مقدمــة:
من المهم أن نحدد أن قراءات التسييس لابد أن تدافعها قراءات التأسيس، وأن القراءات الحفرية لابد أن تحل محلها القراءات الإحيائية. إن رؤى التأسيس لم يعد يفيد فيها أن نتحدث عنها في بداية كل عمل بحثي أو علمي أو معرفي حيث تطغى الديباجة في تفخيم الألفاظ، ومعاني الزينة، أو لمقتضيات الاستكمال، بل علينا أن نترجم ” رؤى التأسيس” إلى حركة بحثية دائبة تترك تأثيرها على كل مجالات الحياة وتنوعاتها، كما تترك بصماتها على كل مجال معرفي أو بحثي، وإطار ونسق مفاهيمي ومنظومة منهجية.
إن استثمار هذه الرؤية في سائر المنتوجات المعرفية، وضمن السياق المعرفي هي البحث في كل متضمنات وفاعليات التعبير القرآني ” صبغة الله”.(1)
إن علم تحنيط الأفكار لم يعد يجدى أو يفيد في هذا المقام، لأن هذا التصور ليس في النهاية إلا تكريسا لثقافة القبور أو الحفريات، وإن عالم الأفكار وكل ما يتعلق به من عمليات يحتاج منا البصر بكل الفاعليات، إن إحياء عالم الأفكار المخذولة له قوانين، والتعامل مع عالم الأفكار القاتلة له أصوله، والتعامل مع هذه الأفكار وهي في حالة الحركة لا السكون يفرض تفاعلات هائلة، يجب ألا نقفز عليها أو نتغاضى عنها، فإن قوانين الحركة والتغيير والنماء والتكاثر غير قوانين الجمود والسكون والانقطاع إن سلفنا الصالح تفهموا معانى الصبغة، فصبغت أصولهم وأعمالهم جميعا، وعرفوا الشريعة كالجملة الواحدة، وتيقنوا أن رؤى التأسيس لابد أن تفرض فعل وأشكال وتجليات لهذا التأسيس، تحرك أصول الوعى كما تدفع إلى مقدمات السعي، والسعي متنوع الحركات والمجالات ومن أهم دوائره على الإطلاق، الحياة البحثية والعلمية.
إن استئناف فاعلية هذه المعاني في حركتنا المعرفية والبحثية لا يتأتى إلا من خلال صياغتها بما يحقق هذه الفاعلية النظرية والمعرفية، وإن بإحياء كلمات التأسيس ضمن فعــل التأسيس (الرؤية العقدية الدافعة، أصول الشرعة الرافعة، قيم التأسيس وقيم الأساس الحاكمة، ومجال الأمة الجامعة، وعناصر الحضارة الفاعلة، وسنن الكون والنفس والمجتمع والتاريخ القاضية، ومجالات ورتب المقاصد الكلية العامة الحافظة والحاضنة (2)، هو ما يزكى أصول الفقه الحضاري التي تتصل بعض المستويات فيه بفقه بناء المعيار وتأسيسه وصياغاته كرؤى قابلة للتفعيل والتشغيل ضمن سياقات متنوعة وأهمها المجال المعرفي والعلمي والفكري والثقافي والحضاري، فإن المستويات والفئات الأخرى تعنى بفهم الواقع وإمكان مقايسته على المعيار ورده الرد الجميل إليه، وملاحظة الانحراف المعياري وتقويمه مهما دق أو جل بمنهج علمي سديد منضبط يتفهم عناصر الظاهرة الاجتماعية والإنسانية في خصوصيتها، والظاهرة السياسية والدولية كمجال بحثي يستحق الاهتمام.
كثيرة هي المترتبات على ذلك التمييز بين قراءات التأسيس وقراءات التسييس، وتلك المفارقة بين القراءات الحفرية والقراءات الإحيائية، وكثيرة هي الأشكال والمظاهر التي تتجسد فيها تلك القراءات السلبية لتحاصر القراءات التأسيسية الإحيائية الحضارية، أكثر ما يتضح فيه ذلك هو تراث العلاقات الدولية الحاضر شكلا في العصر، الغائب بمناهج نظر غير لائقة وغير فاعلة وواعية.
انزواء التراث:
قد لا نتحدث هنا عن اتجاه يستبعد التراث أو ينفيه لأسباب تتعلق بالنظرة إليه، أو بتملك نظرة دونية لذلك التراث أو قضاياه أو طرائقه، وإنما نتحدث عن واقع يتبدل وينساب ويتراكم قد يجعل هذا التراث غير ذي معنى أو مغزى أو جدوى، يرى في ذلك التراث أن الزمن قد تجاوزه وأن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر”، ومن هنا يبدو لنا أن الوقوف عند شواطئ القراءة المتخفية بغرض إحيائه ليست إلا كتابة شهادة بوفاته والحديث عن بعض تركة المتوفي أو بعض آثاره. ولكن الأمر هنا يتعلق في حقيقة الأمر بعمل متصل يجعل من حضور التراث دافعاً لا مانعا، رافعا لا ميئسا أو مخذلا، حقيقياً لا مفتعلا أو متعسفا.
الحضور التراثي ليس إقحاما بل إسهاما في التفسير والتدبير على حد سواء، وهو يعني أن البحث في الإشكالات الواقعية هي أولى الخطوات التي لا تجعل من استبعاد التراث أمرا واقعا مفروضا ليس في حاجة لنظرات التجني أو الرؤى الدونية.. بل هو أمر أقرب ما يكون إلى منطق دعوه “يموت” ونخلص منه بحيث يتجاوزه الواقع بكل معطياته ومتغيراته ومستجداته.
بحيث يصير الحديث وفق اللغة التراثية وشفراتها، ضربا من استعراض بعض الأفكار المحفظة الدالة على زمنها، أو البحث عن ” وليس في ” الحفريات التراثية . فينزوي التراث وربما يتوارى ونحن نؤكد على أننا نحييه أو ننشره، وهو في واقع الأمر تراث تجاوزه الزمان والعصر والواقع. من غير ذلك ” الوصل” و ” التواصل” مع التراث (وصل بالواقع) و (تواصل بالبحث والدراسة)، لن تكون هناك مكنة “الاتصال” بالتراث، وتصير القطيعة مع التراث ليست مجرد موقف فكري، بل حالة واقعية يصعب وربما يستحيل الانفكاك من أسرها أو الانعتاق من تصوراتها ومآلاتها. ليس هناك أكثر من حال العلاقات الدولية وتطور النظام الدولي يحيلنا إلى ذلك الحال والمآل. ويجعل المهتمين بالتراث في وضع لا يحسدون عليه، حيث لغة العلاقات الدولية ومفرداتها، قد تجاوزت ذلك التراث بكل مكنوناته، فكيف يمكننا أن نحقق الوصل والتواصل والاتصال التراثي من خلال فهم الإشكالات تعريفا وتوصيفا وتصنيفا وتوظيفا ؟!
شكل آخر من أشكال إغلاق باب الاجتهاد ومصادرة كل مسالك تفسير التاريخ: حركة واتجاها ووقائع، هو الاجتهاد الذي يحاول أن يعتمد التفسير التآمري للتاريخ(3)، فيسد هذا الباب في التفسير ويصادر كل اجتهاد ويرتب على ذلك مواقف إما تختط طريقة الانفعال العاطفي والتعبئة الانفعالية، وهي غالباً قليلة الأثر تستدعى فيه المواقف العنترية من كل باب والمواقف الغضبية من دون تحويل الأولى إرادة وعدة ومن دون ترجمة الثانية إلى وعي وسعي.
أما الطريقة الثانية في ترتيب واتخاذ المواقف فإنها تورث اليأس المقيم والشلل المستديم، يأس يصادر الوعي وشلل يصادر الفعل، ففي كل مرة سنتحدث عن المؤامرة، وأننا مستهدفون، بل لا بأس في أنهم في كل مرة ينجح المتآمرون ويصاب المتآمر عليهم بالخذلان والتخذيل.
هاتان الطريقتان لم تعودا تصلحان بحال للتعامل مع تراث العلاقات الدولية في الإسلام، ومراكمة كل الحوادث التاريخية في نسق يعبر عن تراكم معنى المؤامرة ومحصلتها.
الأمر ليس على هذا النحو، وإلا ظللنا في حال من رد الفعل الدائمة، الصارخة في كل مرة إنها المؤامرة، وإذا أردتم الدليل، فها هو التاريخ يقدم لنا ألف دليل، وها هو التراث يحتوى على كل برهان يعضد هذا التفسير الذي لا نجد لمصداقية سواه.
التفسير السنني (للتاريخ والتراث)(4) قد لا ينفى معنى المؤامرة بمعاني (التخطيط والتدبير وإنجاز المصالح)، وقد لا ينفى معنى الاستهداف (بمعنى أن هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية وواقعية، حتى مع تطور النظام الدولي وعلاقاته، التي قد تهمش من مناطق، وترفع من قيمة مناطق أخرى، في كل مرحلة من مراحل النظام الدولي تكتسب هذه المنطقة أهمية استراتيجية جديدة يصعب فيها مصادرة الجغرافيا أو القول بنهاية التاريخ).
ولكنه يوجه الانتباه إلى أن المحصلة والنتائج ليست إلا من عمل يدنا (قل هو من عند أنفسكم)، وأن مسار التغيير لا يأتي إلا من الداخل أو بقواعد نابعة لا تابعة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ويعنى أن صياغات الحاضر ليس إلا نتاجا لعلاقتنا بتراثنا في الذاكرة وعملنا في الواقع، وأن صياغات المستقبل يجب ألا تقف على أعتاب التفسير المؤامراتي تتبناه وتقف عند أبوابه وتكتف به وتنكفأ عليه، فالتاريخ مليء بألف دليل على وهن الإرادة، وضعف العدة، وتشرذم القوة والقوى، والتفكير الآني والأناني الضيق الذي ينظر إلى الأمر وكأنه قيامة الدنيا.. فيقول نفسي نفسي!!! وهو يعلم أن ذلك هو أسوأ اختيار وأوهن تفسير، ضمن شبكة علاقات معقدة، وشبكة مصالح متداخلة.
النزعة الافتخارية في قراءة تراث العلاقات الدولية تضر أكثر مما تنفع لأنها تصادر الحاضر والمستقبل لمصلحة فهم مبستر للماضي والتاريخ والتراث:
ليس من هدف القراءة التراثية أن نتغنى أو نتبنى الأمجاد التراثية “في صفحة العلاقات الدولية في تراث المسلمين، ولا بأس بالانتقال إلى قراءة التجني لإسهامات الآخر وفاعلياته، والتهوين من شأنها أو البحث عن سلبياتها، اعتقادا أن ذلك مما يرفع مكانة الذات، وهو أمر ربما يشير إلى وهم المكانة مرة حينما تلوذ بالتاريخ الذهبي وأمجاد الماضي، ومرة أخرى حينما نعتقد في قرارة أنفسنا أن علو مكانة الذات تكون بخفض قيمة الآخرين وعناصر إسهامهم الحضاري، وتظل قراءتنا للتراث المتعلق بالعلاقات الدولية تدور حول قراءات التبني أو التغني أو التجني، قراءات بعضها من بعض لا تورث وعيا ولا تحرك فهما ولا تقتضى سعيا، إنما هي محاولة الامتلاء بالنزعة الافتخارية(5).
قراءات الدفاع والاندفاع، وقراءة التدافع ووعي وسعي السنن:
قراءات شاعت أيضا في دائرة البحث بقضايا العلاقات الدولية في الإسلام قراءات سمتها المنهج الدفاعي تارة بالافتخار وتارة بالاعتذار، وتارة بالتبرير، تعبر كلها عن استخدام المادة التراثية ضمن أنماط تفكير ومناهج تدبير لا تغنى ولا تسمن من جوع، إنها بالجملة تراجع للفكر الدفاعي الذي يراوح في المكان والزمان يجتر القضايا القديمة والمعارك السابقة ويحييها من غير ميدان، بينما يترك الإشكالات الحقيقة على أرض الواقع تعبر عن حالة من الوهن لا يجدى فيها افتخارا أو اعتذارا، أو تبريرا.
ويتساند مع ذلك قراءة انفعالية اندفاعية تقرر وتعمم وتتخذ المواقف من غير إعداد أو عدة وما بين الدفاع والاندفاع تأتي أنماط من القراءات التي لا تجدى فتيلا في عالم العلاقات الدولية. في مواجهة هذه القراءات الدفاعية والاندفاعية، تأتي القراءات التدافعية القائمة قاعدة من وعي وسعى السنن القاضية لتعبر عن معاني البحث في عمق الداخل “قل: هو من عند أنفسكم” وتتعرف على مدى معادلة التدافع “ادفع بالتي هي أحسن” ومعادلة التغيير “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ومعادلة الخروج من حال الوهن والأزمة “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”(6).
نحن ضد التحيز الناقل للتراث(7) الذي يقوم على مصادرة الماضي لمصلحة الآني يستدعى فيه تراث الفتاوى من أقرب طريق، وتصير المناجزة ضمن فهم التراث الإسلامي في العلاقات الدولية ضمن حوادث آنية تهاجم كل صنوف التراث القديم بدعوى استخدام مفاهيمه وشفراته، تراث الجهاد، وجب وفق التصورات الآنية، أن نهيل عليه التراب، فإذا لم نستطع أن ندفعه فعلينا أن نخفيه، أنبقى عليه على ” هون” أم ندسه في التراب.
وكذلك فنحن ضد التحيز القافل الذي يستدعى محاكمة كل حدث من خلال فتاوى سابقة لأحداث اعتبرناها مشابهة أو مماثلة، واستدعينا الحدث لمسار “الفقه” وأدخلناه ضمن ماكينة الفتاوى لإضفاء شرعية على ممارسة هنا أو اختيار هناك أو قرار مفضل أو موقف مرغوب.
وضمن ترسانة الأدلة ستحدث حالة من حيرة الفتاوى والتحارب والتقاتل بالفتاوى أو ما أسميناه بـ “التفاتي”(8). يستدعى كل صنوف وقضايا وعناوين تراثية وفقهية من مرقدها استدعاء من أقرب طريق، كل أمر صرنا نعالجه بمنطق الفتاوى المختزلة، حدث كبير شديد التشابك والتداخل، تستعصى متغيراته على الإحصاء، وتتعدد العناصر إلى حد التداخل والتواقف على بعضها البعض. الفتوى لا تتعدى السطور يصعب علينا أن نراها بصيرة أو مستوعبة، إنها كلمات تلقى وتترك تتفاعل لتدخل كواحد من متغيرات الصراع حول الفتوى وبالفتوى وفيها وعليها.
وبدا للبعض يعالج هذه الفتاوى بنية وبيئة كعمل أكاديمي، ولكن في الحقيقة علينا منذ البداية أن ننتقد هذه الحال لاستدعاء الفتاوى من أقصر طريق ومن كل طريق. الذي يسمح للبعض بمصادرة كل تعقد الواقع لمصلحة فتاوى مختزلة ضمن لغة تحاكي فتاوى سابقة ربما لحوادث يظنها البعض متشابهة، من دون فهم عناصر جديدة ومتجددة في الواقع يستحيل معها هذا الاستدعاء التلقائي بدون فهم كل تنوعات الواقع ومتغيراته وتشابكاته (9).
هذه بعض الظواهر المتعلقة بتلك القراءات السلبية (التسييسية والحفرية) والتي توضح إلى أي مدى يمكن أن تحدث في مناهج التفكير وأساليب التدبير وأصول التغيير. هذه الظواهر تحيلنا إلى الدواعي البحثية في دراسة وفحص الإشكالات التي نحن بصددها ليكون ذلك وفق تلك الضرورات البحثية ما يزكى القراءات التأسيسية والإحيائي.
ضمن هذا الشكل فإننا بحق في حاجة للتعرف على تراث العلاقات الدولية في الإسلام ضمن مجموعة من الدواعي والضرورات البحثية، وضمن دراسات مهمة تستوعب كل هذه العناصر، ومن أهم القضايا التي وجب التعرض لها (التعريف وإشكالاته والتوصيف وامتداداته، والتصنيف وتعقيداته والتوظيف ومتطلباته).
هذه الدواعي تقتضي منا التعامل مع (الحالة التراثية، ونسب التراث وتنسيبه وتسكينه والحالة التداولية للتراث (كيف نتداوله ونتعامل معه ونتناول قضاياه). وما تعكسه البيئة المحيطة بالتداول التراثي من ضغط الماضي والحاضر والمستقبل.
وتبدو لنا في النهاية القصور لوظيفة التراث ودوره وأثره في التعامل مع الأمة وقضاياها ذاكراتها وهويتها، وضمن سياقات توظيفه وتشغيله ضمن متطلبات واقعية، توطن النظرة الإيجابية للتراث دون أن تصادر عملية نقدية واسعة، في مواجهة النظرة السلبية للتراث.
ومن هنا لا تتأتى القراءة الواعية للتراث (10) إلا بالتعرف على:
- الأصول المنهجية والمبادئ النظرية الأساسية (الرؤية البصيرة)
- المبادئ العملية المتعلقة بالتراث (التوظيف التراثي)
والقراءة الواعية بحب تحصينها من النقائص ومن النقائض على حد سواء:
أما عن النقائص فتمكن في النظرة التجزيئية للتراث والنزعة المضمونية
أما النقائض فتكمن في الآليات الاستهلاكية كما يحددها د. طه عبد الرحمن (سواء اتخذت آليات عقلانية، أو آليات أيديولوجية. وفي كل الأحوال فهي نقائض غالبا ما تتحول إلى نقائص (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا).
والقراءة الواعية يجب أن تستند في الأساس إلى مكانة عدل في التعامل مع التراث عامة ومنه تراث العلاقات الدولية، تشتمل على معاني مهمة من مثل:
- تحرير المنزلة الدينية للتراث، بما ينفي الإلزامية الدينية اتباعا وتقليدا ودخوله في جانب الإباحة والتخيير وما يترتب على ذلك من موقف الدرس المتخير (الاصطفاء) لا موقف التقليد الملتزم ضمن مبدأين متكاملين أحدهما سالب والآخر موجب
- مبدأ الاحترام النافي للاستهتار
- التخير النافي للتقليد الملزم
- هذا التحرير للمنزلة الدينية للتراث يمهد الطريق لالتزام منهجي يبسطه للنظر والدرس كمرحلة أولى ضرورية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعله محلا للانتخاب والتخير لما هو نافع منه من غير وجوب ديني للالتزام.
- تأريخ التراث مبدأ مهم ضمن منظومة القراءة الواعية في التوظيف والتقويم في سياق يربط بين الاجتهاد ليعبر التراثي في الفهم والتطبيق بالأسباب التي أفضت إليه من الظروف الحياتية.
- ثم يأتي الضلع الرابع ليعبر عن شمولية التداول، امتداد مساحة التراث وخرائط مصادره، تفرض من هذا المعنى من التناول والتعامل والتداول، إحياء التراث ضمن نظر إحيائي لابد أن يكون مشمولا بكامل مساحاته وتنوعاته بالرعاية والقدرة على التوظيف ضمن عملية ترقية الحياة، والفهم الأعمق لما يستجد فيها من دون إقصاء أو إلغاء.
ثم يأتي ضمن هذه القراءة الواعية، القواعد الإجرائية التي تدلف إلى المادة التراثية فتحرك عناصر القراءة العالمة، والقراءة المقارنة، والقراءة التكاملية الجامعة وتؤصل كل معنى يصب في النهاية في القراءة البصيرة وإحسان القراءة.
ضمن هذه المعاني لابد أن نشير لماذا جمع هذا البحث بين منظومة من الإشكالات تتواقف على بعضها، وتتكافل في القدرة على حلها والعمل على فك عقدتها، إشكالات أربع: إشكالات التعريف، والتوصيف، والتصنيف والتوظيف.
التعامل الرباعي مع التراث يشكل منظومة تعرف لمعنى الإحياء الحضاري للتراث وإمكانات تجديده كل معانيه الشاملة الدافقة الحية، وليس لأحد يقول إن وظيفتنا في التعرف على القديم فحسب ولا شأن لنا بالمعاصر، فيأتيه ألف جواب من الواقع أن التراث لا يزال حافزا في زماننا وواقعنا وأن القراءة الحفرية هي المسئول الأول والأخير عن هذا الحضور السلبي وربما الضار للتراث.
ضمن هذا الشكل الذي يشير إلى تكامل هذه الإشكاليات في تواقفها على بعضها البعض وتكافلها في إحداث الفهم لتراث العلاقات الدولية في الإسلام:
ويأتي التوظيف كقاعدة إدراك الشيء فرع على تصوره، والإدراك الواعي أولى حلقات التوظيف والتشغيل، تتحرك نحو التراث وبيئته وبين الواقع ومقتضياته في تفاعل يؤكد النظرة الإحيائية لا النظرة الحفرية له والتي تحفظ الأفكار.
واقع العلاقات الدولية صار يزكى هذه النظرة الإحيائية وينفى النظرة الحفرية، شئنا أم أبينا استدعى التراث استدعاء ربما يكون خاطئا أو مبالغا فيه أو متعسفا، استدعى منا ومن غيرنا. حسن تداول التراث يرتبط بالتعامل المنهجي الذي يتفهم قيمة التراث ومكانته، وحدود تأثيراته على الواقع والمستقبل أما نقدمه ضمن هذه المنظومة قد يضعنا على عتبة استكشاف هذا التراث المقتضيات واقعية ومتطلبات منهاجية، والتعرف على حدود اللغة التراثية وإمكانات توظيفها في الذاكرة وبناء الصورة.
رابط المصدر: