دروس من إنجاز الإمارات: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، ولماذا يبقى دور الولايات المتحدة مركزياً

ديفيد ماكوفسكي

 

في سياق تحليل مغزى الإعلان البالغ الأهمية في 13 آب/أغسطس بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، من المهم أن نفهم كيف تطوّرت الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة على مدار هذا العام. ومن الإنصاف القول إن أياً من المشاركين لم يتوقّع هذه النتيجة في بداية عام 2020، والطريقة التي وصلوا بها إلى هذه النتيجة تكشف الديناميكيات الدبلوماسية بين واشنطن وإسرائيل والحكومات العربية.

كيف أصبح الضمّ تكتكة الساعة

عندما كشفت إدارة ترامب النقاب عن خطة السلام الإسرائيلية – الفلسطينية التي طال انتظارها في 28 كانون الثاني/يناير، رفضها الفلسطينيون تماماً باعتبارها غير عادلة لمصالحهم. ورداً على ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – مباشرة قبل انتخاباته الثالثة وغير الحاسمة على التوالي – أن على إدارة ترامب أن تسمح لإسرائيل بأن تضم من جانب واحد ما يقرب من 30 في المائة من الضفة الغربية المخصصة لإسرائيل في الخطة الأمريكية. وأصرّت الإدارة الأمريكية على أن يتريث نتنياهو إلى ما بعد انتخابات آذار/مارس، خوفاً من مظهر التدخل الأمريكي في عملية الاقتراع.

وفي 20 نيسان/أبريل، توصل نتنياهو ومنافسه بيني غانتس إلى اتفاق ائتلاف من شأنه أن يسمح لرئيس الوزراء بطرح عملية الضمّ أمام مجلس الوزراء والكنيست للتصويت عليها في الأول من تموز/يوليو على أقرب تقدير، شريطة أن تتمكن إسرائيل من ضمان “الموافقة الكاملة” للولايات المتحدة وتجنّب تعريض معاهدات السلام التي أبرمتها مع مصر والأردن للخطر. وولّد هذا التاريخ المستهدف عداً تنازلياً دولياً لعملية الضمّ – وبالتالي، حافزاً للضغط الأجنبي المباشر وغير المباشر الذي منع الضمّ في النهاية.

أما في الولايات المتحدة، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن جو بايدن كان يتصدر السباق الرئاسي بشكل ملحوظ، وأنه عارض علناً عملية الضمّ، لذلك خشي نتنياهو من تداعيات العملية على إسرائيل إذا ما حاول تنفيذ هذه السياسة في موعد قريب جداً من تاريخ الانتخابات الأمريكية. وفي غضون ذلك، خشي العديد من المسؤولين الأمريكيين والأجانب من أن تؤدي عملية الضمّ إلى نهاية حل الدولتين وخلق مشاكل في المنطقة – بدءاً من القادة الأوروبيين مروراً بالديمقراطيين في الكونغرس (حيث وقّع 191 منهم على عريضة ضد الفكرة) وصولاً إلى العاهل الأردني الملك عبدالله (الذي حذر علناً  من “الصدام الكبير” مع إسرائيل، مردّداً مجموعة من المسؤولين العرب الذين يعبّرون عن مخاوفهم بصورة غير علنية إلى البيت الأبيض).

وفي إسرائيل، أشار مسؤولو الأمن القومي المتقاعدون إلى أن الخطوة لن توفر أي ميّزة استراتيجية لبلدهم. كما عارضته عناصر من الجناح اليميني، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة تماماً – ولم يرغب قادة المستوطنين في أن يتنازل نتنياهو عن 70 في المائة من الضفة الغربية لدولة فلسطينية مستقبلية، كما دعت إلى ذلك الخطة الأمريكية.

وفي ظل عدم توقّع إدارة ترامب شدة رد الفعل العنيف ضد خطتها، فقد كانت مستاءة من نتنياهو لتصويره الاقتراح باعتباره خطة ضمّ وليس خطة سلام. ووفقاً لذلك، تغيّرت نبرة واشنطن في وقت قريب من زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 13 أيار/مايو إلى إسرائيل. وبدأ المسؤولون الأمريكيون يصرّون على توصُّل نتنياهو إلى إجماع حول هذه المسألة مع شريكيه في الائتلاف غانتس وغابي أشكينازي، آملين على ما يبدو في تضييق نطاق حصول أي ضمّ، وربما تهدئة النفوس. ولكن لم يكن واضحاً على الإطلاق ما إذا كان بإمكان المسؤولين إيجاد نقطة استفادة قصوى تُطمئن كافة الأطراف المعنية – نظرائهم في أوروبا والشرق الأوسط. ومع ذلك، أوضح كبار المسؤولين الأمريكيين أن البيت الأبيض برئاسة ترامب قد يفضل تجنب إبعاد نتنياهو خلال عام تشهد فيه الولايات المتحدة انتخابات رئاسية.

وقد تغيرت المقاربة الأمريكية مجدداً في أواخر حزيران/يونيو، حين أوفد جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، مساعده الخاص آفي بيركوفيتش إلى إسرائيل للحث على إدخال “تعويض” الأراضي كجزء من صفقة الضمّ. وعلى وجه التحديد، أصرّت الإدارة الأمريكية على أن تقدّم إسرائيل إلى الفلسطينيين في المقابل، نحو 6 في المائة من المنطقة “ج” (60 في المائة من الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل) وفقاً لبعض التقارير، لكي يتمكن البيت الأبيض من الادعاء بأن الضمّ لم يكن أحادي الجانب وأن كل طرف سيكسب المساحة نفسها من الأراضي تقريباً. غير أن نتنياهو رفض هذا الاقتراح، ويعود السبب على الأرجح إلى أن قاعدته من المستوطنين تعارض بشدة التخلي عن أي شبر من المنطقة “ج”. وربما اعتقَدَ أنه ما زال بإمكانه إقناع ترامب مباشرة بفكرة أن الضمّ الأحادي الجانب من شأنه أن يحفّز القاعدة الإنجيلية الأمريكية خلال الحملة الانتخابية. ومع ذلك، أشار مسؤول أمريكي منذ ذلك الحين إلى أن البيت الأبيض أصيب بخيبة أمل لأن الإنجيليين الشباب لم يكونوا متحمسين للفكرة على ما يبدو.

كسر الجمود

بحلول الوقت الذي عاد فيه بيركوفيتش إلى الولايات المتحدة في الثاني من تموز/يوليو، كان من الضروري اعتماد مقاربة جديدة. فقد عرض المسؤولون الأمريكيون على إسرائيل فكرة التخلي عن الضمّ بالكامل مقابل إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع الإمارات. وقد أيّد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة هذه الفكرة، علماً بأنه كان قد دعم اقتراح عدم اعتداء سابق في عام 2019. وقبل أسابيع قليلة من الاقتراح الأخير، كان قد تواصل مع الإسرائيليين في مقالة افتتاحية في صحيفة “يديعوت احرونوت”، كاتباً أنه سيتحتم عليهم الاختيار بين التطبيع والضمّ. وبعد أن تلقّت إسرائيل العرض الذي قدمته الولايات المتحدة، كان ردّها أنه يجب أن تكون معاهدة سلام، وفقاً لأحد كبار المسؤولين العرب.

ومنذ تلك اللحظة فصاعداً، أصبح تركيز العتيبة يتمثل بالحصول على تأكيدات من الولايات المتحدة. ووفقاً للمسؤول العربي نفسه المذكور أعلاه، افترض القادة الإماراتيون أن إدارة بايدن لن تسمح بضمّ أحادي الجانب تحت أي ظرف من الظروف، لكنهم أرادوا الاستعداد لكافة الاحتمالات من خلال الطلب من ترامب وَعْدْ بمعارضة هذه العملية إذا فاز بولاية ثانية. ومن بين الوقائع الأخرى، تعكس عن هذه المقاربة مركزية السياسة الأمريكية في الحسابات الإماراتية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية وافقت على هذا الطلب – ففي 17 آب/أغسطس، عندما سأل الصحفيون كوشنر عن عملية الضمّ، أجاب: “لا نخطط لمنح موافقتنا لبعض الوقت”. ومنذ الإعلان عن الاتفاق الإماراتي، صرّح نتنياهو لصحيفة “إسرائيل هايوم” المتعاطفة قائلاً: لم يترك [البيت الأبيض] الخيار لي. قالوا إن هذا موقفهم”.

ووفقاً لعدة دبلوماسيين، ستعمل إدارة ترامب على زيادة تحسين شروط الاتفاق من خلال الإيعاز إلى الكونغرس الأمريكي بإعفاء الإمارات من بعض القيود على الأقل، المفروضة على المشتريات العسكرية على دول الشرق الأوسط التي تُعتبر بأنها تشكّل تهديدات محتملة على إسرائيل. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان المسؤولون الإسرائيليون سيدعمون هذه الرسالة عندما يطلب منهم أعضاء الكونغرس رأيهم حول رفع هذه القيود.

دروس للدبلوماسية القادمة

الآن وقد تم الإعلان رسمياً عن الاتفاق الإسرائيلي-الإماراتي، لم يتضح بعد تسلسل الخطوات التالية. ومن المرجح أن يدفع الرئيس ترامب باتجاه [إقامة] حفل توقيع على الاتفاق في الولايات المتحدة خلال الشهر المقبل، في خطوة ترمي جزئياً إلى مساعدته في حملة إعادة انتخابه. وقد لا يكون هذا الإطار الزمني طويلاً بما يكفي للبيروقراطيين الإماراتيين والإسرائيليين لتسوية جميع التفاصيل المتعلقة بمجموعة شاملة من القضايا الثنائية (مثل الطيران المدني، والتجارة، والاستثمار، والضرائب، والعلاقات الدبلوماسية / القنصلية). وإذا لم يتمكن البيروقراطيون من تسوية جميع هذه التفاصيل، فقد يضعون تصوراً لاتفاقات متابعة مخصصة لمثل هذه الأمور. ومهما كان التوقيت النهائي، هناك عدة دروس واضحة:

مركزية الولايات المتحدة في صنع السلام بين العرب وإسرائيليؤكد الاتفاق مرة أخرى أن أي اتفاق عربي-إسرائيلي هو في الأساس اتفاق ثلاثي يشمل الولايات المتحدة. وفي غياب التزامات أمريكية تجاه الإمارات، من الصعب تصوّر كَوْن إبرام اتفاق السلام هذا مع إسرائيل أكثر من مجرد أمنية صعبة التحقق. وعلى الرغم من حرص المسؤولين الإسرائيليين على التوصل إلى اتفاقات سلام مع دول خليجية أخرى، إلا أن عليهم أن يفترضوا أن النموذج الحالي – مع تنازلات ثنائية كبيرة توسطت فيها الولايات المتحدة للدول العربية – سيبقى على ما هو عليه.

التوقيت هو المفتاح مجدداً. يجب ألا يغيب عن بال أي طرف الدور الذي يلعبه التوقيت في اتفاقات مماثلة، بما فيها مسار صنع القرار الأمريكي. وفي هذه الحالة، أرادت إدارة ترامب بشدة تحقيق إنجاز دبلوماسي في الشرق الأوسط خلال سباق رئاسي شاق. ويلاحظ المراقبون الإماراتيون أيضاً أن الإمارات تعتبر الاتفاق بمثابة ضمانة سياسية في حال استلام إدارة بايدن الحكم، والتي قد تكون نظرتها إلى الخليج أقل تعاطفاً. ومن المرجح أيضاً أن تكون الحالة الراهنة لوضع إيران النووي وسلوكها الذي يشكل تهديداً متنامياً على دول الخليج قد شجعا على إبرام الاتفاق أيضاً. ومؤخراً، اتخذ مجلس الأمن الدولي قراره المتوقّع منذ فترة طويلة برفض تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران – وهو عامل سيستخدمه الجمهوريون كدليل على سبب السماح للإماراتيين بشراء أسلحة أكثر تطوّراً من الولايات المتحدة إذا رفض الكونغرس تخفيف القيود.

عدم وجود الكثير من المخاطر المحلية على إسرائيل. لطالما آمن نتنياهو بإمكانية الجمع بين دولتين من أكثر دول المنطقة تركيزاً على التكنولوجيا، حيث تتمتع كل واحدة بإجمالي ناتج محلي كبير وتقارب استراتيجي لإحباط طموحات إيران. وبالفعل، غالباً ما يصرّح في مقابلاته أن موقفه المتشدد ضد إيران أكسبه نقاطاً مع دول الخليج على مرّ السنين. ولعل الأهم من ذلك، أنه كان قادراً على ما يبدو على التوصل إلى هذا الاتفاق دون تكبّد الكثير من المخاطر السياسية المحلية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن السلام مع الإمارات يحظى بشعبية كبيرة داخل إسرائيل – حيث أفادت “القناة 12” في نهاية الأسبوع المنصرم، أن 77 في المائة من الإسرائيليين الذين تم استطلاعهم يفضلون اتفاق السلام على الضمّ، بينما يفضل 16.5 في المائة فقط عملية الضمّ. وأشار نتنياهو أيضاً إلى أن الضمّ كان البطاقة التي لعبتها واشنطن وليس القدس، كما يتضح من اقتباس “إسرائيل هايوم”.

وهناك دروس محلية أخرى أيضاً يجدر بالجهات السياسية الإسرائيلية الفاعلة أخذها في الحسبان. فقد أقامت مجموعات عبر الأوساط السياسية شراكات غريبة لإحباط عملية الضمّ؛ وجاءت هذه المعارضة في مرحلة حاسمة وتفاقمت بفعل الضغوط التي مارستها إدارة ترامب من أجل التوصل إلى إجماع إسرائيلي. فضلاً عن ذلك، يجب على قيادة المستوطنين أن تشكك الآن في توسعها الواضح. وإذا لم يكن نتنياهو يخشى قاعدته، فمن المحتمل أن يكون قد توصّل إلى حل وسط مع البيت الأبيض ونفّذ ضمّاً جزئياً قبل بروز الاتفاق مع الإمارات.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/lessons-of-the-uae-breakthrough-how-we-got-here-and-why-the-u.s.-role-remai

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M