أرمينيا وأذربيجان: صراع جيوسياسي برائحة حرب مفتوحة النهاية

عبد الامير رويح

 

اتساع دائرة المعارك بين القوات الأرمينية والأذربيجانية والتي اندلعت مجددا جراء الخلاف على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز، اثارت قلق ومخاوف العديد من الدول خصوصاً وان القتال الذي اندلع بين الجانبين وكما نقلت بعض المصادر، وقد تجاوز في حجمه وسعة نطاقه، التصعيدات الدورية التي كانت تحدث في السنوات الأخيرة؛ إذ شمل استخدام المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة، وتعد هذه الاشتباكات الأسوأ منذ تسعينيات القرن الماضي، مما يزيد من خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع قد تجتذب روسيا وتركيا وسط قلق متزايد بشأن الاستقرار في جنوب القوقاز، حيث تنقل خطوط الأنابيب النفط والغاز من أذربيجان إلى الأسواق العالمية.

وبدأت حرب أرمينيا وأذربيجان بعد الثورة الروسية. كانت هذه الحرب على شاكلة سلسلة “وحشية” من الهجمات يصعب فيها تصنيف الصراعات. حصلت الحرب بين الجمهوريتين عام 1918 ثم توقفت لمدة وعادت ما بين 1920 حتى عام 1922، وفي الحقيقة لم يكن لمعظم الصراعات بين الدولتين نمط معين، وبالرغم من ذلك فقد تدخلت بعض القوى الأخرى على الخط مثل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية التي ساهمتا في الحرب بشكل غير مباشر.

وقبل 3 سنوات من تفكك الاتحاد السوفييتي شعر الأذربيجانيون والأرمن بأن استقلالهما بات أكثر من أي وقت آخر فأعادوا صراعهما القديم إلى الساحة مجدداً لإثبات كل منهما أحقيته بإقليم ناغورني قره باغ. بلغ الصراع ذروته في العام 1991 عندما أعلنت الدولتان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي. فما كان من حكومة الإقليم وبعض المجموعات العرقية الأرمنية هناك إلا أنّ اعلنت نيتها الانفصال عن أذربيجان الذين أرسلوا قواتهم لمنعهم من ذلك. إلا أنّ حكومة يريفان أرسلت أيضاً قواتها فاندلعت حرب استمرت لغاية 1993 وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص.

في 10 ديسمبر/كانون الأول 1991 أعلن الإقليم انفصاله بشكل كامل وتأسيس جمهورية مرتفعات قره باغ، وتم تغيير اسمها إلى جمهورية آرتساخ، لكنه لم يلق أي اعتراف دولي حتى من أرمينيا وبات مجرد جمهورية حبيسة. في العام 1993 كانت القوات الأرمينية قد سيطرت على الإقليم بشكل كامل إضافة إلى 7 مناطق حدودية آذرية تقدر بنحو 20% من الأراضي الأذربيجانية. كما تسببت الحرب بتغيير ديموغرافي كبير هناك إذ قدرت أعداد المهجرين في الاتجاهين بنحو مليون شخص غالبيتهم من الآذريين وبفضلهم أصبح الإقليم ذا أغلبية ساحقة من الأرمن.

في العام 1993 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 822 الذي طالب فيه القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم التي احتلتها من أذربيجان ولكنها لم تمتثل للقرار. وفي العام 1994 انتهى القتال بين البلدين بتوقيع إتفاقية وقف إطلاق النار، ولكنهما استمرا في حالة الحرب كونهما لم يوقعا على أي معاهدة سلام فيما بينهما. وهو الأمر الذي ترك الإقليم بؤرة نزاع بين الجانبين تتجدد من حين لآخر تخلق قتلى وجرحى بين الطرفين سيما في العام 2016 عندما أدت لمقتل ما يزيد عن 100 شخص. ويعد الإقليم فقيراً بموارده كونه يعتمد فقط على الزراعة وتربية المواشي إضافة لتصنيع بعض المنتجات الغذائية.

قتال مستمر

استمر القتال بين أذربيجان وقوات أرمينية في أكبر تفجر لصراعهما الذي بدأ قبل عقود منذ وقف إطلاق النار في عام 1994. واتسع القتال إلى ما يبعد كثيرا عن حدود الجيب، مما يهدد باندلاع حرب شاملة بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين أذربيجان وأرمينيا. وقالت أذربيجان وجيب ناجورنو قرة باغ الذي يديره الأرمن إن الطرفين نفذا هجمات بعدة اتجاهات على امتداد خط التماس الذي يفصل بينهما.

وقال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، الذي أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه لا يفكر حاليا في طلب المساعدة بموجب معاهدة أمنية لكنه لم يستبعد ذلك. ونقلت وكالات أنباء روسية عن باشينيان قوله ”ستحمي أرمينيا أمنها بمشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي أو بدونها“. وذكر أنه وبوتين لم يناقشا إمكانية التدخل العسكري الروسي في صراع ناجورنو قرة باغ. وتستخدم روسيا منظمة معاهدة الأمن الجماعي وأيضا الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو تكتل إقليمي آخر يركز على التجارة، في ممارسة نفوذ على معظم أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق.

وقد يَجُّر أي تحرك نحو حرب شاملة كلا من روسيا وتركيا إلى الصراع. وتركيا حليف وثيق لأذربيجان. وقال مكتب المدعي العام في أذربيجان إن سبعة مدنيين آخرين أصيبوا نتيجة قصف على مدينة ترتر الواقعة على حدود ناجورنو قرة باغ. وقالت وزارة الدفاع في أذربيجان إن القوات الأرمينية حاولت استعادة أراض خسرتها بشن هجمات مضادة في اتجاه ماداجيز لكن قوات البلاد تصدت للهجوم.

من جانبها قالت وزارة الدفاع في أرمينيا إن جيش أذربيجان قصف خط المواجهة بأكمله وإنها أسقطت طائرتين مسيرتين لأذربيجان. ولم يتسن التحقق من الأمر بشكل مستقل. ووردت أنباء عن مقتل العشرات وإصابة المئات منذ تفجر الموجة الجديدة من القتال. وتبادلت أرمينيا واذربيجان الاتهامات بقصف اراضي كل منهما بشكل مباشر ورفضتا ضغوطا لعقد محادثات سلام بينما.

وتمثل الاشتباكات مزيدا من تصعيد الصراع رغم نداءات عاجلة من روسيا والولايات المتحدة وغيرهما لوقف القتال. وأثارت الاشتباكات مجددا القلق حيال استقرار منطقة جنوب القوقاز. واستبعد إلهام علييف رئيس أذربيجان تماما في تصريحات للتلفزيون الرسمي الروسي أي إمكانية لإجراء محادثات. وقال نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا لنفس القناة التلفزيونية إن من غير الممكن إجراء محادثات مع استمرار القتال.

وحذرت أذربيجان من المخاطر الأمنية التي قد تتعرض لها إمدادات النفط والغاز للأسواق الأوروبية بسبب اندلاع اشتباكات على حدودها مع أرمينيا. وقال إلشاد ناصروف نائب رئيس شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية سوكار إن بعض البنية التحتية للطاقة المرتبطة بشحن النفط والغاز من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية تقع بالقرب من العمليات العسكرية الحالية. ودعا ناصروف الغرب إلى المساعدة في حماية صادراتها من الطاقة. وقال ”أود أن أغتنم هذه الفرصة لدعوة زملائنا في واشنطن وأماكن أخرى للتفكير في مدى هشاشة… هذه المنطقة، والتفكير في كيفية توفير… الأمن العسكري والحمائي للممر الذي يوفر أمن الطاقة لأوروبا“.

من جانب اخر قال وزير الدفاع الروسي لنظيره الأذربيجاني إن روسيا تجري مناورات عسكرية لاختبار استعدادها القتالي وسط اشتباكات بين حليفتها أذربيجان وقوات أرمينيا. ووصفت وزارة الدفاع الروسية المناورات بأنها مراجعة روتينية لقدرة الجيش على ضمان الأمن في منطقة جنوب غرب روسيا. وحثت روسيا التي لها قاعدة عسكرية في أرمينيا الجانبين على وقف إطلاق النار وضبط النفس. وقال الكرملين إن موسكو مستعدة للوساطة. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن المناورات ستشمل مشاركة نحو 150 ألف جندي و400 طائرة.

دعم تركي

على صعيد متصل ندد برلمان أرمينيا بما وصفه بأنه ”هجوم عسكري شامل“ من أذربيجان على ناجورنو قرة باغ. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية إن خبراء عسكريين أتراكا يقاتلون إلى جانب أذربيجان وإن تركيا قدمت طائرات مسيرة وطائرات حربية. ونفت أذربيجان هذه المزاعم ولم تعلق تركيا. لكن مسؤولين كبارا، بمن فيهم أردوغان، الذي يستعرض بشكل متزايد عضلات تركيا العسكرية في الخارج، تعهدوا بدعم باكو.

ومما يزيد التوترات قول أرمينيا إن طائرة تركية من طراز إف-16 أسقطت إحدى طائراتها الحربية في المجال الجوي الأرميني مما أسفر عن مقتل قائدها. ولم تقدم أرمينيا دليلا على إسقاط طائرتها ونفت تركيا تماما ما ذكرته يريفان كما نفته أذربيجان. وقال باشينيان للتلفزيون الرسمي الروسي ”يحب أن يدين المجتمع الدولي بشكل قاطع عدوان أذربيجان وتصرفات تركيا وأن يطالب تركيا بالخروج من هذه المنطقة“. وأضاف ”الوجود العسكري التركي في هذه المنطقة… سيؤدي إلى مزيد من التصعيد وامتداد نطاق الصراع“.

واتهم زعيم أذربيجان علييف أرمينيا باختلاق حادثة الطائرة التركية. قال ”تركيا ليست طرفا في الصراع، ولا تشارك فيه بأي حال وليس هناك حاجة لذلك“. وقال علييف إن أذربيجان استدعت عشرات آلاف المقاتلين من قوات الاحتياط بموجب تعبئة جزئية تم إعلانها. وأضاف ”قادرون على معاقبة المعتدي بأنفسنا إلى حد ألا يجرؤ على أن ينظر في اتجاهنا“.

من جانب اخر تبادلت فرنسا وتركيا، الشريكتان في حلف شمال الأطلسي، الاتهامات مع تصاعد التوترات الدولية بشأن القتال بين أذربيجان والقوات العرقية الأرمينية. وردا على سؤال عما إذا كانت تركيا ستعرض الدعم العسكري إذا طلبت أذربيجان ذلك، قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن تركيا ستقوم ”بما هو ضروري“. وقال جاويش أوغلو إن التضامن الفرنسي مع أرمينيا يصل إلى حد دعم احتلال أرمينيا لأذربيجان.

ورد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تصريحات جاويش وقال ”لا تزال فرنسا تشعر بقلق بالغ من الرسائل ”المولعة بالحرب“ التي بعثت بها تركيا، و“التي تزيل أي عقبات أمام أذربيجان لغزو ناجورنو قرة باغ مجددا. ونحن لن نقبل هذا“. وكانت باريس قد قالت إنها تريد من مجموعة مينسك، التي تقودها مع روسيا والولايات المتحدة وتلعب دور الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان، بحث سبل وقف القتال. بحسب رويترز.

كما ذكرت الخارجية الروسية أن محاربين سوريين وليبيين من جماعات مسلحة غير قانونية يجري إرسالهم إلى ناجورنو قرة باغ، داعية الدول المنخرطة في القتال إلى منع استخدام ”الإرهابيين والمرتزقة الأجانب“ في الصراع. وقال مصدران من المعارضة السورية إن تركيا ترسل مقاتلين سوريين من المعارضة لدعم أذربيجان، ونفت تركيا تقارير عن إرسالها مقاتلين سوريين، قائلة إن هذه التأكيدات ليست سوى جزء من محاولات أرمينيا بث ”دعاية خبيثة“ مناهضة لتركيا. ونقلت وكالة إنترفاكس عن سفير أرمينيا لدى روسيا قوله إن تركيا نقلت نحو أربعة آلاف مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان.

وفي السنوات الماضية، سعت تركيا لممارسة النفوذ في الخارج بتوغلات في سوريا والعراق المجاورتين والدعم العسكري للحكومة المعترف بها دوليا في ليبيا. وقالت تركيا مرارا إنها مستعدة أيضا لتقديم الدعم لأذربيجان التي تربطها بها علاقات تاريخية وثقافية قوية وتدير معها مشاريع مشتركة في مجال الطاقة.

واستخدمت تركيا بالفعل مقاتلين سوريين للمساعدة في صد هجوم على العاصمة الليبية طرابلس هذا العام من قبل قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر، بدعم من روسيا وآخرين. ومن شأن استخدام مقاتلي المعارضة في سوريا أن يخلق مسرحا ثالثا للتنافس بين أنقرة وموسكو التي لها قاعدة عسكرية في أرمينيا وتعتبرها شريكا استراتيجيا في جنوب القوقاز وتمدها بالأسلحة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق إنه ينبغي على أرمينيا الانسحاب فورا من أراضي أذربيجان التي قال إنها تحتلها، وإن الوقت قد حان لإنهاء الأزمة في إقليم ناجورنو قرة باغ. وقال أردوغان”حان الوقت لإنهاء الأزمة في المنطقة والتي بدأت باحتلال ناجورنو قرة باغ. سيعم السلام المنطقة مرة أخرى بمجرد انسحاب أرمينيا من الأراضي التي تحتلها في أذربيجان“.

وقال إن مجموعة مينسك، التي تقودها روسيا وفرنسا والولايات المتحدة للوساطة بين الدولتين، أخفقت في حل القضية على مدى ما يقرب من 30 عاما. وتابع أردوغان قائلا إن أذربيجان ”باتت مضطرة إلى حل مشاكلها بنفسها شاءت أم أبت… تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب … أذربيجان بكل الإمكانيات“.

أسواق الطاقة

من جانب اخر قال محللون إن الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان لم تؤثر بعد في إمدادات الطاقة من المنطقة، لكنها قد تعرقل صادرات النفط والغاز إذا تفاقم الصراع. وأذربيجان الغنية بالنفط والغاز منكشفة على وجه الخصوص على أي تعطيل محتمل لصادرات الطاقة، بالرغم من أن الإمدادات إلى خارج البلاد ليست قريبة من ناجورنو قرة باغ. وتوجد في أرمينيا محطة ميتسامور للطاقة النووية وهي في وضع محفوف بالخطر بالفعل لأنها معرضة لخطر الزلازل.

وحذرت يريفان في وقت سابق من مخاطر أمنية في المنطقة. وقالت باكو أيضا إن إمدادات الطاقة مهددة بسبب الصراع. وطريق أذربيجان الرئيسي لصادرات النفط هو خط أنابيب باكو-تفليس-جيهان، الذي ينقل نحو 80 بالمئة من صادراتها من النفط ويمر في جورجيا ومنها إلى الساحل التركي على البحر المتوسط. وتبلغ طاقته الاستيعابية 1.2 مليون برميل يوميا، أو أكثر من واحد بالمئة من إمدادات النفط العالمية. وتصدر حاليا أكثر من نصف مليون برميل يوميا من النفط.

وتصدر أذربيجان أيضا النفط عبر روسيا من خلال خط أنابيب باكو-نوفوروسيسك وعبر جورجيا بالقطارات وأيضا في خط أنابيب باكو-سوبسا. وقالت أويل إكس للاستشارات في تعليق ”أثار صراع ناجورنو قرة باغ قلق المجتمع الدولي فيما يرجع جزئيا إلى أنه يهدد الاستقرار في منطقة تشكل ممرا لخطوط أنابيب رئيسية تنقل النفط والغاز إلى أسواق العالم“. ولدى أذربيجان خطط لزيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا. بحسب رويترز.

وتقود بي.بي اتحاد شركات دولي يطور حقل شاه دنيز في أذربيجان والذي من المتوقع أن يرسل أولى شحناته إلى أوروبا في وقت لاحق من العام الجاري. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لحقل شاه دنيز 1، الذي يضخ الغاز منذ عام 2006، ثمانية مليارات متر مكعب، بينما من المتوقع أن يصل إنتاج حقل شاه دنيز 2 إلى 16 مليار متر مكعب سنويا، منها عشرة مليارات متر مكعب مخصصة لأوروبا وستة مليارات لتركيا. وقالت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيفات الائتمانية إنها تعتبر أن الصراع في حالة ”اشتعال بطئ“ دون تهديدات لإمدادات الطاقة في الوقت الراهن. وأضافت قائلة ”سنتابع التداعيات على الأوضاع المالية للدول وتدفقات الطاقة وسيولة الشركات في حالة تفاقم الصراع أكثر“.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/violenceandterror/24743

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M