بهاء النجار
إن الفائدة من وراء دراسة قانون الاحتمالات في التعايش مع فايروس كورونا هو الاستفادة من منطقة الفراغ من الوقاية التي يخلّفها هذا القانون للاستفادة منها في التعايش ، فالأولوية للوقاية ثم التعايش وليس العكس ، بمعنى أن نلتزم بالتوجيهات الصحية الوقائية ومن خلال قانون الاحتمالات يمكننا معرفة المساحة الواسعة للتعايش بأقل الخسائر ، وأقل ما يمكن الالتزام به من إجراءات وقائية هو غسل اليدين خصوصاً قبل لمس الوجه ، والتباعد الاجتماعي ، ولبس الكمامات .
هناك ثلاث عناصر ينبغي معرفتها تتعلق بانتقال الفايروس ، هذه العناصر هي :
1) مصدر الفايروس .
2) الوسط الناقل .
3) أجسامنا .
1) مصدر الفايروس :
فمصدر الفايروس الرئيسي هو الشخص المصاب بالفايروس ، وبالتالي فالوقاية منه تكون في أعلى درجاتها ، ويجب أن نلغي أي تعايش معه إلا للضرورة كعلاجه من خلال المختصين أو ذويه ، ولكن كيف نتعامل مع من يُحتمَل إصابته بالفايروس ؟
إن من الخطأ اعتبار كل الناس مصابين بالفايروس ، لأن ذلك وإن كان جيداً من الناحية الوقائية إلا أنه يعرقل التعايش ، لذا يكون التعامل بواقعية مُطعَّمَة بالحذر ، فإذا كان عدد المصابين واحد لكل ألف شخص تختلف الوقاية عن ما إذا كان عشرة أشخاص لكل ألف ، وبالتالي فزيادة عدد الإصابات في المجتمع ينبغي أن ترافقها زيادة في الوقاية ، ولتطعيم الوقاية بالحذر نعتبر نسبة عدد الإصابات الى عدد السكان مضروبة في عشرة ، أي إذا كانت النسبة المسجلة هي إصابة لكل ألف نسمة فعلينا التعامل معها وكأنها عشر أصابات لكل ألف نسمة، أي واحد بالمائة .
2) الوسط الناقل .
هو كل ما يمكن أن ينتقل به الفايروس ، وأكثر هذه الوسائط خطراً هم الملامسون ، باعتبارهم حلقة الوصل بين المصاب وباقي أفراد المجتمع ، وقد يكون هؤلاء الملامسون مصابين ولكن لا تظهر أعراضهم ، فلو تم عزل الملامس لتمكنا من تقليل الخطر بصورة كبيرة ، ولكن إذا تعاملنا مع الملامس بنفس الدرجة من الوقاية مع المصاب فإن هذا سيؤثر على التعايش ، لذا تكون الوقاية منه بدرجة أدنى بالمستوى الذي يمكننا من التعايش بدون خطر .
إن اعتبار كل الناس ملامسين خطأ يعرقل التعايش ، لذا علينا الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بحدود خمس ملامسين لكل مصاب ، وقد يزداد العدد في المجتمعات التي تتجاهل الفايروس او تفتقد للثقافة الوقائية ، لذا فيمكن ضرب نسبة عدد المصابين الى عدد السكان بخمسة لنعرف نسبة الملامسين في المجتمع ، وإذا أردنا تطعيمها بالوقاية نضرب الناتج بعشرة ، أي إذا كانت نسبة عدد الإصابات المسجلة هي إصابة لكل ألف نسمة فإن نسبة عدد الملامسين المتوقعة هي خمسة بالألف ، ولوقاية أكبر نضربها بعشرة لتكون خمسين بالألف ، أي 5% من المجتمع .
ومن الوسائل الناقلة للفايروس هي المواد التي لامسها المصابون والملامسون لهم ، وتختلف في قدرة الفايروس في المحافظة على فعاليته بحسب نوع المادة ، فالمواد البلاستيكية والمعدنية مثلاً أكثر المواد التي يستطيع الفايروس البقاء عليها فعالاً لفترة أطول وبالتالي يكون تجنبها أكثر من غيرها ، هذا يعني أن الفترة الزمنية لها أثر في الوقاية ، فكلما كانت المواد متروكة لفترة أطول كلما كنا قادرين على التعايش معها بصورة أكبر .
وليس من المعقول أن نتجنب كل المواد التي يُحتمَل لمسها من قبل المصابين والملامسين في المجتمع ، لأن هذا يضر بالتعايش ، لكن هناك أشياء تُستعمل بكثرة من قبل عامة الناس وفي الأماكن العامة (كمقابض الأبواب والحنفيات وأزرار الكهرباء والنقود وما شابه) لذا تكون احتمالية نقل الفايروس من خلال ملامستها واردة ، ويتأكد هذا الأمر في الأماكن التي يكثر فيها تردد المرضى عموماً كالمستشفيات وعيادات الأطباء والمختبرات والصيدليات وغيرها .
وليس من الصحيح تجنب أي مكان عام بحجة الوقاية ، فالأماكن المفتوحة يمكن التعايش فيها بإطمئنان تام ، كما أن الأماكن المغلقة الكبيرة التي تحتوي على عدد قليل من الأشخاص يكون التواجد فيها مقبولاً من الناحية الصحية ، نعم ينبغي الابتعاد عن الأماكن المغلقة الصغيرة او التي تضم عدداً كبيراً من الأشخاص خاصة إذا لم يكونوا ممن يرتدون الكمامات ، وبالخصوص تلك التي يكون الهواء فيها متحركاً وليس ساكناً .
3) أجسامنا :
إن أجسامنا هي التي تنقل الفايروس من المحيط الخارجي الى داخل الجسم ، وبالتالي فعلينا مهمتان رئيسيتان هما : زيادة المناعة ( وهذه خارج موضوع المقالة ) ، وتقليل احتمالية نقل الفايروسات من أيدينا الى الوجه وبالخصوص الأنف والعينين والفم .
ويمكن تقليل هذه الاحتمالية من خلال الاهتمام بتعقيم اليدين وغسلهما خصوصاً قبل لمس الوجه عموماً ، وكذلك محاولة عدم لمس الوجه بأجزاء اليد التي نستخدمها كثيراً في لمس الأشياء ، فمثلاً احتمالية نقل باطن اليد للفايروسات أكثر من ظاهرها لأنه أكثر استخداماً وملامسة للأشياء ، واحتمالية نقل الأصابع للفايروسات أكثر من غيرها من أجزاء اليد ، وهكذا .
إن كثيراً من الناس يعتمد بصورة أساسية على الكمامات في الوقاية من الإصابة من الفايروس ، وهذا تصور خاطئ ، لأن الفائدة الأساسية من الكمامة هو منع نقل الفايروس من الشخص المرتدي للكمامة باعتباره قد يُحتمَل إصابته بالفايروس ، بحيث لو ارتدى الجميع كمامات لمنعنا انتقال الفايروس بشكل كبير جداً ، والفائدة الثانوية من الكمامة هي منع استنشاق الفايروس من المصابين ، وهذه لا تمثل سوى 10% من الفائدة الكلية .
من ذلك نستنتج أن احتمالية الوقاية من الفايروس تكون بتعقيم اليدين والنظافة العامة عموماً أكثر من الوقاية عن طريق الكمامة رغم أهميتها ، ووفق ذلك ينبغي أن نؤسس أسلوب تعايشنا مع الفايروس .
في الختام على المجتمع أن يتعامل مع فايروس رغم انتشاره إلا أن شدة فتكه هو بحدود 4% من المصابين ، وأن التعافي منه بنسبة تفوق النصف وقد تصل الى الثلثين ، وبالتالي فيمكن التعايش معه بشرط المحافظة على التباعد ما دام الاقتراب غير ضروري وكذلك تعقيم اليدين ولبس الكمامة قدر الإمكان او أي شيء يمكن أن يقلل من انتقال الرذاذ المتطاير من الفم التي في العادة تحمل الفايروسات ، وقانا الله وإياكم من كل وباء .
رابط المصدر: