ساهمت أزمة كورونا في إحداث تأثيرات عنيفة على النظم الصحية في معظم دول العالم، ونحن في هذه الدراسة نحاول التعرف على تلك التأثيرات، وسوف نقوم في هذا المبحث بدراسة أثر أزمة كورونا على النظام الصحي العالمي، مع التطبيق بإيجاز على بعض النظم الصحية في مصر والولايات المتحدة والصين وتركيا وألمانيا.
وفي هذا المبحث سنقوم بتعريف النظام الصحي، بالإضافة إلى تحديد مفهوم انهيار النظام الصحي، وسوف نقوم بعرض أثر الأزمة على النظام الصحي العالمي، ثم عرض دراسة حالة لكل من مصر والصين والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإيران.
السؤال البحثي:
ما هي تداعيات أزمة كورونا على النظم الصحية العالمية؟، ولماذا شكلت أزمة كورونا تحديا لجاهزية النظم الصحية للتعامل مع الأوبئة؟
معايير الدراسة:
تم اختيار تلك الدول على أساس ثلاثة معايير هي:
– معيار البؤر المركزية لانتشار فيروس كورونا، فالصين هي مصدر الفيروس، ثم أصبحت الولايات المتحدة البؤرة المركزية الأولى على مستوى العالم، حيث يوجد بها أكبر عدد إصابات في العالم.
– معيار تمثيل مختلف قارات العالم، وذلك على اعتبار أن فيروس كورونا أصبح يمثل وباء عالميا.
– معيار حجم السكان فكل هذه الدول بالرغم من تفاوت كثافتها السكانية إلا أن جميعها كثافتها السكانية مرتفعة، وبالتالي فإن حجم الإصابات يكون مرتفعا وفقا لمعامل الانتشار، كما أن الضغط يكون كبيرا على النظم الصحية.
ملحوظة:
بالرغم من أن مصر ليست بؤرة مركزية للمرض ولم يحدث بها تفش للفيروس بنفس القدر الذي حدث في الدول الأربع الأخرى إلا أن هناك عدة معايير تم على أساسها اختيار مصر، وهي أن مصر تمثل قارة أفريقيا، وأنها دولة ذات كثافة سكانية مرتفعة، وأنها عرضة لأن تصبح بؤرة مستقبلية للمرض كما حدث مع روسيا والبرازيل مؤخرا، كما أن تأثير أزمة كورونا كان عنيفا على النظام الصحي المصري.
مؤشرات الدراسة:
تسعى الدراسة إلى قياس مؤشر القدرة الاستيعابية للمستشفيات.
كذلك مؤشر القابلية للاستجابة ومدى تفاعل حكومات الدول المذكورة مع الأزمة.
بالإضافة إلى استخدام مؤشر كفاءة الأطقم الطبية، وقدرتها على التعامل مع الأزمة.
منهج الدراسة: منهج تحليل النظم
وستستخدم الدراسة مقاربة تحليل النظم (System Analysis Approach) لديفيد إيستون، حيث يؤكد إيستون أنَّ فكرة النظام كإطار تحليلي، بما تتضمنه من علاقات ومفاهيم نظرية لها دلالات تطبيقية، تُمثِّل نقطة بداية حقيقية وتقوم عملية التغذية الاسترجاعية بالربط بين نقطتي البداية والنهاية، أي بين المدخلات والمخرجات، في تطوير الدراسات السياسية.
سيتم دراسة المدخلات فقط المتمثلة في تأثير كورونا على النظم السياسية، أما في المبحث القادم فسوف يتم دراسة تفاعل النظام مع الأزمة والمخرجات التي صدرت عن تلك النظم في شكل برامج وسياسات.
تقسيم الدراسة:
أولا: ما هو النظام الصحي؟:
– تعريف نظام الرعاية الصحية: (Health Care System)
– أنواع النظم الصحية
– ما هي مكونات النظام الصحي؟ (Health System Components)
– انهيار النظم الصحية: (Health System Collapse)
ثانيا: أثر كورونا على النظام الصحي العالمي
ثالثا: دراسة الحالة:
– أثر كورونا على النظم الصحية (نماذج دولية: الولايات المتحدة والصين)
– أثر كورونا على النظم الصحية (نماذج إقليمية: تركيا وألمانيا)
– أثر كورونا على النظم الصحية: مصر نموذجاً
نتائج الدراسة
أولا: ما هو النظام الصحي؟
تعريف النظام الصحي: (Health System)
عرفت منظمة الصحة العالمية النظام الصحي بأنه مجموع المنظمات والمؤسسات والموارد الرامية أساساً إلى تحسين الصحة، ويحتاج ذلك النظام إلى موظفين وأموال ومعلومات وإمدادات ووسائل نقل واتصال وتوجيهات واتجاهات عامة ولابد لذلك النظام من توفير خدمات تلبّي الاحتياجات القائمة بأسعار منصفة والسعي في الوقت ذاته إلى معاملة الناس على نحو لائق، والنظام الصحي الجيد هو ذلك الذي يسهم في تحسين حياة الناس بشكل ملموس يوماً بعد يوم.
وتقع المسؤولية الأولى فيما يخص الأداء الإجمالي للنظام الصحي الوطني على عاتق الحكومة، كما أكدت المنظمة أن تعزيز النُظم الصحية وجعلها أكثر إنصافاً يعد من الاستراتيجيات الأساسية لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية [1].
– مكونات النظام الصحي: Health System Components
1- صنع السياسات: (leadership, management and governance)
وذلك من خلال رسم السياسات الصحية ووضع الرؤية العامة للنظام الصحي (leadership)، ثم تنظيم وتقسيم العمل وتنسيق السياسات التنفيذية (management)، ثم وضع نظام للحوكمة الرشيدة (governance good).
2- التمويل: health finance
مصادر تمويل المنظومة الصحية، وأهم تلك المصادر (الضرائب العامة general taxation – نظام التأمين الصحي الاجتماعي social health insurance – التأمين الصحي الخاص private health insurance – التمويل من جيب المواطن out-of-pocket payment -التبرعات والمصادر الخيرية donation to charities).
3- الموارد البشرية: human resources
وهي تشمل مقدمي الخدمة الطبية والكوادر الإدارية العاملة في القطاع الصحي من حيث التعليم والإعداد والتدريب من أجل ضمان تقديم خدمة طبية جيدة، وهي المسؤولة عن عملية التعليم الطبي المستمر للأطباء والأطقم المعاونة، كذلك رفع كفاءة العاملين وتعميق مفهوم المشاركة في صنع القرار لديهم، وتحفيزهم على تطوير مهاراتهم سرعة الإنجاز.
4- الأدوات والمستلزمات: inventory
وذلك من خلال ضمان توافر المستلزمات والأدوات والتجهيزات الطبية، كذلك انتظام عمل سلسلة التوريد والإمداد: procurement and supply chain، المحافظة على مخزون استراتيجي من الأمصال واللقاحات وألبان الأطفال والطعوم، عمل صيانة دورية للأجهزة ومتابعة المخزون السلعي وتقليص نواقص الأدوية والمستلزمات.
5- البنية التحتية: infrastructure
تتمثل البنية التحتية في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية والمراكز الطبية المتخصصة، كذلك المختبرات ومراكز الأشعة ومراكز الأبحاث، والمقرات الإدارية والهيئات المسؤولة عن تنظيم إجراءات تقديم الخدمة الصحية.
6- البنية المعلوماتية: health intelligence [2]
من خلال نشر نظم المعلومات الصحية والتي تسمح بعمل ملفات للمرضى وجعل البيانات جزء من خطة التنمية الصحية وفق رؤية منظمة الصحة العالمية، وتقوية عملية جمع الإحصاءات وتحديد أسباب الوفاة، وذلك من أجل تحسين عملية التقييم وتطوير المنظومة الصحية[3] .
– نماذج النظم الصحية:
لكل دولة مجموعة من الترتيبات والأولويات الخاصة بها لتحقيق الأهداف الأساسية الثلاثة لنظام الرعاية الصحية وهي ( الحفاظ على صحة الأشخاص – علاج المرضى – حماية العائلات من الخراب المالي الناتج عن ارتفاع التكلفة الطبية.
ومع ذلك لا يتعين علينا دراسة 200 نظام مختلف لمعرفة كيفية إدارة البلدان الأخرى للرعاية الصحية، حيث أنه يوجد أربعة أنظمة صحية أساسية تمثل الإطار العام أو الفلسفة الحاكمة لطبيعة النظام الصحي بكل دولة على حدة، وهذه النظم هي:
1- نموذج: BEVERIDGE
سمي باسم ويليام بيفيرج، المصلح الاجتماعي البريطاني الذي صمم النظام الصحي البريطاني، وفي هذا النظام، يتم توفير الرعاية الصحية وتمويلها من قبل الحكومة من خلال مدفوعات الضرائب كباقي أجهزة الدولة مثل جهاز الشرطة والقوات المسلحة.
ولا يعني أن الحكومة هي الدافع الوحيد لتكلفة الخدمة الطبية أنه لا يوجد مستشفيات أو عيادات خاصة بذلك النظام، في بريطانيا، تميل هذه الأنظمة إلى انخفاض تكاليف الفرد، لأن الحكومة بصفتها الدافع الوحيد تتحكم في ما يمكن للأطباء القيام به وما يمكنهم تحصيله.
تشمل البلدان التي تستخدم نموذج Beveridge بريطانيا وإسبانيا ومعظم الدول الاسكندنافية ونيوزيلندا. لا تزال هونغ كونغ لديها الرعاية الصحية الخاصة بها على غرار Beveridge، لأن السكان رفضوا ببساطة التخلي عنها عندما تولى الصينيون تلك المستعمرة البريطانية السابقة في عام 1997. تمثل كوبا التطبيق المتطرف لنهج Beveridge. ربما يكون أنقى مثال في العالم للسيطرة الحكومية الكامل.
2- نموذج BISMARK
تم تسميته نسبة للمستشار الألماني أوتو فون بسمارك الذي اخترع نموذج دولة الرفاهية كجزء من رؤيته لتوحيد ألمانيا في القرن التاسع عشر، ويرتكز نموذج بسمارك على نظام شركات التأمين، والتي يتم تمويلها من قبل أصحاب الأعمال والموظفين من خلال الخصم من الراتب، ومع ذلك فإن خطط التأمين الصحي وفقا لنظام بسمارك يجب أن تغطي جميع المواطنين، وهو نظام غير هادف للربح، وفي هذا النظام تنتشر وبشكل الكبير المستشفيات الخاصة كما هو الحال في اليابان وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولاندا واليابان وسويسرا، بالإضافة لى بعض دول أمريكا الجنوبية.
3- نموذج THE NATIONAL HEALTH INSURANCE
يعتبر نموذج التأمين الصحي الوطني مزيجا بين النظامين السابقين فهو يعتمد على المستشفيات الخاصة كما هو الحال في نظام بسمارك، والتمويل من خلال برنامج تأميني تديره الحكومة، وهو لا يعتمد على الربح كما هو الحال في النظام الأمريكي، ومن أهم الدول التي تعتمد هذا النظام كندا وتايوان وكوريا الجنوبية.
4- نموذج THE OUT-OF-POCKET MODEL
يمثل نموذج الدفع من الجيب، وهذا النموذج هو الأكثر انتشارا على مستوى العالم فهناك تقريبا 40 دولة فقط متقدمة استطاعت أن تندمج في النظم الثلاث السابقة، أما باقي دول العالم والتي لا تقل عن 160 دولة والتي تعاني من مشاكل تنموية كثيرة مرتبطة بالفقر والبطالة وانخفاض مستوى التعليم فكلها تتبع هذا النموذج والقائم على قاعدة أساسية وهي أن الأغنياء يحصلون على رعاية صحية والفقراء يمرضون أو يموتون[4].
– انهيار النظم الصحية: Health System Collapse
هو عدم قدرة النظام الصحي على القيام بوظائفه سواء بشكل جيد أو بشكل ضعيف، كذلك عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى وتقديم الرعاية الصحية خصوصا في مجال غرف العناية المركزة، وأيضا عدم القدرة على توفير الأجهزة والمستلزمات الطبية وخصوصا أجهزة التنفس الصناعي.
وينتج عن ذلك توقف النظام الصحي عن القيام بمهامه الأساسية، ويترتب على ذلك ترك المرضى بدون الحصول على رعاية صحية وهو ما يعرض حياتهم للخطر، وقد حدثت عدة انهيارات للنظم الصحية جراء أزمة كورونا كما حدث في الإكوادور وتراكمت الجثث في المستشفيات والشوارع[5]، وكما حدث في مصر حيث تُرك الكثير من المرضى يموتون في منازلهم دون استجابة من الدولة التي اتبعت مؤخرا سياسة العزل المنزلي للمرضى وتوقفت عن التوسع في عمل المسحات للكشف المبكر على فيروس كورونا بين المخالطين للحالات المصابة.
ثانيا: أثر كورونا على النظام الصحي العالمي: 20% من حجم الدراسة
أحدثت أزمة فيروس كورونا تداعيات كبيرة على النظام الصحي العالمي، وذلك بحد أن تحولت لوباء عالمي أدى إلى إصابة أكثر من 7 مليون فرد ووفاة أكثر من 400 ألف على مستوى العالم في أقل من خمسة أشهر منذ بدء ظهور الفيروس في السابع من يناير 2020، وفيما يلي رصد لأهم تلك التداعيات:
انهيار النظام الصحي التقليدي
أدى ظهور فيروس كورونا إلى انهيار النظام الصحي الحالي، والقائم على أساس مواجهة الأمراض والأوبئة المتوطنة والتي يسهل التنبؤ بها وبمسارها، كذلك لم تعد فكرة جودة الخدمة الصحية المقدمة بالمستشفيات هي المؤشر الحاسم في تحسن الرعاية الصحية والحفاظ على حياة المرضى، بل وجدت جميع دول العالم بمن فيهم الدول التي تمتلك نظما صحية متقدمة ورعاية صحية فائقة نفسها أمام خطر من نوع جديد لا يوجد له علاج أو لقاح محدد ولا يمكن تحديد مسار انتشاره وموعد انتهائه.
واقتصر دور النظام الصحي الحالي على محاولة تقليل المخاطر الناجمة عن الفيروس من خلال توفير رعاية صحية تتعامل مع تداعيات الفيروس مثل خوافض الحرارة واجهزة التنفس الصناعي ومقويات المناعة.
عالمية المخاطر الصحية
نتج عن انتشار فيروس كورونا، وتصنيفه كوباء عالمي نشوء ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية الصحية، وهي أن ظهور وباء في مكان قد يتحول إلى وباء عالمي ويتم تصديره إلى جميع دول العالم، وهو ما طرح تساؤلات عدة حول حركة النقل، والطيران، كذلك جاهزية النظم الصحية لاحتواء الوباء في بداياته، والاحتياج إلى نظام إنذار مبكر يتيح إتخاذ إجراءات سريعة تمكن من احتواء الوباء وعدم انتشاره على مستوى العالم بشكل يصعب التعامل معه.
إعادة النظر في برامج التأمين الصحي.
هناك إدعاءات بشأن قصور النظام الصحي في الولايات المتحدة في مواجهة كورونا، فهناك 15% من الشعب الأمريكي غير خاضعين لمظلة حماية صحية، وهو ما ساهم في تفشي الفيروس داخل تلك الفئات دون أن يكون لديهم المقدرة المالية على دخول المستشفيات والتي تشترط تكلفة مالية مرتفعةـ يصعب أن تتحملها تلك الفئات الفقيرة.
كما أن هناك تهديدات بحرمان أكثر من 43 مليون مواطن أمريكي من مظلة التأمين الصحي لاحتمال فقدان أعمالهم نتيجة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا[6] .
إصابات ووفيات بين العاملين الصحيين
سببت أزمة فيروس كورونا تداعيات مباشرة على أفراد المنظومة الصحية من الأطباء والعاملين في المجال الصحي، ففي إيطاليا وحتى التاسع من أبريل توفى أكثر من 100 طبيب جراء الإصابة بفيروس كورونا[7]، وفي مايو الماضي تم تسجيل 548 حالة إصابة بفيروس كورونا بين الأطقم الطبية والتمريض بالهند[8]، وفي مصر أعلنت نقابة الأطباء في 15 يونيو أن عدد الوفيات بين أعضائها قد بلغ 67 طبيبا[9]، ارتفعت إلى 100 بالإضافة إلى 3000 مصاب في 23 يونيو[10].
ارتفاع الإصابات والوفيات بين المواطنين
أدت أزمة كورونا إلى إصابة أكثر من 8,3 مليون شخص على مستوى العالم حتى منتصف يونيو 2020، كما أدت إلى وفاة ما يقرب من 450 ألف شخص أيضا، وانتشر الوباء في 215 دولة وإقليم، فيما بلغت حالات الشفاء أكثر من 4 مليون شخص أي بنسبة شفاء تجاوزت ال50%، فيما بلغ معدل الوفيات 5,5% تقريبا من إجمالي عدد الإصابات[11].
نقص معدات الوقاية
أكدت منظمة الصحة العالمية في يوم 28 مارس 2020 من أن النقص الشديد في معدات الوقاية للموظفين الصحيين الذين يواجهون وباء فيروس كورونا المستجد يعد بين التهديدات الأكثر إلحاحا بالنسبة إلى العالم حاليا.
وقال مدير عام المنظمة تيدروس ادهانوم غبرييسوس إن “النقص العالمي المزمن في معدات الوقاية الشخصية بات بين التهديدات الأكثر إلحاحا لقدرتنا المشتركة على إنقاذ الأرواح”.
وأفاد أن المنظمة أرسلت نحو مليوني قطعة منفصلة من معدات الوقاية الشخصية إلى 74 بلدا وتستعد لإرسال كمية مشابهة إلى 60 دولة أخرى[12] .
ثالثا: أثر كورونا على النظم الصحية
نماذج دولية: الولايات المتحدة والصين
واجهت الصين والولايات المتحدة تداعيات كبيرة جراء انتشار فيروس كورونا في البلدين، وقد ساهمت حرب الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في تعظيم تلك التأثيرات، وفيما يلى أهم تأثيرات فيروس كورونا على البلدين:
بالنسبة للصين:
تصنيف الصين كمصدر للأوبئة
أثر ظهور فيروس كورونا المستجد في سوق حيوانات بمدينة ووهان الصينية على سمعة الصين؛ خصوصا أنها ليست المرة الأولى لظهور كورونا بالصين، فقد ظهر فروس سارس في الصين أيضا عام 2002، وأصبح من المحتمل ظهور فيروسات جديدة في المستقبل بنفس الطريقة، ويشير ذلك أيضا إلى ضعف قدرة الدولة على الرقابة على الأسواق مما يجعلها عرضة لتفشي فيروسات مستجدة[13] .
عزل مدينة ووهان
قامت الصين باتخاذ التدابير القصوى للحجر الصحي، حيث قامت بعزل مدينة ووهان بشكل كامل عن سائر الصين، وأوقفت كافة وسائل النقل من وإلى ووهان، وقد ساهم نجاح خطة عزل مدينة ووهان عن باقي دولة الصين في جعل التفشي الوبائي للفيروس في الصين تفشي محدود ومحدد في بؤرة واحدة ولم ينتشر في باقي أرجاء الصين.
تكدس المرضى بمستشفيات ووهان
عانت مدينة ووهان من ضغط كبير على المستشفيات والتي لم تتجاوز السبع مستشفيات، وبالتالي لم تكن قدرتها الاستيعابية قادرة على التعامل مع التزايد المستمر في معدل الإصابات، كما عانت المستشفيات أيضا من نقص في الأطقم الطبية، وهو ما دفع السلطات الصينية إلى تدشين مستشفى ميداني كبير بووهان سعة 1000 سرير، كما قامت بإرسال 450 طبيبا لهم خبرة واسعة في التعامل مع الفيروسات مثل ( سارس- إيبولا)[14] .
تفشي الإصابات بين العاملين في المجال الصحي
من بين 78800 مصاب بالصين تعرض أكثر من 3300 فرد من العاملين في القطاع الصحي الصيني للإصابة بفيروس كورونا، وهو ما يعني أن نسبة الإصابة بين الأطقم الطبية تجاوزت ال4% من حجم الإصابات، وقد توفي 13 فردا من الأطقم الطبية بما في ذلك الطبيب Li Wenliang طبيب العيون الذي خضع للرقابة من قبل السلطات الصينية بعد تحذيره زملائه من تفشي فيروس كورونا[15] .
وفي دراسة على 138 مصاب بكورونا داخل مستشفيات ووهان تبين أن هناك 29% من بين إجمالي عدد الإصابات بواقع 40 إصابة من العاملين في القطاع الصحي[16] .
أما بالنسبة للولايات المتحدة
أعلى معدل إصابة على مستوى العالم
تصدرت الولايات المتحدة خريطة إحصاءات كورونا سواء من حيث عدد الإصابات والذي وصل إلى 2 مليون و300 ألف تقريبا بعد انقضاء 20 يوما من شهر يونيو، وهو أعلى معدل إصابة بالفيروس على مستوى العالم، كما بلغ حجم الوفيات 220 ألف حالة وفاة وهو المعدل الأعلى على مستوى العالم ويمثل 9,5% من إجمالي عدد الإصابات، وتعد تلك التداعيات مؤشرا على ضعف النظام الصحي الأمريكي وعدم قدرته على تقليص حجم الإصابات، كذلك ارتفاع نسبة الوفاة يعد مؤشرا على ضعف مستوى الخدمة الطبية وتأخر التعامل مع الحالات المصابة.
ثغرات بمشروع التأمين الصحي
كشفت أزمة كورونا عن وجود ثغرات في نظام التأمين الصحي بالولايات المتحدة والتي ساهمت بدورها في ارتفاع معدل الإصابات، فهناك أكثر من 27 مواطن أمريكي ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 60 سنة خارج نطاق تغطية برنامج التأمين الصحي، ويواجه هؤلاء صعوبة في دفع تكلفة الخدمة الطبية كما أشار مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي أن 28% من هؤلاء لم يكن قادرا على دفع فواتير تكلفة الحصول على خدمات طبية العام الماضي[17] .
تفشي الإصابات بين العاملين في المجال الصحي
بنهاية مايو الماضي بلغ حجم الإصابات بين العاملين في القطاع الصحي أكثر من 60000 حالة إصابة، فيما بلغ عدد الوفيات بين العاملين في القطاع الصحي ما يقرب من 300 حالة وفاة[18] .
نماذج إقليمية
أولا: تركيا
وصل “كوفيد – 19” إلى تركيا في 11 مارس، لكنه سرعان ما ترك بصمة في كل زاوية من زوايا البلاد، وخلال شهر واحد ضرب الوباء 81 ولاية تركية واتسعت بؤرة الوباء في تركيا بسرعة نموّ كانت من بين الأسوأ في العالم – أسوأ من الصين وبريطانيا. وسادت خشية من ارتفاع حصيلة الوفيات بشكل جنوني، ما قد يحوّل تركيا إلى إيطاليا جديدة، إذ كانت إيطاليا في ذلك الوقت الأكثر تضرراً في أوروبا[19].
ومع ذلك فإن تداعيات الفيروس لم تكن بالقاسية على النظام الصحي التركي الذي استطاع استيعابها، ولم يعاني من مخاطر انهيار المنظومة الصحية، أو من هشاشة نظام التأمين الصحي كما هو الحال في الولايات المتحدة، وفيما يلي أهم التداعيات على النظام الصحي التركي:
عدد الإصابات
بلغ عدد الإصابات في تركيا حتى 27 يونيو 194511 محتلة المركز الثالث عشر على مستوى العالم من حيث عدد الإصابات، فيما بلغ عدد الوفيات 5065، وهو ما يعني أن نسبة الوفيات قد بلغت 2,6% من إجمالي عدد الإصابات[20].
الإصابات بين الأطقم الطبية
أفاد موقع France 24 يوم 22 أبريل الماضي أن من بين 95 ألف مريض يوجد حوالي 3474 مصاب من العاملين في القطاع الصحي من بينهم 1307 من الأطباء، والذين توفى منهم 24 موظفا منهم 14 طبيبا حتى ذلك التاريخ[21] .
الضغط على أجهزة التنفس الصناعي
لم تعاني تركيا من أزمة في أجهزة التنفس الصناعي، وذلك لأن تركيا تقوم بتصنيع أجهزة التنفس الصناعي محليا، وعلى العكس قامت تركيا بتقديم المساعدة لعدة دول وقدمت لها أجهزة تنفس صناعي لمواجهة وباء كورونا، ومن بين تلك الدول البرازيل حيث أشاد وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى وارنك، بإرسال تركيا 2072 جهاز تنفس إصطناعي محلي الصنع إلى البرازيل، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها لمساعدة الدول على مكافحة فيروس كورونا[22] .
كثافة المستشفيات
استطاعت تركيا استيعاب حجم الإصابات المتزايد، وذلك بفضل قدرتها على توفير 100 ألف سرير بالمستشفيات مخصصة لمواجهة فيروس كورونا، حيث أكد وزير صحة تركيا أن بلاده قادرة على استخدام تلك الأسرة المنفردة واستخدامها كأسرة عناية مركزة إذا لزم الأمر[23] .
نقص المستلزمات
قامت تركيا باستيراد 500 ألف وحدة من الأدوات التشخيصية من الولايات المتحدة الأمريكية[24]، وذلك لمواجهة زيادة الطلب الناتج عن ارتفاع معدل الإصابات.
ثانيا : ألمانيا
تعد ألمانيا مثل تركيا من الدول التي نجحت في مواجهة أزمة كورونا، وبالتالي فإن التداعيات على المنظومة الصحية كانت بسيطة، ولم يتعرض النظام الصحي لهزة عنيفة كما حدث في إيطاليا أو إسبانيا، وفيما يلي أهم تأثيرات فيروس كورونا على النظام الصحي الألماني:
حجم الإصابات
حتى يوم 27 يونيو 2020 وصل عدد الإصابات بألمانيا إلى 194399حالة إصابة بفيروس كورونا، وهو نفس عدد الإصابات بتركيا تقريبا، أما إجمالي عدد الوفيات فقد بلغ 9026 حالة وفاة، أي ما يعادل 4,6% تقريبا من إجمالي عدد الحالات المصابة[25] .
أسرّة العناية المركزة بالمستشفيات
في الظروف العادية كانت تمتلك ألمانيا 20 ألف سرير عناية مركزة، لكن في ظل التداعيات المتسارعة والضغط على أسرّة العناية المركزة استطاعت ألمانيا مضاعفة عدد أسرّة العناية المركزة ليبلغ لعدد 40 ألف سرير، كما تم تزويد تلك الأسرّة ب30 ألف جهاز تنفس صناعي[26] .
الإصابات بين العاملين الصحيين
أفاد تقرير صادر عن معهد روبرت كوخ الألماني للصحة العامة في الأول من أبريل الماضي أن هناك 2300 حالة إصابة بفروس كورونا بين العاملين الصحيين من الأطباء والتمريض والموظفين بالمستشفيات، ومع ذلك فقد أوضح المعهد أنه يعتقد أن هناك حالات إصابة أخرى لم يتم تسجيلها، وأضاف المعهد أن الرقم ينطبق على العاملين بالمستشفيات فقط وليس العاملين في عيادات الأطباء أو المعامل والمختبرات أو الممرضات العاملات في المنازل أو خدمات صحية خارج منظومة المستشفيات[27] .
اللجوء للأطباء المهاجرين لسد العجز
ناشدت بعض الولايات الألمانية الأطباء المهاجرين بسرعة التوجه نحو إتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيلهم للعمل في مواجهة جائحة كورونا، وقد قال كنوت كولر، المتحدث باسم غرفة الأطباء في ولاية ساكسونيا لموقع مهاجر نيوز: “لقد سجلنا 150 طبيبا مهاجرا حتى الآن”، مضيفا أن هؤلاء الأطباء لا يعملون في الوقت الحالي على الإطلاق، وهو أمر أبدى كولر أسفه بشأنه، قائلا “في الوقت الحالي، يمكننا التعامل مع الموقف بما لدينا من أطباء مسجلين، لأن الأمور في حالة جيدة نسبيًا.. لكن “إذا أصيب المزيد من الأشخاص مع بدء عمليات تخفيف القيود المفروضة حالياً، عندها سنقوم باستدعاء هؤلاء الأشخاص الذين تم تسجيلهم لبدء العمل[28] ” .
وأزمة نقص الأطباء ليست جديدة في ألمانيا، ففي 2018 طالب رئيس اتحاد الأطباء الألمان،أولرتش مونتغومري، بتعيين المزيد من الأطباء في المستشفيات بألمانيا، وأعلن عن وجود خمسة آلاف وظيفة شاغرة في المستشفيات في كافة أنحاء ألمانيا، وقال مونتغومري: “أعباء العمل مرتفعة على نحو واضح سواءً بالنسبة للممرضين أو الأطباء في المستشفيات… لا يمكن مواجهة كثافة العمل في المستشفيات إلا بزيادة العمالة”[29] .
نقص الكمامات والملابس الواقية
عانت ألمانيا نتيجة لتسارع وتيرة انتشار الفيروس إلى نقص حاد في الكمامات، وهذا ما دفع بعض الأطباء إلى تنظيم مظاهرة إلكترونية يشتكون فيها من نقص الكمامات والملابس الواقية، مطالبين بضرورة توفيرها لجميع العاملين في القطاع الصحي سواء ممن يتعاملون مع مرضى كورونا بشكل مباشر أو الذين يتعاملون مع الحالات الأخرى خارج المستشفيات، مما يضعهم على خط المواجهة في معركة احتواء فيروس كورونا[30].
دراسة الحالة: مصر نموذجا
تم اختيار النموذج المصري ليكون دراسة الحالة الرئيسية لهذه الدراسة، وذلك لأن المعهد المصري للدراسات معني بدراسة الشأن المصري على وجه التحديد، كما أن الهدف من الدراسة بشكل عام هو تحديد أوجه القصور والضعف في تجربة منطقتنا العربية والإسلامية بشكل عام في مواجهة كورونا، ومحاولة إيجاد صيغ مستقبلية من خلال الإطلاع على مختلف التجارب من أجل تفادي تلك المشكلات.
في البداية يود الباحث أن يشير إلى عدة نقاط ساهمت في تعظيم تداعيات فيروس كورونا على المنظومة الصحية في مصر وهي:
- النظام الصحي الحالي في مصر هو النظام الرابع الذي أشرنا إليه عند التعريف بنماذج النظم الصحية وهو نموذج الدفع من الجيب THE OUT-OF-POCKET MODEL، وهذا النموذج هو الأكثر انتشارا على مستوى العالم فهناك تقريبا 40 دولة فقط متقدمة استطاعت أن تندمج في النظم الثلاث السابقة، أما باقي دول العالم والتي لا تقل عن 160 دولة والتي تعاني من مشاكل تنموية كثيرة مرتبطة بالفقر والبطالة وانخفاض مستوى التعليم فكلها تتبع هذا النموذج والقائم على قاعدة أساسية وهي أن الأغنياء يحصلون على رعاية صحية والفقراء يمرضون أو يموتون .
- أن هناك معضلة كبيرة قديمة لدى النظم الصحية في مصر متمثلة في ضعف الإنفاق على القطاع الصحي.
- وجود عجز في الأطقم الطبية والتمريض، كذلك عجز الأسرة بالمستشفيات وخصوصا أسرّة العناية المركزة، بالإضافة إلى تراجع دور مستشفيات الحميات وتقليص عددها إلى 40 مستشفى فقط.
كان لابد من الإشارة إلى تلك المعطيات قبل الحديث عن تداعيات الأزمة على النظام الصحي المصري، وفيما يلي أهم التداعيات التي خلفتها أزمة كورونا على النظام الصحي المصري:
توقف مشروع التأمين الصحي الشامل
وفق ما أعلنته وزارة الصحة أن عام 2020 سيشهد استكمال افتتاح وتشغيل مشروع التأمين الصحي الشامل الجديد بباقي محافظات المرحلة الأولى وهي ( الأقصر- جنوب سيسناء- أسوان- السويس- الإساعيلية )، ذلك بالإضافة إلى بورسعيد التي بدأ فيها المشروع في يوليو من العام الماضي 2019، حيث كان من المزمع تدشين المرحلة الثانية من المرحلة الأولى في مارس الماضي من خلال إدخال محافظتين جديدتين داخل المنظومة وهما محافظتي الأقصر وجنوب سيناء[31] .
يذكر أن مراحل تنفيذ المشروع تنقسم إلى 6 مراحل، وأن تنفيذ المشروع وفقا لما هو مخطط له يتطلب 15 عاما بداية من عام 2018 وحتى عام 2033، وأن المرحلة الأولى التي بدأت في منتصف 2018، وافتتحت بشكل تجريبي في منتصف 2019، ثم يشكل رسمي في 26 نوفمبر 2019، كان من المنتظر أن تنتهي منتصف العام القادم 2021.
توقف برنامج المبادرات الرئاسية
من التداعيات المهمة والمباشرة التي حلت بالنظام الصحي المصري توقف برنامج المبادرات الرئاسية في المجال الصحي، والتي يعتبرها عبد الفتاح السيسي أحد أهم ركائز إصلاح المنظومة الصحية إضافة إلى التأمين الصحي الشامل.
فقد أطق عد الفتاح السيسي في أكتوبر 2018 حملة 100 مليون صحة للكشف المبكر عن فيروس سي والأمراض غير السارية (الأمراض المزمنة) مثل الضغط والسمنة والسكر، كما تم إطلاق مبادرة القضاء على قوائم الانتظار في عام 2018، مبادرة الكشف عن الأنيميا والتقزم والسمنة والتي تم إطلاقها في عام 2019، مبادرة دعم صحة المرأة والتي تستهدف الكشف عن سرطان الثدي وكافة الأمراض المتعلقة بالرحم وأورام الرحم وهشاشة العظام والصحة الإنجابية. مبادرة الكشف المبكر للديدان المعوية وعلاجها بالمدارس الابتدائية[32] .
ويعتقد الباحث أن من أهم أسباب توقف برنامج المبادرات أنه كان قائما على الحشد الجماهيري في إطار دعائي لعبد الفتاح السيسي، وقد ساهمت أزمة كورونا في القضاء على ظاهرة الحشد، كما أن الضغط على المستشفيات ساهم بشكل كبير في توقف مبادرة القضاء على قوائم الانتظار.
طلب قرض من البنك الدولي
أعلن البنك الدولي في 16 يونيو 2020 أن مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي وافق على مشروع قرض بقيمة 400 مليون دولار لمساندة نظام التأمين الصحي الشامل الذي تطبقه مصر في إطار سعيها نحو تعميم التغطية الصحية للمواطنين وتحسين النواتج الصحية.
و جاء بالبيان أن المشروع يأتي أيضا مُكمِّلا لمشروع الاستجابة الطارئة للتصدي لفيروس كورونا الذي يموله البنك الدولي، ويهدف إلى المساعدة في التغلب على التحديات التشغيلية العاجلة، وتقديم المساندة للمجالات المهمة التي تم تحديدها كفجوات رئيسية في الاستجابة الوطنية لمصر في مواجهة جائحة كورونا[33].
كما أن البنك الدولي قدم لمصر في مايو الماضي 50 مليون دولار كاستجابة طارئة في إطار حزمة التمويل السريع التي أقرتها مجموعة البنك الدولي لمواجهة فيروس كورونا، يأتي ذلك في إطار حزمة مساعدات دولية أقرها البنك تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار ويمثل دعًما فوريا لمساعدة الدول الأعضاء بالبنك على التكيف مع الآثار الصحية والاقتصادية نتيجة انتشار فيروس كورونا[34].
جدل حول عدد الإصابات بكورونا
بلغ إجمالي عدد الإصابات المعلن عنها حتى يوم 24 يونيو 59561 حالة إصابة من بينها 2450 حالة وفاة، وبتالي فإن نسبة الوفيات قد بلغت 4,11%، لكن لغطا كبيرا نشأ في مصر وخارجها حول الأعداد الحقيقية المصابة بفيروس كورونا، كان آخرها استطلاع تليفوني أجراه مركز بصيرة التابع لمجلس الوزراء المصري، وأظهرت نتائج المسح أن نسبة الذين ذكروا أنهم أصيبوا بالمرض قد بلغت 10,1 لكل ألف من السكان في العمر من 18 سنة فأكثر وهو ما يعادل 616 ألف مصري حسب تقديرات المركز[35] .
ويعتقد الباحث أن أسباب ازدياد الحديث حول عدم دقة الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة المصرية البروتوكول الذي وضعته وزارة الصحة بعدم عمل مسحات P C R إلا للحالات التي تعاني من أعراض، وهو ما استنكرته نقابة الأطباء، وأطلقت عليه منى مينا – وكيل نقابة الأطباء- البروتوكول القاتل[36]، والتي أكدت أن الهدف منه هو تقليل عدد المسحات لتقليل عدد الإصابات المعلن عنها دون النظر إلى تداعيات ذلك البروتوكول على تسريع معدل انتشار الوباء في مصر.
عدم قدرة المستشفيات على استيعاب المصابين
لم تستطع المستشفيات الحكومية المصرية مواجهة ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهو ما دفع وزيرة الصحة إلى اعتماد بروتوكول العزل المنزلي للمرضى، للحالات التي لا تعاني من أعراض أو ذات الأعراض البسيطة كما أكدت وزارة الصحة.
وقد أشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في 21 مايو أنه تم تطبيق العزل المنزلي للحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد19” ذات الإصابات البسيطة، وسيتم التوسع في تطبيق هذا السيناريو الفترة المقبلة بسبب زيادة حالات الإصابة، قائلا: “كنا استخدمنا نُزل الشباب والمدن الجامعية لأماكن العزل، لكن مع استمرار التزايد في الحالات، سنصل لمرحلة أن مستشفيات العزل ومدن الشباب والمدن الجامعية ستمتلئ[37] .
عدم جاهزية مستشفيات الحميات
أشرنا في دراسة سابقة تحت عنوان (هل مصر مرشحة لأن تصبح بؤرة لتوطن فيروس كورونا؟) إلى وجود خلل بنيوي في مجال صنع السياسات الصحية في مصر المرتبط بترتيب الأولويات بين المكون العلاجي والمكون الوقائي، وأوضحنا أن مستشفيات الحميات وهي من مرتكزات المكون الوقائي عانت في مصر كثيرا من التهميش وتقليص عددها وعدم التطوير ونقص الإمكانات، وبالتالي لم تكن مجهزة لمواجهة أزمة كورونا، ولم تقم بدورها الأساسي كمستشفيات للعزل، واقتصر دورها على المناظرة والتشخيص[38] .
إغلاق العيادات الخارجية بالمستشفيات
ترتب على عدم جاهزية مستشفيات الحميات، كذلك زيادة الضغط على مستشفيات وزارة الصحة قيام وزيرة الصحة باتخاذ قرار في 24 مارس الماضي بإيقاف العمل نهائيًا داخل العيادات الخارجية الخاصة بمستشفيات التأمين الصحي وهيئة المستشفيات التعليمية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية، باستثناء صرف العلاج الشهري المتكرر من عيادات التأمين، على أن يتم الصرف مجمع لمدة 3 أشهر، وينوب عن كبار السن أحد ذويهم للصرف بالمستندات اللازمة، كذلك اقتصار العمل بالمستشفيات العام والمركزي على استقبال الحالات الطارئة وإغلاق كافة العيادات الخارجية بالمستشفيات ونقلها إلى مراكز ووحدات طب الأسرة طبقا للخطة الموضوعة من كل مديرية، تفعيل عيادات التخصصات الأساسية فقط ( الباطنة العامة – الأطفال – أمراض النسا والتوليد – الجراحة العامة – جراحة العظام ) بالمراكز والوحدات الصحية بالتعاون بين أطقم المستشفيات وأطقم الوحدات الصحية[39] .
إصابات الأطقم الطبية
هناك حالة من عدم الوضوح وربما عدم الفهم لمكونات الموارد البشرية العاملة في القطاع لصحي بمصر، فلا يوجد أي حديث إلا عن إصابات الأطباء فقط دون الإشارة إلى باقي العاملين بالقطاع الصحي من تمريض وعاملين إداريين وأطقم معاونة وأمن ومسعفين، ويرجع ذلك إلى أن نقابة الأطباء في مصر مازالت تنبض بالحياة وتصدر بيانات متتالية عن الإصابات والوفيات بين أعضائها، وقد أكدت نقابة الأطباء أن عدد الوفيات قارب على 100 حالة وفاة بين أعضائها، بالإضافة إلى 3 آلاف حالة إصابة[40].
نتائج الدراسة:
بعد أن قمنا بتحديد مفهوم النظام الصحي ومكوناته، ثم ألقينا الضوء على تداعيات فيروس كورونا على النظام الصحي بشكل عام والتحديات التي واجهها النظام الصحي العالمي، ثم عرضنا لبعض النماذج الدلية والإقليمية مع التركيز على الحالة المصرية كدراسة حالة رئيسية للدراسة، فقد توصلنا إلى عدة نتائج مركزية وهي:
أولا: بالنسبة للنظام الصحي العالمي
- هناك تأثيرات عديدة على النظام الصحي العالمي بكل عام متمثلة في نقص الأدوات والمستلزمات ونقص أجهزة التنفس الصناعي ونقص الكوادر الطبية والتمريض ونقص في غرف العناية المركزة والأسرة بالمستشفيات، لكن تلك الأمور استطاعت العديد من الدول التغلب عليها مثل الصين وألمانيا والولايات المتحدة وتركيا، حتى مصر استطاعت التغلب بشكل جزئي على بعض تلك المشكلات مثل مشكلة الأدوات والماسكات والمستلزمات، واتجهت دولا كثيرا لاقتصاديات تصنيع الماسكات والمطهرات وأدوات الوقاية.
- التحدي الذي يواجهه النظام الصحي العالمي هو أنه لم يكن لديه القدرة على التنبؤ بانتشار وباء كورونا، كما أن النظام الصحي الحالي لم يستطع مواجهة الوباء أو إيقافه أو إيجاد عقار فعال للتعامل معه واستطاع الوباء بعد ستة أشهر من حصد أرواح نصف مليون شخص وإصابة 10 مليون.
- هناك تحد آخر مرتبط بكيفية صناعة نظام صحي جديد يتعامل مع مفهوم المخاطر غير المحتملة والحروب البيولوجية المحتملة ضد البشرية في حال ظهور أوبئة جديدة أو تحور كورونا أو استمراره بنفس المعدلات الحالية وعدم تراجعه.
- الدول التي امتلكت نظاما شاملا للتأمين الصحي وبنية صحية قوية استطاعت أن تتعامل مع الأزمة بشكل أكثر نجاحا من الدول التي لا تمتلك تغطية شاملة، ولعل المثال الصارخ في ذلك هو الولايات المتحدة والتي تمتلك أكبر بنية صحية في العالم لكنها تمتلك نظاما تأمينيا لا يكفل التغطية للجميع
ثانيا: النظم التي تم دراستها
- استطاعت الصين عبور الأزمة بشكل جيد، ويعتقد الباحث أن نجاح الصين يرجع بالأساس لنجاحها في عزل ووهان عن باقي أقاليم الصين، وهو ما مكن الصين من توجيه جهودها للقضاء على بؤرة الفيروس في ووهان، لكن في التحليل الأخير تظل سمعة النظام الصحي الصيني سيئة باعتباره دوما البؤرة التي تخرج منها الفيروسات وتصيب العالم بأسره بأضرار بالغة.
- الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في معركة كورونا لأنها لم تستطع إيقاف انتشار الفيروس وأصبحت أكبر بؤرة انتشار على مستوى العالم ويوجد بها 25% من الإصابات تقريبا، كما أن بها أعلى وفيات ما يقارب 50% من الوفيات على مستوى العالم يوجد بالولايات المتحدة، وبها أعلى معدل وفاة يصل إلى 10% تقريبا من جملة الإصابات.
- هناك تشابه بين الحالة التركية وحالة ألمانيا فعدد الإصابات يدور حول الرقم 194500 في الدولتين وذلك في يوم 27 يونيو كما أوردنا سابقا، وعدد سكان الدولتين تقريبا متساوي، لكن تركيا تتميز على ألمانيا في أن نسبة الوفاة 2,6% في حين كانت في ألمانيا 4,6%، أما بالنسبة للتداعيات فقد استطاعت الدولتان عبور الأزمة بأقل خسائر لعدة أسباب أهمها امتلاك نظام تأمين صحي يشمل جميع المواطنين، وتوسيع دائرة الفحص، وتطوير إمكانات غرف العناية المركزة بعد وقوع الأزمة.
- بالنسبة لمصر فبالرغم من أن عدد الحالات المعلن حتى يوم 27 يونيو لم يتجاوز 62 ألف مصاب بكورونا، إلا أن أزمات النظام الصحي المصري كبيرة ويوشك على الانهيار، وذلك لضعف بنية النظام الصحي في مصر، عدم تفعيل نظام التأمين الصحي الجديد، تخبط الإدارة والتصريحات المتضاربة لوزيرة الصحة ووزير التعليم العالي، عدم الدراسة الكافية لإجراءات فتح المجال العام والتي حدثت في ظل تصاعد الحالات وليس بعد الوصول إلى الذروة، تغليب الرؤية الاقتصادية على الرؤية الفنية الاقتصادية منذ بداية الأزمة.
خاتمة:
جعلت أزمة فيروس كورونا مستقبل النظام الصحي ضمن أولويات البحث العلمي، وذلك للتأثيرات العنيفة التي أثرت على المجال الاقتصادي والحريات العامة والسفر والتنقل، وربما مستقبل العديد من النظم السياسية، ومكانة بعض الدول الكبرى، كما أثرت الأزمة على أهداف منظمة الصحة العالمية التي كانت تسعى إلى الارتفاع بمتوسط عمر الإنسان، الحصول على حياة صحية خالية من المتاعب، حماية الحوامل وذوي الأمراض المزمنة من المخاطر، وأثبتت عدم قدرة النظام الصحي الحالي على مواجهة التحديات الفيروسية المحتملة، وبالتالي فإن هناك نظاما صحيا جديدا سوف تتكون ملامحه في السنوات القليلة القادمة يرتكز على المكون الوقائي ومفهوم الصحة العامة أكثر من المكون العلاجي الذي يتعامل مع الحالات التي يسهل التنبؤ بحدوثها.
الهامش
[1] – منظمة الصحة العالمية، الرابط
[2] – What are the health systems blocks? , GAVI CSO Project Fact Sheet No.5 December 1, 2013, link
[3] – منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، الرابط
[4] – P N H P, Health Care Systems – Four Basic Models, link
[5] – Tomas Castanheira, 16 April 2020, With the collapse of health care system, Ecuador is the epicenter of the coronavirus crisis in Latin America, from wsws.org, link
[6] – Jessica Glenza , Up to 43m Americans could lose health insurance amid pandemic, report says, from The Guardian, link
[7]– SOO KIM ON 4/3/20, Over 100 Doctors and Nurses Have Died Combating Coronavirus Across the World, from News Week, link
[8] Hindustan times, 6may2020, 548 doctors, nurses, paramedics infected with Covid-19 across India: Report, link
[9] – آيه دعبس، 15 يونيو 2020، عضو نقابة الأطباء: وفاة 3 أطباء بسبب كورونا.. وارتفاع العدد ل67، من اليوم السابع، الرابط
[10] – محمد فتحي، 23 يونيو 2020، نقابة الأطباء رافضة تصيحات مدبولي: نقدم أروع مثال للتضحية منذ بداية كورونا، من الشروق، الرابط
[12] – الحرة، 28 مارس 2020، التهديد الأكثر إلحاحا..تحذيرات من نقص معدات الوقاية للطواقم الطبية، الرابط
[13] – غيمان فخري، 6 فبراير 2020، كيف تدير الصين أزمة انتشار فيروس كورونا؟، من مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الرابط
[14] – سكاي نيوز العربية، 26 يناير 2020، بالصور: الصين تبني مستششفى في عشرة أيام لمواجهة الفيروس، الرابط
[15] – BUSINESS INSIDER, 4 MAR 2020, Nearly 3,400 Chinese healthcare workers have gotten the coronavirus, and 13 have died, link
[16] -JAMA NETWORK, 7 FEBRUARY2020, Clinical Characteristics of 138 Hospitalized Patients With 2019 Novel Coronavirus–Infected Pneumonia in Wuhan, China, LINK
[17] – Hillary Hoffer, 10 march 2020, The US’ broken healthcare system is why the coronavirus is set to explode in America, from BUSINESS INSIDER, link
[18] – Mario Tama/Getty Images, 28 may 2020, COVID-19 Has Killed Close To 300 U.S. Health Care Workers, New Data CDC Shows, from SHOTS – HEALTH NEWS FROM NPR, LINK
[19] – أورلا غيرين، 30 مايو2020، فيروس كورونا: كيف نجحت تركيا في احتواء الوباء؟، من BBC عربي، الرابط
[20] – راجع worldometers، الرابط
[21] – موقع France24، 22 أبريل 2020، تركيا: إصابة 3474 عاملا في المجال الصحي بينهم 1307 طبيبا، الرابط
[22] – أحمد زكريا 24 يونيو 2020، وزير الصناعة التركي: نشعر بالفخر لتزويدنا البرازيل بأجهزة التنفس الاصطناعي، من وكالة أنباء تركيا، الرابط
[23] – رقية مصطفى، 19 مارس 2020، وزير صحة تركيا، جاهزيتنا على اعلى مستوى لمواجهة كورونا، وكالة أنباء تركيا، الرابط
[24] – المصدر السابق
[25] – راجع worldometers، الرابط
[26] – حسن زنيند، 8 أبريل 2020، احتواء كورونا: سبعة مفاتيح لفهم انبهار الفرنسيين بالألمان، من دويتشه فيله، الرابط
[27] – The local, 2 April2020, more than 2000 medical staff infected with coronavirus in germany, link
[28] – دويتشه فيله، 24 أبريل 2020، ألمانيا تطلب مسعدة الأطباء المهاجرين لمكافحة كورونا، الرابط
[29] – دويتشه فيلا، 25 ديسمبر 2018، خمسة آلاف وظيفة شاغرة للأطباء بمستشفيات ألمانيا، تاريخ الاسترداد 2020، الرابط
[30] – سكاي نيوز العربية، 28 أبريل 2020، خلعوا ملابسهم من أجل الكمامات.. أطباء ألمان يحتجون عرايا، الرابط
[31] – عبد المجيد عبد الله، 21 مارس 2020، تأجيل تطبيق التأمين الصحي الشامل بمحافظة الأقصر، من عالم المال، الرابط
[32] – الهيئة العام للاستعلامات، 30 ديسمبر 2019، المبادرات الرئاسية في مجال الصحة خلال عام 2019، الرابط
[33] – راجع البنك الدولي، 16يونيو2020، مصر: البنك الدولي يقدم 400 مليون دولار لمساندة نظام التأمين الصحي الشامل، الرابط
[34] – Relief web,17 may 2020, Egypt: World Bank Provides US$ 50 million in Support of Coronavirus Emergency Response under new Fast-Track Facility, link
[35] – هاني الحوتي، 22 يونيو 2020، بصيرة: تقديرات بإصابة 616 ألف مصري بكورونا بعمر 18 سنة فأكثر، اليوم السابع، الرابط
[36] – راجع اليوتيوب، الدقيقة 12، الرابط
[38] – راجع أمجد حمدي، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[39] – وليد عبد السلام، 24 مارس 2020، وزيرة الصحة تتخذ 8 إجراءات ضمن خطة مواجهة كورونا، من اليوم السابع، الرابط
[40] – محمد فتحي، 23 يونيو 2020، نقابة الأطباء رافضة تصريحات مدبولي: نقدم أروع مثال للتضحية منذ بداية كورونا، من الشروق، الرابط
رابط المصدر: