عبد الامير رويح
وفاة القاضية روث بادر غينسبورغ 87 عاما، أبرز قضاة المحكمة العليا الأميركية بعد أن خسرت معركتها مع سرطان البنكرياس. أثارت وكما نقلت بعض المصادر، جدلا كبيرا بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بشأن عملية اختيار خليفة جديد في أعلى هيئة قضائية في البلاد. فالديمقراطيون ينادون بتأجيل تعيين خلف لها إلى ما بعد انتخابات الرئاسة، في حين يسعى الجمهوريون الى تعيين قاض محافظ لتعزيز هيمنة المحافظين على المحكمة.
ضمن مساعيه لحشد اليمين الأمريكي إلى جواره قبيل الانتخابات، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه تسمية بديل في المحكمة العليا ذات الأهمية الكبرى في الولايات المتحدة، وبرر ترامب في تغريدة أنّ تسمية قضاة لهذه المحكمة هو “القرار الأهم” الذي ينتخب من أجله رئيس. وقال إن تسمية قاض (بديل لغينسبورغ) “واجب، علينا (المضي به) دون تأخير”. ووجّه الرئيس السابق باراك أوباما والمرشح الديموقراطي جو بايدن تحذيراً لترامب. وقال بايدن في تصريح صحافي “يجب على الناخبين اختيار الرئيس وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ”. بدوره دعا أوباما خلفه إلى الامتناع عن ذلك قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
وتملك المحكمة العليا الأمريكية كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأمريكيون مثل الإجهاض وحق الأقليات وحيازة السلاح وعقوبة الإعدام وغيرها. ولهذه المحكمة أيضا الكلمة الفصل في النزاعات الانتخابية، على غرار ما حصل في انتخابات عام 2000 التي انتهت بفوز جورج بوش الابن. وامتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق عن التعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.
وقال ترامب، الجمهوري، للصحفيين في البيت الأبيض ردا على سؤال عما إذا كان سيلتزم بانتقال سلمي للسلطة ”سنرى ما سيحدث“. وسعى الرئيس مرارا للتشكيك في شرعية الانتخابات بسبب مخاوفه بشأن التصويت عبر البريد الذي شجع عليه الديمقراطيون خلال جائحة فيروس كورونا. وأعلن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أنه سيجري عملية تصويت، بالرغم من أنه رفض عام 2016 تنظيم جلسة استماع إلى قاض اختاره باراك أوباما لهذا المنصب بحجة أنه كان عاما انتخابيا.
ومن شأن بدء سجال حول تعيين خليفة لغينسبورغ تغيير مسار الحملة الانتخابية التي تهيمن عليها حالياً الأزمة الوبائية وتداعياتها. ويواجه ترامب المتخلف عن منافسه بايدن في استطلاعات الرأي، انتقادات واسعة حول إدارته للأزمة. وعينت غينسبورغ في المحكمة العليا عام 1993 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون وتميزت بدفاعها عن حقوق المرأة في السبعينات واكتسبت شعبية واسعة للغاية.
الانتخابات والمحكمة العليا
وفي هذا الشأن عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعتقاده بأن الأمر سينتهي بانتخابات 2020 الرئاسية في المحكمة العليا مضيفا أنه يعتقد بأن هذا هو سبب أهمية وجود تسعة قضاة. وقال ترامب، متحدثا في البيت الأبيض، إن السناتور لينزي جراهام، الذي يرأس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، لن يضطر حتى إلى عقد جلسة استماع لمرشح المحكمة العليا وأن العملية ستتم بسرعة.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن من المرجح أن يبدأ مجلس الشيوخ جلسات التصديق على القاضية إيمي كوني باريت مرشحته للمحكمة العليا في 12 أكتوبر تشرين الأول وتوقع تصويت مجلس الشيوخ بكامل أعضائه على هذا الترشيح قبل انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني. وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض إن موعد أول جلسة يعود في نهاية الأمر لرئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ ليندسي جراهام. وأضاف ”ستسير الأمور بسرعة. نتطلع إلى القيام بذلك قبل الانتخابات. لذلك ستسير الأمور بسرعة كبيرة“.
وتمثل هذه الجلسات جزءا من جدول زمني تم تسريعه مع سعى مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون للتصويت على مرشحة ترامب قبل الانتخابات وتعزيز الأغلبية التي يحظى بها المحافظون في المحكمة بواقع ستة مقابل ثلاثة. وإذا صدق مجلس الشيوخ على تعيينها ستحل باريت محل القاضية الليبرالية روث.
وقال جراهام الجمهوري الحليف لترامب إنه يأمل في إجراء جلسة عادية على الرغم من الجدول الزمني المسرع واحتجاجات الديمقراطيين على ضرورة عدم تعيين ترامب من يشغل هذا المنصب الشاغر قبل أن تختار البلاد رئيسها. واختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضية إيمي كوني باريت على ما ذكرت وسائل إعلام أميركية رئيسية نقلا عن مصادر جمهورية مطلعة.
وقال ترامب خلال تجمع انتخابي في نيوبورت نيوز في ولاية فيرجينيا “سنختار شخصا رائعا!” من دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل حول خياره. وباشر ترامب سريعا إجراءات شغل المنصب الشاغر لكي يرسخ المحكمة العليا لمدة طويلة في نهج محافظ إذ أن القضاة فيها يعينون مدى الحياة. وفي حال ثبت خيار ترامب في مجلس الشيوخ ذي الغالبية الجمهورية، سيقتصر وجود الليبراليين في هذه المؤسسة على ثلاثة قضاة من أصل تسعة.
وقد يؤمن خيار كوني باريت الكاثوليكية المتدنية البالغة 48 عاما والأم لسبعة أطفال والمعارضة للإجهاض أصوات ناخبين محافظين متدينين استند إليهم ترامب كثيرا لانتخابه قبل أربع سنوات. أما المرشحة الثانية فهي باربرا لاغوا المولودة قبل 52 عاما في فلوريدا في عائلة فرت من نظام فيدل كاسترو الشيوعي في كوبا. وهي كانت لتشكل ورقة انتخابية رابحة لدونالد ترامب في هذه الولاية الواقعة في جنوب شرق البلاد والتي قد يساهم ناخبوها في حسم نتيجة الانتخابات.
وكان ترامب قال إنها “امرأة رائعة ومن أصول اميركية لاتينية” لكنه أشار إلى أنه لم يلتقها شخصيا. ورغم المعارضة الديموقراطية القوية، يعتزم مجلس الشيوخ التصويت على هذا التعيين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وكان ترامب قد عين باريت (48 عاما) في الدائرة السابعة من محكمة الاستئناف الأمريكية ومقرها شيكاجو في 2017.
وإذا تم التصديق على تعيينها في هذا المنصب الذي ستشغله مدى الحياة فستصبح خامس امرأة تعمل في المحكمة العليا وستعزز الأغلبية المحافظة بالمحكمة لتصبح ستة قضاة محافظين مقابل ثلاثة ليبراليين. وتنظر الجماعات المناصرة للتيار الليبرالي لاختيارها بعين القلق. وعبرت الجماعات المؤيدة لحق الإجهاض عن قلقها من أن تساعد باريت في حال تعيينها بالمحكمة العليا على إلغاء قرار صدر عام 1973 لتشريع الإجهاض في أنحاء البلاد.
معارضة ديموقراطية
من جانب اخر يعارض الديموقراطيون ذلك مشددين على ضرورة انتظار الانتخابات الرئاسية تجنبا لهيمنة المحافظين على هذه المؤسسة التي تبت في مسائل رئيسية تهم المجتمع. وانتقد جو بايدن المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية وآخرون في حزبه اختيار الرئيس دونالد ترامب للقاضية المحافظة إيمي كوني باريت للمحكمة العليا وركزوا بشكل خاص على التهديد الذي قالوا إنها ستشكله على الرعاية الصحية لملايين الأمريكيين.
وأشار بايدن إلى أنه حتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة ترامب إلى إسقاط برنامج أوباما كير في قضية من المقرر أن تنظرها المحكمة العليا في العاشر من نوفمبر تشرين الثاني فإن لدى باريت سجلا من انتقاد حكم محوري أصدره في 2012 رئيس المحكمة العليا جون روبرتس للحفاظ على القانون المعروف رسميًا باسم قانون الرعاية الميسرة. ودعا بايدن الذي يسعى للفوز على ترامب الجمهوري مجلس الشيوخ إلى عدم اتخاذ اجراء بشأن المنصب الشاغر بالمحكمة والذي خلا بوفاة القاضية الليبرالية روث بادر إلا بعد انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني وترك هذا الأمر للفائز في الانتخابات.
وقال بايدن ”دستور الولايات المتحدة يستهدف منح الناخبين فرصة لسماع أصواتهم بشأن من يخدم في المحكمة. لقد حان الوقت الآن ويجب سماع صوتهم“. ورفض الجمهوريون في مجلس الشيوخ النظر في مرشح الرئيس باراك أوباما للمحكمة العليا عام 2016 قائلين إن الفائز في انتخابات ذلك العام هو الذي يجب أن يختار. وقال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر “لماذا على الشعب الأميركي أن يثق بأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في أن يفعلوا كل ما يقولونه في وقت يثبتون الآن أن خطاباتهم لا تعني شيئًا عندما تتبدل الظروف”.
ودعا الرئيس السابق باراك أوباما بنفسه أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين إلى احترام ما وصفه بمبدأ عام 2016. وكتب أوباما في بيان على الإنترنت ”المبدأ الأساسي للقانون، وللعدالة بوجه عام، هو أننا نطبّق القواعد باتساق، وليس استنادا إلى ما هو ملائم أو مفيد للوقت الراهن“. وأضاف ”حكم القانون وشرعية محاكمنا ومبادئ الديمقراطية الأساسية كلها تعتمد على هذا المبدأ الأساسي“.
ويقول الجمهوريون إنه من خلال سيطرتهم على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في الوقت الحالي، فإن لديهم الحق في ملء مقاعد المحكمة في أي وقت يريدون. وما يزيد من التوتر الخشية من بقاء مقعد غينسبورغ شاغرا، ما يعني انخفاض عدد القضاة في المحكمة إلى ثمانية واحتمال انقسام الأصوات بالتساوي بين اربعة مقابل أربعة عند البت في خلافات تتعلق بالانتخابات. ورغم أن الديموقراطيين ليس لديهم وسيلة لوقف الإجراءات، إلا أنهم سيسعون للإضرار سياسيا بالجمهوريين حول ما وصفه بايدن ب”استغلال النفوذ”.
وتفيد حفيدة القاضية الراحلة أنها أعربت قبل وفاتها عن أمنيتها “بألا تستبدل طالما لم يؤد رئيس جديد اليمين” الدستورية في كانون الثاني/يناير 2021. وقد شكك دونالد ترامب بهذا الأمر قائلا “لا أعرف أن (روث بادر غينسبرغ)) قالت ذلك فعلا” مضيفا بسخرية أن الأمر أقرب إلى بيان صاغته الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوزي. وقال ترامب “ينبغي الإسراع. من الأهمية بمكان أن يكون لدينا تسعة قضاة” في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر إذ أن الرئيس يتوقع طعنا بنتائج الانتخابات المقبلة. ففي حال تم الطعن بالنتائج قد تضطر المحكمة العليا للبت كما سبق لها أن فعلت في العام 2000عندما ثبتت فوز الجمهوري جورج دبليو بوش. بحسب رويترز.
وكانت عدة وسائل إعلام أمريكية قد ذكرت أن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليزا موركوفسكي صرحت يوم الأحد بأنها تعارض الاقتراع على أي مرشح للمحكمة العليا قبل انتخابات نوفمبر تشرين الثاني وبذلك تصبح ثاني عضو جمهوري في المجلس يعارض علنا نظر تعيين الرئيس دونالد ترامب لمن يشغل الموقع. وقالت موركوفسكي في بيان نشرته المنصة الإخبارية أكسيوس ووسائل إعلام أخرى ”لم أؤيد قبل انتخابات عام 2016 بثمانية أشهر ترشيحا لشغل الموقع الذي خلال بوفاة القاضي سكاليا“.
وأضافت ”بل أننا الآن أقرب إلى انتخابات 2020 – أمامها أقل من شهرين – واعتقد أن من الضروري تطبيق نفس المعيار“. وكانت سوزان كولينز العضو الجمهوري أيضا في المجلس قد قالت إنها لا تؤيد التحرك لشغل موقع الراحلة روث بادر جينسبورج قبل انتخابات الرئاسة في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني.
رابط المصدر: