الغزو السياسي الغربي_ الحلقة الثانية_

عمادالصرايفي

الفكر السياسي في العصور القديمة تبداء هذه الحقبة ببدء العصور التاريخية وتنتهي بتاريخ سقوط روما عاصمة الامبراطورية الرومانية الغربية على يد القبائل الجرمانية المتبربرة سنة ٤٧٦م كما يتفق اغلب المؤرخين ، وعادة تقسم دراسة الفكر السياسي الى ثلاثة أقسام رئيسية متتابعة وهي:- ١-الفكر السياسي في بلاد الشرق القديم وتبرز فيه الفلسفة السياسية المحدودة التي أمكن معرفتها في الإمبراطوريات الشرقية القديمة وهي مصر ، وادي الرافدين ، الهند ، الصين …وعلى الرغم من التواضع النسبي لهذه الفلسفة الا انها تعتبر الشعلة التي انطلق منها الضوء الى الفلسفة السياسية اليونانية. ٢-الفلسفة السياسية في اليونان القديمة وهي الفلسفة السياسية الأصيلة التي تعتبر حتى الان من ارقى وأعمق الفلسفات السياسية كما يعبر الاصطلاحين وتعد هذه الفلسفة جزءاً قيما في التراث الفكري السياسي وذلك نتيجة لما قدمته من مساهمه فكرية بالغة الأهمية وايضاً نتيجة لتأثيرها الواضح في كل الفلسفات التي أعقبتها تقريبا ،وقد تبلورت الفلسفة السياسية في اليونان القديمة خاصة خلال مايسمى ب العصر الذهبي لأثينا ذلك العصر الذي يعتبر أيضاً العصر الذهبي للفلسفة السياسية بصفة عامة ، وقد امتدت هذه الفترة منذ القرن الخامس ق .م وحتى القرن الثاني ق.م تقريبا رغم ان عصر اثينا لم يدم الا اقل من قرن واحد،لكن الفلسفة السياسية ارتقت وبلغت ذلك الشأن العظيم حيث يرجع الفضل في ذلك الى أفلاطون وأرسطو ابرز فيلسوفين سياسيين . ٣-الفلسفة السياسية الرومانية وهي الفلسفة التي نشأت عقب الفلسفة اليونانية وقامت على مبادئ الاخيرة فكانت بذلك فلسفة سياسية مقلدة يندر فيها الإبداع ويكاد ينعدم التجديد وتبدأ هذه الفترة بظهور كتابات بولبيوس في القرن الثاني الميلادي وتنتهي ببداية العصور الوسطى. ومن العصور القديمة نسلط الضوء على اهم الأفكار السياسية لافلاطون :-الذي ينحدر من أسرة أرستقراطية أثينية تعلم على يد السوفسطائيون وسقراط ، أسس مدرسة (الأكاديمية) اول جامعة باليونان حيث اعتمد في أسلوبه على المثالية ، بعد تأليفه كتاب الجمهورية سافر الى سيراكيوز وحاول إقناع حاكمها بتبني فكرة الدولة المثالية ثم عاد الى اثينا واستمر يدرس باكاديميته حتى وفاته ، كتب ٢٨مولفا معظمها في السياسة والفلسفة وأشهر مولفاتة هي كتب(الجمهورية،السياسي،القوانين). تحدث أفلاطون عن السياسة وأورد في كتابه الجمهورية ما يعتقد انه النظام السياسي الأمثل للدولة المثالية وفي رأي أفلاطون الدولة تقوم على أساس ان الفضيلة هي المعرفة او المعرفة هي الفضيلة ف الانسان لابد ان يبحث عن الكمال والفضيلة ولكي يحقق ذلك في حياته لابد ان يحكم المعرفة في كل أموره ، يرى أفلاطون ان الدولة تنشأ بسبب سد الحاجات حيث ان أصل نشؤها هو احتياج الانسان لما يقوم به اخرون من اعمال ، وسد الحاجات يتم بشكل كامل ومثالي اذا تم التخصص وتوزيع الاعمال على أفضل من يقوم بها(وضع الرجل المناسب في المكان المناسب) اي ان وظيفة الدولة هي من تسد الحاجات عن طريق تقسيم العمل والتخصص ،ويرى أفلاطون ان الدولة تحتاج الى ثلاثة اعمال ضرورية رئيسية هي :- ١-سد الحاجات من السلع والخدمات (الاحتياجات الاستهلاكية). ٢-حماية الدولة داخليا وخارجيا. ٣-حكم وإدارة الدولة. وبناءا على ذلك يحتاج المجتمع الى متخصصين يقومون بسد هذه الاحتياجات مما يستلزم تقسيم أفراد المجتمع الى ثلاثة طبقات هي:- ١-طبقة العمال المنتجين الذين يقومون بسد الاحتياجات الاستهلاكية. ٢-طبقة الجنود والحراس الذين يقومون بحماية الدولة . ٣-طبقة الحكام الذين يتخصصوا في القيام بأعباء الادارة والحكم (حكم الدولة). ويرى أفلاطون ان أساس تقسيم المجتمع الى هذه الطبقات يرجع الى اختلاف استعدادات الأفراد الفطرية فهناك ثلاثة انواع من الناس (النوع الاول أولئك الذين اهلتهم الطبيعة للعمل (النفس الشهوانية،معدن الحديد او النحاس)،والنوع الثاني أولئك الذين اهلتهم الطبيعة للحكم تحت إشراف وإدارة غيرهم (النفس المنفذة،معدن الفضة)،والنوع الثالث أولئك الذين اهلتهم الطبيعة للقيام باسمى أعباء الحكم والإدارة (النفس العاقلة،معدن الذهب). ويرى أفلاطون ان لتحقيق العدالة والفضيلة لابد من وضع كل فرد من أفراد المجتمع في الطبقة التي أهلته الطبيعة لان يكون فيها، فالإله قد خلق كل فرد ليمتلئ بخصائص معينه تجعله صالحا اكثر للقيام بعمل معين من الاعمال المذكورة ،ومن أوجب مهام الدولة وضع الانسان المناسب في المكان المناسب (ولا فرق بين الرجل والمرأة)اما كيف ذلك فيتم عن طريق التعليم او البرنامج التعليمي الذي يجب ان تضطلع به الدولة ،فالدولة هي في الأساس مؤسسة تعليمية ، وهذا يقودنا الى استطلاع البرنامج التعليمي الذي يقترحه أفلاطون. برنامج التعليم في الدولة المثالية لافلاطون:- يستبعد من هذا البرنامج في البداية كل من يزيد عمره عن عشرة سنوات ثم يخضع البقيه له ومن ثم تبداء المراحل ،. مراحل البرنامج التعليمي للدولة المثالية:- المرحلة الاولى من الطفولة الى سن العشرين وتدرس في هذه المرحلة التربية البدنية،الموسيقى،الرياضيات الدين ،التاريخ،بصفة أساسية ،ثم يأتي دور التنقية والفرز حيث تعقد لهم امتحانات بدنية وعقلية وروحية غاية في الشدة ومن يرسب في هذا الامتحان يكون مكانه الطبقة العاملة ويبرهن انه من معدن النحاس اما من ينجح فيصعد الى المرحلة التالية(الثانية). المرحلة الثانية وتبداء من سن العشرين الى سن الثلاثين وتدرس فيها شتى العلوم وفي مقدمتها الفلك والطبيعة ثم يأتي دور التنقية والفرز حيث يعقد لهم امتحان أيضاً في غاية الشدة من يرسب يكون مكانه طبقة الحراس (فهو من معدن الفضة)ومن ينجح يصعد الى المرحلة التالية(الثالثة). المرحلة الثالثة وهي على قسمين يبدأ القسم الاول من سن الثلاثين الى الخمسة والثلاثين حيث تدرس الفلسفة بصفة أساسية ويكون الهدف من الدراسة في هذا القسم هو ان يكون الطلاب على معرفة تامة بالفرق بين العالم المادي والعالم المثالي وبعد السنوات الخمسة يبدأ القسم الثاني ينزلون من علياء الفلسفة ويزج بهم في حياة التنافس فهم الان في الخامسة والثلاثين من العمر وعليهم ان يمارسوا الحياة ويحاولوا تطبيق فلسفتهم عليها ، ويعملوا ذلك لمدة خمسة عشر سنة وبعد ذلك يعقد لهم امتحان في غاية الشدة من ينجح يصبح تلقائيا من حكام الدولة(معدن الذهب) ومن يرسب يذهب الى طبقة الحراس ،وتتم هذه المراحل تحت إشراف الفلاسفة وحكام الدولة … وهناك ملاحظة مهمه على دولة أفلاطون المثالية هي ان حكم الفلاسفة حكم مطلق لاقيد عليه إطلاقا وايضاً يرى أفلاطون ان الملكية الخاصة وبناء الاسرة تحظر على طبقتي الحراس والحكام فلابد ان يعيشوا في حالة شيوعية لان مركزهم يجعلهم أسمى من السلوك الأناني ،لان رؤية أفلاطون في انصراف الأفراد لاكتساب وتنمية الملكية الخاصة وإنشاء أسر خاصة بهم كل ذلك سيؤدي الى انشغال الفرد ويؤكد انانيته حيث سيصف همه الاول على هذه الأمور الخاصة ولايهتم بالأمور العامة الا بالقدر الذي يعتقد انه يخدم مصالحه،اما طبقة المنتجين فلها الحق في الملكية الخاصة وتكوين الاسرة ،ان شيوعية أفلاطون تختلف تماماً عن المفهوم العام للشيوعية حيث ان الحكام والحراس هم الفئه القليلة في المجتمع وهم فقط المشمولين بهذا الإلزام اما طبقة المنتجين تشكل أغلبية المجتمع فإنها تحتفظ بحق الملكية الخاصة وتكوين الأسر وهذا عكس شيوعية اليوم التي تدعي ان هدفها التهائي هو إلغاء الملكية الخاصة تماماً ،ولافلاطون رؤية اخرى في كتابه القوانين حيث يرى ان الناس بدون قانون مكتوب ومعروف لائح تلفون عن أشد الحيوانات وحشية وقد أكد على ضرورة وجود قيد قانوني على الحكام وضرورة عدم إطلاق أيديهم ليحكموا كما يريدون ولكنه استمر في إيمانه وثقته ب اصحاب المعرفة في تولي الحكم فلا حاجة لأي قيد عليهم لان اصحاب المعرفة في رأيه لايستبدون وإنما يحكمون دائماً لصالح الجميع وهم يعرفون أفضل مما تتطلبه القوانين وتحتمه لذا يجب ان لاتقيدهم القوانين ولا اي قيد ولكن الحكم ان لم يكن لأصحاب المعرفة فأفضل بديل في هذه الحالة هو تحكيم القوانين بصفة أساسية وعدم إتاحة الفرصة للمصالح الشخصية ،هذه هي يعض اهم أفكار أفلاطون السياسية التي أتى بها قبل حوالي ٢٤٠٠سنة وقد حاول ذلك المفكر السياسي ان يقدم ما اعتقد انه الحل الأمثل للمشكلة الانسانية .(البقية تأتي تباعا انشاء الله تعالى)

 

المصدر: عبر منصات التواصل للمركز

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M