مصطفى فحص
يتحرك المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول الكبرى، تحت ذريعة الخوف من الفراغ. وفي المسألة اللبنانية العالقة منذ التسوية الرئاسية في 2016 والمعلقة منذ انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. تُفرض على اللبنانيين تسويات أكثر ضرراً على الدولة والمجتمع من استمرار الفراغ، وفي نكبة اللبنانيين النووية تحاول بعض القوى الدولية وفي مقدمتها فرنسا تحويل الكارثة إلى فرصة لإنجاز تسوية يبدو أنها لا تقل سوءاً عن سابقاتها التي أبرمت في العقدين الأخيرين.
كارثة انفجار مرفأ بيروت التي من المفترض أن تُغير مسار التاريخ كما أثرت كارثة تشيرنوبيل على مسار الاتحاد السوفياتي، وَجد فيها ثنائي السلطة الحاكمة «حزب الله» والتيار العوني فرصة لفك عزلتهما الدولية من خلال استثمار مأساة اللبنانيين سياسيا، عبر رضوخ جزء للمطالب الدولية وليس الوطنية في معالجة الأزمات المتراكمة، وآخرها أزمة الانفجار النووي. لذلك قررت التخلي سريعاً عن حكومة العهد الثانية بعدما التقطت إشارة فرنسية بضرورة تشكيل حكومة توافق وطني أو وحدة وطنية، وهي فرصة العهد والقوى السياسية لإعادة ترتيب مواقعها في السلطة بعدما تراجعت تحت ضغط انتفاضة تشرين والأزمة الاقتصادية والعزلة الدولية.
سارعت هذه القوى السياسية إلى التقاط الإشارات الفرنسية، التي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون، حيث تحاول بلاده استثمار الوقت الضائع الأميركي وانشغال إدارة البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية، لتقديم عرض للخروج من الأزمة تناسب تفاصيله الطبقة السياسية، ويساعدها على إعادة تعويم نفسها.
عرض الرئيس ماكرون الغامض ما بعد الكارثة، يشبه إلى حد بعيد موقف الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما من الثورة السورية، الذي تراجع في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربة تأديبية لنظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد سكان غوطة دمشق، وذلك للحفاظ على استمرار المفاوضات السرية بينه وبين طهران حول ملفها النووي، الأمر الذي غير توازنات القوة، وسمح لطهران وموسكو امتلاك زمام المبادرة والقضاء على المعارضة السورية وتطويع ثورة الشعب السوري. وهذا ما يضاعف قلق انتفاضة 17 تشرين، حيث من الممكن أن يُحول عرض ماكرون للسلطة (الكارثة إلى فرصة) تُعيد إنتاج نفسها على حساب تطلعات غالبية اللبنانيين، وذلك في إطار مساعي باريس لحجز مقعد على طاولة المفاوضات الدولية مستقبلاً مع طهران، أو بسبب قلق من مفاوضات إيرانية أميركية سرية تجري عشية الانتخابات الأميركية.
المبادرة الفرنسية دفعت المنظومة اللبنانية الحاكمة بشقيها، موالاة ومعارضة، إلى الاستعجال في طرح الأسماء المحتملة، خصوصاً «حزب الله» الذي يعول على قبول الرئيس الحريري التكليف، وذلك انسجاما مع مطالب باريس خارجياً ولضرورات داخلية يفرضها اقتراب نطق المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري بالاتهام.
إلا أن أزمة تكليف الحريري ترتبط بشروط وشروط مقابلة، فالحريري تقابله صعوبة في تشكيل حكومة أقطاب يستثني فيها الوزير السابق جبران باسيل، لأن ذلك سيعتبر ضربة قاضية لعهد ميشال عون وانتصاراً لخصوم باسيل وفي مقدمتهم وليد جنبلاط ونبيه بري وسمير جعجع، لكن مُعضلة الحريري الكبرى أن دولاً عربية فاعلة، لن تتعاون مع حكومته إذا كانت تخضع لشروط «حزب الله». في المقابل فإن الحزب الذي يريد تشكيل حكومة تقطيع الوقت حتى اتضاح المشهد الانتخابي الأميركي، يرفض بالمطلق القبول بتحقيق دولي وبتقليص نفوذه في السياسة الخارجية أو في السماح لباقي الفرقاء بتسديد ضربة معنوية لحليفه ميشال عون، كما أن طهران المعنية الأولى في شكل التسوية تفضل إنجازها مع واشنطن مباشرة وليس عبر وسيط فرنسي، وهي غير مستعدة لتقديم تنازلات بمستوى الكارثة، وهذا كان واضحاً على لسان رئيس مجلس القضاء الأعلى والوريث المحتمل للمرشد إبراهيم رئيسي، الذي قال معلقاً بعد مظاهرة بيروت الأخيرة، التي رفعت شعارات معادية للنفوذ الإيراني وتتهم «حزب الله» بالفساد وحماية الفاسدين بقوله «لا يمكن لأي مؤامرة أن تنال من المقاومة اللبنانية».
المستغرب في كلام رئيسي أن المتذرعين بالمقاومة للسيطرة على السلطة لم يوجهوا أي اتهام لإسرائيل بالضلوع في تفجير بيروت، حتى أن نصر الله في خطابه الأخير لم يضعها في موقع المشتبه به، فاستبعاد إسرائيل يمكن ربطه بأمرين؛ الأول أن الحزب لا يريد أن يتورط في الرد حتى لا يفتح التساؤلات حول مفهوم توازن الرعب الذي يقول إنه قد فرضه على العدو الإسرائيلي، أما الأمر الثاني فقد تكون مبادرة حسن نوايا تجاه ماكرون الذي أصر على لقاء قيادة من الحزب أثناء زيارته لبيروت.
ولكن ما غاب عن بال دعاة تجنب الفراغ وإنتاج تسوية أن اللبنانيين الناجين من قنبلة نووية يستعدون لمواجهة مفتوحة مع المنظومة الحاكمة، وهم الآن يمتلكون بدائل لها وأن مصطفى الكاظمي بنسخته اللبنانية بات حاضراً.
كارثة انفجار مرفأ بيروت التي من المفترض أن تُغير مسار التاريخ كما أثرت كارثة تشيرنوبيل على مسار الاتحاد السوفياتي، وَجد فيها ثنائي السلطة الحاكمة «حزب الله» والتيار العوني فرصة لفك عزلتهما الدولية من خلال استثمار مأساة اللبنانيين سياسيا، عبر رضوخ جزء للمطالب الدولية وليس الوطنية في معالجة الأزمات المتراكمة، وآخرها أزمة الانفجار النووي. لذلك قررت التخلي سريعاً عن حكومة العهد الثانية بعدما التقطت إشارة فرنسية بضرورة تشكيل حكومة توافق وطني أو وحدة وطنية، وهي فرصة العهد والقوى السياسية لإعادة ترتيب مواقعها في السلطة بعدما تراجعت تحت ضغط انتفاضة تشرين والأزمة الاقتصادية والعزلة الدولية.
سارعت هذه القوى السياسية إلى التقاط الإشارات الفرنسية، التي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون، حيث تحاول بلاده استثمار الوقت الضائع الأميركي وانشغال إدارة البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية، لتقديم عرض للخروج من الأزمة تناسب تفاصيله الطبقة السياسية، ويساعدها على إعادة تعويم نفسها.
عرض الرئيس ماكرون الغامض ما بعد الكارثة، يشبه إلى حد بعيد موقف الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما من الثورة السورية، الذي تراجع في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربة تأديبية لنظام الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد سكان غوطة دمشق، وذلك للحفاظ على استمرار المفاوضات السرية بينه وبين طهران حول ملفها النووي، الأمر الذي غير توازنات القوة، وسمح لطهران وموسكو امتلاك زمام المبادرة والقضاء على المعارضة السورية وتطويع ثورة الشعب السوري. وهذا ما يضاعف قلق انتفاضة 17 تشرين، حيث من الممكن أن يُحول عرض ماكرون للسلطة (الكارثة إلى فرصة) تُعيد إنتاج نفسها على حساب تطلعات غالبية اللبنانيين، وذلك في إطار مساعي باريس لحجز مقعد على طاولة المفاوضات الدولية مستقبلاً مع طهران، أو بسبب قلق من مفاوضات إيرانية أميركية سرية تجري عشية الانتخابات الأميركية.
المبادرة الفرنسية دفعت المنظومة اللبنانية الحاكمة بشقيها، موالاة ومعارضة، إلى الاستعجال في طرح الأسماء المحتملة، خصوصاً «حزب الله» الذي يعول على قبول الرئيس الحريري التكليف، وذلك انسجاما مع مطالب باريس خارجياً ولضرورات داخلية يفرضها اقتراب نطق المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري بالاتهام.
إلا أن أزمة تكليف الحريري ترتبط بشروط وشروط مقابلة، فالحريري تقابله صعوبة في تشكيل حكومة أقطاب يستثني فيها الوزير السابق جبران باسيل، لأن ذلك سيعتبر ضربة قاضية لعهد ميشال عون وانتصاراً لخصوم باسيل وفي مقدمتهم وليد جنبلاط ونبيه بري وسمير جعجع، لكن مُعضلة الحريري الكبرى أن دولاً عربية فاعلة، لن تتعاون مع حكومته إذا كانت تخضع لشروط «حزب الله». في المقابل فإن الحزب الذي يريد تشكيل حكومة تقطيع الوقت حتى اتضاح المشهد الانتخابي الأميركي، يرفض بالمطلق القبول بتحقيق دولي وبتقليص نفوذه في السياسة الخارجية أو في السماح لباقي الفرقاء بتسديد ضربة معنوية لحليفه ميشال عون، كما أن طهران المعنية الأولى في شكل التسوية تفضل إنجازها مع واشنطن مباشرة وليس عبر وسيط فرنسي، وهي غير مستعدة لتقديم تنازلات بمستوى الكارثة، وهذا كان واضحاً على لسان رئيس مجلس القضاء الأعلى والوريث المحتمل للمرشد إبراهيم رئيسي، الذي قال معلقاً بعد مظاهرة بيروت الأخيرة، التي رفعت شعارات معادية للنفوذ الإيراني وتتهم «حزب الله» بالفساد وحماية الفاسدين بقوله «لا يمكن لأي مؤامرة أن تنال من المقاومة اللبنانية».
المستغرب في كلام رئيسي أن المتذرعين بالمقاومة للسيطرة على السلطة لم يوجهوا أي اتهام لإسرائيل بالضلوع في تفجير بيروت، حتى أن نصر الله في خطابه الأخير لم يضعها في موقع المشتبه به، فاستبعاد إسرائيل يمكن ربطه بأمرين؛ الأول أن الحزب لا يريد أن يتورط في الرد حتى لا يفتح التساؤلات حول مفهوم توازن الرعب الذي يقول إنه قد فرضه على العدو الإسرائيلي، أما الأمر الثاني فقد تكون مبادرة حسن نوايا تجاه ماكرون الذي أصر على لقاء قيادة من الحزب أثناء زيارته لبيروت.
ولكن ما غاب عن بال دعاة تجنب الفراغ وإنتاج تسوية أن اللبنانيين الناجين من قنبلة نووية يستعدون لمواجهة مفتوحة مع المنظومة الحاكمة، وهم الآن يمتلكون بدائل لها وأن مصطفى الكاظمي بنسخته اللبنانية بات حاضراً.
رابط المصدر: