان هذه اللجان شكلت لغرض إخفاء الملفات وطمس القضايا والغائها او إعاقة اتمامها من قبل الجهات المختصة، ودائما ما نادت كل الحكومات المتعاقبة بحملتها على المنافذ الحدودية لزيادة الإيرادات، الا ان الحكومة الحالية انفردت بعمل جديد وهو توجيه الأجهزة الأمنية بإدارة المنافذ الحدودية.
كان الاجدر بالحكومة العراقية القيام بعمليات امنية عسكرية لغلق المنافذ الحدودية غير الرسمية متخذة اقصى العقوبات بحق المتورطين ليكونوا درسا لكل من تسول له نفسه انتهاك حرمة البلد بالتزامن مع وضع اليات عمل للمنافذ الحدودية وفق منهج الحكم الرشيد.
لاسيما وان العراق كانت له تجربة سابقة لأدارة المنافذ الحدودية بإجراءات حوكمة وفق نظام الكتروني موحد عملت عليها منظمات دولية ومنحتها للعراق وفق برامج تحكم السيطرة وتحقق الشفافية وتمنع الفساد، وهذا ما قدمته وكالة التنمية الامريكية الى العراق من مشاريع مثل “تقدم– ترابط– إصرار– وفي عام 2018 تكامل” لكن لكل مشروع منها هفواته التي تعدمه دون أثر يترك على ارض الواقع، لذا يجب إعادة تفعيلها وإزالة ما يعيق تنفيذها.
مثلا في عام 2016 فعل في العراق مشروع ترابط حيث انه نظام صُمم بالشراكة بين وزارة التخطيط ومشروع الإصلاح العراقي ترابط التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واعتمد رسمياً من وزارة التخطيط، خصوصا وان نظام إدارة التنمية العراقية يعد أداةً فائقة التطور تعتمد آليات محاسبية الكترونية تمكن الحكومة العراقية من ادارة مواردها المالية والبشرية تضمن الفاعلية والكفاءة في تخطيط وتنفيذ المشاريع الخدمية بشكل يحقق عدالة توزيع الموارد على مستوى المركز والمحافظات كافة، وهذا النظام يعتمد على ترجمة اهداف خطة التنمية الوطنية في التخطيط السليم والادارة الرصينة لأكثر من 4 الاف مشروع حكومي بكلفة تتجاوز 400 مليار دولار امريكي تنفذها الوزارات والمحافظات كافة.
اضافة الى انه سيكون وسيلة لمراقبة الانحراف لكل مشروع بشكل متزامن مما يمكن صانعي القرار من معالجة الخلل للحيلولة دون تدهور حالة المشروع بدون رقابة، حيث سيؤدي الى حفظ الاموال العامة للدولة والتقليل من الهدر الذي يستنزف الاقتصاد العراقي بشكل كبير ويؤثر على عملية التنمية في البلد، لأنه بوجود هذا النظام سيكون من الصعب حدوث اي تلاعب في الاموال العامة خصوصاً وانه يتيح امكانية تقفي المشاريع والعودة الى فترات زمنية سابقة من عمر اي مشروع مقدماً بذلك معلومات فورية للمدققين والمحللين.
علما ان النظام يوفر درجة عالية من الدقة محميا بأحدث تكنولوجيا التشفير ليبسط عمل الجهات الرقابية التي تتابع وتتقصى باستمرار عن المشاريع التي يتم تنفيذها في العراق. ومن ثم الحد من عمليات الفساد ماليا واداريا في العراق.
واحد هذه البرامج كان مع وزارة التجارة العراقية كان قد سيطر بشكل تام على عمليات تهريب الأموال وتمويل الإرهاب بشكل كبير خلال فترة زمنية قصيرة، يتلخص هذا البرنامج انه فتح نظام النافذة الواحدة لدى دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة والنافذة الواحدة أيضا في الشركة العامة للخدمات والمعارض التجارية الكائنة في معرض بغداد الدولي، حيث ان التاجر الذي يريد استيراد بضاعة من أي منشأ كان وهو يمتلك شركة مسجلة قانونيا وهوية استيراد نافذة ما عليه سوى مراجعة النافذة الواحدة وتقديم عقد الشراء مع الشركة الأجنبية وفاتورة الشراء ، ويكون قد عزز رصيد شركته بمبلغ يغطي قيمة البضاعة والرسوم والكمارك.
لتتخذ الإجراءات الالكترونية عبر النافذة الواحدة بإصدار إجازة استيراد ، والانتقال الى منظومة الكترونية تزود جميع الجهات ذات العلاقة ببيانات التاجر والموافقات الأصولية ومثال ذلك: اشعار الى البنك المركزي لغرض بيع الدولار بالسعر الرسمي الى التاجر بواسطة المصرف الذي فيه حساب الشركة وهذا يحقق أرباح للتاجر بقيمة فرق السعر بدلا من شراء الدولار من السوق السوداء، اشعار الشركات الفاحصة المعتمدة لغرض فحص البضاعة ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية العراقية المعتمدة، واشعار وزارة الخارجية الملحقية التجارية ببلد المنشأ لغرض اصدار شهادة المنشأ وتصديقها، اشعار الهيئة العامة للكمارك والهيئة العامة للضرائب لغرض حساب واستيفاء الرسوم والضرائب بشكل مباشر من الحساب المصرفي للشركة ، اشعار المنافذ الحدودية لان ذلك يبسط إجراءات التفتيش ويكونوا على علم تام بمحتويات الشحنات وكمياتها وفق نظام الكتروني بسيط ويميز لهم الشحنات غير المرخصة.
الا ان هذه النافذة الواحدة غلقت عشرات أبواب الفساد التي تعتاش عليها مجاميع الجريمة المنظمة، ومثال ذلك في وزارة التجارة حيث انها تحد من عمليات ابتزاز التجار لمنحهم اجازات الاستيراد ، وفي البنك المركزي لأنها تحد من عمليات غسيل الأموال وتهريب العملة بفواتير وهمية، كما تحد وبشكل تام من عمليات الفساد في الكمارك لأنه لا يوجد أي احتكاك بين التاجر والموظف او المخلص الكمركي والمعاملة تنجز بشكل الكتروني غير قابل للتلاعب والأموال تحول الى الجهة الحكومية بشكل مباشر، وأيضا تقضي على تلاعب المصارف الاهلية بأسعار الدولار عندما تبيعه الى التاجر، وبهذه المنظومة قيدت اذرع اخطبوط الفساد بترابط وتحققت غايات الحكم الرشيد بأصرار، لكنها توقفت بعد فترة قصيرة ليعلن مسؤول عراقي انها توقفت بسبب “خلل فني”، وبعد تقصي الحقائق منه عن “الخلل الفني” قال وهو يبتسم هناك إرادة سياسية امرتنا بإيقافها.
لينتهي المطاف ببلد غني مثل العراق بأن لا يمتلك رواتب موظفيه ومسؤول “الخلل الفني” هارب من وجه العدالة بسبب ملفات فساد أثيرت ضده.
رابط المصدر: