عبد الامير رويح
أسعار النفط في الاسواق العالمية تتعرض اليوم لضغوط جديدة، بسبب عودة تسارع تفشي فيروس كورونا عالميا، حيث أدت موجة جديدة من إصابات كورونا في العديد من الدول، إلى إعادة فرض بعض الاجراءات والقيود. ويتوقع منتجون ومتعاملون كبار في قطاع النفط وكما نقلت بعض المصادر، مستقبلا غير مبشر للطلب العالمي على الوقود بفعل الضرر الراهن الذي يتعرض له الاقتصاد العالمي بفعل جائحة كورونا. وتضرر الطلب على الوقود بشدة في الربيع بفعل فيروس كورونا المستجد إذ تراجع الاستهلاك بأكثر من الثلث بعد فرض قيود على حركة المليارات في أنحاء العالم.
ثم تعافى الاستهلاك في الصيف لكن بعض البلدان التي سيطرت على معدلات الإصابة شهدت زيادة في الحالات الجديدة مما أدى لموجة جديدة من إجراءات العزل العام وهو ما قد يقوض التعافي. وحذرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير من أن “التوقعات تبدو أكثر هشاشة…المسار المستقبلي مخادع في ظل زيادة حالات الإصابة بكوفيد-19 في الكثير من أنحاء العالم”. وعدلت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا توقعاتها بالخفض للطلب العالمي على الوقود في 2020 بمقدار 200 ألف برميل يوميا وأشارت إلى أن السحب من مخزونات النفط الوفيرة في يونيو حزيران بعد ثلاثة أشهر من تراكمها تعثر في يوليو تموز.
وخفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) توقعاتها للطلب على النفط في 2020 بمقدار 400 ألف برميل يوميا عن التقرير السابق وقالت إن الطلب سيتراجع إلى 9.46 مليون برميل يوميا هذا العام. وقال جيوفاني سيريو رئيس وحدة الأبحاث العالمية في فيتول خلال مؤتمر للنفط إن تأثر الطلب سلبا بفعل استمرار زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا أو موجة ثانية يمثل “على الأرجح الصدمة الأشد لأسواق النفط التي يتعين وضعها في الاعتبار في 12-24 شهرا المقبلة”.
وتوقعت شركة النفط البريطانية العملاقة بي.بي في تقريرها لعام 2020 في تصورها للوضع الأساسي ألا يصل استهلاك النفط إلى ذروته كما حدث في العام الماضي بفعل الأزمة الصحية واحتمال أن يخفض تفشي فيروس كورونا الطلب على النفط بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول 2025 وبمقدار مليوني برميل يوميا بحلول 2050. وتخفض شركات التكرير في أنحاء العالم أنشطتها بسبب تراجع الطلب بشكل عام ووفرة الخام.
اسعار النفط
قالت فيتول وترافيجورا وجانفور، وهي من كبرى شركات تجارة النفط العالمية، إنها تتوقع أن يكون تعافي الطلب على النفط بطيئا بسبب الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد. وتوقعت الشركات ألّا تزيد أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل أو ما يزيد عن ذلك قبل أكتوبر تشرين الأول من العام المقبل. وقد وقت فُرضت قيود جديدة لكبح موجة ثانية من تفشي المرض مما يزيد من الضبابية حيال الآفاق النمو الاقتصادي والتعافي في الطلب على الوقود. وأدلى الرؤساء التنفيذيون للشركات الثلاث بتلك التصريحات خلال منتدى إنرجي إنتليجنس. وقالوا إن الطلب في أوروبا والولايات المتحدة تخطى على الأرجح الذروة لكنهم شهدوا طلبا قويا على النفط وبقية السلع الأولية من الصين التي بدا أن اقتصادها خرج بقوة من تبعات أزمة الجائحة.
من جانب اخر كشف استطلاع خاص أن أسعار النفط ستظل قرب مستوياتها الحالية هذا العام إذ تهدد زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد بإبطاء وتيرة تعافي الطلب وتتصدى لتخفيضات الإنتاج التي ينفذها كبار المنتجين. وتوقع مسح شمل 40 من المحللين والخبراء أن يسجل متوسط سعر خام برنت 42.48 دولار للبرميل في 2020 مقارنة مع متوسط 42.54 دولار للبرميل هذا العام وتوقعات في الشهر الماضي بمتوسط سعر 42.75 دولار للبرميل. ومن المتوقع أن يسجل متوسط سعر خام برنت 50.41 دولار للبرميل في 2021.
وسجلت توقعات سعر الخام الأمريكي لهذا العام 38.70 دولار للبرميل مقارنة مع 38.82 دولار للبرميل متوقعة في أغسطس آب. وبلغ متوسط السعر 38.20 دولار للبرميل في العام الجاري. وقال هانز فان كليف كبير خبراء الطاقة في إيه.بي.إن أمرو ”طالما ليس هناك أي لقاح فعال بعد، يظل الخطر الرئيسي على أسعار النفط هو الطلب الأقل من المتوقع“. بحسب رويترز.
ومن المتوقع تراجع الطلب العالمي على النفط بين 8-9.8 مليون برميل يوميا هذا العام وهو ما يقل عن على نحو طفيف عن توقعات بانكماش الطلب بين ثمانية وعشرة ملايين برميل يوميا في متوسط توقعات سابقة. وقال جيوفاني ستونوفو المحلل في يو.بي.إس ”في رأينا ينبغي أن يستمر تعافي الطلب وإن كان بوتيرة أبطأ حيث تجاوزنا مكاسب الطلب الأسهل“. وأضاف أن التعافي ”سيظل متقلبا“.
فائض نفطي
الى جانب ذلك أفادت وثيقة سرية بأن أوبك وحلفاءها يخشون من أن تدفع موجة ثانية طويلة من جائحة كوفيد-19 وقفزة في الإنتاج الليبي سوق النفط إلى فائض في المعروض العام المقبل، وذلك في توقعات أكثر قتامة. وخلال اجتماع بحثت لجنة تضم مسؤولين من منتجي أوبك+ تعرف باللجنة الفنية المشتركة هذا التصور الأسوأ. في سبتمبر أيلول، لم تكن اللجنة تتوقع فائضا في ظل أي تصور بحثته.
وأي فائض في المعروض قد يهدد خطط أوبك وروسيا وحلفائهما، في إطار ما يعرف بأوبك+، تقليص حجم تخفيضات الإنتاج التي نفذوها هذا العام بإضافة مليوني برميل من النفط يوميا إلى السوق في 2021. ولم تشر منظمة البلدان المصدرة للبترول حتى الآن إلى أي خطة لإلغاء الزيادة في الإمدادات. وقالت الوثيقة التي استُخدمت في اجتماع اللجنة الشهري في أكتوبر تشرين الأول “المؤشرات السابقة على التعافي الاقتصادي في بعض مناطق العالم تطغى عليها الأوضاع الهشة لوتيرة التعافي وتنامي الشكوك بشأنها”.
وقالت “على وجه الخصوص، قد تتعقد المخاطر التي تحيط بالتعافي الاقتصادي وتعافي الطلب على النفط بسبب عودة حالات الإصابة بكوفيد-19 للتزايد حول العالم واحتمالات فرض إجراءات عزل جزئية في شهور الشتاء المقبلة”. وشملت الوثيقة تصورات لا يزال التصور الأساسي فيها يتوقع عجزا في 2021 قدره 1.9 مليون برميل يوميا في المتوسط، وإن كان أقل من عجز 2.7 مليون برميل يوميا كان متوقعا في التصور الأساسي. لكن الوثيقة قالت إن التصور الأسوأ يفترض أن تتحول السوق إلى فائض قدره 200 ألف برميل يوميا في 2021.
واتفقت أوبك+ هذا العام على تنفيذ تخفيضات إنتاج لدعم الأسعار المتراجعة في ظل انهيار الطلب على النفط. وخفضت 9.7 مليون برميل يوميا اعتبارا من مايو أيار قبل أن تقلص حجم التخفيضات إلى 7.7 مليون برميل يوميا من أغسطس آب. ومن المقرر تخفيف القيود لتصل إلى 5.7 مليون برميل يوميا من يناير كانون الثاني. لكن بعد اجتماع اللجنة في سبتمبر أيلول، ارتفع الإنتاج الليبي وأدت زيادة في وتيرة الإصابات بفيروس كورونا إلى تجدد القيود على الحركة في بعد البلدان، مما أضعف الطلب على الخام. وليبيا العضو بأوبك معفاة من أي تخفيضات في الإنتاج.
وقال مصدر مطلع على تفاصيل الاجتماع إنه وفقا لأسوأ التصورات في الوثيقة، سيرتفع إنتاج ليبيا في 2021 إلى 1.1 مليون برميل يوميا. أما في التصور الأساسي، سيكون إنتاج ليبيا 600 ألف برميل يوميا في 2021. ويفترض التصور الأسوأ أن تظل مخزونات النفط التجارية بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو مقياس تستخدمه أوبك+ لاستقاء مؤشرات للسوق، مرتفعة في 2021 مقارنة مع متوسط خمس سنوات بدلا من البدء في الانخفاض إلى ما دون ذلك المستوى. بحسب رويترز.
كما يفترض التصور موجة ثانية من كوفيد-19 أكثر قوة واستمرارا في الربع الرابع من 2020 والربع الأول من 2021 في أوروبا والولايات المتحدة والهند، مما يؤدي إلى تباطؤ التعافي الاقتصادي وتراجع الطلب على النفط. أما في التصور الأساسي بالوثيقة، من المتوقع أن تكون مخزونات النفط لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر قليلا من متوسط خمس سنوات في الربع الأول من 2021 قبل أن تهبط لما دون ذلك المستوى في شهور العام المتبقية.
وفي وقت سابق قال محمد باركيندو أمين عام أوبك إن تحالف أوبك+ سيضمن ألا تهوي أسعار النفط بقوة مجددا حين يجتمع لوضع السياسة في نهاية نوفمبر تشرين الثاني مضيفا أن الطلب على النفط يتعافى بوتيرة أبطأ من المتوقع. وقال باركيندو “أريد أن أطمأنكم بأن الشراكة بين أوبك والدول خارجها ستستمر في فعل ما تجيده من خلال ضمان أننا لن ننتكس لهذا التراجع شبه التاريخي الذي شهدناه”.
وقال “علينا أن نكون واقعيين بشأن أن ذلك التعافي لا يزيد بالوتيرة التي توقعناها في وقت سابق من العام… الطلب في حد ذاته لا يزال ضعيفا”. وذكر باركيندو أن المجموعة عندما تعقد اجتماعا وزاريا يومي الثلاثين من نوفمبر تشرين الثاني والأول من ديسمبر كانون الأول ستقيم أوضاع السنة بأكملها قبل اتخاذ أي قرارات بشأن البقاء على ذات المسار أو تعديل السياسات.
توقعات مستقبلية
على صعيد متصل قالت وكالة الطاقة الدولية إن التعافي الاقتصادي البطيء من الجائحة يهدد بتأجيل الانتعاش الكامل للطلب العالمي على الطاقة إلى 2025. وجاء في تقرير آفاق الطاقة العالمية السنوي للوكالة أن التوقعات الأساسية تستند إلى أن التوصل للقاح وعلاج للمرض قد يعني تعافي الاقتصاد العالمي في 2021 والطلب على الطاقة في 2023. وأضافت الوكالة التي تقدم المشورة للحكومات الغربية بشأن سياسة الطاقة أن الإطار الزمني سيتأخر لعامين في حالة “سيناريو مؤجل للتعافي”. وفي هذه الحالة، تتوقع الوكالة “تراجعا أعمق على المدى القصير يقوض النمو المحتمل للاقتصاد ومعدل بطالة مرتفع يستنفد رأس المال البشري، وحالات إفلاس وتغيرات اقتصادية هيكلية تقود لتوقف الإنتاج من بعض الأصول الحاضرة”.
وتوقعت الوكالة ومقرها باريس تراجع الطلب العالمي على الطاقة خمسة بالمئة في 2020 وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة سبعة بالمئة والاستثمارات 18 بالمئة. ويتجه الطلب على النفط للانخفاض ثمانية بالمئة والفحم سبعة بالمئة بينما ستشهد الطاقة المتجددة ارتفاعا طفيفا. وبصفة عامة، قالت الوكالة إن من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت الجائحة عاملا محفزا أو معطلا للحكومات وقطاع الطاقة في سعيهما لجعل الصناعة أكثر استدامة.
وقال فاتح بيرول رئيس الوكالة إن صانعي السياسات تخلفوا عن الركب قائلا “نحن بعيدون عن بلوغ الأهداف المناخية في ظل السياسات القائمة في أنحاء العالم”. وأضاف في مقابلة “عصر نمو الطلب العالمي على النفط سينتهي في غضون السنوات العشر المقبلة ولكن في غياب تحول كبير في سياسات الحكومات لا أرى مؤشرا واضحا لذروة. التعافي الاقتصادي العالمي سيعود بالطلب على الخام لمستويات ما قبل الأزمة سريعا”. بحسب رويترز.
وحذرت الوكالة من أن الضبابية حيال مستقبل الطلب وانخفاض أسعار النفط في 2020 قد يعنيان عدم ثقة المنتجين حيال كيفية تقييم قرارات الاستثمار ما يقود لخلل بين العرض والطلب ويثير تقلبات في السوق مستقبلا. وفي التوقعات الأساسية تتنبأ الوكالة “بزيادة الاستثمارات في أنشطة المنبع من مستواها المنخفض في عام 2020 مدعومة بارتفاع سعر النفط إلى 75 دولارا للبرميل بحلول 2030. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستأتي في الوقت المناسب، إذا كانت ستأتي من الأساس، أو مصدرها”.
من جانب اخر قد يكون الطلب على النفط قد بلغ ذروته العام الماضي، وفقاً لشركة بريتيش بتروليوم (BP)، ولكن، قد يعني ذلك أيضاً أن سوق النفط الخام العالمي قد لا تتعافى مجدداً لتعود إلى ذات المستويات التي شهدناها قبل جائحة كورونا، بحسب تقديرات شركة النفط البريطانية. وفي تقرير جديد وضعت الشركة 3 سيناريوهات للطلب على الطاقة، جميعها تتوقع انخفاضاً في الطلب على النفط خلال الأعوام الـ30 المقبلة. وتقول شركة BP إن حجم ووتيرة الانخفاض سيتأثران بارتفاع كفاءة وكهربة النقل البري.
وفي سيناريو “العمل كالمعتاد”، حيث تتطور السياسات الحكومية والتفضيلات الاجتماعية بذات وتيرة الماضي القريب، سيرتفع الطلب على النفط قليلاً بعد جائحة فيروس كورونا، ليستقر بعد ذلك في العام 2025 ويبدأ في الانخفاض بعد عام 2030. وفي سيناريوهين آخرين، حيث تتخذ الحكومات خطوات أكثر عدوانية للحد من انبعاثات الكربون وتحدث تحولات كبيرة في السلوك المجتمعي، فإن الطلب على النفط لن يتعافى على الإطلاق من التدهور الذي تسبب به الوباء، ما سيعني أن الطلب على النفط سيكون قد بلغ ذروته في العام 2019.
ويعد التقرير الجديد تغيراً كبيراً عن العام الماضي، عندما توقعت الشركة استمرار نمو الطلب على النفط حتى ثلاثينيات القرن الحالي. ويعكس هذا التحول التأثير العميق الذي أحدثه الوباء على أسواق الطاقة العالمية، والذي تسبب في توقف السفر والتصنيع. ويعتقد محللون أن الأزمة ستسرع عملية التحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى أشكال الطاقة المتجددة، خاصة وأن الحكومات والمستثمرين يضغطون على الشركات لمعالجة أزمة المناخ وسط أدلة متزايدة على آثارها المدمرة.
كما أن الموجة الثانية من فيروس كورونا، التي تسببت في تشديد بعض الحكومات للقيود مرة أخرى، زادت أيضاً من احتمالية أن تصبح التغييرات السلوكية دائمة. على سبيل المثال، تعتقد شركة BP أن العمل من خارج مقرات العمل قد يستمر، ما قد يضعف الطلب على السفر. كما أن موجة ثانية من الفيروس ستؤثر على النشاط الاقتصادي العالمي، حيث قالت منظمة أوبك إن الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن ينمو بوتيرة أبطأ العام المقبل، كما تتوقع المنظمة أيضاً حدوث انكماش حاد في الطلب هذا العام مقارنة بالتوقعات السابقة.
رابط المصدر: