دلال العكيلي
ربع البشرية يواجه أزمة مياه تلوح معالمها في الأفق، وتشمل هذه الأزمة ندرة المياه التي تبدو غير قابلة للتصديق عندما ننظر إلى حقيقة أنّ 70% من سطح الأرض مكون من المياه لكن يتم استهلاك 80% من المياه المتاحة على السطح أو المياه الجوفية كلّ عام، ويتوقع أن يزداد الطلب العالمي على المياه بنسبة 55% حتى عام 2050، فالماء سيبقى حاجة بشرية لا غنى عنها، وسيحافظ على مكانته كأساس لازدهار الاقتصاد والمجتمعات، إلا أن كثيرًا من بقاع العالم تواجه مشكلة في توفر مصادر المياه الكافية والمستدامة، فعلى الرغم من أن 71% من سطح كوكبنا مغطى بالمياه، فإن نسبة المياه العذبة لا تزيد عن 3% منها، وحتى هذه النسبة لا يستفيد منها البشر كاملة، فجزء كبير منها متجمد أو بعيد في جوف الأرض ويعني هذا أن أقل من 2% من مجمل مياه الكوكب تصلح للاستخدامات البشرية، للشرب والمحافظة على النظافة وري المحاصيل والزراعة (بنسبة 70% من المياه العذبة) والصناعة وإنتاج الطاقة.
إلا أن التزايد المستمر في عدد سكان العالم، وعوامل التغير المناخي، يفاقم بمرور الوقت مشكلة استنزاف موارد المياه العذبة المتاحة على الأرض، فحين ننظر إلى المستقبل القريب نجد أن الأمم المتحدة تقدر بأن عدد سكان الأرض سيرتفع إلى 9.7 مليار نسمة في العام 2050، وتقدر منظمة الصحة العالمية أنه بحلول العام 2025، سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من نقص المياه وتحذر تقارير الأمم المتحدة من مخاطر مواجهة 5 مليارات شخص في العالم صعوبة في الوصول إلى المياه الكافية بحلول العام 2050.
نقص مياه الشرب سيطال 3.2 مليار شخص
كشف تقرير حديث للأمم المتحدة أن ظاهرة الاحتباس الحراري تهدد إمدادات المياه لـ 3.2 مليار شخص حول العالم، بحسب ما نشرته “ديلي ميل” البريطانية، ويوفر الجريان السطحي للمياه من الأنهار الجليدية احتياجات الشرب لعشرات الملايين من البشر، لكن الخسائر القياسية في كتلة الأنهار الجليدية ستؤدي إلى زيادة ندرة المياه في المستقبل ومن المتوقع أن يصل جريان النهر الجليدي إلى أقصى حد عالمياً بحلول نهاية القرن الحالي ثم يبدأ في الانخفاض.
ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة، فإن عدد الأشخاص الذين يعيشون في أماكن لا تمتلك كميات كافية من مياه الشرب سوف يرتفع بنسبة 60% تقريباً في السنوات الـ30 القادمة، وأشار تقرير بعنوان “متحدون في العلم” United in Science صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أنه يتم إدراك مدى فداحة تأثيرات تغير المناخ “غالباً من خلال المخاطر المتعلقة بالمياه، مثل الجفاف أو الفيضانات” وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض عدد الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية في العالم، مما يهدد إمدادات المياه العذبة.
وفي العقد الماضي، عاش 1.9 مليار شخص في أماكن لا تتوافر بها مياه للشرب بكميات كافية. ووفقاً للتقرير، فإن هذا الرقم سوف يرتفع إلى 3.2 مليار بحلول عام 2050، وبحسب ما ذكره المحللون فإن ندرة المياه أصبحت مقياساً متزايد الأهمية في تحديد الجدارة الائتمانية للبلدان أو التصنيف السيادي، مما يضع مزيداً من الضغط على البلدان لمواجهة تغير المناخ، وفي هذا السياق، قال محمود حرب وكاثلين تشين المحللان في وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني: “بينما من المرجح أن تظهر الاضطرابات الناجمة عن تغير المناخ بشكل تدريجي خلال العقود القادمة، فإن مخاطر المياه تتجسد بالفعل على أساس منتظم بما فيه الكفاية وعلى نطاق واسع. ومن المقرر أن ترتفع أهمية مخاطر المياه بالنسبة للتصنيف السيادي” ووفقاً للبنك الدولي، فإنه من المحتمل أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان بنسبة تصل إلى 6% على مدار الـ30 عاماً القادمة نتيجة مشاكل المياه، وبالإضافة للجفاف، يؤدي تغير المناخ أيضاً إلى حدوث الفيضانات. ووفقاً لبيانات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، سترتفع مستويات سطح البحر بأكثر من ثلاثة أقدام في العقود الثمانية المقبلة، ويتعرض حوالي 1.2 مليار شخص حالياً لخطر الفيضانات، وهو عدد سيرتفع إلى 1.6 مليار بحلول عام 2050 وبحسب التقرير، فإن بنغلاديش ورواندا وفيتنام تأتي على رأس قائمة الدول المعرضة لمخاطر الفيضانات.
هل من المحتمل أن يعاني بلدك من نقص المياه؟
من المكسيك إلى تشيلي إلى مناطق أفريقية والمقاصد السياحية الجذابة في جنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، يصل مستوى ما يعرف بـ”الإجهاد المائي”، أي كمية المياه التي يمكن الحصول عليها من المصادر الجوفية والسطحية مقارنة بالكمية المتاحة، إلى مستويات تبعث على القلق، وتواجه دول جنوب أوروبا والدول المتوسطية ضغوطا وتتفاقم المشكلة مع تركيز استغلال الموارد المائية في السياحة
.تعد أكثر من عشر دول، في المناطق القاحلة في الشرق الأوسط، أكثر دول العالم معاناة من الإجهاد المائي، وبرزت الهند كدولة “تواجه تحديات حرجة بشأن استخدامها وإدارتها للمياه التي ستؤثر على كل شيء بدءا من الصحة وحتى تنميتها الاقتصادية” وتعاني دول مثل باكستان وإريتريا وتركمانستان وبوتسوانا من “إجهاد مائي شديد للغاية”.
هل شرب “المياه الخام” من الينابيع أفضل من المياه المعالجة؟
تحتل الهند المرتبة الثالثة عشرة في العالم للدول الأبرز من حيث الإجهاد المائي، أسوأ من باكستان، وتُصنف تسع من ولاياتها وأقاليمها البالغ عددها 36 ولاية على أنها تعاني من “إجهاد مائي شديد للغاية”، وشيناي (مدراس سابقا)، عاصمة ولاية تاميل نادو جنوبي البلاد، عانت مؤخرا من فيضانات وجفاف أيضا، وعانت كيب تاون في جنوب أفريقيا من نقص شديد في المياه عام 2018.
ويقول التقرير: “إن أزمة المياه المستمرة في مدينة شيناي الكبرى تبرز أنواع التحديات التي ستواجه معظم الهند في السنوات المقبلة، والتي تفاقمت بسبب سوء إدارة المياه وتزايد الطلب عليها بسبب الصناعة وحياة الناس اليومية” ويقول المعهد العالمي لحقوق الإنسان إن المكسيك ستواجه موقفا خطيرا كالوضع في الهند إن لم تتخذ أي إجراء.
وصُنفت 15 من مجموع 32 ولاية في البلاد على أنها تعاني من “إجهاد مائي شديد للغاية”، ويشير هوفست إلى أن مدينة مكسيكو سيتي على وجه التحديد لديها “شبكة مياه هشة للغاية” كما صُنفت عشرة من مناطق تشيلي الـ 16 على أنها مناطق تعاني من “إجهاد مائي شديد للغاية”، بما في ذلك العاصمة سانتياغو، وتُصنف بكين عاصمة الصين ونظيرتها الروسية موسكو على أنهما تعانيان من “إجهاد مائي شديد للغاية”، على الرغم من أن البلدين ليسا كذلك.
ويقول هوفست إن “بعض المفاجآت الأخرى” رُصدت في جنوب أوروبا، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا، حيث تؤدي السياحة إلى إجهاد شبكات المياه خلال أكثر شهور السنة جفافا، واعتُبرت أكثر من نصف مناطق إيطاليا البالغ عددها 20 منطقة تعاني من “إجهاد مائي شديد للغاية”، وكذلك ثُلث أقاليم تركيا (أي 27 إقليما) من مجموع 81 إقليما، وتعاني، كذلك، منطقة ويسترن كيب في جنوب أفريقيا، وعشرة من مناطق بوتسوانا الـ 17 ومناطق في ناميبيا وأنجولا من “إجهاد مائي شديد”.
“كورونا” وأزمة شح المياه في العالم العربي
ألقت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) الضوء على مشكلة ندرة المياه في العالم العربي، وهي مشكلة مزمنة، تعانيها معظم الدول العربية إن لم يكن كلها، وقد بذلت لحلها العديد من الجهود، ولكن المؤشرات تؤكد أن هذه الأزمة تستحكم مع مرور الوقت، هناك أزمة في توافر المياه في العالم العربي، وهي أزمة مزمنة تعانيها معظم، الدول العربية إن لم يكن كلها وتقول الإحصائيات الحديثة الصادرة عن الأمم المتحدة إن نحو 87 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون إلى مياه الشرب في أماكن إقامتهم، وتلقي هذه الأزمة بتأثيراتها السلبية الشديدة بطبيعة الحال على إنتاج الغذاء في الدول العربية، ففي ظل نقص المياه المتاحة للشرب أصلاً، هناك نقص هائل في كميات المياه المتاحة للزراعة التي تعد المصدر الرئيسي لإنتاج الغذاء، ومن هنا، فلا غرابة في أن تعتمد الكثير من الدول العربية على الخارج لاستيراد مستلزماتها من الغذاء.
وقد جاءت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) لتسلط الضوء على هذه الأزمة المستفحلة، ذلك أن استخدام المياه مع الصابون لغسل اليدين هو الوسيلة الأفضل للحماية من العدوى بهذا الفيروس الفتاك، الذي أوقف حركة العالم بعد أن غزاه بشكل شرس على حين غرة وحول كوكب الأرض، الذي كنا نفخر أنه صار مع طغيان ظاهرة العولمة قرية صغيرة، إلى جزر منعزلة بعد أن قطع أوصالها ويوصي الخبراء بضرورة غسل اليدين بالماء الدافئ والصابون، للوقاية من الإصابة بالعدوى الفيروسية بشكل عام وفيروس كورونا المستجد بشكل خاص، ولمزيد من النتائج الفعالة يؤكدون أنه يجب القيام بهذه العملية لمدة 20 ثانية في كل مرة، باستخدام الماء الدافئ أو لمدة 30 ثانية إذا كان الماء بارداً، بحسب تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية.
وفي هذا السياق، أفادت دراسة أجرتها الأمم المتحدة، بأن أكثر من 74 مليون شخص في العالم العربي، يفتقرون إلى مرافق غسل الأيدي، وقالت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (الإسكوا) في دراسة نشرتها، إنه “فيما يجمع العالم على أن غسل اليدين بالماء والصابون أفضل وسيلة للوقاية من انتقال فيروس كورونا المستجد، تتحول هذه التوصية البسيطة إلى أمر معقد في المنطقة العربية، حيث يفتقر أكثر من 74 مليون شخص لمرافق غسل الأيدي” وتوقعت الدراسة أن يراوح “معدل زيادة إجمالي الطلب المنزلي على المياه بين أربعة إلى خمسة ملايين متر مكعب يومياً في المنطقة الفقيرة بالمياه أصلاً، وأن “ما يزيد الوضع قتامة عدم كفاية إمدادات المياه المنقولة بالأنابيب للمنازل في 10 بلدان عربية من أصل 22 دولة”.
وإذا كانت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) قد سلطت الضوء على مشكلة نقص المياه في العالم العربي، فإن كل المؤشرات تؤكد أن هذه المشكلة مزمنة، وتتفاقم مع مرور الوقت، الأمر الذي يحتم تكثيف الجهود وتفعيلها من أجل إيجاد حلول مستدامة لها والمطلوب باختصار أن يتم العمل على مستويين: أولهما، الحفاظ على مصادر المياه الموجودة بالفعل من خلال ترشيد عملية الاستهلاك لوقف كميات المياه المهدورة، وثانيهما، إضافة مصادر جديدة، ومنها تحلية مياه البحار والمحيطات على سبيل المثال، والأهم في جميع الأحوال، عدم استخدام الحرمان من المياه سلاحا من أسلحة الحرب في الدول التي تشهد نزاعات.
المصادر
– بي بي سي
– العربية
– مرصد المستقبل
– اليوم السابع
– Emirates Center for Strategic Studies and Research
– سبوتنيك عربي
رابط المصدر: